فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر} [المائدة: 96]

باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} .

     وَقَالَ  عُمَرُ: صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ، وَطَعَامُهُ مَا رَمَى بِهِ.
.

     وَقَالَ  أَبُو بَكْرٍ: الطَّافِي حَلاَلٌ.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ مَيْتَتُهُ، إِلاَّ مَا قَذِرْتَ مِنْهَا وَالْجِرِّيُّ لاَ تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ، وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ.

     وَقَالَ  شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ.
.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ: أَمَّا الطَّيْرُ فَأَرَى أَنْ يَذْبَحَهُ.

     وَقَالَ  ابْنُ جُرَيْجٍ:.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ صَيْدُ الأَنْهَارِ وَقِلاَتِ السَّيْلِ أَصَيْدُ بَحْرٍ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
ثُمَّ تَلاَ { هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} وَرَكِبَ الْحَسَنُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلاَبِ الْمَاءِ.
.

     وَقَالَ  الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَنَّ أَهْلِي أَكَلُوا الضَّفَادِعَ لأَطْعَمْتُهُمْ.
وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْسًا.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ.
.

     وَقَالَ  أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْمُرِي: ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ.

( باب قول الله تعالى: { أحل لكم صيد البحر} ) [المائدة: 96] المراد بالبحر جميع المياه.

( وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- مما وصله المؤلّف في تاريخه وعبد بن حميد ( صيده ما اصطيد) بكسر الطاء وتضم كما في اليونينية ( وطعامه ما رمى به) ولفظ الموصول فصيده ما صيد وطعامه ما قذف به اهـ.

( وقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- مما وصله ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ( الطافي) بغير همز في اليونينية من طفا يطفوا إذا علا الماء ميتًا ( حلال.
وقال ابن عباس)
-رضي الله عنهما- مما وصله الطبري في قوله تعالى: { أحل لكم صيد البحر وطعامه} قال: ( طعامه ميتته إلا ما قذرت منها) بكسر الذال المعجمة، ولأبي ذر عن الكشميهني: منه بالتذكير وليس في الموصول إلا ما قذرت منها، وجميع ما يصاد من البحر ثلاثة أجناس الحيتان وجميع أنواعها حلال والضفادع وجميع أنواعها حرام، واختلف فيما سوى هذين فقال أبو حنيفة حرام وقال الأكثرون: حلال لعموم هذه الآية { وطعامه} في الآية بمعنى الإطعام أي اسم مصدر وتقدير المفعول حينئذٍ محذوفًا أي طعامكم إياه أنفسكم، ويجوز أن يكون الصيد بمعنى المصيد والهاء في طعامه تعود على البحر على هذا أي أحل لكم مصيد البحر وطعام البحر فالطعام على هذا غير الصيد، وعلى هذا ففيه وجوه: أحسنها ما سبق عن عمر وأبي بكر أن الصيد ما صيد بالحيلة حال حياته والطعام ما رمى به البحر أو نضب عنه الماء من غير معالجة، ويجوز أن تعود الهاء على الصيد لمعنى المصيد وهو أن يكون طعام بمعنى مطعوم ويدل له قراءة ابن عباس وطعمه بضم الطاء وسكون العين.

وقال ابن عباس فيما وصله ابن أبي شيبة: ( والجرّي) بكسر الجيم والراء والتحتية المشدّدتين
وبفتح الجيم والجريت بمثناة فوقية بعد التحتية ضرب من السمك يشبه الحيات وقيل سمك لا قشر له، وقيل نوع عريض الوسط دقيق الطرفين ( لا تأكله اليهود ونحن نأكله) لأنه حلال اتفاقًا وهو قول أبي بكر وعمر وابن عباس.

( وقال شريح صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة مصغرًا، وللأصيلي أبو شريح والصواب إسقاط أبو كما للكافة والمؤلّف في تاريخه وأبي عمر بن عبد البرّ والقاضي عياض في مشارقه، وقال الفربري: وكذا في أصل البخاري وكذا هو عند أبي عليّ الغساني شريح قال: وهو الصواب، والحديث محفوظ لشريح لا لأبي شريح، وفي الصحابة أيضًا أبو شريح الخزاعي أخرج له مسلم، وقال العلاّمة اليونيني مما رأيته في حاشية الفرع في أصل السماع أبو شريح على الوهم كما عند الحافظ أبي محمد الأصيلي ونبهنا شيخنا الحافظ أبو محمد المنذري في حواشيه على كتاب ابن طاهر أنه شريح اسم لا كنية اهـ.

وقال في الإصابة: شريح بن أبي شريح الحجازي.
قال البخاري وأبو حاتم: له صحبة، وروى البخاري في تاريخه الكبير من طريق عمرو بن دينار وأبي الزبير سمعًا شريحًا رجلًا أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: كل شيء في البحر مذبوح وعلقه في الصحيح، ورواه الدارقطني وأبو نعيم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن شريح وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر نحوه مرفوعًا، والمحفوظ عن ابن جريج موقوف أيضًا أشار إلى ذلك أبو نعيم اهـ.

وقول القاضي عياض في مشارقه: وهو شريح بن هانئ أبو هانئ، تعقبه الحافظ ابن حجر كما رأيته بخط شيخنا الحافظ أبي الخير السخاوي بأن الصواب أنه غيره وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع وشريح بن هانئ لأبيه صحبة وأما هو فله إدراك ولم يثبت له سماع ولا لقي، وأما شريح المعلق عنه فقد صرح البخاري بصحبته هـ.

ورأيت في الإصابة شريح بن هانئ أبو المقدام أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يهاجر إلا بعده وفد أبوه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله عن أكبر ولده فقال شريح: فقال: أنت أبو شريح وكان قبل ذلك يكنى أبا الحكم.

وهذا التعليق وصله المؤلّف في تاريخه وابن منده في المعرفة من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير سمعا شريحًا صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: ( كل شيء في البحر) من دوابه ( مذبوح) أي حلال كالمذكى، وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار سمعت شيخًا كبيرًا يحلف بالله ما في البحر دابة إلا قد ذبحها الله لبني آدم، وأخرج الدارقطني من حديث عبد الله بن سرجس بسند فيه ضعف رفعه: إن الله قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم.

( وقال عطاء) : هو ابن أبي رباح مما وصله ابن منده في كتاب الصحابة ( أما الطير فأرى أن يذبحه.
وقال ابن جريج)
عبد الملك بن عبد العزيز مما وصله عبد الرزاق في تفسيره ( قلت لعطاء)
أي ابن أبي رباح المذكور ( صيد الأنهار و) صيد ( قلات السيل) بكسر القاف وتخفيف اللام آخره مثناة فوقية جمع قلت نقرة في صخرة يستنقع فيها الماء ومراده ما ساق السيل من الماء وبقي في الغدير وفيه حيتان ( أصيد بحر هو) ؟ فيجوز أكله ( قال: نعم) يجوز أكله، وسقط لأبي ذر لفظ هو ( ثم تلا) عطاء قوله تعالى: ( { هذا عذب فرات} ) شديد العذوبة ( { سائغ شرابه} ) مريء سهل الانحدار لعذوبته وبه يرتفع شرابه وثبت { سائغ شرابه} لأبي ذر ( { وهذا ملح أجاج} ) شديد الملوحة وقيل هو الذي يحرق بملوحته ( { ومن كل} ) ومن كل واحد منهما ( { تأكلون لحمًا طريًّا} ) [فاطر: 12] وهو السمك.

( وركب الحسن) بفتح الحاء ابن علي بن أبي طالب ( عليه السلام) ورضي الله عنه وعن أبيه ( على سرج) متخذ ( من جلود كلاب الماء) لأنها طاهرة يجوز أكلها لدخولها في عموم السمك وكذا ما لم يشبه السمك المشهور كالخنزير والفرس.
وفي عجائب المخلوقات أن كلب الماء حيوان يداه أطول من رجليه يلطخ بدنه بالطين ليحسبه التمساح طينًا ثم يدخل جوفه فيقطع أمعاءه ويأكلها ويمزق بطنه.

( وقال الشعبي) عامر بن شراحيل ( لو أن أهلي أكلوا الضفادع) جمع ضفدع بكسر أوّله وفتحه وضمه مع كسر ثالثه وفتحه في الأول وكسره في الثاني وفتحه في الثالث ( لأطعمتهم) منها.

( ولم ير الحسن) البصري -رحمه الله تعالى- ( بالسلحفاة) بضم السين وسكون الحاء المهملتين بينهما لام مفتوحة وبعد الفاء ألف فهاء تأنيث أي لم ير بأكلها ( بأسًا) وهذا وصله ابن أبي شيبة، وقال سفيان الثوري: أرجو أن لا يكون بالسرطان بأس وظاهر الآية حجة لمن قال بإباحة جميع حيوانات البحر وكذلك حديث "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وجملة حيوان الماء على قسمين سمك وغيره، فأما السمك فميتته حلال مع اختلاف أنواعها ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب، وعند أبي حنيفة لا يحل إلا أن يموت بسبب من وقوع على حجر أو انحسار ماء عنه فيحل لحديث أبي الزبير عن جابر عند أبي داود: "ما ألقاه البحر أو جزز عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه" لكنه مطعون فيه من جهة يحيى بن سليم لسوء حفظه وصحح كونه موقوفًا، وحينئذ فقد عارضه قول أبي بكر وغيره والقياس يقتضي حلّه لأن السمك لو مات في البرّ لأكل بغير تأويل، وأما غير السمك فقسمان: قسم يعيش في البرّ كالضفدع والسرطان والسلحفاة فلا يحل أكله وقسم يعيش في الماء ولا يعيش في البرّ إلا عيش المذبوح فاختلف فيه فقيل: لا يحل منه شيء إلا السمك وهو قول أبي حنيفة، وقيل: إن ميت الكل حلال لأن كلها سمك وإن اختلفت صورتها كالجري وهو قول مالك وظاهر مذهب الشافعي وذهب قوم إلى أن ما له نظير في البرّ يؤكل فميتته من حيوانات البحر حلال وهو كبقر الماء ونحوه وما لا يؤكل نظيره في البر لا تحل ميتته من حيوانات البحر ككلب الماء والخنزير وكذا حمار الوحش، وإن كان له شبه في البر حلال وهو حمار الوحش لأن له شبهًا حرامًا وهو الحمار الأهلي تغليبًا للتحريم، كذا قال في الروضة
وشرح المهذب، والمفتي به حل الجميع إلا السرطان والضفدع والتمساح والسلحفاة لخبث لحمها وللنهي عن قتل الضفدع رواه أبو داود وصححه الحاكم، وقد ذكر الأطباء أن الضفدع نوعان: بري وبحري فالبري يقتل آكله والبحري يضره وكذا يحرم القرش في البحر الملح خلافًا لما أفتى به المحب الطبري وأما الدنيلس فقيل إن أصله السرطان، فإن ثبت حرم وإلاّ فيحل لأنه من طعام البحر ولا يعيش إلا فيه ولم يأت على تحريمه دليل وقد قال جبريل بن يختيشوع: إنه ينفع من رطوبة المعدة والاستسقاء.

( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله البيهقي: ( كل) أمر من الأكل ( من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي) بالجرّ في الثلاثة وللأصيلي وإن صاده نصراني أو يهودي أو مجوسي برفعها على الفاعلية، وقال الحسن البصري فيما نقله عنه الدميري: رأيت سبعين صحابيًّا يأكلون صيد المجوس ولا يتلجلج في صدورهم شيء من ذلك.

( وقال أبو الدرداء) عويمر بن مالك الأنصاري ( في المري) بضم الميم وسكون الراء بعدها تحتية وفي النهاية بتشديد الراء، ولكن جزم النووي بالأول، ونقل الجواليقي في لحن العامة أنهم يحركون الراء والأصل السكون، والذي في القاموس التشديد، وعبارته والمرّي كدرّي أدام كالكامخ وفي الصحاح، والمري الذي يؤتدم به كأنه منسوب إلى المرارة والعامة تخففه قال وأنشدني أبو الغوث:
وأم مثواي لباخية ... وعندها المريّ والكامخ
والمري هو أن يجعل في الخمر الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير عن طعم الخمر فيغلب السمك بما أضيف إليه على ضراوة الخمر ويزيل ما فيه من الشدة مع تأثير الشمس في تخليله والقصد منه هضم الطعام وربما يزاد ما فيه حرافة ليزيد في جلاء المعدة واستدعاء الطعام بحرافته، وكان أبو الدرداء وجماعة من الصحابة يأكلونه وهو رأي من يجوّز تخليل الخمر، وهو قول جماعة، واحتج له أبو الدرداء بقوله: ( ذبح الخمر النينان والشمس) بفتح الذال المعجمة والموحدة بصيغة الفعل الماضي، والخمر مفعول مقدم على الفاعل لأن التنازع والكلام كان فيها والعرب تقدّم الأهمّ فالأهم، والنينان والشمس فاعلان له، والنينان بكسر النون الأولى جمع نون كعود وعيدان وهو الحوت، وقال القاضيان البيضاوي وعياض: ويروى ذبح الخمر بسكون الموحدة والرفع مبتدأ أو إضافته لتاليه فيجر.
قال في النهاية: استعار الذبح للإحلال كأنه يقول كما أن الذبح يحلّ المذبوح فكذلك هذه الأشياء إذا وضعت في الخمر قامت مقام الذبح فاحتلها، وقال البيضاوي: يريد أنها حلّت بالحوت المطروح فيها وطبخها بالشمس فكان ذلك كالذكاة للحيوان، وقال غيره معنى ذبحتها أبطلت فعلها.

وأخرج الحافظ أبو موسى في جزء أفرده لهذه المسألة بسنده عن عطية بن قيس، قال: مرّ رجل من أصحاب أبي الدرداء -رضي الله عنه- ورجل يتغذى فدعاه إلى طعامه فقال: وما طعامك؟
قال: خبز ومري وزيت.
قال: المري الذي يصنع من الخمر؟ قال: نعم، قال: هو خمر فتواعدا إلى أبي الدرداء -رضي الله عنه- فسألاه فقال: ذبحت خمرها الشمس والملح والحيتان يقول لا بأس به.
وعن ابن وهب سمعت مالكًا يقول: سمعت ابن شهاب سئل عن خمر جعلت في قلة وجعل فيها ملح وأخلاط كثيرة ثم جعلت في الشمس حتى عاد مريًّا يصطبغ به.
قال ابن شهاب: شهدت قبيصة بن ذؤيب ينهى أن يجعل الخمر مريًّا إذا أخذ وهو خمر، وعن رجليه مولاة معاوية قالت: حججنا مع عبد الله بن أبي زكريا فأهدى عبد الله بن أبي زكريا لعمر بن عبد العزيز المري الذي يصنع بالخمر فأكل منه، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول: في المري الذي يعمله المشركون من الخمر لا بأس به ذبحه الملح.

فإن قلت: ما وجه إيراد المؤلّف لهذا الأثر هنا في طهارة صيد البحر؟ أجيب: بأنه يريد أن السمك طاهر حلال وإن طهارته وحله يتعدى إلى غيره كالملح حتى يصير الحرام النجس بإضافتها إليه طاهرًا حلالًا، وهذا إنما يتأتى على القول بجواز تخليل الخمر.
وقال الحافظ أبو ذر مما رأيته بهامش اليونينية: إذا طرحت النينان في الخمر ذبحته وحركته فصار مريًّا، وكذلك إذا ترك للشمس، وهذا خلاف مذهب الشافعي، والبخاري -رحمه الله تعالى- لم يتحرّ مذهب إمام بعينه بل اعتمد على ما صحّ عنده من الحديث ثم أكده بالآثار.


[ قــ :5198 ... غــ : 5493 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عمرو) بفتح العين ابن دينار ( أنه سمع جابرًا) الأنصاري ( -رضي الله عنه- يقول: غزونا جيش الخبط) بفتح الخاء المعجمة والموحدة بعدها مهملة ورق السلم سمي به لأنهم أكلوه من الجوع وذلك سنة ثمان ( وأمر) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولابن عساكر وأميرنا ( أبو عبيدة) عامر بن عبد الله بن الجراح ولأبي ذر وأمر مبنيًّا للمفعول أيضًا علينا أبو عبيدة بزيادة علينا ( فجعنا جوعًا شديدًا فألقى البحر) لنا ( حوتًا ميتًا لم ير) بتحتية مضمومة ( مثله) بالرفع ولأبي ذر ولم نر بنون مفتوحة مثله بالنصب أي لم نر مثله في الكبر ( يقال له العنبر) وهو سمكة بحرية يتخذ من جلدها الأتراس، ويقال للترس عنبر وسمي هذا الحوت بالعنبر لوجوده في جوفه.
قال إمامنا الشافعي رحمه الله: حدّثني بعضهم أنه ركب البحر فوقع إلى جزيرة فنظر إلى شجرة مثل عنق الشاة وإذا ثمرها عنبر قال: فتركناه حتى يكبر ثم نأخذه فهبت ريح فألقته في البحر.
قال الشافعي: والسمك ودواب البحر تبتلعه أول ما يقع لأنه لين فإذا ابتلعه قلما تسلم إلا قتلها لفرط الحرارة التي فيه فإذا أخذ الصياد السمكة وجده في بطنها
فيقدر أنه منها وإنما هو ثمر نبت ( فأكلنا منه) من الحوت ( نصف شهر فأخذ أبو عبيدة) بن الجراح ( عظمًا من عظامه فمرّ الراكب تحته) .




[ قــ :5199 ... غــ : 5494 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَمِائَةِ رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّيَ جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ: فَأَكَلْنَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا بِوَدَكِهِ حَتَّى صَلَحَتْ أَجْسَامُنَا، قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنَصَبَهُ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ.
وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوعُ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا ( سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) هو ابن دينار ( قال: سمعت جابرًا) -رضي الله عنه- ( يقول: بعثنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثمائة راكب) فيهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ( وأميرنا أبو عبيدة) بن الجراح ( نرصد عير قريش) بكسر العين المهملة إبلًا تحمل طعامًا لهم.
وعند ابن سعد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية بفتح القاف والموحدة مما يلي ساحل البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيدًا.

واستشكل هذا بما في حديث الباب إذ ظاهره المغايرة.
وأجيب: بأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرًا لقريش ويقصدون حيًّا من جهينة وحينئذ فلا مغايرة بينهما.

( فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط) بفتحتين ورق السلم وفي رواية أبي الزبير عند مسلم: وكنا نضرب بعصينا الخيط ثم نبله بالماء فنأكله ( فسمي جيش الخيط وألقى) إلينا ( البحر) لما انتهينا إلى ساحله ( حوتًا يقال له العنبر) طوله خمسون ذراعًا يقال له بالة، وفي رواية ابن جريج السابقة في هذا الباب حوتًا ميتًا ( فأكلنا) منه ( نصف شهر) .
وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر في المغازي ثماني عشرة ليلة، وفي رواية أبي الزبير عند مسلم فأقمنا عليه شهرًا ويجمع بين ذلك بأن الذي قال ثماني عشرة ضبط ما لم يضبطه غيره ومن قال: نصف شهر ألغى الكسر وهو ثلاثة أيام، ومن قال شهرًا جبر الكسر وضم بقية المدّة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها، ورجح النووي رواية أبي الزبير لما فيها من الزيادة ( وادّهنا بودكه) بفتح الواو والدال المهملة أي شحمه ( حتى صلحت) بفتح الصاد واللام ( أجسامنا) ولأبي الزبير: فلقد رأيتنا نغترف من وقب عينيه بالقلال الدهن ونقتطع منه الفدر كالثور والوقب بفتح الواو وسكون القاف بعدها موحدة النقرة التي فيها الحدقة، والفدر بكسر الفاء وسكون الدال جمع فدرة بفتح ثم سكون القطعة من اللحم وغيره.
وفي رواية الخولاني عن جابر عند ابن أبي عاصم في الأطعمة وحملنا ما شئنا من قديد وودك في الأسقية والغرائر، وفي رواية أبي الزبير عند المؤلّف في المغازي أنهم ذكروا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: كلوا رزقًا أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم بعضو
منه فأكله وبهذا تتم الدلالة لجواز أكل ميتة البحر من هذا الحديث وإلاّ فمجرد أكل الصحابة منه وهم في حال المجاعة قد يقال إنه للاضطرار، وقد تبين بهذه الزيادة أن جهة كونها حلالًا ليست بسبب الاضطرار بل لكونها من صيد البحر ويستفاد منه إباحة ميتة البحر سواء مات بنفسه أو بالاصطياد.

( قال) جابر ( فأخذ أبو عبيدة) بن الجراح ( ضلعًا) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام ( من أضلاعه) من أضلاع الحوت ( فنصبه فمرّ الراكب تحته) وفي المغازي ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر برحلة فرحت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما وفي أخرى فيها فعمد إلى أطول رجل معه فمرّ تحته ( وكان فينا رجل) هو قيس بن سعد بن عبادة ( فلما اشتدّ) بنا ( الجوع نحر ثلاث جزائر) جمع جزور قال في الفتح: وفيه نظر فإن جزائر جمع جزيرة والجزور إنما يجمع على جُزُر بضمتين فلعله جمع الجمع.
وقال في القاموس: والجزور الناقة المجزرة الجمع جزائر وجزر وجزورات ( ثم) جاعوا بعد أكلها فنحر ( ثلاث جزائر) وكان قيس اشترى الجزر من أعرابي جهني كل جزور بوسق من تمر يوفيه إياه بالمدينة ( ثم نهاه أبو عبيدة) عن النحر بسؤال عمر لأبي عبيدة في ذلك.

وبقية قصة قيس مع أبيه لما قدم المدينة أشرت إليها في المغازي مختصرة من حديث رويته في الغيلانيات.