فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إن أحال دين الميت على رجل جاز

باب إِنْ أَحَالَ دَيْنَ الْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا أحال) رجل ( دين الميت على رجل جاز) هذا الفعل.


[ قــ :2196 ... غــ : 2289 ]
- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ.
فَصَلَّى عَلَيْهِ.
ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيْهَا.
قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ.
فَصَلَّى عَلَيْهَا.
ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا.
قَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟

قَالُوا: ثَلاَثَةُ دَنَانِيرَ.
قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ.
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَىَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ".
[الحديث 2289 - طرفه في: 2295] .

وبه قال: ( حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد البلخي قال: ( حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بالتصغير مولى سلمة بن الأكوع ( عن سلمة بن الأكوع) واسمه سنان المدني شهد بيعة الرضوان ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال كنا جلوسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( بجنازة فقالوا: صلّ عليها) يا رسول الله ولم يسم صاحب الجنازة ولا الذي قال صلّ عليها، وفي حديث جابر عند الحاكم: مات رجل فغسّلناه وكفّناه وحنّطناه ووضعناه حيث توضع الجنازة عند مقام جبريل ثم آذنًا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به ( فقال: هل عليه) أي الميت ( دين) لأنه عليه السلام كان قبل أن تفتح عليه الفتوح إذا أُتي بمدين لا وفاء لدينه قال لأصحابه صلّوا عليه ولا يصلّي هو عليه تحذيرًا عن الدين وزجرًا عن المماطلة ( قالوا لا) دين عليه ( قال فهل ترك شيئًا؟ قالوا لا) لم يترك شيئًا ( فصلّى عليه) زاده الله شرفًا لديه ( ثم أُتي بجنازة أخرى فقالوا يا رسول الله صلّ عليها قال) عليه الصلاة والسلام: ( هل عليه دين؟ قيل: نعم) عليه دين قال: ( فهل ترك شيئًا) لدينه؟ ( قالوا) ترك ( ثلاثة دنانير) وللحاكم من حديث جابر ديناران وعند الطبراني من حديث أسماء بنت يزيد كانا دينارين وشطرًا وجمع الحافظ ابن حجر بين هذا بأن من قال ثلاثة جبر الكسر.
ومن قال دينارين ألغاه أو كان أصلهما ثلاثة فوفى قبل موته دينارًا وبقي عليه ديناران فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل ومن قال ديناران فباعتبار ما بقي ( فصلّى عليها) ولعله عليه الصلاة والسلام على أن هذه الدنانير الثلاثة تفي بدينه بقرائن الحال أو بغيرها ( ثم أُتي با) لجنازة ا ( لثالثة فقالوا صلّ عليها) يا رسول الله ( قال: هل ترك) الميت ( شيئًا قالوا لا قال فهل عليه دين قالوا) نعم ( عليه دنانير قال: صلوا على صاحبكم) ( قال أبو قتادة) الحرث بن ربعي الأنصاري ( صلِّ عليه يا رسول الله وعليّ دينه فصلّى عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وفي رواية ابن ماجة من حديث أبي قتادة نفسه فقال أبو قتادة أنا أتكفل به زاد الحاكم في حديث جابر فقال هما عليك، وفي مالك، والميت منهما بريء.
قال: نعم فصلّى عليه فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا لقي أبا قتادة يقول ما صنعت الديناران حتى كان آخر ذلك أن قال قد قضيتهما يا رسول الله.
قال: الآن حين بردت عليه جلده، وقد ذكر في هذا الحديث ثلاثة أحوال وترك الرابع وهو من لا دين عليه وله مال وحكم هذا أنه كان يصلّي عليه ولعله إنما لم يذكر لكونه كان كثيرًا لا لكونه لم يقع ولم يسم أحد من الموتى الثلاثة.

ومطابقته للترجمة ظاهرة من قول أبي قتادة عليّ دينه وفي الرواية الأخرى أنا أتكفل به.
وقوله عليه الصلاة والسلام هما عليك وفي مالك والميت منهما بريء، وإلى هذا ذهب الجمهور فصححوا هذه الكفالة من غير رجوع في مال الميت وعن مالك له أن يرجع إن قال ضمنت لأرجع، فإن لم يكن للميت مال وعلم الضامن بذلك فلا رجوع له، وعن أبي حنيفة إن ترك الميت وفاء جاز الضمان بقدر ما ترك وإن لم يترك وفاء لم يصح وصلاته عليه الصلاة والسلام عليه وإن كان الدين باقيًا في

ذمة الميت، لكن صاحب الحق عاد إلى الرجاء بعد اليأس واطمأن بأن دينه صار في مأمن فخفّ سخطه وقرب من الرضاء.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الكفالة وهو سابع ثلاثياته، وأخرجه النسائي أيضًا في الجنائز.




باب الْكَفَالَةِ فِي الْقَرْضِ وَالدُّيُونِ بِالأَبْدَانِ وَغَيْرِهَا
( باب الكفالة في القرض والدّيون) من عطف العام على الخاص والكفالة في العرف كما قاله الماوردي تكون في النفوس والضمان في الأموال والحمالة في الدّيات والزعامة في الأموال العظام.
قال ابن حبان في صحيحه: والزعيم لغة أهل المدينة والحميل لغة أهل مصر والكفيل لغة أهل العراق وهي التزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار من هو عليه أو عين مضمونة ( بالأبدان وغيرها) أي الكفالة بالأموال والجار والمجرور يتعلق بالكفالة وسقطت البسملة لأبي ذر.


[ قــ :196 ... غــ : 90 ]
- وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَوَقَعَ رَجُلٌ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَأَخَذَ حَمْزَةُ مِنَ الرَّجُلِ كَفِيلاً حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَصَدَّقَهُمْ، وَعَذَرَهُ بِالْجَهَالَةِ".

وَقَالَ جَرِيرٌ وَالأَشْعَثُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُرْتَدِّينَ: اسْتَتِبْهُمْ وَكَفِّلْهُمْ، فَتَابُوا وَكَفَلَهُمْ عَشَائِرُهُمْ.

وَقَالَ حَمَّادٌ إِذَا تَكَفَّلَ بِنَفْسٍ فَمَاتَ فَلاَ شَىْءَ عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الْحَكَمُ يَضْمَنُ.

( وقال أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن محمد بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ( ابن عمرو) بفتح العين ( الأسلمي عن أبيه) حمزة ( أن عمر -رضي الله عنه- بعثه مصدقًا) بتشديد الدال المكسورة أي آخذًا للصدقة عاملاً عليها ( فوقع رجل على جارية امرأته) لم يسم أحد منهم وهذا مختصر من قصة أخرجها الطحاوي ولفظه كما رأيته في شرح معاني الآثار له أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقًا على

سعد هذيم فأُتي حمزة بمال ليصدقه فإذا رجل يقول لامرأته أدّي صدقة مال مولاك وإذا المرأة تقول له بل أنت فأدّ صدقة مال ابنك فسأل حمزة عن أمرهما وقولهما فأخبر أن ذلك الرجل زوج تلك المرأة وأنه وقع على جارية لها فولدت ولدًا فأعتقته المرأة ثم ورث من أمه مالاً فقالوا: هذا المال لابنه من جاريته.
قال حمزة للرجل: لأرجمنّك بأحجارك فقيل له إن أمره رفع إلى عمر فجلده مائة ولم يرَ عليه رجمًا قال ( فأخذ حمزة) -رضي الله عنه- ( من الرجل كفيلاً) ولأبي ذر كفلاء بالجمع ( حتى قدم على عمر وكان عمر) -رضي الله عنه- ( قد جلده مائة جلدة) كما سبق وسقط قوله جلدة لأبوي ذر والوقت ( فصدقهم) بالتشديد في الفرع وغيره من الأصول المعتمدة أي صدق القائلين بما قالوا ( و) إنما درأ عمر عنه الرجم لأنه ( عذره بالجهالة) وفي بعض الأصول فصدقهم بالتخفيف أي صدق الرجل القوم واعترف بما وقع منه لكن اعتذر بأنه لم يكن عالمًا بحرمة وطء جارية امرأته أو بأنها جاريتها لأنها التبست واشتبهت بجارية نفسه أو بزوجته ولعل اجتهاد عمر اقتضى أن يجلد بالحرمة وإلا فالواجب الرجم فإذا سقط بالعذر لم يجلد واستنبط من هذه القصة مشروعية الكفالة بالأبدان فإن حمزة صحابي وقد فعله ولم ينكره عليه عمر مع كثرة الصحابة حينئذٍ.

( وقال جرير) بفتح الجيم وكسر الراء ابن عبد الله البجلي ( والأشعث) بن قيس الكندي الصحابي ( لعبد الله بن مسعود في المرتدين) وهذا أيضًا مختصر من قصة أخرجها البيهقي بطولها من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: صليت الغداة مع عبد الله بن مسعود فلما سلم قام رجل فأخبره أنه انتهى إلى مسجد بني حنيفة فسمع مؤذن عبد الله ابن النوّاحة يشهد أن مسيلمة رسول الله فقال عبد الله: عليّ بابن النواحة وأصحابه فجيء بهم فأمر قرظة بن كعب فضرب عنق ابن النواحة ثم استشار الناس في أولئك النفر فأشار عليه عديّ بن حاتم بقتلهم فقام جرير والأشعث فقالا: لا بل ( استتبهم وكفلهم) أي ضمنهم وكانوا مائة وسبعين رجلاً كما رواه ابن أبي شيبة ( فتابوا وكفلهم) ضمنهم ( عشائرهم) .

قال البيهقي في المعرفة: والذي روي عن ابن مسعود وجرير والأشعث في قصة ابن النوّاحة في استتابتهم وتكفيلهم عشائرهم كفالة بالبدن في غير مال.
وقال ابن المنير: أخذ البخاري الكفالة بالأبدان في الدّيون من الكفالة بالأبدان في الحدود بطريق الأولى والكفالة بالنفس قال بها الجمهور ولم يختلف من قال بها أن المكفول بحد أو قصاص إذا غلب أو مات أن لا حدّ على الكفيل بخلاف الدين والفرق بينهما أن الكفيل إذا أدّى المال وجب له على صاحب المال مثله، وفرق الشافعية والحنفية بين كفالة من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحدّ قذف ومن عليه عقوبة لله فصححوها في الأولى لأنها حق لازم كالمال ولأن الحضور مستحق عليه دون الثانية لأن حقه تعالى مبني على الدرء.
قال الأذرعي: ويشبه أن يكون محل المنع حيث لا يتحتم استيفاء العقوبة فإن تحتم وقلنا لا يسقط بالتوبة فيشبه أن يحكم بالصحة.


( وقال حماد) هو ابن أبي سليمان واسمه مسلم الأشعري الكوفي الفقيه أحد مشايخ الإمام أبي حنيفة ( إذا تكفل بنفس فمات فلا شيء عليه) سواء كان المتعلق بتلك النفس حدًا أو قصاصًا أو مالاً من دين وغيره.
قال في عيون المذاهب: وتبطل أي الكفالة بموته إلا عند مالك وبعض الشافعية يلزمه ما عليه وبموت الكفيل لا الطالب بالإجماع انتهى.

والذي رأيته في شرح مختصر الشيخ خليل للشيخ بهران عند قوله ولا يسقط بإحضاره أن حكم لا إن أثبت موته أو عدمه في غيبته ولو بغير بلده ورجع به مراده أن يشير إلى ما وقع من الخلاف والتفصيل في هذه المسألة، ونصها عند ابن زرقون ولو مات الغريم سقطت الحمالة بالوجه وقاله في المدونة قال: وهذا إذا مات ببلده قبل أن يلتزم الغريم قبل الأجل أو بعده وأما إن مات بغير البلد فقال أشهب لا أبالي مات غائبًا أو في البلد أي يبرأ الحميل وهو مذهب المدونة.
وقال ابن القاسم يغرم الحميل إن كان الدين حالاً قربت غيبته أو بعدت وإن كان مؤجلاً فمات قبله بمدة طويلة لو خرج إليها لجاء قبل الأجل فلا شئ عليه وإن كان على مسافة لا يمكنه أن يجيء إلا بعد الأجل ضمن.

( وقال الحكم) بن عتيبة ( يضمن) أي ما يقبل ترتبه في الذمة وهو المال وهذا وصله الأثرم من طريق شعبة عن حماد والحكم.