فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما ينهى من السباب واللعن

باب مَا يُنْهَى مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ
( باب ما ينهى) عنه ( من السباب) بكسر السين المهملة وتخفيف الموحدة من باب التفاعل أو بمعنى السب أي من الشتم ( واللعن) وهو التبعيد من رحمة الله تعالى.


[ قــ :5720 ... غــ : 6044 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» تَابَعَهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاح ( عن منصور) هو ابن المعتمر أنه ( قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة ( يحدّث عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( سباب المسلم) مصدر مضاف للمفعول أي شتمه والتكلم في عرضه بما يعيبه ويؤلمه ( فسوق) فجور ( وقتاله) أي مقاتلته ( كفر) وليس المراد حقيقة الكفر المخرج عن الإسلام، وإنما المراد المبالغة في التحذير أو المراد الكفر اللغوي الذي هو الستر كأنه بقتاله له ستر ما له عليه من حق الإعانة وكفّ الأذى أو المراد من قاتل مستحلاًّ.

والحديث سبق في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله من كتاب الإيمان.
( تابعه) أي تابع سليمان بن حرب ( غندر) فيما وصله أحمد ولأبي ذر محمد بن جعفر بدل قوله غندر ( عن شعبة) بن الحجاج.




[ قــ :571 ... غــ : 6045 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِىَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَرْمِى رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلاَّ ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو المنقري المصري قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد ( عن الحسين) بن ذكوان المعلم ( عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء ابن حصيب الأسلمي قاضي مرو قال: ( حدثني) بالإفراد ( يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما مهملة ساكنة ( أن أبا الأسود) ظالم بن عمرو ( الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية ولأبي ذر الدؤلي بضم الدال بعدها همزة مفتوحة أوّل من تكلم بالنحو ( حدّثه عن أبي ذر) جندب بن جنادة ( -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق) كأنه يقول له: يا فاسق ( ولا يرميه بالكفر) كأن يقول له: يا كافر ( إلا ارتدت عليه) الرمية فيصير فاسقًا أو كافرًا ( إن لم يكن صاحبه) المرمي ( كذلك) وإن كان موصوفًا بذلك فلا يرتد إليه شيء لكونه صدق فيما قاله فإن قصد بذلك تعييره وشهرته بذلك وأذاه حرم عليه لأنه مأمور بستره وتعليمه وموعظته بالحسنى، فمهما أمكنه ذلك بالرفق حرم عليه فعله بالعنف لأنه قد يكون سببًا لإغوائه وإصراره على ذلك الفعل كما في طبع كثير من الناس من الأنفة لا سيما إن كان الآمر دون المأمور في الدرجة فإن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز له ذلك.

والحديث أخرجه مسلم في الإيمان.




[ قــ :57 ... غــ : 6046 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ لَعَّانًا وَلاَ سَبَّابًا كَانَ يَقُولُ: عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ»؟.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن سنان) العوفي قال: ( حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام بعدها تحتية ساكنة فمهملة العدوي مولاهم المدني قال: ( حدّثنا هلال بن علي) وهو هلال بن أبي ميمون وهو هلال بن أسامة نسب إلى جدّه ( عن أنس) -رضي الله عنه- أنه ( قال: لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا) بالطبع ( ولا لعّانًا ولا سبّابًا) بتشديد العين والموحدة فيهما أي بالتكلف ( كان يقول عند المعتبة) : بفتح الميم والفوقية عند الموجدة والسخط.

( ما له) استفهام ( ترب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: تربت ( جبينه) أي لا أصاب خيرًا فهي دعاء عليه أو هي كلمة تقولها العرب لا يريدون بها ذلك.

والحديث سبق قريبًا.




[ قــ :573 ... غــ : 6047 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ فِى الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهْوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بندار البصري قال ( حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: ( حدّثنا علي بن المبارك) الهنائي ( عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الإمام أبي نصر اليماني الطائي أحد الأعلام ( عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي ( أن ثابت بن الضحاك) الأنصاري الأشهلي ( وكان من أصحاب الشجرة) شجرة الرضوان بالحديبية ( حدّثه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( من حلف على ملة غير الإسلام) بتنوين ملة فغير صفة وعلى بمعنى الباء، ويحتمل أن يكون التقدير من حلف على شيء بيمين فحذف المجرور وعدى الفعل بعلى بعد حذف الباء، والأوّل أقل في التعبير كأن يقول: إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني كاذبًا ( فهو كما قال) الفاء جواب الشرط وهو مبتدأ أو كما يقول في محل الخبر أي فهو كائن كما قال، أو الكاف بمعنى مثل فتكون ما مع ما بعدها في موضع جر بالإضافة أي فهو مثل قوله فتكون ما مصدرية، ويحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف أي فهو كالذي قاله، والمعنى فمثله مثل قوله لأن هذا الكلام محمول على التعليق مثل أن يقول هو يهودي أو نصراني إن كان فعل كذا، والحاصل أنه يحكم عليه بالذي نسبه لنفسه وظاهره أنه يكفر أو هو محمول على من أراد أن يكون متصفًا بذلك إذا وقع المحلوف عليه لأن إرادة الكفر كفر فيكفر في الحال، أو المراد التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم وإن قصد تبعيد نفسه عن الفعل فليس بيمين ولا يكفر به وإن قال: واللات والعزى وقصد التعظيم واعتقد فيها من التعظيم ما يعتقده في الله كفر وإلاّ فلا.
قإل في الروضة: وليقل لا إله إلا الله محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي الحديث الصحيح عن أبي هريرة مرفوعًا: من حلف فقال في حلفه اللات والعزى فليقل لا إله إلا الله، ففيه دليل على أنه لا كفارة على من حلف بغير الإسلام بل يأثم وتلزمه التوبة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعل عقوبته في دينه ولم يوجب في ماله شيئًا وإنما أمره بكلمة التوحيد لأن اليمين إنما تكون بالمعبود فإذا حلف باللات والعزى فقد ضاهى الكفار في ذلك فأمره أن يتداركه بكلمة التوحيد قاله البغوي في شرح السنّة.

( وليس على ابن آدم نذر) أي ليس عليه وفاء نذر ( فيما لا يملك) كأن يقول: إن شفى الله مريضي فعبد فلان حر أو أتصدق بدار زيد أما لو قال نحو: إن شفى الله مريضي فعلّي عتق رقبة
ولا يملك شيئًا في تلك الحالة، فليس من النذر فيما لا يملك لأنه يقدر عليه في الجملة حالاً أو مالاً فهو يملكه بالقوة، وقوله نذر رفع اسم ليس وعلى ابن آدم في موضع الخبر ويما يتعلق بنذر لأنه مصدر أو يتعلق بصفة لنذر أي نذر ثابت فيما لا يملك ولا يملك جملة في محل صلة ما وما صلتها في محل جر بفي ( ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذّب به يوم القيامة) ليكون الجزاء من جنس العمل وإن كان عذاب الآخرة أعظم ( ومن لعن مؤمنًا فهو كقتله) في التحريم أو في العقاب أو في الإبعاد لأن اللعن تبعيد من رحمة الله، والقتل تبعيد من الحياة والضمير للمصدر الذي دل عليه الفعل أي: فلعنه كقتله والتقييد بالمؤمن للتشنيع أو للاحتراز عن الكافر إذ لا خلاف في لعن الكافر جملة بلا تعيين، أما لعن العاصي المعين فالمشهور فيه المنع، ونقل ابن العربي الاتفاق عليه ( ومن قذف مؤمنًا) رماه ( بكفر فهو كقتله) لأن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل كالقتل في أن المتسبب للشيء كفاعله.




[ قــ :574 ... غــ : 6048 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِى عَدِىُّ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِى يَجِدُ» فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

     وَقَالَ : «تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ» فَقَالَ: أَتُرَى بِى بَأْسٌ أَمَجْنُونٌ أَنَا اذْهَبْ.

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) قال: ( حدّثنا أبي) حفص بن غياث الكوفي قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: ( حدثني) بالإفراد ( عدي بن ثابت) بالمثلثة الأنصاري ثقة لكنه كان قاصّ الشيعة وإمام مسجدهم بالكوفة ( قال: سمعت سليمان بن صرد) بضم المهملة وفتح الراء بعدها دال مهملة الخزاعي الكوفي ( رجلاً من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال: استبّ رجلان) لم يعرفهما ابن حجر ( عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فغضب أحدهما فاشتدّ غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير) وفي حديث معاذ بن جبل عند أحمد وأصحاب السنن حتى إنه ليخيل أن أنفه ليتمزع ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجده) من الغضب، وفي حديث معاذ: إني لأعلم كلمة لو يقولها هذا الغضبان لذهب عنه الغضب: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ( فانطلق إليه) أي إلى الذي غضب ( الرجل) الذي سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إني لأعلم الخ.
وفي مسلم فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال في المقدمة لم أعرف اسمه، وقال في الشرح في الرواية المتقدمة فقالوا له فدلت هذه الرواية على أن الذي خاطبه منهم واحد وهو معاذ بن جبل كما بيّنه رواية أبي داود ولفظه قال: فجعل معاذ يأمره فأبى وجعل يزداد غضبًا ( فأخبره بقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: تعوّذ بالله من الشيطان فقال: أترى) بضم الفوقية أي أتظن ( بي بأس) بالرفع مبتدأ خبره بي وهمزة أترى للاستفهام الإنكاري وللأصيلي: أترى بأسًا بالنصب مفعولاً ثانيًا لترى وهو أوجه ( أمجنون أنا) أي: وهل بي من جنون ( اذهب) خطاب من الرجل للرجل الذي أمره بالتعوّذ
أي امض في شغلك، فتوهم لعدم معرفته أن الاستعاذة مختصة بالمجانين ولم يعرف أن الغضب من نزغات الشيطان كما في حديث عطية السعدي مرفوعًا عند أبي داود بلفظ: إن الغضب من الشيطان أو لعله كان منافقًا أو كافرًا أو غلب عليه الغضب حتى أخرجه من الاعتدال بحيث قال للناصح له ما قاله.

وحديث الباب سبق في باب صفة إبليس وجنوده.




[ قــ :575 ... غــ : 6049 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: قَالَ: أَنَسٌ حَدَّثَنِى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَإِنَّهَا رُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا فِى التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ».

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بالضاد المعجمة المشددة ابن لاحق الإمام أبو إسماعيل (عن حميد) الطويل وكان طوله في يديه أنه (قال: قال أنس) -رضي الله عنه- (حدثني) بالإفراد (عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- (قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخبر الناس بليلة القدر) أي بتعيينها، ولأبي ذر عن الكشميهني: ليخبر الناس ليلة القدر (فتلاحى) بفتح الحاء المهملة أي تنازع وتخاصم (رجلان من المسلمين) عبد الله بن أبي حدرد وكعب بن مالك كما عند ابن دحية في المسجد (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(خرجت لأخبركم) بليلة القدر (فتلاحى فلان وفلان وإنها رفعت) من قلبي أي نسيتها (وعسى أن يكون) رفعها (خيرًا لكم) لاستلزامه مزيد الثواب بسبب زيادة الاجتهاد في التماسها.
وفي مسلم من حديث أي سعيد في هذه القصة فجاء رجلان يحتقان بتشديد القاف أي يدعي كل منهما أنه المحق معهما الشيطان فنسيتها وقيل؛ رفعت معرفتها للتلاحي.
قال الطيبي: لعل مقدر المضاف ذهب إلى أن رفع ليلة القدر مسبوق بوقوعها وحصولها فإذا حصلت لم يكن لرفعها معنى، ويمكن أن يقال إن المراد برفعها أنها شرعت أن تقع، فلما تلاحيا ارتفعت فنزل الشروع منزلة الوقوع ومن ثم عقبه بقوله: {فالتمسوها) أي اطلبوا ليلة القدر (في) الليلة (التاسعة) والعشرين من رمضان (و) في الليلة (السابعة) بالموحدة والعشرين منه (و) في الليلة (الخامسة) والعشرين منه، وقدّم التاسعة بالفوقية على السابعة بالموحدة على ترتيب التدلي.

والمطابقة في قوله فتلاحى وهو التنازع والتخاصم كما مرّ وذلك يفضي إلى المساببة غالبًا.

والحديث سبق في الإيمان والحج.




[ قــ :576 ... غــ : 6050 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ
قَالَ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدًا، فَقُلْتُ لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ فَقَالَ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا فَذَكَرَنِى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِى: «أَسَابَبْتَ فُلاَنًا»؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ: عَلَى حِينِ سَاعَتِى هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ قَالَ: «نَعَمْ هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ».

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) قال: ( حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان ( عن المعرور) بمهملات.
زاد أبو ذر هو ابن سويد ( عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي الله عنه- ( قال) : أي المعرور بن سويد ( رأيت عليه) أي على أبي ذر ( بردًا) بضم الموحدة وسكون الراء ( وعلى غلامه بردًا) أيضًا.
قال في المقدمة: لم أعرف اسم الغلام، وقال في الفتح في كتاب الإيمان: يحتمل أنه أبو مراوح مولى أبي ذر ( فقلت) له ( لو أخذت هذا) البرد الذي على غلامك ( فلبسته) مع الذي عليك ( كانت حلة) إذ الحلة لا تكون إلا من ثوبين ( وأعطيته ثوبًا آخر فقال) أبو ذر: ( كان بيني وبين رجل) هو بلال المؤذن ( كلام وكانت أمه أعجمية فنلت منها) أي تكلمت في عرضها، وفي رواية فقلت له: يا ابن السوداء ( فذكرني إلى النبي) عداه بإلى لتضمنه معنى الشكاية، ولأبي ذر عن الكشميهني للنبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) : -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لي) :
( أساببت فلانًا) ؟ بالاستفهام الإنكاري التوبيخي ( قلت: نعم قال أفنلت من) عرض ( أمه) ( قلت: نعم قال: إنك) في نيلك من أمه ( امرؤ) رفع خبر إن وعين كلمته تابعة للامها في أحوالها الثلاثة ( فيك جاهلية) أي أخلاق أهل الجاهلية والتنوين للتقليل، قال أبو ذر -رضي الله عنه- ( قلت) يا رسول الله في جاهلية ( على حين ساعتي هذه من كبر السن) وسقط لفظ حين لأبي ذر الهروي ( قال) : -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( نعم) وإنما وبخه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك مع عظم درجته تحذيرًا له أن يفعل مثل ذلك مرة أخرى ( هم) الخدم سواء كانوا أرقّاء أو لا ( إخوانكم) في الإسلام أو من أولاد آدم ( جعلهم الله تحت أيديكم) بالملك والاستئجار ( فمن جعل الله أخاه تحت يده) بالإفراد ولأبي ذر يديه ( فليطعمه) ندبًا ( مما يأكل وليلبسه) كذلك ( مما يلبس) فلا يلزمه أن يطعمه ولا يلبسه من طيبات الأطعمة وفاخر اللباس ( ولا يكلفه) وجوبًا ( من العمل ما يغلبه) أي تعجز طاقته عنه ( فإن كلفه) من العمل ( ما يغلبه فليعنه عليه) .

والحديث سبق في الإيمان والعتق.