فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب غزوة الفتح

باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَمَا بَعَثَ بهِ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب غزوة الفتح) أي فتح مكة لنقض أهلها العهد الذي وقع بالحديبية وسقط لفظ باب لأبي ذر وابن عساكر (و) ذكر (ما بعث به حاطب بن أبي بلتعة) بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها فوقية فعين مهملة مفتوحتين وحاطب مهملتين (إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إياهم.


[ قــ :4050 ... غــ : 4274 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله عنه- يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوا مِنْهَا، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَهَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا»؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِنَ الحَقِّ} -إِلَى قَوْلِهِ- { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1] .

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني وسقط لأبي ذر وابن عساكر ابن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار) أنه (قال: أخبرني) بالتوحيد (الحسن بن محمد) بن علي بن أبي طالب المعروف أبوه بابن الحنفية (أنه سمع عبيد الله) بضم العين (ابن أبي رافع) مولى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واسمه أسلم (يقول: سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا
والزبير) بن العوّام (والمقداد) بن الأسود (فقال) لنا:
(انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ) بخاءين معجمتين بينهما ألف موضع بين مكة والمدينة (فإن بها ظعينة) امرأة في هودج اسمها سارة كما عند ابن إسحاق أو كنود كما عند الواقدي، وعنده أن حاطبًا جعل لها عشرة دنانير على ذلك (معها كتاب فخذوا) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فخذوه بضمير النصب (منها قال): ثبت قال في اليونينية (فانطلقنا تعادى) بحذف إحدى التاءين أي تجري (بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة) المذكورة (قلنا لها: أخرجي الكتاب) الذي معك بقطع همزة أخرجي مفتوحة وكسر الراء وسقط لفظ لها لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر (قالت: ما معي كتاب.
فقلنا) لها (لتخرجن الكتاب) بضم الفوقية وكسر الراء والجيم (أو لنلقين) نحن (الثياب) عنك (قال): بالتذكير في اليونينية ليس إلا وفي الفرع قالت بالتأنيث فلينظر (فأخرجته) أي الكتاب (من عقاصها) بكسر العين وبالقاف الخيط الذي يعتقص به أطراف الذوائب أو الشعر المضفور (فأتينا به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقرئ (فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس) صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل ولأبي ذر عن الكشميهني إلى أناس (بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسبق لفظ الكتاب في الجهاد (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا حاطب ما هذا)؟ سقط قوله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر وأبي الوقت وابن عساكر (قال: يا رسول الله لا تعجل عليّ إني كنت امرأً ملصقًا) بفتح الصاد (في قريش يقول: كنت حليفًا) بالحاء المهملة والفاء (ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات) بالجمع (يحمون) بها (أهليهم وأموالهم فأحببت إذ) أي حين (فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا) أي منّة عليهم (يحمون) بها (قرابتي) وعند ابن إسحاق وكان لي عندهم ولد وأهل فصانعتهم عليه.

وعند الواقدي بسند له مرسل أن حاطبًا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد (ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما) بالتخفيف (أنه قد صدقكم) بتخفيف الدال، قال الصدق (فقال عمر) بن الخطاب على عادة شدته في دين الله (يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعني أضرب عنق هذا المنافق) أطلق عليه ذلك لأنه أبطن خلاف ما أظهر لكن عذره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان متأوّلاً أن لا ضرر فيما فعله (فقال) عليه الصلاة والسلام مرشدًا إلى علة عدم قتله (إنه قد شهد بدرًا) وكأنه قال: وهل شهود بدر يسقط عنه هذا الذنب الكبير؟ فأجابه بقوله: (وما يدريك لعلّ الله اطّلع على من شهد بدرًا؟ قال): ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر فقال أي مخاطبًا لهم خطاب إكرام (اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد غفرت لكم) والمراد المغفرة في الآخرة فلو صدر من أحد منهم ما يوجب الحد مثلاً اقتص منه.

ومباحث هذا سبقت في الجهاد (فأنزل الله) تعالى: (السورة { يا أيها الذين آمنوا لا تتخدوا عدوي وعدوّكم أولياء} ) فيه دليل على أن الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان ({ تلقون} ) حال من الضمير في لا تتخذوا أي لا تتخذوهم أولياء ملقين ({ إليهم بالمودة} ) والإلقاء عبارة عن إيصال المودة والإفضاء بها إليهم، والباء في بالمودة زائدة مؤكدة للتعدي كقوله: { ولا تلقوا بأيديكم} أو أصلية على أن مفعول تلقون محذوف معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبب المودة التي بينكم وبينهم ({ وقد كفروا} ) حال من لا تتخذوا أو من تلقون أي لا تتولاهم ولا توادوهم وهذه حالهم ({ بما جاءكم من الحق} ) دين الإسلام أو القرآن (إلى قوله: ({ فقد ضلّ سواء السبيل} ) [الممتحنة: 1] .
أي فقد أخطأ طريق الحق والصواب، وثبت قوله: { وقد كفروا بما جاءكم من الحق} وللأصيلي وسقط قوله: { أولياء تلقون إليهم بالمودة} لابن عساكر.