فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة

باب مَا لَقِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ
( باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) -رضي الله عنهم- ( من المشركين) أي من أذاهم حال كونهم ( بمكة) .


[ قــ :3673 ... غــ : 3852 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا بَيَانٌ وَإِسْمَاعِيلُ قَالاَ: سَمِعْنَا قَيْسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ خَبَّابًا يَقُولُ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَهْوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ -وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً- فَقُلْتُ: يا رسول الله, أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ فَقَعَدَ وَهْوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ.
وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ».

زَادَ بَيَانٌ "وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ".

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا بيان) بفتح الموحدة وتخفيف التحتية ابن بشر الأحمسي المعلم الكوفي ( وإسماعيل) بن أبي خالد ( قالا: سمعنا قيسًا) هو ابن أبي حازم البجلي التابعي الكبير ( يقول: سمعت خبابًا) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ابن الأرت بفتح الهمزة والراء وتشديد الفوقية ( يقول: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه ( متوسد بردة) بتاء التأنيث، ولأبي ذر عن الكشميهني: بردة بالهاء
( وهو) أي والحال أنه ( في ظل الكعبة و) الحال أنا ( قد لقينا من المشركين شدة فقلت: ألا) ولأبي ذر عن الكشميهني يا رسول الله ألا ( تدعو الله؟) تعالى ( فقعد وهو) أي والحال أنه ( محمرّ وجهه) من الغضب ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( لقد كان من) بفتح الميم ( قبلكم) من الأنبياء ( ليمشط) بضم التحتية وسكون الميم وفتح المعجمة مبنيًّا للمفعول ( بمشاط الحديد) بكسر الميم جمع مشط كرماح جمع رمح قاله الصغاني في شوارد اللغات، ولأبي ذر عن الكشميهني: بأمشاط الحديد ( ما دون عظامه من لحم أو عصب ما) كان ( يصرفه) بالهاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يصرف ( ذلك) المشط ( عن دينه ويوضع المنشار) بكسر الميم وسكون النون بالمعجمة التي ينشر بها الخشب ( على مفرق رأسه) بفتح الميم وسكون الفاء وكسر الراء ( فيشق باثنين) بضم التحتية وفتح الشين المعجمة ( ما يصرفه ذلك) الوضع على مفرق رأسه ( عن دينه وليتمن الله) عز وجل ( هذا الأمر) بفتح اللام وضم التحتية وكسر الفوقية وتشديد الميم المفتوحة والنون من الإتمام والكمال واللام للتأكيد أي أمر الإسلام ( حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت) بفتح الميم ( ما يخاف) أحدًا ( إلا الله) عز وجل ( زاد بيان) المذكور في السند بروايته ( والذئب على غنمه) بنصب الذئب عطفًا على المستثنى منه لا المستثنى قاله في الكواكب، وجوزه في الفتح وقال: إن التقدير ولا يخاف إلا الذئب على غنمه لأن سياق الحديث إنما هو للأمن من عدوان بعض الناس على بعض كما كانوا في الجاهلية لا للأمن من عدوان الذئب فإن ذلك إنما يكون عند نزول عيسى اهـ.

وتعقبه في العمدة بأن سياق الحديث أعم من عدوان الناس وعدوان الذئب ونحوه لأن قوله: الراكب أعم من أن يكون معه غنم أو غيره وعدم خوفه يكون من الناس والحيوان، وبأن ذلك غير مختص بزمان عيسى عليه الصلاة والسلام، وإنما وقع هذا في زمن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- فإن الرعاة كانوا آمنين من الذئاب في أيامه ولم يعرفوا موته إلا بعدوان الذئب على الغنم.

وهذا الحديث قد سبق في باب علامات النبوة.




[ قــ :3674 ... غــ : 3853 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّجْمَ فَسَجَدَ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلاَّ سَجَدَ، إِلاَّ رَجُلٌ رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصىً فَرَفَعَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ : هَذَا يَكْفِينِي.
فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا بِاللَّهِ".

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي ( عن الأسود) بن يزيد النخعي ( عن عبد الله) بن مسعود ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النجم) في رمضان سنة خمس من البعثة كما قال الواقدي ( فسجد) بعد فراغه من قراءتها ( فما بقي أحد) من المسلمين والمشركين ( إلا سجد) معه المسلمون لله وغيرهم
لآلهتهم لأنها أول سجدة نزلت فأرادوا معارضة المسلمين بالسجود لآلهتهم ( إلاّ رجل) وهو أمية بن خلف كما في سورة النجم عند المؤلّف فلم يسجد ( رأيته أخذ كفًا من حصا فرفعه) إلى وجهه ( فسجد عليه وقال: هذا يكفيني فلقد رأيته بعد) بالبناء على الضم أي بعد ذلك ( قتل كافرًا بالله) تعالى يوم بدر.

ومطابقة الحديث للترجمة في عدم سجود هذا المذكور إذ في مخالفته نوع أذى على ما لا يخفى.

وهذا الحديث سبق في أبواب السجود ويأتي إن شاء الله تعالى في التفسير.




[ قــ :3675 ... غــ : 3854 ]
- حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: «بَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ: أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ -أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، شُعْبَةُ الشَّاكُّ- فَرَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ، غَيْرَ أُمَيَّةَ بن خلف أَوْ أُبَيٍّ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( محمد بن بشار) بندار العبدي قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي ( عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي المخضرم ( عن عبد الله) بن مسعود ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: بينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بغير ميم في بينا ( ساجد) عند الكعبة ( وحوله ناس من قريش) وهم السبعة المدعوّ عليهم بعد ( جاء عقبة بن أبي معيط) أشقاهم ( بسلا جزور) بفتح السين المهملة ( فقذفه على ظهر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة) ابنته ( عليها السلام فأخذته من ظهره) الشريف ( ودعت على من صنع) ذلك وفي رواية إسرائيل فأقبلت تسبهم ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما رفع رأسه من السجود وفرغ من الصلاة:
( اللهم عليك الملأ من قريش) أي الزم جماعتهم وأشرافهم أي أهلكهم ( أبا جهل بن هشام) واسمه عمرو فرعون هذه الأمة ( وعتبة بن ربيعة) بضم العين وسكون الفوقية وفي اليونينية الرفع والنصب بتقدير أعني ونحوه ( وشيبة بن ربيعة) أخا عتبة ( وأمية بن خلف أو أبي بن خلف شعبة) بن الحجاج هو ( الشاك) في ذلك، والصحيح أنه أمية كما في كتاب الصلاة لأن أبيا قتله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحد قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ( فرأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا) بضم الهمزة ( في بئر) هناك تحقيرًا لشأنهم ولئلا يتأذى بريحهم ( غير أمية) ولأبي ذر: زيادة ابن خلف ( أو أبي) بالشك ( تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر) .

وهذا الحديث سبق في أواخر الوضوء.




[ قــ :3676 ... غــ : 3855 ]
- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -أَوْ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ- قَالَ: "أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى قَالَ: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مَا أَمْرُهُمَا؟ [الأنعام: 151، الإسراء: 33] { وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} ، [النساء: 93] : { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: فَقَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ [68] قَالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ: فَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَدْ أَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ} [الفرقان: 70] الآيَةَ، فَهَذِهِ لأُولَئِكَ،.
وَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ [93] الرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ الإِسْلاَمَ وَشَرَائِعَهُ ثُمَّ قَتَلَ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ، فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ: إِلاَّ مَنْ نَدِمَ".
[الحديث 3855 - أطرافه في: 4590، 476، 4763، 4765، 4766] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدَّثني بالإفراد ( عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن منصور) هو ابن المعتمر أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( سعيد بن جبير أو قال) منصور: ( حدّثني) بالإفراد الحكم بن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية وسكون التحتية وفتح الموحدة الكندي الكوفي ( عن سعيد بن جبير) أنه ( قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي مقصور الخزاعي مولاهم صحابي صغير ( قال: سل ابن عباس) -رضي الله عنهما- بفتح السين من غير همز وفي الناصرية قال: اسأل ابن عباس -رضي الله عنهما- ( عن هاتين الآيتين ما أمرهما) أي ما التوفيق بينهما وهما قوله تعالى في سورة الفرقان: ( { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله} ) [الأنعام: 151] كذا في الرواية.
ولفظ التلاوة: { ولا يقتلون} بثبوت النون زاد أبو ذر: إلاّ بالحق ( { ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا} ) [النساء: 93] أي حيث دلت الأولى العفو عند التوبة، والثانية على وجوب الجزاء مطلقًا ( فسألت ابن عباس) -رضي الله عنهما- عن ذلك ( فقال: لما أنزلت التي في الفرقان قال مشركو أهل مكة: فقد قتلنا النفس التي حرم الله ودعونا مع الله إلها آخر وقد أتينا الفواحش) فما يغني عنا الإسلام، وقد فعلنا ذلك كله وسقط قوله وقد لأبي ذر ( فأنزل الله) عز وجل ( { إلا من تاب وآمن} ) [الفرقان: 70] ( الآية) التي في سورة الفرقان ( فهذه لأولئك) الكفار ( وأما التي في) سورة ( النساء) ففي ( الرجل) المسلم ( إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم خالدًا فيها) سقط قوله خالدًا فيها من اليونينية فلا تقبل توبته وقال زيد بن ثابت: لما نزلت التي في الفرقان: { والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر} [الفرقان: 68] عجبنا من لينها فمكثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة، وأراد بالغليظة آية النساء، وباللينة آية الفرقان، وقد ذهب أهل السُّنّة إلى أن توبة قاتل المسلم عمدًا مقبولة لآية { وإني لغفار لمن تاب} [طه: 8] و { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] وما روي عن ابن عباس - رضي الله
عنهما - فهو تشديد ومبالغة في الزجر عن القتل، وليس في الآية متمسك لمن قال: بالتخليد في النار بارتكاب الكبائر لأن الآية نزلت في قاتل هو كافر وهو مقيس بن ضبابة، وقيل: إنه وعيد لمن قتل مؤمنًا مستحلاًّ لقتله بسبب إيمانه، ومن استحل قتل أهل الإيمان لإيمانهم كان كافرًا مخلدًا في النار، وذكر أن عمرو بن عبيد جاء إلى أبي عمرو بن العلاء فقال: هل يخلف الله وعده؟ فقال: لا.
فقال: أليس قد قال الله تعالى: { ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها} [النساء: 93] فقال أبو عمرو: من المعجمة أتيت يا أبا عثمان إن العرب تعدّ الإخلاف في الوعيد خلفًا وإنما تعدّ إخلاف الوعد خلفًا، وأنشد:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
قال عبد الرحمن بن أبزى: ( فذكرته) أي قول ابن عباس -رضي الله عنهما- ( لمجاهد) هو ابن جبر ( فقال: إلا من ندم) أي الآية الثانية مقيدة بقوله: { إلا من تاب} [الفرقان: 75] حملاً للمطلق على المقيد.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وأبو داود في الفتن والنسائي في المحاربة والتفسير.




[ قــ :3677 ... غــ : 3856 ]
- حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَىْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: "بَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} الآيَةَ [غافر: 8] .
تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ:.

قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو:.

     وَقَالَ  عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ: قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ".

وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بالتحتية وبعد الألف شين معجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثني) بالإفراد (الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم اليماني (عن محمد بن إبراهيم التيمي) أبي عبد الله المدني أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (قال: سألت) عبد الله (بن عمرو بن العاص) -رضي الله عنهما- (قلت أخبرني) بكسر الموحدة وسكون الراء وسقط لفظ قلت من اليونينية (بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينا) بغير ميم ولأبي ذر: بينما (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجر الكعبة) بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم (إذ أقبل عقبة بن أبي معيط) المقتول كافرًا بعد بدر (فوضع ثوبه) أي ثوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في
عنقه) المكرم (فخنقه) به (خنقًا) بسكون النون (شديدًا فأقبل أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (حتى أخذ بمنكبه) بفتح الميم وكسر الكاف أي بمنكب عقبة (ودفعه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: { أتقتلون رجلاً} كراهية ({ أن يقول ربي الله} [غافر: 8] الآية) أي لأن يقول: "وقال الزمخشري في آية المؤمن: ولك أن تقدر مضافًا محذوفًا أي وقت أن يقول، والمعنى أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر، وهذا رده أبو حيان بأن تقدير هذا الوقت لا يجوز إلا مع المصدر المصرح به.
تقول: جئتك صياح الديك أي وقت صياحه، ولو قلت أجيئك إن صاح الديك أو أن يصيح لم يصح نص عليه النحويون.
وهذا الاستفهام على سبيل الإنكار وفي هذا الكلام ما يدل على حسن هذا الإنكار لأنه ما زاد على أن قال: { ربي الله وقد جاءكم بالبينات} [غافر: 8] وذلك لا يوجب القتل البتة.

(تابعه) أي تابع عياش بن الوليد (ابن إسحاق) محمد فقال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن عروة عن) أبيه (عروة) بن الزبير أنه قال: (قلت لعبد الله بن عمرو) بفتح العين وهذه المتابعة وصلها أحمد والبزار.

(وقال عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان فيما وصله النسائي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (قيل لعمرو بن العاص) فخالف هشام أخاه يحيى بن عروة في اسم الصحابي فقال يحيى: عبد الله بن عمرو، وقال هشام: عمرو بن العاص فيرجح رواية يحيى موافقة محمد بن إبراهيم التيمي.

(وقال محمد بن عمرو) بفتح العين ابن علقمة الليثي المدني فيما وصله المؤلّف في خلق أفعال العباد (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن العاص) وهذا كله مع ما سبق من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: وكان أشد ما لقيت من قومك فذكر قصته بالطائف مع ثقيف يدل على تعدد ذلك فلا تعارض على ما لا يخفى.

وحديث الباب سبق في مناقب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.