فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب سنة الجلوس في التشهد

باب سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلاَتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ، وَكَانَتْ فَقِيهَةً
( باب سنة الجلوس) أي هيئته ( في التشهد) كالافتراش مثلاً أو مراده نفس الجلوس، على أن يكون المقصود بالسُّنَّة الطريقة الشاملة للواجب والمندوب.

( وكانت أم الدرداء) ، مما وصله المؤلّف في تاريخه الصغير من طريق مكحول، ( تجلس في صلاتها جلسة الرجل) بكسر الجيم، لأن المراد الهيئة، أي كما يجلس الرجل، بأن تنصب الرجل اليمنى، وتفرش اليسرى، قال مكحول ( وكانت) أي: أم الدرداء ( فقيهة) .

وكذا وصله ابن أبي شيبة لكنه لم يقل: كانت فقيهة، فجزم مغلطاي وابن الملقن بأنه من قول البخاري، كأنهما لم يقفا على رواية تاريخ المؤلّف، وجزم الحافظ ابن حجر بأنه من كلام مكحول لرواية التاريخ، ومسند الفريايي، فإنه أخرجه فيه كذلك تمامًا، وبأن أم الدرداء، هذه هي الصغرى، هجيمة التابعية، لا الكبرى: خيرة بنت أبي حدرد الصحابية، لأن مكحولاً لم يدرك الكبرى، وإنما أدرك الصغرى، وأما استدلال العيني على أنها الكبرى بقوله: وكانت فقيهة، فليس بشيء كما لا يخفى.



[ قــ :805 ... غــ : 827 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا جَلَسَ، فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ، فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.

     وَقَالَ : إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى، فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَىَّ لاَ تَحْمِلاَنِي".

وبالسند السابق إلى المصنف قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) إمام دار الهجرة ( عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق ( عن عبد الله بن عبد الله أنه أخبره) صريح في أن عبد الرحمن بن القاسم أخذه عن عبد الله، فيحمل ما رواه الإسماعيلي عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الله، على أن عبد الرحمن أخذه عن أبيه عن عبد الله، ثم أخذه عنه بغير واسطة، ( أنه كان يرى) أباه ( عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنهما، يتربع في الصلاة، إذا جلس) للتشهد.
( ففعلته) أي التربع ( وأنا يومئذٍ حديث السن، فنهاني) عنه ( عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وقال) بالواو، ولأبي ذر في نسخة له، وهي رواية أبي الوقت قال بإسقاطها، ولابن عساكر: فقال: ( إنما سُنّة الصلاة) أي: التي سنّها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أن تنصب رجلك اليمني) أي لا تلصقها بالأرض ( وتثني) بفتح أوّله أي تعطف رجلك ( اليسرى) .

وفي رواية يحيى بن سعيد عند مالك في موطئه: أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد، فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى، ولم يجلس على قدمه، فبيّن في رواية القاسم الإجمال الذي في رواية ابنه، لأنه لم يبيّن ما يصنع بعد أن يثني اليسرى، هل يجلس فوقها أو يتورك.

قال عبد الله: ( فقلت: إنك تفعل ذلك) أي التربع.
( فقال: إن رجليّ) بتشديد الياء، تثنية رجل، ولأبي الوقت وابن عساكر: إن رجلاي بالألف على إجراء المثنى مجرى المقصور كقوله:
إن أباها أو أباها.

أو أن: أن بمعنى نعم، ثم استأنف فقال: رجلاي ( لا تحملاني) بتخفيف النون، ولأبي ذر، لا تحملاني بتشديدها.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي.




[ قــ :806 ... غــ : 88 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ.
وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرْنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: "أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ
ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ" وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، وَيَزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ، وَابْنُ حَلْحَلَةَ مِنَ ابْنِ عَطَاءٍ.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ "كُلُّ فَقَارٍ".
.

     وَقَالَ  ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ "كُلُّ فَقَارٍ".

وبه قال: ( حدّثنا، يحيى بن بكير) المصري ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري أيضًا ( عن خالد) هو ابن يزيد الجمحي المصري ( عن سعيد) الليثي المدني، زاد أبو ذر.
هو ابن أبي هلال ( عن محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح العين، وكذا الحاءين المهملتين وسكون اللام الأولى الديلي المدني ( عن محمد بن عمرو بن عطاء) بفتح العين قبل الميم الساكنة القرشي العامري المدني.

( وحدّثنا) بالواو، وفي بعض الأصول قبله: ح للتحويل إلى سند آخر، ولابن عساكر قال: حدّثني، بحذف الواو والإفراد، أي: قال يحيى بن بكير: حدّثني أو حدّثنا ( الليث) بن سعد ( عن يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري ( ويزيد بن محمد) القرشي كلاهما ( عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه) أي ابن عطاء ( كان جالسًا مع نفر) كذا لكريمة بلفظ مع، ولغيرها، وعزاه في الفرع لأبي ذر والأصيلي: في نفر، اسم جمع يقع على الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة، وفي سنن أبي داود وصحيح ابن خزيمة أنهم كانوا عشرة ( من أصحاب النبي) ولأبي الوقت: من أصحاب رسول الله، أي: حال كونهم من أصحابه ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) منهم أبو قتادة بن ربعي، وأبو أسيد الساعدي، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، وأبو هريرة رضي الله عنهم، ( فذكرنا صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال أبو حميد) عبد الرحمن أو المنذر ( الساعدي) الأنصاري، رضي الله عنه: ( أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله) وللأصيلي: لصلاة النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

زاد في رواية أبي داود: قالوا فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعًا، ولا أقدمنا له صحبة، وللطحاوي.
قالوا: من أين؟ قال: رقبت ذلك منه حتى حفظت صلاته.

( رأيته) عليه الصلاة والسلام ( إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه) ولأبي ذر، حذو منكبيه، زاد ابن إسحاق: ثم قرأ بعض القرآن ( وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره) بالصاد المهملة، أي أماله في استواء من رقبته، ومتن ظهره من غير تقويس، ( فإذا رفع رأسه استوى) قائمًا معتدلاً ( حتى يعود كل فقار مكانه) بفتح الفاء والقاف جمع فقارة، واستعمل الفقار للواحد تجوّزًا، وفي المطالع، ونسب للأصيلي كسر الفاء.

وحكي عن الأصيلي أيضًا: كل قفار، بتقديم القاف، وهو تصحيف لأنه جمع قفر وهو المفازة، ولا معنى له هنا.


والفقار بتقديم الفاء ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب، قاله في المحكم: وهو ما بين كل مفصلين.

وقال صاعد: وهن أربع وعشرون، سبع في العنق، وخمس في الصلب، واثنتا عشرة في أطراف الأضلاع وقال الأصمعي: خمس وعشرون.

وفي رواية الأصيلي: حتى يعود كل فقار إلى مكانه ( فإذا سجد وضع يديه) حال كونه ( غير مفترش) ساعديه، وغير حامل بطنه على شيء من فخذيه ( ولا قابضهما) أي: ولا قابض يديه.
وهو أن يضمهما إليه.
وفي رواية فليح بن سليمان: ونحى يديه عن جنبيه، ووضع يديه حذو منكبيه، ( واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين) الأوليين للتشهد ( جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى) وهذا هو الافتراش.
( وإذا جلس في الركعة الآخرة) للتشهد الآخر ( قدّم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته) ، وهذا هو التورك، وفيه دليل للشافعية في: أن جلوس التشهد الأخير مغاير لغيره.

وحديث ابن عمر المطلق محمول على هذا الحديث المقيد، نعم.
في حديث عبد الله بن دينار المروي في الموطأ التصريح بأن جلوس ابن عمر المذكور كان في التشهد الأخير.

وعند الحنفية يفترش في الكل، وعند المالكية يتورك في الكل، والمشهور وعن أحمد اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان.

فإن قلت: ما الحكمة في أخذ الشافعية بالتغاير في الجلوس الأوّل والثاني؟
أجيب: لأنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات، ولأن الأول تعقبه الحركة بخلاف الثاني، ولأن المسبوق إذا رآه علم قدر ما سبق به.

ورواة هذا الحديث ما بين مصريين بالميم ومدنيين، وفيه إرداف الرواية النازلة بالعالية، ويزيد ابن محمد من أفراد المؤلّف، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

قال المؤلّف مفيدًا: إن العنعنة الواقعة في هذا الحديث بمنزلة السماع.

( وسمع الليث) بن سعد ( يزيد بن أبي حبيب) وسقط للأصيلي واو: وسمع، ( ويزيد بن محمد بن عمرو بن حلحلة) وللأصيلي: ويزيد بن محمد، محمد بن حلحلة، ولأبي ذر: ويزيد محمدًا وللأصيلي أيضًا: ويزيد سمع من محمد بن حلحلة.
( وابن حلحلة) سمع ( من ابن عطاء) وقد سقط ذلك أعني من قوله: سمع إلى آخر قوله ابن عطاء، عند ابن عساكر.

( وقال) بواو العطف، ولغير أبي ذر وابن عساكر: قال ( أبو صالح) كاتب الليث، وليس هو: أبو صالح عبد الغفار البكري، مما وصله الطبراني، ( عن الليث) بإسناده الثاني السابق، عن يزيد بن
أبي حبيب، ويزيد بن محمد: ( كل فقار) بغير إضافة إلى ضمير وتقديم الفاء على القاف، كما فى الفرع، وقال الحافظ ابن حجر: ضبط في روايتنا بتقديم القاف على الفاء، وكذا للأصيلي.
اهـ.

وقد قالوا: إنها تصحيف كما مر، وعند الباقين كرواية يحيى بن بكير يعني بتقديم الفاء، لكن ذكر صاحب المطالع أنهم كسروا الفاء.

( وقال ابن المبارك) عبد الله، مما وصله الفريابي في صفة الصلاة له، والجوزقيّ في جمعه، وإبراهيم الحربي في غريبه: ( عن يحيى بن أيوب، قال: حدّثني) بالإفراد ( يزيد بن أبي حبيب أن محمد بن عمرو حدّثه) ، ولأبي ذر: أن محمد بن عمرو بن حلحلة حدّثه: ( كل فقار) بتقديم الفاء من غير ضمير أيضًا، وللكشميهني وحده: كل فقاره، بهاء الضمير كما في الفرع.
أي: حتى يعود جميع عظام ظهره أو فقاره، بهاء التأنيث، أي: حتى تعود كل عظمة من عظام الظهر مكانها.