فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا} [إبراهيم: 28] "

باب { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28]
أَلَمْ تَعْلَمْ كَقَوْلِهِ: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا} { الْبَوَارُ} : الْهَلاَكُ بَارَ يَبُورُ بَوْرًا.
{ قَوْمًا بُورًا} : هَالِكِينَ
هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط لغير أبي ذر في قوله: ({ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا} ) [إبراهيم: 28] قال أبو عبيدة: (ألم تعلم) ولأبي ذر: ألم تر (كقوله) تعالى: ({ ألم تر كيف} { ألم تر إلى الذين خرجوا} ) إذ الرؤية بالأبصار غير حاصلة إما لتعذرها أو لتعسرها عادة وفي الآية حذف مضاف أي غيروا شكر نعمة الله كفرًا بأن وضعوه مكانه وقول صاحب الأنوار كالكشاف أو بدلوا نفس النعمة كفرًا فإنهم لما كفروها سلبت منهم فصاروا تاركين لها محصلين الكفر بدلها تعقب بأنه ليس بقوي لأنه يقتضي حدوث الكفر حينئذٍ وهم قد كانوا كفارًا من قبل وهذا ظاهر لا خفاء فيه.

({ البوار} ) في قوله تعالى: { وأحلوا قومهم دار البوار} [إبراهيم: 28] هو (الهلاك) قال:
فلم أر مثلهم أبطال حرب ... غداة الروع إذ خيف البوار
وأصله من الكساد كما قيل:
كسد حتى فسد، ولما كان الكساد يؤدي إلى الفساد والهلاك أطلق عليه البوار والفعل منه (بار يبور بورًا) بفتح الموحدة وسكون الواو ({ قومًا بورً} ) أي (هالكين) قاله أبو عبيدة وغيره،
ويحتمل أن يكون بورًا مصدرًا وصف به الجمع وأن يكون جمع بائر في المعنى ومن وقوع البور على الواحد قوله:
يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور
وثبت قوله قومًا بورًا لأبي ذر.


[ قــ :4444 ... غــ : 4700 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] قَالَ: هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ.

وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (سمع ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما يقول في قوله تعالى: ({ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا} قال: هم كفار أهل مكة) وعند الطبري من طريق أخرى عن ابن عباس أنه سأل عمر عن هذه الآية فقال من هم؟ قال هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية أخوالي وأعمامك فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين والمراد كما في الفتح بعض بني أمية وبني مخزوم فإن بني مخزوم لم يستأصلوا يوم بدر بل المراد بعضهم كأبي جهل من بني مخزوم وأبي سفيان من بني أمية وعنده أيضًا من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم.
قال الحافظ ابن كثير والمشهور الصحيح عن ابن عباس هو القول الأول وإن كان المعنى يعم جميع الكفار فإن الله تعالى بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رحمة للعالمين ونعمة للناس.

وهذا الحديث ذكره في غزوة بدر.


[15] - سورة الْحِجْرِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ الْحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ.
لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ عَلَى الطَّرِيقِ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَمْرُكَ: لَعَيْشُكَ، قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أَنْكَرَهُمْ لُوطٌ.
.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: كِتَابٌ مَعْلُومٌ: أَجَلٌ.
لَوْ مَا تَأْتِينَا: هَلاَّ تَأْتِينَا.
شِيَعٌ: أُمَمٌ.
وَلِلأَوْلِيَاءِ أَيْضًا شِيَعٌ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: يُهْرَعُونَ: مُسْرِعِينِ.
لِلْمُتَوَسِّمِينَ: لِلنَّاظِرِينَ.
سُكِّرَتْ: غُشِّيَتْ.
بُرُوجًا: مَنَازِلَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.
لَوَاقِحَ: مَلاَقِحَ مُلْقَحَةً.
حَمَإٍ: جَمَاعَةُ حَمْأَةٍ وَهْوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ.
وَالْمَسْنُونُ: الْمَصْبُوبِ.
تَوْجَلْ: تَخَفْ.
دَابِرَ: آخِرَ.
لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ: الإِمَامُ كُلُّ مَا ائْتَمَمْتَ وَاهْتَدَيْتَ بِهِ.
الصَّيْحَةُ: الْهَلَكَةُ.

[15] - سورة الْحِجْرِ
ولأبي ذر عن المستملي تفسير سورة الحجر وهي مكية وآيها تسع وتسعون، وزاد أبو ذر: بسم الله الرحمن الرحيم.

(وقال مجاهد) هو ابن جبر فيما وصله الطبري من طرق عنه في قوله تعالى: هذا ({ صراط عليّ مستقيم} ) [الحجر: 41] معناه (الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه) لا يعرّج على شيء.
وقال الأخفش: عليّ الدلالة علي الصراط المستقيم، وقال غيرهما أي من مر عليه مرّ علي أي على رضواني وكرامتي وقيل علي بمعنى إليّ وهذا إشارة إلى الإخلاص المفيض من المخلصين وقيل إلى انتفاء تزيينه وإغوائه.

وقوله: وإنهما ({ لبإمام مبين} ) [الحجر: 79] أي (على الطريق) الواضح والإمام اسم لما يؤتم به.
قال الفراء والزجاج: إنما جعل الطريق إمامًا لأنه يؤم ويتبع.
قال ابن قتيبة: لأن المسافر يأتم به حتى يصير إلى الموضع الذي يريده ومبين أي في نفسه أو مبين لغيره لأن الطريق يهدي إلى المقصد وضمير التثنية في وإنهما الأرجح أنه لقريتي قوم لوط وأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب لتقدمهما ذكرًا وقوله (لبإمام مبين على الطريق) ثابت لأبي ذر عن المستملي.

(وقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله ({ لعمرك} ) معناه (لعيشك) والعمر والعمر بفتح العين وضمها واحد وهما مدة الحياة ولا يستعمل في القسم إلا بالفتح.
وفي هذه الآية شرف نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الله تعالى أقسم بحياته ولم يفعل ذلك لبشر سواه على ما نقل عن ابن عباس، أو الخطاب هنا للوط عليه الصلاة والسلام.
قالت الملائكة له ذلك، والتقدير لعمرك قسمي والقسم بالعمر في القرآن وأشعار العرب وفصيح كلامها في غير موضع، وهو من الأسماء اللازمة للإضافة فلا يقطع عنها ويضاف لكل شيء، لكن منع بعض أصحاب المعاني فيما ذكره الزهراوي إضافته إلى الله لأنه لا يقال لله تعالى عمر، وإنما هو بقاء أزلي وقد سمع إضافته إلى الله تعالى قال:
إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها
ومنع بعضهم إضافته إلى ياء المتكلم قال لأنه حلف بحياة المقسم وقد ورد ذلك قال النابغة:
لعمري وما عمري عليّ بهين ... لقد نطقت بطلاً عليّ الأقارع ({ قوم منكرون} [الحجر: 62] أنكرهم لوط) قيل لأنهم سلموا ولم يكن من عادتهم وقيل لأنهم كانوا على صورة الشباب المرد فخاف هجوم القوم فقال هذه الكلمة يعني تنكركم نفسي وتنفر عنكم فقالت الملائكة ما جئناك بما تنكر بل جئناك بما يسرك ويشفي لك من عدوّك وهو العذاب الذي توعدتهم به فيمترون فيه وسقط قوله لعمرك إلى هنا لأبي ذر إلا في رواية المستملي.

(وقال غيره) غير ابن عباس في قوله تعالى: ({ إلا ولها كتاب معلوم} ) [الحجر: 4] أي (أجل) أي أن الله تعالى لا يهلك أهل قرية إلا ولها أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ أو كتاب مختص به.

({ لو ما تأتينا} ) أي (هلا تأتينا) يا محمد بالملائكة لتصديق دعواك إن كنت صادقًا أو
لتعذيبنا على تكذيبك كما جاءت الأمم السابقة فإنا نصدقك حينئذٍ فقال الله تعالى ما تنزل الملائكة إلا تنزيلاً ملتبسًا بالحق أي الوجه الذي قدرناه واقتضته حكمتنا ولا حكمة في إتيانكم فإنكم لا تزدادون إلا عنادًا وكذا لا حكمة في استئصالكم مع أنه سبقت كلمتنا بإيمان بعضكم أو أولادكم وسقط لفظ تأتينا لأبي ذر.

({ شيع} ) في قوله تعالى: { ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين} [الحجر: 10] معناه (أمم)، قاله أبو عبيدة (و) يقال (للأولياء أيضًا شيع).
وقال: غيره: شيع جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب من شاعه إذا تبعه ومفعول أرسلنا في قوله (ولقد أرسلنا من قبلك) محذوف أي أرسلنا رسلاً من قبلك دل الإرسال عليهم وفيه تسلية للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث نسبوه إلى الجنون أي عادة هؤلاء مع الرسل ذلك.

(وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى في سورة هود: { وجاءه قومه} { يهرعون} [هود: 78] أي (مسرعين) إليه.

وقوله تعالى: { إن في ذلك لآيات} ({ للمتوسمين} ) [الحجر: 75] أي (للناظرين) قال ثعلب الواسم الناظر إليك من قرنك إلى قدمك وفيه معنى التثبت الذي هو الأصل في التوسم وقال الزجاج: حقيقة المتوسمين في اللغة المتثبتين في نظرهم حتى يعرفوا سمة الشيء وعلامته وهو استقصاء وجوه التعرف قال:
أوكلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثت إليّ عريفها يتوسم
وقال مجاهد: معنى الآية للمتفرسين، وقال قتادة للمعتبرين، وقال مقاتل للمتفكّرين، والمراد صيحة العذاب الذي أخذ قوم لوط داخلين في شروق الشمس رفع جبريل عليه الصلاة والسلام مدينتهم إلى السماء ثم قلبها وسقط قوله وقال ابن عباس إلى للناظرين لأبي ذر.

وقوله تعالى: { لقالوا إنما} ({ سكرت} ) [الحجر: 15] بتشديد الكاف أي (غُشيت) بضم الغين وتشديد الشين المكسورة المعجمتين وقيل سدت يعني لو فتحنا على هؤلاء المقترحين بابًا من السماء فظلوا صاعدين إليها مشاهدين لعجائبها أو مشاهدين لصعود الملائكة وهو جواب لقوله: { لو ما تأتينا بالملائكة} لقولوا لشدة عنادهم إنما غشيت أو سدت أبصارنا بالسحر وسقط من قوله وقال مجاهد إلى هنا للحموي والكشميهني.

وقوله: { أرسلنا ولقد جعلنا في السماء} ({ بُروجًا} ) [الحجر: 16] أي (منازل للشمس والقمر).
قال عطية هي قصور في السماء عليها الحرس.

وقوله: { أرسلنا الرياح} ({ لواقح} ) [الحجر: 22] أي (ملاقح) و (ملقحة) بفتح القاف وكسرها جمعه لأنه من ألقح يلقح فهو ملقح فحقه ملاقح فحذفت الميم تخفيفًا وهذا قول أبي عبيدة قال الجوهري ولا يقال ملاقح وهو من النوادر وقيل لواقح جمع لاقح يقال لقحت الريح إذا حملت
الماء وقال الأزهري حوامل السحاب كقولك ألقحت الناقة فلقحت إذا حملت الجنين في بطنها فشبهت الريح بها قال:
إذا لقحت حرب عوان مضرة ... ضروس تهرّ الناس أنيابها عصل
قال ابن عباس: الرياح لواقح الشجر والسحاب.
وقال عبيد بن عمير: يبعث الله الريح المبشرة فتقم الأرض قمًّا ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث المؤلّفة فتؤلف السحاب بعضه إلى بعض فتجعله ركامًا ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر، وقال أبو بن بن عياش: لا تقطر قطرة من السماء إلا بعد أن تعمل الرياح الأربعة فيه فالصبا تهيجه والشمال تجمعه والجنوب تذره والدبور تفرقه.

وقوله: من ({ حمأ} ) هو (جماعة حمأة) بفتح الحاء وسكون الميم (وهو الطين المتغير) الذي اسودّ من طول مجاورة الماء.

(والمسنون) هو (المصبوب) لييبس كأنه أفرغ الحمأ فصور فيه تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل ثم غيره بعد ذلك طورًا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه.

لا ({ توجل} ) أي لا (تخف) وكان خوفه من توقع مكروه حيث دخلوا بغير إذن في غير وقت الدخول.

(دابر) في قوله: { وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء} [الحجر: 66] أي (آخر) هؤلاء مقطوع مستأصل يعني يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد.

({ لبإمام مبين} [الحجر: 79] قال أبو عبيدة (الإمام كل ما ائتممت واهتديت به) وسبق فيه زيادة حيث ذكر في هذه السورة فالتفت إليه وسقط قوله { لبإمام} إلى هنا للحموي والكشميهني.

(الصيحة) أي أخذتهم (الهلكة) وزاد أبو ذر هنا باب قوله جل وعلا: