فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب حديث

باب حَدِيثُ الإِفْكِ
وَالإِفْكُ بِمَنْزِلَةِ النَّجْسِ، وَالنَّجَسِ.
يُقَالُ: إِفْكُهُمْ وَأَفْكُهُمْ وَأَفَكُهُمْ فَمَنْ قَالَ: أفَكَهُم، يَقُولُ: صَرَفَهُمْ عَنِ الإِيمَانِ وَكَذَبَهُمْ، كَما قَالَ { يُؤفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات: 9] يُصْرَفُ عَنْهُ مَنْ صُرِفَ.

(باب حديث الإفك والإفك) بكسر الهمزة وفتحها مع سكون الفاء فيهما (بمنزلة النجس) بكسر النون وسكون الجيم (والنجس) بفتحهما (يقال): بضم التحتية وألف بعد القاف ولأبي ذر تقول بالفوقية والواو بدل الألف ولأبي ذر أيضًا وابن عساكر يقول: بالتحتية (إفكهم) بكسر الهمزة الواقع في غزوة المريسيع، والإفك بكسر الهمزة مصدر أفك يأفك إفكًا (وأفكهم) بفتح الهمزة وسكون الفاء فيهما وسقطت الأخيرة لأبي ذر (وأفكهم) بفتحهما مصدران له أيضًا ومراده الإشارة إلى قوله تعالى: { وذلك أفكهم} [الأحقاف: 28] وعن عكرمة وغيره بثلاث فتحات فعلاً ماضيًا (فمن قال: أفكهم) بالفتحات (يقول): معناه (صرفهم عن الإيمان وكذبهم كما قال: { يؤفك عنه من أفك} ) [الذاريات: 9] أي (يصرف عنه من صرف) الصرف الذي لا أشد منه وأعظم أو يصرف عنه من صرف في سابق علم الله تعالى أي علم فيما نزل أنه مأفوك عن الحق لا يرعوي، والضمير في عنه للقرآن، وهذه الجملة من قوله فمن قال: أفكهم الخ ثابتة لأبي ذر وابن عساكر.


[ قــ :3937 ... غــ : 4141 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ
قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ قَالَتْ: وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ فَسَارُوا وَوَجَدْتُ عِقْدِي، بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَىَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَهُمْ نُزُولٌ قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ.

     وَقَالَ  عُرْوَةُ أَيْضًا: لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلاَّ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فِي نَاسٍ آخَرِينَ لاَ عِلْمَ لِي بِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ كِبْرَ ذَلِكَ يُقَالُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وَتَقُولُ إِنَّهُ الَّذِي قَالَ:
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لاَ أَشْعُرُ بِشَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ يُرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِ حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَناصِعِ، وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا قَالَتْ: وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ قِبَلَ الْغَائِطِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهْيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ
لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا، فَقَالَتْ أَىْ هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: وَقُلْتُ مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ لأُمِّي يَا أُمَّتَاهُ مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ يَا بُنَيَّةُ: هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَ لَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا،.
وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرِيرَةَ فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَىْءٍ يَرِيبُكِ»؟ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي» فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قَالَتْ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ، وَهْوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهْوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، قَالَتْ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ قَالَتْ: فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى إِنِّي لأَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْنَا فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى
إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَىْءٍ قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِّي فِيمَا قَالَ: فَقَالَ أَبِي: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا قَالَ، قَالَتْ أُمِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا، إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ.

قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي فَوَاللَّهِ لاَ أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ وَهْوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَضْحَكُ فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ» قَالَتْ: فَقَالَتْ لِي أُمِّي قُومِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ: لا وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ فَإِنِّي لاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَتْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةً مِنكُمْ} [النور: 11] الْعَشْرَ الآيَاتِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- { غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ : وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ لِزَيْنَبَ: «مَاذَا عَلِمْتِ -أَوْ رَأَيْتِ-»؟ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْرًا قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهْيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ قَالَتْ: وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ ثُمَّ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ ما قِيلَ، لَيَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ، قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وبه قال: (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي المدني قال: (حدثنا إبراهيم بن سعد)
بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) أي ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه (قال: حدثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال لها أهل الإفك ما قالوا وكلهم) أي الأربعة عروة فمن بعده: (حدثني) بالإفراد (طائفة) قطعة (من حديثها وبعضهم كان أوعى) أي أحفظ (لحديثها من بعض) وسقطت لفظة كان لابن عساكر (وأثبت له اقتصاصًا) أي سياقًا وأثبت نصب عطفًا على خبر كان (وقد وعيت) بفتح العين حفظت (عن كل رجل منهم الحديث) أي بعض الحديث (الذي حدثني) به منه (عن) حديث (عائشة) من إطلاق الكل على البعض فلا تنافي بين قوله وكلهم حدثني طائفة من الحديث وبين قوله وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث، وحاصله أن جميع الحديث عن مجموعهم لا أن جميعه عن كل واحد منهم (وبعض حديثهم يصدق بعضًا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض قالوا: قالت عائشة كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أراد سفرًا أقرع بين أزواجه) تطييبًا لقلوبهن (فأيهن) بغير تاء تأنيث ولأبي ذر فأيتهن بإثباتها ولابن عساكر وأبي الوقت وأيهن بالواو بدل الفاء أي فأي أزواجه (خرج سهمها خرج بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معه قالت عائشة: فأقرع بيننا) عليه الصلاة والسلام (في غزوة غزاها) هي غزوة المريسيع (فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدما أنزل الحجاب) أي الأمر به (فكنت أحمل) بضم الهمزة وفتح الميم (في هودجي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في هودج (وأنزل فيه) بضم الهمزة وفتح الزاي (فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غزوته تلك وقفل) بفتح القاف والفاء رجع (دنونا) أي قربنا ولأبي ذر ودنونا (من المدينة) حال كوننا (قافلين) راجعين (آذن) بفتح الهمزة ممدودة وتخفيف المعجمة أي أعلم (ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت) لقضاء حاجتي منفردة (حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني) الذي مشيت له (أقبلت إلى رحلي) الموضع الذي نزلت به (فلمست صدري فإذا عقد) بكسر العين قلادة (لي من جزع ظفار) بفتح الجيم وسكون الزاي مضاف لظفار بغير همز ولأبي ذر عن المستملي أظفار بالهمزة وصوّب الخطابي حذف الهمزة وكسر الراء مبيّنًا كحضار مدينة باليمن (قد انقطع فرجعت) إلى الموضع الذي ذهبت إليه (فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه) طلبه.

(قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني) بضم التحتية وفتح الراء وتشديد الحاء ويجوز فتح التحتية وسكون الراء وفتح الحاء ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر يرحلون بي (فاحتملوا هودجي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فحملوه (فرحلوه) بالتخفيف أي وضعوه (على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه) أي فى الهودج (وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يهبلن) بسكون الهاء وضم الموحدة وسكون اللام بعدها نون (ولم يغشهن اللحم) أي لم يكثر يقال: هبله اللحم أي كثر عليه وركب بعضه بعضًا (إنما يأكلن العلقة) بضم العين وسكون اللام وفتح القاف القليل (من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن) لم تبلغ حينئذٍ خمس عشرة سنة (فبعثوا الجمل) أثاروه (فساروا ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش)
أي ذهب ماضيًا واستمر استفعل من مر (فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت) قصدت (منزلي الذي كنت به) ولابن عساكر فيه (وظننت) أي علمت (أنهم سيفقدوني) ولأبي ذر سيفقدونني (فيرجعون إليّ فبينا) بغير ميم (أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني) بالإفراد (فنمت) أي من شدّة ما اعتراها من الغم أو أن الله تعالى ألقى عليها النوم لطفًا منه بها لتستريح من وحشة الانفراد في البرية بالليل (وكان صفوان بن المعطل) بضم الميم وتشديد الطاء المفتوحة (السلمي ثم الدكواني) يتخلف (من وراء الجيش) فمن سقط له شيء من متاعه كالقدح والأداوة أتاه به (فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان) أي شخص إنسان (نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل) نزول (الحجاب فاستيقظت) من نومي (باسترجاعه) أي بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون (حين عرفني فخمرت) بالخاء المعجمة والميم المشددة المفتوحتين والراء الساكنة أي غطيت (وجهي بجلبابي) بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين بينهما ألف (ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه) يقول: إنّا لله وإنا إليه راجعون لما شق عليه من ذلك (وهوى) بفتح الهاء والواو (حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها) ليسهل الركوب عليها فلا يحتاج إلى مساعد (فقمت إليها فركبتها فانطلق) صفوان حال كونه (يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش) حال كوننا (موغرين) بضم الميم وسكون الواو وكسر الغين المعجمة بعدها راء أي داخلين في الوغرة وهي شدة الحرّ وعبر بلفظ الجمع موضع التثنية (في نحر الظهيرة) بالحاء المهملة الساكنة حين بلغت الشمس منتهاها من الارتفاع كأنها وصلت إلى النحر وهو أعلى المصدر (وهم) أي والحال أن الجيش (نزول قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فهلك من) بفتح الميم ولابن عساكر فهلك فيّ من (هلك) من أمر الإفك (وكان الذي تولى كبر الإِفك) بكسر الكاف وسكون الباء الموحدة الذي باشر معظمه (عبد الله بن أبيٍ) بالتنوين (ابن سلول) بالرفع علم لام عبد الله فيكتب بالألف وشاع ذلك في الجيش.

(قال عروة) بن الزبير بالسند السابق (أخبرت) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (أنه) أي حديث الإفك (كان يشاع ويتحدث به عنده) عند عبد الله بن أبي (فيقره ويستمعه) فلا ينكره ولا ينهى عنه من يقوله: (ويستوشيه) يستخرجه بالبحث عنه حتى يفشيه.

(وقال عروة) بن الزبير: (أيضًا) بالسند السابق (لم يسم) بفتح السين والميم المشددة (من أهل الإفك أيضًا إلا حسان بن ثابت) الشاعر (ومسطح بن أثاثة) بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء بعدها حاء مهملات وأثاثة بضم الهمزة ومثلثتين بينهما ألف مخففًا القرشي المطلبي (وحمنة بنت جحش) بفتح الحاء المهملة والنون بينهما ميم ساكنة أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش (في ناس آخرين لا علم لي بهم) أي بأسمائهم (غير أنهم عصبة) عشرة أو ما فوقها إلى الأربعين (كما قال الله تعالى) في سورة النور: { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم} [النور: 11] (وإن كبر ذلك) بضم الكاف وكسرها أي وأن متولي معظمه (يقال: عبد الله) ولأبي ذر يقال له عبد الله (بن أبيٍ) بالتنوين (ابن سلول).

(قال عروة) بالسند السابق (كانت عائشة) -رضي الله عنها- (تكره أن يسب) بضم التحتية وفتح السين المهملة وتشديد الموحدة (عندها حسان) بن ثابت -رضي الله عنه- (وتقول: إنه الذي قال: فإن أبي) ثابتًا (ووالده) منذرًا (وعرضي) بكسر العين المهملة موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه أو من ينسب إليه (لعرض محمد منكم وقاء).

(قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (قدمنا المدينة فاشتكيت) فمرضت (حين قدمت) المدينة (شهرًا والناس يفيضون) بضم التحتية يخوضون (في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني) بفتح التحتية الأولى وسكون الثانية بينهما راء مكسورة يوهمني (في وجعي أني لا أعرف) وفي كتاب الشهادات أني لا أرى (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللطف) بضم اللام وسكون الطاء ولأبي ذر في الأصل المروي عنه من رواية أبي الحطيئة اللطف بفتح اللام والطاء أي الرفق (الذي كنت أرى منه حين اشتكي إنما يدخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيسلم ثم يقول: كيف تيكم ثم ينصرف فذلك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت حين نقهت) بفتح النون والقاف وسكون الهاء أفقت من المرض (فخرجت مع) بسكون الجيم ولأبي ذر فخرجت معي (أم مسطح) بفتح الجيم ومسطح بكسر الميم وسكون المهملة (قبل المناصع) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة المناصع بالصاد والعين المهملتين موضع خارج المدينة (وكان) المناصع (متبرزنا) موضع قضاء حاجتنا (وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف) الأمكنة المتخذة لقضاء الحاجة (قريبًا من بيوتنا.
قال: وأمرنا) في التبرز (أمر العرب الأول في البرية) خارج المدينة (قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا.
قالت: فانطلقت أنا وأم مسطح وهي) سلمى (ابنة أبي رهم بن المطلب) بضم الراء وسكون الهاء واسمه أنيس (بن عبد مناف وأمّها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق) - رضي الله تعالى عنه - وسقط قوله الصديق لأبي ذر (وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب) بفتح العين وتشديد الموحدة (فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي) أي جهته (حين فرغنا من شأننا فعثرت) بمثلثة وفتحات (أم مسطح في مرطها) بكسر الميم في كسائها (فقالت: تعس) بفتح العين ولأبي ذر تعس بكسرها (مسطح) كب لوجهه أو هلك (فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلاً شهد بدرًا؟ فقالت: أي هنتاه) بسكون الهاء ولأبي ذر بضمها يا هذه (ولم تسمعي ما قال) مسطح؟ (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (وقلت) لها: (ما) ولأبي ذر وما (قال: فأخبرتني بقول أهل الإفك.
قالت: فازددت مرضًا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلم ثم قال: كيف تيكم فقلت له أتأذن لي أن آتي أبوي) بتشديد الياء (قالت: وأريد أن أستيقن الخبر) الذي سمعته (من قبلهما) أي من جهتهما (قالت: فأذن لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في ذلك فأتيتهما (فقلت لأمي: يا أمّتاه) بفوقية بعد الميم (ماذا يتحدّث الناس) به؟ (قالت: يا بنية) ولأبي ذر بالكسر (هوّني عليك) الشأن (فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة) أي حسنة جميلة (عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن) بتشديد المثلثة ولأبي ذر عن الكشميهني إلا أكثرن (عليها) القول في عيبها ونقصها، والمراد بعض أتباع ضرائرها كحمنة بنت جحش أخت
زينب أو نساء ذلك الزمان فالاستثناء منقطع لأن أمهات المؤمنين لم يعبنها.

(قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فقلت) متعجبة من ذلك: (سبحان الله أو لقد) بهمزة الاستفهام (تحدّث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ) بالقاف والهمزة لا ينقطع (لي دمع ولا أكتحل بنوم) لأن الهموم موجبة للسهر وسيلان الدموع (ثم أصبحت أبكي: قالت: ودعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي) بالرفع أي حين طال لبث نزوله حال كونه (يسألهما) عن ذلك (ويستشيرها في فراق أهله) لم تقل في فراقي لكراهتها التصريح بإضافة الفراق إليها (قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه) أي من الود (فقال أسامة): هم (أهلك) العفائف كذا أهلك بالرفع لأبي ذر ولغيره أهلك بالنصب أي أمسك أهلك (ولا نعلم) عليهم (إلا خيرًا، وأما عليّ فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير) بالتذكير على إرادة الجنس (وسل الجارية) بريرة ولعلها كانت تخدم عائشة -رضي الله عنها- حينئذٍ قبل شرائها أو كانت اشترتها وأخرت عتقها إلى بعد الفتح (تصدقك) بالجزم على الجزاء وهي لم تعلم منها إلا البراءة فتخبرك (قالت: فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريرة فقال):
(أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك) أي من جنس ما قيل فيها (قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرًا قط أغمصه) بغين معجمة وصاد مهملة أي أعيبه عليها (غير أنها) ولأبي ذر وابن عساكر من أنها (جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن) بكسر الجيم الشاة وقيل كل ما يألف البيوت شاة أو غيرها (فتأكله قالت: فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي وهو على المنبر فقال: يا معشر المسلمين من يعدزني) أي من يقوم بعذري إن كافأته على قبيح فعله ولا يلمني أو من ينصرني (من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا ولقد ذكروا رجلاً) هو صفوان بن المعطل (ما علمت عليه إلا خيرًا وما يدخل على أهلي إلا معي قالت: فقام سعد بن معاذ) سقط لأبي ذر وابن عساكر ابن معاذ (أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك) بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة منه (فإن كان من الأوس) قبيلتنا (ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك) فيه (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فقام رجل من الخزرج وكانت أمّ حسان) بن ثابت (بنت عمه من فخذه) بالذال المعجمة (وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج.
قالت: وكان) ولأبي ذر فكان (قبل ذلك رجلاً صالحًا) كاملاً في الصلاح لم يتقدم منه ما يتعلق بالوقوف مع أنفة الحمية ولم تغمصه في دينه، ولكن كان بين الحيين مشاحة قبل الإسلام ثم زالت وبقي بعضها بحكم الأنفة كما قالت (ولكن احتملته) من مقالة سعد بن معاذ (الحمية) أغضبته (فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله) لأنا نمنعه منه (ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه) ولو كان من الخزرج إذا أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك وليست لكم قدرة على منعنا، وقابل قوله لابن معاذ كذبت لا تقتله
بقوله كذبت لنقتلنه (فإنك منافق) في الود (تجادل عن المنافقين) ولم يرد نفاق الكفر بل إظهاره الود للأوس ثم ظهر منه في هذه القصة خلاف ذلك.

(قالت: فثار الحيان الأوس والخزرج) بالمثلثة أي نهض بعضهم إلى بعض من الغضب (حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم على المنبر قالت: فلم يزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخفضهم حتى سكتوا وسكت) عليه الصلاة والسلام (قالت: فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم قالت: وأصبح أبواي) أبو بكر وأم رومان (عندي وقد بكيت ليلتين ويومًا لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أني لأظن أن البكاء فالق كبدي فبينا) بغير ميم (أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار) لم تسم (فأذنت لها فجلست تبكي معي) أي تفجعًا لما نزل بها (قالت: فبينا) بغير ميم (نحن على ذلك دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علينا فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها) بفتح القاف وسكون الموحدة (وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني) هذا (بشيء) ليعلم المتكلم من غيره (قالت: فتشهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين جلس ثم قال):
(أما بعد يا عائشة بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة) مما نسبوه إليك (فسيبرئك الله) عز وجل منه بوحي ينزله (وإن كنت ألممت بذنب) أي وقع منك على خلاف العادة (فاستغفري الله وتوبي إليه) منه (فإن العبد إذا اعترف) بذنبه (ثم تاب) منه (تاب الله عليه قالت فلما قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقالته قلص دمعي) بالقاف واللام المفتوحتين والصاد المهملة انقطع لأن الحزن والغضب إذا أخذا حدّهما فقد الدمع لفرط حرارة المصيبة (حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عني) وسقط لفظ عني لأبي ذر وابن عساكر (فيما قال فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فقلت لأمي: أجيبي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما قال قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرًا: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني) ولأبي ذر: لا تصدقونني (ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني) بضم القاف وتشديد النون (فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف) يعقوب عليهما السلام (حين قال): في تلك المحنة ({ فصبر جميل} ) [يوسف: 18] لا جزع فيه ({ والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18] ، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي والله يعلم أني حينئذٍ بريئة وأن الله مبرئي) اسم فاعل من التبرئة (ببراءتي) أي تحوّلت مقدرة أن الله تعالى يبرئني عند الناس بسبب براءتي في نفس الأمر فالباء سببية والجملة حالية مقدرة (ولكن والله ما كنت أظن أن الله تعالى منزل في شأني وحيًا يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر، ولكن) بتخفيف النون ساكنة ولأبي ذر ولكني بتشديدها مكسورة بعدها تحتية (كنت أرجو أن يرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النوم رؤيا يبرئني الله بها فوالله ما رام) بالراء وألف بعدها ثم ميم ما فارق (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه) الوحي (فأخذه) عليه الصلاة والسلام (ما كان يأخذه من البرحاء) بضم الموحدة وفتح الراء والحاء المهملة ممدودًا من الشدة من ثقل الوحي (حتى أنه ليتحدر) بالمثناة
الفوقية ولابن عساكر لينحدر بنون ساكنة بدل الفوقية أي لينصب (منه العرق مثل الجمان) بضم الجيم وتخفيف الميم مفتوحة اللؤلؤ (وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه) صلوات الله وسلامه عليه (قالت: فسري) بضم السين وتشديد الراء مكسورة أي أزيل وكشف (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يضحك فكانت أوّل كلمة تكلم بها أن قال):
(يا عائشة أما الله) بفتح الهمزة وتشديد الميم (فقد برأك) مما نسب إليك بما أوحاه الله إليّ من القرآن (قالت: فقالت لي أمي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أمي لي بالتقديم والتأخير (قومي إليه) زاده الله شرفًا لديه (فقلت: لا والله لا أقوم إليه فإني) بالفاء ولابن عساكر وأني (لا أحمد إلاّ الله عز وجل) الذي أنزل براءتي (قالت: وأنزل الله تعالى: { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم} ) [النور: 11] [العشر الآيات] ، ثبت قوله عصبة منكم لأبي ذر وابن عساكر (ثم أنزل الله تعالى هذا في براءتي) وتاب إلى الله من كان تكلم فيّ من المؤمنين وأقيم الحدّ على من أقيم عليه.

(قال أبو بكر الصديق): وسقط لفظ الصديق لأبي ذر (وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه) إذ كان ابن خالة الصديق (وفقره والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله تعالى: { ولا يأتل} ) ولا يحلف ({ أولو الفضل منكم} ) أي الطول والإحسان والصدقة (إلى قوله: ({ غفور رحيم} ) [النور: 22] فكما تغفر لك (قال أبو بكر الصديق) سقط لفظ الصديق لأبي ذر (بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع) بتخفيف الجيم (إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا.
قالت عائشة: وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل زينب بنت جحش) أم المؤمنين (عن أمري فقال لزينب: ماذا علمت) على عائشة (أو رأيت)؟ منها (فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي) عن أن أقول سمعت ولم أسمع (وبصري) من أن أقول نظرت ولم أنظر (والله ما علمت) عليها (إلاّ خيرًا.
قالت عائشة: وهي) أي زينب (التي كانت تساميني) تضاهيني وتفاخرني بجمالها ومكانتها عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعصمها الله) أي حفظها (بالورع.
قالت) عائشة: (وطفقت) بكسر الفاء وجعلت (أختها حمنة تحارب لها) لأجلها فتذكر ما يقول: أهل الإفك (فهلكت فيمن هلك).

(قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالسند السابق (فهذا الذي) يعني (بلغني من حديث هؤلاء الرهط، ثم قال عروة): أي ابن الزبير (قالت عائشة: والله إن الرجل) صفوان بن المعطل (الذي قيل له ما قيل) من الإفك (ليقول): متعجبًا مما نسبوه إليه (سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط) أي سترها وهو كناية عن عدم الجماع وقد روي أنه كان حصورًا وأن معه مثل الهدبة (قالت) عائشة: (ثم قتل) أي صفوان (بعد ذلك في سبيل الله) شهيدًا.




[ قــ :3938 ... غــ : 414 ]
- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ حِفْظِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبَلَغَكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ، قُلْتُ: لاَ وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلاَنِ مِنْ قَوْمِكِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ لَهُمَا: كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمًا فِي شَأْنِهَا فَرَاجَعُوهُ فَلَمْ يَرْجِعْ،.

     وَقَالَ  مُسْلِمًا: بِلاَ شَكَّ فِيهِ وَعَلَيْهِ وَكَانَ فِي أَصْلِ العَتِيقِ كَذَلِكَ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( عبد الله بن محمد) المسندي ( قال: أملى عليّ هشام بن يوسف) الصنعاني ( من حفظه قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: قال لي الوليد بن عبد الملك) بن مروان الأموي: ( أبلغك) بهمزة الاستفهام الاستخباري ( أن عليًّا كان فيمن قذف عائشة؟ قلت: لا) لأن عليًّا منزه عن أن يقول مثل قول أهل الإفك ( ولكن قد أخبرني) بالإفراد ( رجلان من قومك) قريش ( أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري ( وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث) المخزومي ( أن عائشة -رضي الله عنها- قالت لهما) : لأبي بكر وأبي سلمة ( كان عليّ مسلمًا) بكسر اللام المشدّدة من التسليم أي ساكتًا ( في شأنها) أي في شأن عائشة وللحموي مسلمًا بفتح اللام من السلامة من الخوض فيه ولابن السكن والنسفيّ مسيئًا ضد محسنًا أي في ترك التحزن لها، فالمراد من الإساءة هنا مثل قوله: والنساء سواها كثير، وهو -رضي الله عنه- منزه عن أن يقول بمقالة أهل الإفك ( فراجعوه) قال في الفتح أي هشام بن يوسف فيما أحسب، وزعم الكرماني أن المراجعة وقعت في ذلك عند الزهري ( فلم يرجع) هشام، وقال الكرماني: فلم يرجع الزهري إلى الوليد أي لم يجب بغير ذلك ( وقال مسلمًا) بكسر اللام المشددة ولأبي ذر مسلمًا بفتحها ( بلا شك فيه) لا بلفظ مسيئًا ( و) زاد لفظ ( عليه) أي قال: فلم يرجع الزهري على الوليد ( وكان في أصل العتيق) مسلمًا ( كذلك) لا مسيئًا لكن رواه عبد الرزاق بلفظ مسيئًا.
وقال الأصيلي بعد أن رواه بلفظ مسلمًا كذا قرأناه ولا أعرف غيره، ورواه ابن مردويه بلفظ أن عليًّا ساء في شأني والله يغفر له.




[ قــ :3939 ... غــ : 4143 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ إِذْ وَلَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَتْ: فَعَلَ اللَّهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ بِفُلاَنٍ فَقَالَتْ: أُمُّ رُومَانَ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: ابْنِي فِيمَنْ حَدَّثَ الْحَدِيثَ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا فَمَا أَفَاقَتْ إِلاَّ وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَغَطَّيْتُهَا فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا شَأْنُ هَذِهِ»؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَتْهَا الْحُمَّى بِنَافِضٍ، قَالَ: «فَلَعَلَّ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ» قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَعَدَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي وَلَئِنْ.

قُلْتُ لاَ تَعْذِرُونِي مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ { وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] قَالَتْ: وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا قَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لاَ بِحَمْدِ أَحَدٍ وَلاَ بِحَمْدِكَ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن
عبد الله اليشكري ( عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي ( عن أبي وائل) شقيق بن سلمة قال: ( حدثني) بالإفراد ( مسروق بن الأجدع) بسكون الجيم وفتح الدال المهملة ( قال: حدثني أم رومان) قيل إن أم رومان توفيت في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة أربع أو خمس أو ست ومسروق لم يدركها لأنه لم يقدم من اليمن إلا بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خلافة أبي بكر أو عمر، وهذا ما ذكره الواقدي وما في الصحيح أصح قد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقًا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة فيكون سماعه في خلافة عمر لأن مولد مسروق كان في سنة الهجرة وكذا قال: أبو نعيم الأصبهاني عاشت أم رومان بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وهم أم عائشة -رضي الله عنها- قالت: بينا) بغير ميم ( أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار) أي دخلت ولم تسم هذه المرأة قال: في المقدمة وهي غير المرأة الأولى التي دخلت وبكت مع عائشة ( فقالت: فعل الله بفلان وفعل) بفلان تعني ممن خاض في الإفك ( فقالت أم رومان: وما ذاك؟ قالت: ابني فيمن حدث الحديث) .

قال الحافظ ابن حجر: والذين تكلموا في الإفك من الأنصار ممن عرفت أسماءهم: عبد الله بن أبي، وحسان بن ثابت ولم تكن أم واحد منهما موجودة إلا أن يكون لأحدهما أم من رضاع أو غيره ( قالت) أم رومان للمرأة الأنصارية: ( وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا) تذكر مقالة أهل الإفك ( قالت عائشة: سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ذلك ( قالت: نعم.
قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم فخرّت)
عائشة ( مغشيًا عليها فما أفاقت) من غشيتها ( إلا وعليها حمى بنافض) أي برعدة ( فطرحت) بسكون الحاء ( عليها ثيابها فغطيتها) بها ( فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) :
( ما شأن هذه؟ فقلت: يا رسول الله أخذتها الحمى بنافض قال: فلعل) ذلك ( في حديث تحدث) بضم التاء الفوقية والحاء وكسر الدال المهملتين المشددة مبنيًا للمفعول زاد في رواية غير أبي ذر به ( قالت) أم رومان: ( نعم فقعدت عائشة فقالت: والله لئن حلفت) أني بريئة ( لا تصدقوني) ولأبي ذر لا تصدقونني بإثبات نون الوقاية ( ولئن قلت لا تعذروني) بفتح الفوقية وكسر المعجمة أي لا تقبلوا مني العذر ولأبي ذر لا تعذرونني بنونين ( مثلي ومثلكم كيعقوب) أبي يوسف الصديق ( وبنيه) إذ قال: في محنته ( والله المستعان) أي أستعينه ( على) احتمال ( ما تصفون) من الصبر على الرزء فيه ( قالت) أم رومان: ( وانصرف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فانصرف ( ولم يقل) لي ( شيئًا.
فأنزل الله)
تعالى ( عذرها) بعد ذلك بما أنزله في سورة النور ( قالت) عائشة له عليه الصلاة والسلام: ( بحمد الله لا بحمد أحد ولا بحمدك) قالت: ذلك إدلالاً وعتبًا لكونهم شكوا في حالها مع علمهم بحسن طرائقها وجميل أحوالها.

وهذا الحديث قد سبق في باب { لقد كان في يوسف وإخوته} [يوسف: 7] من أحاديث الأنبياء.




[ قــ :3940 ... غــ : 4144 ]
- حَدَّثَنِي يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- كَانَتْ تَقْرَأُ { إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15] وَتَقُولُ الْوَلْقُ: الْكَذِبُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَكَانَتْ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهَا بِذَلِكَ لأَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا.
[الحديث 4144 - طرفه في: 475] .

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( يحيى) بن جعفر بن أعين البيكندي قال: ( حدّثنا وكيع) هو ابن الجرّاح ( عن نافع بن عمر) بن عبد الله الجمحي القرشي ( عن ابن أبي مليكة) عبد الله ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( كانت تقرأ) قوله تعالى في سورة النور إذ تلقونه { إذ تلقونه} بكسر اللام وضم القاف المشددة { بألسنتكم} [النور: 15] ( وتقول) مفسرة له: ( الولق) بفتح الواو وسكون اللام ولأبي ذر بفتحها هو ( الكذب قال ابن أبي مليكة) عبد الله بالسند السابق ( وكانت) عائشة ( أعلم من غيرها بذلك) الذي قرأته بكسر اللام ( لأنه نزل فيها) .




[ قــ :3941 ... غــ : 4145 ]
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لاَ تَسُبَّهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
.

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ: اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: كَيْفَ بِنَسَبِي؟ قَالَ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ فَرْقَدٍ سَمِعْتُ هِشَامًا عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَبَّيْتُ حَسَّانَ وَكَانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَيْهَا.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدثني ( عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال: ( حدّثنا عبدة) هو عبد الرحمن بن سليمان الكلابي ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه ( قال: ذهبت أسبّ حسان) بن ثابت ( عند عائشة فقالت: لا تسبه فإنه كان ينافح) بالفاء المكسورة بعدها حاء مهملة أي يخاصم ( عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقالت عائشة: استأذن) حسان ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هجاء المشركين) من قريش ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( كيف) تعمل ( بنسبي) إذا هجوت قريشًا ( قال) حسان: ( لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين) .

( وقال محمد) : ولأبو ذر والوقت وابن عساكر محمد بن عقبة أبو جعفر الطحان الكوفي أحد مشايخ المؤلّف وللأصيلي وكريمة حدّثنا محمد بغير نسبة قال: ( حدّثنا عثمان بن فرقد) البصري قال: ( سمعت هشامًا عن أبيه) عروة بن الزبير ( قال: سبيت) بتشديد الموحدة ( حسان) بن ثابت عند عائشة -رضي الله عنها- ( وكان ممن كثر) بتشديد المثلثة ( عليها) في ذكر قصة الإفك الحديث.




[ قــ :394 ... غــ : 4146 ]
- حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ.

     وَقَالَ :
فَحَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِي لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] فَقَالَتْ: وَأَيُّ
عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟ قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[الحديث 4146 - طرفاه في: 4755، 4756] .

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العسكري الفرائضي قال: ( أخبرنا محمد بن جعفر) الملقب بغندر ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن سليمان) بن مهران الأعمش ( عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الكوفي ( عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه ( قال: دخلنا) وللأصيلي دخلت ( على عائشة -رضي الله عنها- وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرًا يشبب بأبيات له) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة المكسورة الأولى من التشبيب وهو ذكر الشاعر وما يتعلق بالغزل ونحوه ( وقال) ولابن عساكر فقال:
( حصان) بفتح المهملتين وبعد الألف نون عفيفة تمتنع من الرجال ( رزان) براء مهملة فزاي معجمة مخففة صاحبة وقار وعقل ثابت ( ما تزن) بضم الفوقية وفتح الزاي المعجمة وتشديد النون المضمومة أي ماتتهم ( بريبة) بكسر الراء بتهمة ( وتصبح غرثى) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح المثلثة أي جائعة لا تغتاب الناس إذ لو كانت مغتابة لكانت آكلة من لحم أخيها فتكون شبعانة أو تصبح خميصة البطن ( من لحوم الغوافل) عما يرمين به من الشر لأنهن لم يتهمن قط ولا خطر على قلوبهن فهن في غفلة عنه، وهذا أبلغ ما يكون من الوصف بالعفاف ( فقالت له عائشة: لكنك لست كذلك) أي بل اغتبت وخضت في قول أهل الإفك.

( قال مسروق: فقلت لها لم تأذني له) بحذف نون الرفع لمجرد التخفيف.
قال ابن مالك: وهو ثابت في الكلام الفصيح نثره ونظمه ولأبي ذر لم تأذنين له ( أن يدخل عليك) أي في الدخول عليك ( وقد قال الله) عز وجل: ( { والذي تولى كبره} ) عظمه ( { منهم} ) من العصبة ( { له عذاب عظيم} ) [النور: 11] وقوله في التنقيح: أنكر ذلك عليه، وإنما الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول، وإنما كان حسان من الجملة تعقبه في المصابيح بأن هذا في الحقيقة إنكار على عائشة فإنها سلمت لمسروق ما قال: بقولها وأي عذاب أشد من العمى ( فقالت) عائشة: ( وأي عذاب أشد من العمى) وكان قد عمي ( قالت) : ولأبي ذر فقالت ( له: إنه) أي حسان ( كان ينافح) يذب ( أو يهاجي) بشعره ( عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويخاصم عنه وسقط لفظ له لأبي ذر.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في الفضائل.