فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان} [آل عمران: 193] الآية

باب {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلإِيمَانِ} الآيَةَ
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: {{ربنا إننا سمعنا مناديًا}) هو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الله تعالى: {وداعيًا إلى الله} [الأحزاب: 46] وقيل: القرآن لقوله تعالى: {يهدي إلى الرشد} [الجن: 2] فكأنه يدعو إلى نفسه وسمع إن دخلت على ما يصح أن يسمع نحو سمعت كلامك وقراءتك تعدت لواحد وإن دخلت على ما لا يصح سماعه بأن كان ذاتًا فلا يصح الاقتصار عليه وحده بل لا بد من الدلالة على شيء يسمع نحو سمعت رجلًا يقول كذا، وللنحاة في هذه المسألة قولان.

أحدهما: أن تتعدى فيه أيضًا إلى مفعول واحد والجملة الواقعة بعد المنصوب صفة إن كان قبلها نكرة وحال إن كان معرفة.
والثاني: قول الفارسي وجماعة تتعدى لاثنين الجملة في محل الثاني منهما، فعلى قول الجمهور يكون منادى في على نصب لأنه صفة لمنصوب قبله وعلى قول الفارسي يكون في محل نصب مفعول ثان.
وقال الزمخشري تقول: سمعت رجلًا يقول كذا وسمعت زيدًا يتكلم فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع أو جعلته حالًا منه فأغناك عن ذكره، ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بد وأن يقال سمعت كلام فلان أو قوله وذكر المنادى مع قوله ({ينادي}) تفخيم لشأن المنادى ولأنه إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب أو لإغاثة المكروب وغيرهما واللام في ({للإيمان}) بمعنى إلى أو بمعنى الباء ومفعول ينادي محذوف أي الناس ويجوز أن لا يزاد مفعول نحو أمات وأحيا (الآية) [آل عمران: 193] نصب بفعل مقدر مناسب.


[ قــ :4319 ... غــ : 4572 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْيَ خَالَتُهُ قَالَ:
فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة وسقط لأبي ذر ابن سعيد (عن مالك) الإمام (عن مخرمة بن سليمان) الوالبي (عن كريب مولى ابن عباس أن ابن عباس -رضي الله عنهما- أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأهله في طولها فنام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ) ولأبي ذر ثم استيقظ (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجعل) ولأبي ذر عن الكشميهني فجلس (يمسح النوم) أي أثره (عن وجهه بيده) بالإفراد (ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران) زاد في بعض طرق الصحيح وهو عند ابن مردويه ولفظ مسلم وكان في دعائه يقول "اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا وفوقي نورًا وأمامي وخلفي نورًا واجعل لي نورًا".

قال كريب وسبع في التابوت: فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن فذكر عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري، وزاد في أخرى وفي لساني نورًا وفي أخرى واجعلني نورًا وفي أخرى واجعل في نفسي نورًا وكان باعثه على هذا وعلى الصلاة قوله: {إن في خلق السماوات والأرض} إلى قوله: {فقنا عذاب النار} [آل عمران: 191] لأن الفاء الفصيحة تقتضي مقدرًا يرتبط معها تقديره {ربنا ما خلقت هذا باطلًا} [آل عمران: 191] بل خلقته للدلالة على معرفتك ومن عرفك يجب عليه أداء طاعتك واجتناب معصيتك ليفوز بدخول جنتك ويتوقى به من عذاب نارك ونحن قد عرفناك وأدّينا طاعتك واجتنبنا معصيتك فقنًا عذاب النار برحمتك، وتحريره أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما تفكّر في عجائب الملك والملكوت وعرج إلى عالم الجبروت حتى انتهى إلى سرادقات الجلال فتح لسانه بالذكر ثم اتبع بدنه وروحه بالتأهب والوقوف في مقام التناجي والدعاء ومعنى طلب النور للأعضاء عضوًا عضوًا أن يتجلى بأنوار المعرفة والطاعة ويتعرى عن ظلمة الجهالة والمعصية لأن الإنسان ذو سهو وطغيان أي أنه قد أحاطت به ظلمات الجبلة معتورة عليه من فرقه إلى قدمه والأدخنة الثائرة من نيران الشهوات من جوانبه، ورأى الشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض فلم ير للتخلص منها مساغًا إلا بأنوار سادة لتلك الجهات فسأل الله أن يمده بها ليستأصل شأفة تلك الظلمات إرشادًا للأمة وتعليمًا لهم قاله في شرح المشكاة.

(ثم قام) عليه الصلاة والسلام (إلى شن معلقة) وفي رواية لمسلم ثم عدل إلى شجب من ماء وهو السقاء الذي اخلق (فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلّي.
قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه) وفي رواية: فقمت عن يساره فأخذني فجعلني عن يمينه (فوضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني يفتلها فصلّى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين) فهي اثنتا عشرة ركعة (ثم أوتر) بواحدة (ثمَّ اضطجع) زاد في مسلم فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ (حتى جاءه المؤذن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين) سنة الفجر من غير أن يتوضأ (ثم خرج فصلّى) بأصحابه (الصبح).


[4] سورة النِّسَاءِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَسْتَنْكِفُ: يَسْتَكْبِرُ، قِوَامًا: قِوَامُكُمْ مِنْ مَعَايِشِكُمْ لَهُنَّ سَبِيلًا يَعْنِي الرَّجْمَ لِلثَّيِّبِ، وَالْجَلْدَ لِلْبِكْرِ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: مَثْنَى وَثُلاَثَ يَعْنِي اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثًا وَأَرْبَعًا وَلاَ تُجَاوِزُ الْعَرَبُ رُبَاعَ.

[4] سورة النِّسَاءِ
مدنية.
زاد أبو ذر: بسم الله الرحمن الرحيم والمستملي والكشميهني.

(قال ابن عباس): فيما وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق ابن جريج عن عطاء عنه (يستنكف) يريد تفسير قوله تعالى: {ومن يستنكف عن عبادته} [النساء: 172] معناه (يستكبر) فالعطف للتفسير أي يأنف.
وقال ابن عباس أيضًا فيما وصله ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عنه (قوامًا قوامكم من معايشكم) بكسر القاف وبعدها واو والتلاوة بالياء التحتية إذ مراده {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا} [النساء: 5] قيل لم يقصد المؤلّف بها التلاوة بل حذف الكلمة القرآنية وأشار إلى تفسيرها، وقد قال أبو عبيدة قيامًا وقوامًا بمنزلة واحدة تقول هذا قوام أمرك وقيامه أي ما يقوم به أمرك، والأصل بالواو فأبدلوها بكسرة القاف ونقل أنها بالواو وقراءة ابن عمر -رضي الله عنهما- وقوله: {أو يجعل الله} ({لهن سبيلا}) (يعني الرجم للثيب والجلد للبكر) قاله ابن عباس فيما وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح وكان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت وثبت زناها حبست في بيت حتى تموت.

(وقال غيره): أي غير ابن عباس -رضي الله عنهما- وسقط قوله وقال غيره لأبي ذر وسقطت الجملة كلها من قوله قال ابن عباس إلى هنا من رواية الحموي ({مثنى وثلاث ورباع}) [النساء: 3] قال أبو عبيدة: (يعني اثنتين وثلاثًا وأربعًا ولا تجاوز العرب رباع) اختلف في هذه الألفاظ هل يجوز فيها القياس أو يقتصر فيها على السماع، فذهب البصريون إلى الثاني والكوفيون إلى الأول، والمسموع من ذلك أحد عشر لفظًا أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع ومخمس وعشار ومعشر، لكن قال ابن الحاجب: هل يقال خماس ومخمس إلى عشار
ومعشر؟ فيه خلاف.
والأصح أنه لم يثبت وهذا هو الذي اختاره المؤلّف، وجمهور النحاة على منع صرفها، وأجاز الفراء صرفها وإن كان المنع عنده أولى، ومنع الصرف للعدل والوصف لأنها معدولة عن صيغة إلى صيغة وذلك أنها معدولة عن عدد مكرر فإذا قلت: جاء القوم أحاد أو موحد أو ثلاث أو مثلث كان بمنزلة قولك جاؤوا واحدًا واحدًا وثلاثة ثلاثة، ولا يراد بالمعدول عنه التوكيد إنما يراد به تكرير العدد كقوله: علمته الحساب بابًا بابًا أو للعدل والتعريف أو لعدلها عن عدد مكرر وعدلها عن التأنيث أو لتكرار العدل أقوال وقول البخاري يعني اثنتين وثلاثًا وأربعًا ليس معناه ذلك بل معناه المكرر نحو اثنتين اثنتين وإنما تركه اعتمادًا على الشهرة أو أنه عنده ليس بمعنى التكرار.