فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب هبة الواحد للجماعة

باب هِبَةِ الْوَاحِدِ لِلْجَمَاعَةِ
.

     وَقَالَتْ  أَسْمَاءُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي عَتِيقٍ: وَرِثْتُ عَنْ أُخْتِي عَائِشَةَ بِالْغَابَةِ، وَقَدْ أَعْطَانِي بِهِ مُعَاوِيَةُ مِائَةَ أَلْفٍ، فَهُوَ لَكُمَا.

( باب هبة الواحد) الشيء الواحد ( للجماعة) مشاعًا جائز وإن كان لا ينقسم كعبد لأن الهبة عقد تمليك والمشاع قبل للملك فتجوز هبته كبيعه، وقال الحنفية: تجوز فيما لا ينقسم كالحمام والرحى لا فيما ينقسم إلا بعد القسمة كما لا تجوز هبة سهم في دار لأن القبض في الهبة منصوص عليه مطلقًا فينصرف إلى الكامل والقبض في المشاع ليس بكامل لأنه في حيزّه من وجه وفي حيّز شريكه من وجه، وتمامه إنما يحصل بالقسمة بخلاف المشاع فيما لم يقسم لأن القبض الكامل فيه غير متصوّر فاكتفى بالقاصر قاله ابن فرشتاه في شرح المجمع، وقبض المشاع يحصل بقبض الجميع منقولاً كان أو غيره فإن كان منقولاً ومنع من القبض الشريك فيه ووكله الموهوب له في القبض له جاز فيقبضه له الشريك، فإن امتنع الموهوب له من توكيل الشريك فيقبض له الحاكم ويكون في يده لهما أما إذا لم يمتنع الشريك من القبض بأن رضي بتسليم نصيبه أيضًا إلى الموهوب له فقبض الجميع فيحصل الملك ويكون نصيبه تحت يد الموهوب له وديعة.

( وقالت أسماء) بنت أبي بكر الصدّيق ( للقاسم بن محمد) هو ابن أخي أسماء ( وابن أبي عتيق) هو أبو بكر عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو ابن أخي أسماء ( ورثت) وفي بعض الأصول الذي ورثت ( عن أختي عائشة) زاد أبو ذر عن الكشميهني مالاً ( وبالغابة) بالغين المعجمة وبعد الألف موحدة موضع بالعوالي قريب من المدينة به أموال أهلها ( وقد أعطاني به معاوية) بن أبي سفيان ( مائة ألف) أي وما بعته منه ( فهو لكما) خطاب للقاسم وعبد الله بن أبي عتيق وقد كانت عائشة لما ماتت ورثتها أختاها أسماء وأم كلثوم وأولاد أخيها عبد الرحمن ولم يرثها

أولاد أخيها محمد لأنهُ لم يكن شقيقها، فكأن أسماء قصدت جبر خاطر القاسم بذلك وأشركت معه عبد الله لأنه لم يكن وارثًا لوجود أبيه قاله في الفتح، والجمع يطلق على الاثنين فتحصل المطابقة بينه وبين الترجمة ولم أرَ هذا التعليق موصولاً.


[ قــ :2489 ... غــ : 2602 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: إِنْ أَذِنْتَ لِي أَعْطَيْتُ هَؤُلاَءِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدًا.
فَتَلَّهُ فِي يَدِهِ".

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي القرشي المكي المؤذن قال: ( حدّثنا مالك) الإمام ( عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج ( عن سهل بن سعد) الساعدي الأنصاري له ولأبيه صحبة ( -رضي الله عنه-) وعن أبيه.

( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتيَ بشراب) لبن ممزوج بماء ( فشرب) عليه الصلاة والسلام منه ( وعن يمينه غلام) هو ابن عباس ( وعن يساره الأشياخ) منهم أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- ( فقال) عليه الصلاة والسلام ( للغلام) ابن عباس ( إن أذنت لي أعطيت هؤلاء) الأشياخ القدح ( فقال) الغلام ( ما كنت لأُوثر بنصيبي منك يا رسول الله أحدًا فتله) بالمثناة الفوقية وتشديد اللام أي رمى به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في يده) أي يد الغلام.
قال الإسماعيلي: ليس في هذا الحديث هبة لا للواحد ولا للجماعة وإنما هو شراب أُتي به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم سقي على وجه الإباحة والإرفاق كما لو قدّم للضيف طعامًا يأكله وليس قوله للغلام: أتأذن لي على جهة أنه حق له بالهبة لكن الحق من جهة السُّنّة في الابتدائية وللأشياخ حق السن وأجاب في فتح الباري: بأن الحق كما قال ابن بطال أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل الغلام أن يهب نصيبه الأشياخ وكان نصيبه منه مشاعًا غير متميز فدلّ على صحة هبة المشاع.

ويؤخذ من الحديث تقديم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل إذا جلس على يمين الرئيس فيكون مخصوصًا من عموم حديث ابن عباس عند أبي يعلى بسند قوي قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سقي قال: ابدؤوا بالأكبر ويكون الأيمن ما امتاز بمجرد الجلوس في الجهة اليمنى بل الخصوص كونها يمين الرئيس والفضل إنما فاض عليه من الأفضل قال الزركشي: ويؤخذ منه أنه إذا تعارضت الفضيلة المتعلقة بالمكان والمتعلقة بالذات تقدم المتعلقة بالذات وإلاَّ لم يستأذنه.
قال في المصابيح: وقع في النظائر والأشباه لابن السبكي أنه بحث مرة مع أبيه الشيخ تقي الدين السبكي في صلاة الظهر بمنى يوم النحر إذا جعلنا منى خارجة عن حدود المحرم أتكون أفضل من صلاتها في المسجد لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاّها بمنى والاقتداء به أفضل أو في المسجد لأجل المضاعفة فقال بل في منى وإن لم تحصل بها المضاعفة فإن في الاقتداء بأفعال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الخير ما يربو على المضاعفة.

وهذا الحديث قد سبق في المظالم ويأتي إن شاء الله تعالى في الأشربة.