فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح} [النساء: 163] إلى قوله: {ويونس، وهارون، وسليمان} [النساء: 163]

باب قَوْلِهِ: { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- { وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ} [النساء: 163]
هذا ( باب) بالتنوين ( قوله) عز وجل ( { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح} ) إلى قوله: ( { ويونس وهارون وسليمان} ) [النساء: 163] وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وقوله كما أوحينا إلى نوح لغير أبوي ذر والوقت والكاف في كما أوحينا نصب بمصدر محذوف أي إيحاء مثل إيحائنا أو على أنه حال من ذلك المصدر المحذوف وما تحتمل المصدرية فلا تفتقر إلى عائد على الصحيح والموصولية فيكون العائد محذوفًا.

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما رواه ابن إسحاق أن سكينًا وعدي بن زيد قالا: يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء من بعد موسى فأنزل الله تعالى في ذلك { إنا أوحينا إليك} .

وعن محمد بن كعب القرظي أنزل الله { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء} إلى قوله: { بهتانًا عظيمًا} [النساء: 153 - 156] فلما تلاها عليهم يعني اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة جحدوا كل ما أنزل الله تعالى وقالوا: { ما أنزل الله على بشر من شيء} فقال: ولا على أحد فأنزل الله { وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91] إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء.

قال ابن كثير وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب نظر فإن هذه الآية مكية في سورة الأنعام وهذه الآية التي في النساء مدنية وهي ردّ عليهم لما سألوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ينزل عليهم كتابًا من السماء قال الله تعالى فقد سألوا موسى أكبر من ذلك ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم ثم ذكر أنه أوحى إلى عبده كما أوحى إلى غيره من النبيين فقال مخاطبًا حبيبه وآثر صيغة التعظيم تعظيمًا للموحي والموحى إليه { إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح} أي لك أسوة بالأنبياء السالفة فتأس بهم { وكلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} لأن شأن وحيك كشأن وحيهم، وبدأ بنوح لأنه أوّل نبي قاسى الشدة من الأمة وعطف عليه النبين من بعده وخص منهم إبراهيم إلى داود عليه السلام تشريفًا لهم وترك ذكر موسى ليبرزه مع ذكرهم بقوله: { وكلم الله موسى تكليمًا} على نمط أعم من الأوّل لأن قوله: { ورسلًا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلًا لم نقصصهم} من التقسيم الخاص مزيدًا لشرفه واختصاصه بوصف التكليم دونهم أي رسلًا فضلهم واختارهم وآتاهم الآيات البينات والمعجزات القاهرات الباهرات إلى ما لا يحصى، وخص موسى بالتكليم وثلث ذكرهم على أسلوب يجمعهم في وصف عام على جهة المدح والتعظيم سار في غيرهم وهو كونهم مبشرين ومنذرين وجعلهم حجة الله على الخلق طرًا لقطع معاذيرهم فيدخل في هذا القسم كل من دعا إلى
هدى وبشر وأنذر كالعلماء وظهر من هذا التقرير طبقات الداعين إلى الله بأسرهم قاله في فتوح الغيب.


[ قــ :4350 ... غــ : 4603 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا يَنْبَغِى لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن سفيان) الثوري أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( الأعمش) سليمان ( عن أبي وائل) شقيق بن سلمة ( عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( ما ينبغي لأحد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لعبد بدل قوله لأحد، وسقط لأبي ذر قال: ( أن يقول أنا خير من يونس بن متى) بفتح الميم والمثناة الفوقية المشددة مقصورًا اسم أبيه وقيل اسم أمه أي ليس لأحد أن يفضل نفسه على يونس أو ليس لأحد أن يفضلني عليه وهذا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على طريق التواضع فلا يعارض بحديث "أنا سيد ولد آدم" الصادر منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على طريق التحدث بالنعمة والإعلام للأمة برفيع منزلته ليعتقدوه أو قال الأوّل قبل أن يعلم الثاني.




[ قــ :4351 ... غــ : 4604 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين وتخفيف النون العوقي بفتح العين المهملة والواو بعدها قاف الباهلي قال: ( حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة مصغرًا ابن سليمان قال: ( حدّثنا هلال) هو ابن علي ( عن عطاء بن يسار) ضد اليمين ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( من قال أنا خير) يعني نفسه أو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( من يونس بن متى فقد كذب) لعله قال ذكر زجرًا عن توهم حط مرتبة يونس لما في قوله تعالى: { ولا تكن كصاحب الحوت} [القلم: 48] فقاله سدًّا للذريعة، وهذا هو السبب في تخصيص يونس بالذكر من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وهذا الحديث قد ذكره في أحاديث الأنبياء.