فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: إن لله مائة اسم إلا واحدا

باب إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلاَّ وَاحِدًا
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذُو الْجَلاَلِ: الْعَظَمَةِ الْبَرُّ اللَّطِيفُ
( باب) بالتنوين يذكر فيه ( إن لله مائة اسم إلا واحدًا) ولفظ الباب ثابت لأبي ذر وفي روايته عن الحموي والمستملي إلا واحدة بلفظ التأنيث باعتبار معنى التسمية.

( قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: ( ذو الجلال) أي ( العظمة) وعند ابن كثير في تفسيره.
وقال ابن عباس ذو الجلال والإكرام ذو العظمة والكبرياء اهـ.
فهو تعالى ذو الجلال الذي لا جلال ولا كمال إلا وهما له مطلقان عم جلاله جميع الأكوان فلم تطق الأكوان رؤيته في الدنيا لهيبة الجلال، فإذا كان في اليوم الموعود فإنه تعالى يبرز لعباده المؤمنين في الجمال والجلال والأنس فينظرون إليه فتعود أنوار النظر عليهم فيتجدد لهم قوّة يقدرون بها على النظر إليه لا أحرمنا الله ذلك بمنّه وفضله ولأبي ذر عن الكشميهني العظيم.

وقال ابن عباس أيضًا فيما وصله الطبري: ( البر) معناه ( اللطيف) .
وقال غيره البر المحسن فما من برٍّ وإحسان إلا وهو موليه قال القشيري من كان الله تعالى بارًّا به عصم عن المخالفات نفسه وأدام بفنون اللطائف أنسه وطيب فؤاده وحصل مراده وجعل التقوى زاده.
قال: ومن آداب من عرف أنه تعالى البر أن يكون بارًّا بكل أحد لا سيما بأبويه.


[ قــ :6997 ... غــ : 7392 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
أَحْصَيْنَاهُ: حَفِظْنَاهُ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا) ولأبي ذر: إلا واحدة بالتأنيث، وفائدة قوله مائة إلا واحدًا التأكيد والفذلكة لئلا يزاد على ما ورد كقوله: { تلك عشرة كاملة} [البقرة: 196] ورفع التصحيف فإن تسعة تصحف بسبعة وتسعين بسبعين بالموحدة فيهما.
وفي الاستثناء إشارة إلى أن الوتر أفضل من الشفع إن الله وتر يحب الوتر.

فإن قيل: إذا قلنا بأن الاسم عين المسمى على ما هو الصحيح لزم من قوله إن لله تسعة وتسعين اسمًا الحكم بتعدد الإله؟ والجواب: من وجهين أحدهما: أن المراد من الاسم هنا اللفظ ولا خلاف في ورود الاسم بهذا المعنى إنما النزاع في أنه هل يطلق، ويراد به المسمى عينه ولا يلزم من تعدد الأسماء تعدد المسمى، والثاني: أن كل واحد من الألفاظ المطلقة على الله تعالى يدل على ذاته باعتبار صفة حقيقية أو غير حقيقية، وذلك يستدعي التعدد في الاعتبارات والصفات دون الذات ولا استحالة في ذلك، وفيه كما قال الخطابي دليل على أن أشهر أسمائه تعالى الله لإضافة هذه الأسماء إليه وقد روي أنه الاسم الأعظم.

وقال ابن مالك: ولكون الله اسمًا علمًا وليس بصفة قيل في كل اسم من أسمائه تعالى سواه اسم من أسماء الله وهو من قول الطبري على ما رواه النووي إلى الله ينسب كل اسم له فيقال الكريم من أسماء الله ولا يقال من أسماء الكريم الله ( من أحصاها) أي حفظها كما فسره به البخاري كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى والأكثرون ويؤيده ما سبق في الدعوات لا يحفظها أحد إلا ( دخل الجنة) أو المعنى ضبطها حصرًا وتعدادًا وعلمًا وإيمانًا وذكر الجزاء بلفظ الماضي تحقيقًا أو بمعنى الإطاقة أي أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها وذلك بأن يعتبر معانيها فيطالب نفسه بما تتضمنه من صفات الربوبية وأحكام العبودية فيتخلق بها.

وقال الطيبي: إنما أكد الإعداد دفعًا للتجوّز واحتمال الزيادة والنقصان وقد أرشد الله تعالى بقوله ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه إلى عظم الخطب في الإحصاء بأن لا يتجاوز المسموع والأعداد المذكورة وأن لا يلحد فيها إلى الباطل اهـ.

ثم إن مفهوم الاسم قد يكون نفس الذات والحقيقة، وقد يكون مأخوذًا باعتبار الأجزاء، وقد يكون مأخوذًا باعتبار الصفات والأفعال والسلوب والإضافات ولا خفاء في تكثر أسماء الله تعالى بهذا الاعتبار وامتناع ما يكون باعتبار الجزء لتنزهه تعالى عن التركيب.

فإن قلت: اعتبار السلوب والإضافة يقتضي تكثر أسماء الله تعالى جدًّا فما وجه التخصيص بالتسعة والتسعين على ما نطق به الحديث على أنه قد دل الدعاء المشهور عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لله تسعة أسماء لم يعلمها أحدًا من خلقه واستأثر بها في علم الغيب عنده.
وورد في الكتاب والسُّنّة أسامٍ خارجة عن التسعة والتسعين كالكافي والدائم والصادق وذي المعارج وذي الفضل والغالب إلى غير ذلك؟ أجيب: بوجوه منها أن التنصيص على العدد لا لنفي الزيادة بل لغرض آخر كزيادة الفضيلة
مثلاً.
ومنها: أن قوله من أحصاها دخل الجنة في موضع الوصف كقوله للأمير عشرة غلمان يكفونه مهماته بمعنى أن لهم زيادة قرب واشتغال بالمهمات.

فإن قلت: إن كان اسمه الأعظم خارجًا عن هذه الجملة فكيف يختص ما سواه بهذا الشرف وإن كان داخلاً فكيف يصح أنه مما اختص بمعرفة نبي أو وليّ وأنه سبب كرامات عظيمة لمن عرفه حتى قيل إن آصف بن برخيا إنما جاء بعرض بلقيس لأنه قد أوتي الاسم الأعظم؟ أجيب: باحتمال أن يكون خارجًا وتكون زيادة شرف تسعة وتسعين وجلالتها بالإضافة إلى ما عداه وأن يكون داخلاً مبهمًا لا يعرفه بعينه إلا نبي أو ولي، ومنها أن الأسماء منحصرة في تسعة وتسعين والرواية المشتملة على تفصيلها غير مذكورة في الصحيح ولا خالية عن الاضطراب والتغيير، وقد ذكر كثير من المحدّثين أن في إسنادها ضعفًا قاله في شرح المقاصد.

قال البخاري: ( أحصيناه) أي ( حفظناه) .
وأشار به إلى أن معنى أحصاها حفظها، لكن قال الأصيلي: الإحصاء للأسماء العمل بها لا عدّها ولا حفظها لأن ذلك قد يقع للكافر والمنافق كما في حديث الخوارج يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، وقال في الكواكب: أي حفظها وعرفها لأن العارف بها لا يكون إلا مؤمنًا والمؤمن يدخل الجنة لا محالة، وهذا أعني قوله أحصيناه حفظناه ثبت في رواية أبي ذر عن الحموي.

والحديث سبق في الشروط متنًا وإسنادًا.