فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها

باب الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا
( باب الفتيا) بضم الفاء ( وهو) أي العالم المفتي المجيب المستفتي عن سؤاله ( واقف) أي راكب ( على الدابّة) التي تركب، وفي بعض الروايات على ظهر الدابة ( وغيرها) سواء كان واقفًا على الأرض أو ماشيًا وعلى كل أحواله، وفي رواية أبوي ذر والوقت أو غيرها.


[ قــ :83 ... غــ : 83 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ.
فَقَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ.
فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ.
قَالَ: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ.
فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَىْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ.
[الحديث 83 - أطرافه في: 124، 1736، 1737، 1738، 6665] .

وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس ابن أُخت الإمام مالك ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) بن أنس الإمام ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا القرشي التيمي التابعي، المتوفى سنة مائة ( عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) بإثبات الياء بعد الصاد على الأفصح:
( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف في حجة الوداع) بفتح الواو اسم من ودع والفتح في حاء حجة هو
الرواية ويجوز كسرها أي حال وقوفه ( بمنى) بالصرف وعدمه ( للناس) حال كونهم ( يسألونه) عليه الصلاة والسلام فهو حال من ضمير وقف، ويحتمل أن يكون من الناس أي وقف لهم حال كونهم سائلين منه، ويجوز أن يكون استئنافًا بيانًا لعلة الوقوف ( فجاءه رجل) قال في الفتح: لم أعرف أسمه، وفي رواية الأصيلي فجاء رجل ( فقال) : يا رسول الله ( لم أشعر) بضم العين أي لم أفطن ( فحلقت) رأسي ( قبل أن أذبح) الهدي، ( فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( اذبح ولا حرج) أي ولا إثم عليك ( فجاء آخر) غيره ( فقال) يا رسول الله ( لم أشعر فنحرت) هدْيي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال) عليه الصلاة والسلام، وفي رواية أبي ذر فقال: ( ارم) الجمرة ( ولا حرج) عليك في ذلك ( فما سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن شيء) من أعمال يوم العيد الرمي والنحر والحلق والطواف ( قدّم ولا أخّر) بضم أولهما على صيغة المجهول، وفي الأوّل حذف أي لا قدّم ولا أخر لأنها لا تكون في الماضي إلا مكررة على الفصيح وحسن ذلك هنا أنه في سياق النفي كما في قوله تعالى: { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ}

[الأحقاف: 9] ولمسلم ما سئل عن شيء قدّم أو أخّر ( إلا قال) عليه الصلاة والسلام للسائل: ( افعل) ذلك كما فعلته قبل أو متى شئت ( ولا حرج) عليك مطلقًا لا في الترتيب ولا في ترك الفدية.
وهذا مذهب إمامنا الشافعي وأحمد وعطاء وطاوس ومجاهد.
وقال مالك وأبو حنيفة: الترتيب واجب يجبر بدم لما روى ابن عباس أنه قال: من قدَّم شيئًا في حجه أو أخّره فليهرق لذلك دمًّا، وتأوّلوا الحديث أي لا إثم عليكم فيما فعلتموه من هذا لأنكم فعلتموه على الجهل منكم لا على القصد فأسقط عنهم الحرج وأعذرهم لأجل النسيان وعدم العلم، ويدل له قول السائل لم أشعر، ويؤيده أن في رواية علي عند الطحاوي بإسناد صحيح بلفظ: رميت وحلقت ونسيت أن أنحر، وفي الحديث جواز سؤال العالم راكبًا وماشيًا وواقفًا على كل حال ولا يعارض هذا بما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والسؤال عن الحديث في الطريق، لأن الموقف بمنى لا يعدّ من الطرقات لأنه موقف سُنّة وعبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو بالمكان.