فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين. وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم. إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام. إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان. ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب} [الأنفال: 10]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 9 - 12] .

( باب قول الله) ولأبي ذر قوله ( تعالى: {إذ تستغيثون ربكم}) أي اذكروا إذ تستغيثون ربكم أو بدل من إذ يعدكم أي تسألون ربكم وتدعونه يوم بدر بالنصر على عدوّكم ( {فاستجاب لكم أني}) أي بأني ( {ممدكم بألف من الملائكة مردفين}) متتابعين بعضهم في أثر بعض ( {وما جعله الله}) أي الإمداد بالألف ( {إلا بشرى}) إلا بشارة لكم بالنصر ( {ولتطمئن به قلوبكم}) أي لتسكن إليه قلوبكم فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم ( {وما النصر إلا من عند الله}) فليس بكثرة العدد والعدد ( {إن الله عزيز}) يعز من يشاء بنصره ( {حكيم}) فيما شرعه من قتال الكفار مع القدرة على هلاكهم ودمارهم بحوله وقوّته ( {إذ يغشاكم}) أي اذكروا إذ أو بدل ثان لإظهار
نعمة ثالثة من إذ يعدكم أي يغطيكم ( {النعاس أمنة}) نصب مفعولاً له ( {منه}) يعني أمنًا من عند الله عز وجل قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: والنعاس في القتال أمنة من الله تعالى وفي الصلاة من الشيطان لعنه الله تعالى، وقال قتادة: النعاس في الرأس والنوم في القلب، وقال ابن كثير: أما النعاس نقد أصابهم يوم أُحد وأما يوم بدر فتدل له هذه الآية أيضًا ( {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به}) من الحدث والجنابة وهو طهارة الظاهر ( {ويذهب عنكم رجز الشيطان}) وسوسته وكيده وهو تطهير الباطن ( {وليربط على قلوبكم}) بالصبر والإقدام على مجالدة العدوّ وهو شجاعة الباطن ( {ويثبت به الأقدام}) أي بالمطر حتى لا تسوخ في الرمل وهو شجاعة الظاهر أو بالربط على القلوب حتى تثبت في المعركة.

وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: نزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني حين سار إلى بدر والمشركون بينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مجنبين فأمطر الله عز وجل عليهم مطرًا شديدًا فشرب المسلمون وتطهروا وأذهب الله عز وجل عنهم رجز الشيطان وأنشف الرمل حين أصابه المطر ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم وأمد الله عز وجل نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنين بألف من الملائكة فكان جبريل عليه السلام في خسمائة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة.

( {إذ يوحي ربك}) متعلق بقوله: و {يثبت} أو بدل ثالث من قوله: وإذ ( {إلى الملائكة أني معكم}) مفعول يوحي أي أني ناصركم ومعينكم ( {فثبتوا الذين آمنوا) بشروهم بالنصر فكان الملك يمشي أمام الصف ويقول: أبشروا فإنكم كثير وعدوّكم قليل والله تعالى ناصركم ( {سألقي}) سأقذف ( {في قلوب الذين كفروا الرعب}) يعني الخوف من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنين ثم علم كيف يضربون ويقتلون فقال: ( {فاضربوا فوق الأعناق}) أي على الأعناق التي في المذابح أو الرؤوس ( {واضربوا منهم كل بنان}) أي أصابع أي حزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم ( {ذلك}) يعني الضرب والقتل ( {بأنهم شاقوا الله ورسوله}) أي بسبب مشاققتهم أي مخالفتهم لهما إذ كانوا في شق وتركوا الشرع والإيمان وأتباعه في شق ( {ومن يشاقق الله ورسوله}) يخالفهما ( {فإن الله شديد العقاب}) [الأنفال: 9 - 13] كذا ساق الآيات كلها في رواية كريمة، ولأبي ذر وابن عساكر: {إذ تستغيثون ربكم} إلى قوله: {العقاب} وللأصيلي إلى قوله: {فإن الله شديد العقاب} وسقط لهم ما بعد ذلك.


[ قــ :3768 ... غــ : 3952 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهْوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ} [المائدة: 24] وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ( عن مخارق) بضم الميم وتخفيف الخاء المعجمة وبعد الراء المكسررة قاف ابن عبد الله بن جابر البجلي الأحمسي ( عن طارق بن شهاب) البجلي الأحمسي الكوفي أنه ( قال: سمعت ابن مسعود) - رضي الله تعالى عنه - ( يقول: شهدت من المقداد بن الأسود) -رضي الله عنه- ( مشهدًا) نسب إلى الأسود لأنه كان تبناه في الجاهلية وإلاّ فاسم أبيه عمرو بفتح العين ابن ثعلبة الكندي، وقول الزركشي في التنقيح: إن ابن يكتب هنا بالألف لأنه ليس واقعًا بين علمين.
تعقبه في المصابيح بأنه إذا وصف العلم بابن متصل مضاف إلى علم كفى ذلك في إيجاب حذف الألف من ابن خطأ سواء كان العلم الذي أضيف إليه ابن علمًا لأبي الأول حقيقة أو لا.
وهذا ظاهر كلامهم وكون الأبوة حقيقة لم أرهم تعرضوا لاشتراطه فما أدري من أين أخذ الزركشي هذا الكلام، وقد يقال: الأب حقيقة في أبي الولادة فيحمل إطلاقهم عليه لأنه الأصل ثم لأعجب من ترتيبه نفي وقوع ابن هنا بين علمين على كون الأسود كان تبناه في الجاهلية فإن تبنيه لا يدفع صورة الواقع من كون الابن قد وقع بين علمين فتأمله.
اهـ.

( لأن أكون صاحبه) بفتح اللام ونصب صاحبه خبر أكون، ولأبي ذر عن الكشميهني أنا صاحبه بزيادة أنا مع الرفع والنصب أوجه قاله ابن مالك أبي صاحب المشهد أي قائل تلك المقالة التي قالها ( أحب إليّ مما عدل) بضم العين وكسر الدال أي وزن ( به) من شيء يقابله من الدنيويات أو الثواب أو أعم من ذلك ( أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يدعو على المشركين) الواو في وهو للحال ( فقال) : يا رسول الله ( لا نقول) بنون الجمع ( كما قال قوم موسى) له: ( {اذهب أنت وربك فقاتلا}) [المائدة: 24] قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما أو تقديره: اذهب أنت وربك يعينك فإنا لا نستطيع قتال الجبابرة، وقال السمرقندي: أنت وسيدك هارون لأن هارون كان أكبر منه بسنتين أو ثلاث سنين ( ولكنا نقاتل) عدوّك ( عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك، فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشرق وجهه) أي استنار ( وسرّه) عليه الصلاة والسلام ( يعني قوله) أي قول المقداد - رضي الله تعالى عنه -.

وعند ابن إسحاق أن هذا الكلام قاله المقداد لما وصل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الصفراء، وبلغه أن قريشًا قصدت بدرًا وأن أبا سفيان نجا بمن معه فاستشار الناس، فقام أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - فقال فأحسن، ثم عمر -رضي الله عنه- كذلك، ثم المقداد فذكر نحو ما في حديث الباب، وزاد: والذي بعثك بالحق نبيًّا لو سلكت برك الغماد لجاهدنا معك من دونه.
قال فقال أشيروا عليّ.
قال: فعرفوا أنه يريد الأنصار وكان يتخوف أن لا يوافقوه لأنهم لم يبايعوه إلاّ على نصرته ممن يقصده لا أن يسير بهم إلى العدو فقال له سعد بن معاذ -رضي الله عنه-: امض يا رسول الله لما أمرت به فنحن معك.
قال: فسرّه قوله ونشطه، وسقط للأصيلي وأبي ذر عن المستملي قوله يعني قوله.