فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، وبيعة العقبة

باب وُفُودُ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ وَبَيْعَةُ الْعَقَبَةِ
( باب وفود الأنصار) الأوس والخزرج ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة وبيعة العقبة) بمنى في الموسم، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعرض نفسه على القبائل كل موسم فلقي عند العقبة ستة نفر من الخزرج وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة، وعوف بن الحرث بن رفاعة وهو ابن عفراء، ورافع بن مالك العجلاني،
وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله بن رباب.
ومن أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بن الصامت بدل جابر بن رباب، فدعاهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الإسلام فآمنوا وقالوا: إنّا تركنا قومنا وبينهم حروب فننصرف فندعوهم إلى ما دعوتنا إليه فلعل الله أن يجمعهم بك فإن اجتمعت كلمتهم عليك واتبعوك فلا أحد أعز منك وانصرفوا إلى المدينة فدعوا قومهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما كان العام المقبل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلاً منهم خمسة من الستة الذين ذكرناهم وهم: أبو أمامة، وعوف ابن عفراء، ورافع بن مالك، وقطبة، وعقبة.
وبقيتهم معاذ بن الحرث بن رفاعة وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور، وذكوان بن عبد قيس بن خلدة الزرقي، وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة البلوي حليف بني عصية من بلى، والعباس بن عبادة بن نضلة.
وهؤلاء من الخزرج.

ومن الأوس رجلان أبو الهيثم بن التيهان من بني عبد الأشهل وعويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف حليف لهم فبايعوه عند العقبة على بيعة النساء وبعث معهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن وشرائع الإسلام ويدعوان من لم يسلم إلى الإسلام فأسلم على يد مصعب خلق كثير من الأنصار ولم يبق في بني عبد الأشهل أحد من الرجال والنساء إلا أسلم حاشا الأصرم عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أُحد فأسلم واستشهد ولم يسجد لله سجدة واحدة، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه من أهل الجنة، ثم خرج جماعة كثيرة ممن أسلم من الأنصار يريدون لقاءه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جملة قوم كفار منهم فوافوا مكة فواعدوه العقبة من أوسط أيام التشريق فبايعوه عند العقبة على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم وأن يرحل إليهم هو وأصحابه، وحضر العباس تلك الليلة موثقًا لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومؤكدًا على أهل يثرب وكان يومئذٍ على دين قومه، وكان للبراء بن معرور في تلك الليلة المقام المحمود في التوثق، وكان المبايعون تلك الليلة سبعين رجلاً وامرأتين وسقط لفظ باب لأبي ذر.


[ قــ :3710 ... غــ : 3889 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح.

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِطُولِهِ، قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ "وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا".

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا اسم جده واسم أبيه عبد الله
المخزومي المصري قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين ( عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري قال المؤلّف: ( ح) .

( وحدّثنا) بالواو الثابتة في رواية أبي ذر ( أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: ( حدّثنا عنبسة) بفتح العين والسين المهملتين بينهما نون ساكنة فموحدة مفتوحة ابن خالد بن يزيد الأيلي قال: ( حدّثنا) عمي ( يونس) بن يزيد الأيلي واللفظ لعقيل لا ليونس ( عن ابن شهاب) أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن) أباه ( عبد الله بن كعب وكان قائد كعب) أبيه ( حين عمي قال: سمعت) أبي ( كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن النبي) ولأبي ذر عن رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة تبوك) الحديث ( بطوله.
قال ابن بكير في حديثه)
: أي حديث عقيل ( ولقد شهدت مع النبي) وفي نسخة مع رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وضبب في الفرع على لفظ النبي ( ليلة العقبة) الثالثة ( حين تواثقنا) بالمثلثة والقاف ( على الإسلام وما أحب أن لي بها) أي بدلها ( مشهد بدر) فالباء باء البدلية ( وإن كانت بدر أذكر) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح الكاف أي أكثر شهرة ( في الناس منها) لأن ليلة العقبة المذكورة كانت أول الإسلام ومنها فشا وتأكد أساسه.

وهذا الحديث مر في الوصايا والجهاد، وأخرجه أيضًا في المغازي والتفسير والاستئذان والأحكام مطوّلاً ومختصرًا.




[ قــ :3711 ... غــ : 3890 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "شَهِدَ بِي خَالاَيَ الْعَقَبَةَ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: "أَحَدُهُمَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ".
[الحديث 3890 - طرفه في: 3891] .

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: كان عمرو) بفتح العين ابن دينار ( يقول: سمعت جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام بالمهملتين ابن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري ( -رضي الله عنهما- يقول: شهد بي) بالموحدة قبل التحتية الساكنة ( خالاي) تثنية خال مضاف لياء المتكلم المخففة ( العقبة) الثالثة.

( قال أبو عبد الله) البخاري المؤلّف ولأبي ذر قال: عبد الله بن محمد أي الجعفي المسندي ( قال ابن عيينة) : سفيان ( أحدهما) أي خالي جابر ( البراء بن معرور) بمهملات وأم جابر اسمها نسيبة بضم النون بنت عقبة بضم العين وسكون القاف ابن عدي وأخواها ثعلبة وعمرو وهما خالا جابر وقد شهد العقبة الأخيرة، وأما البراء بن معرور فليس من أخوال جابر لكنه كما قال في الفتح كالكرماني من أقارب أمه وأقارب الأم يسمون أخوالاً مجازًا.




[ قــ :371 ... غــ : 3891 ]
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ: "أَنَا وَأَبِي وَخَالايَ مِنْ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الصغير قال: ( أخبرنا هشام)
هو ابن يوسف الصنعاني ( أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( أخبرهم قال عطاء) : هو ابن أبي رباح ( قال جابر) الأنصاري ( أنا وأبي) عبد الله ( وخالي) بكسر اللام بالإفراد ولأبي ذر وخالاي بالتثنية ( من أصحاب العقبة) الثالثة وكان جابر أصغر من شهدها.




[ قــ :3713 ... غــ : 389 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بن عبد الله «أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -مِنَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ أَصْحَابِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: تَعَالَوْا بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ.
فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، قَالَ فَبَايَعْناهُ عَلَى ذَلِكَ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( إسحاق بن منصور) أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: ( أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: ( حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله ( عن عمه) محمد بن مسلم الزهري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو إدريس عائذ الله) بالعين المهملة والذال المعجمة ممدودًا ( ابن عبد الله) الخولاني أحد الأعلام سقط ابن عبد الله من اليونينية ( أن عباة بن الصامت) -رضي الله عنه- ابن قيس ( من الذين شهدوا بدرًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن أصحابه ليلة العقبة) وهو أحد النقباء واحد الستة أهل العقبة الأولى في قول بعضهم واحد الاثني عشر أهل الثانية وأحد السبعين في الثالثة ( أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وحوله عصابة) بكسر العين المهملة ( من أصحابه) :
( تعالوا) بفتح اللام ( بايعوني) عاقدوني ( على) التوحيد ( أن لا تشركوا بالله شيئًا و) على أن ( لا تسرقوا) شيئًا ( و) على أن ( لا تزنوا و) على أن ( لا تقتلوا أولادكم ولا تأتون) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: ولا تأتوا بحذف النون عطفًا على المنصوب السابق ( ببهتان) بكذب يبهت سامعه ( تفترونه) تختلقونه ( بين أيديكم وأرجلكم) أي من قبل أنفسكم فكني باليد والرجل عن الذات لأن معظم الأفعال بها ( ولا تعصوني في معروف) قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تطييبًا لقلوبهم وإلا فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يأمر إلا بالمعروف ( فمن وفى منكم) بتخفيف الفاء بالعهد ( فأجره على الله) فضلاً ( ومن أصاب) منكم أيها المؤمنون ( من ذلك شيئًا) غير الشرك ( فعوقب به) بسببه ( في الدنيا) بإقامة الحد عليه ( فهو) أي العقاب ( له كفارة) فلا يعاقب عليه في الآخرة ( ومن أصاب من ذلك) المذكور ( شيئًا فستره الله فأمره) مفوّض ( إلى الله) تعالى ( إن شاء عاقبه) بعدله ( وإن شاء عفا عنه) بفضله ( قال) : عبادة ( فبايعته) وفي نسخة فبايعناه ( على ذلك) .

وهذا الحديث سبق في كتاب الإيمان.




[ قــ :3714 ... غــ : 3893 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنِ النَّابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،.

     وَقَالَ : بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ نَسْرِقَ، وَلاَ نَزْنِيَ، وَلاَ نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بالحقّ، وَلاَ نَنْتَهِبَ، وَلاَ نَقْضِيَ بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ".

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن يزيد بن أبي حبيب) من الزيادة وحبيب بالحاء المهملة المفتوحة والموحدتين بينهما تحتية ساكنة الأزدي أبي رجاء عالم مصر ( عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة وآخره دال مهملة ابن عبد الله المصري ( عن الصنابحي) بضم الصاد المهملة وفتح النون المخففة وبعد الألف موحدة مكسورة فحاء مهملة عبد الرحمن بن عسيلة بضم العين وفتح السين المهملتين مصغرًا التابعي ( عن عبادة بن الصامت) بن قيس أبي الوليد الخزرجي ( -رضي الله عنه- أنه قال إني من النقباء) الاثني عشر ( الذين بايعوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليلة العقبة الثالثة على الإيواء والنصرة وغيرهما ( وقال: بايعناه) أي في وقت آخر ( على أن لا نشرك بالله شيئًا) على ترك الإشراك ( و) أن ( لا نسرق) بحذف المفعول ليدل على العموم ( و) أن ( لا نزني) بنونين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة ففوقية مفتوحة فهاء مكسورة فموحدة ولأبي ذر عن الكشميهني ولا ننهب بحذف الفوقية وفتح الهاء أي لا نأخذ مال أحد بغير حق ( و) أن ( لا نعصي) بالعين والصاد المهملتين أي لا نعصي الله في معروف ( بالجنة وإن فعلنا ذلك) متعلق بقوله بايعناه أي بايعناه على أن لا نفعل شيئًا مما ذكر بمقابلة الجنة، وللكشميهني ولا نقضي بالقاف والضاد المعجمة وهو تصحيف وتكلف بعضهم في تأويله فقال نهاهم عن ولاية القضاء قال في الفتح: وهذا يبطله أن عباده ولي قضاء فلسطين في زمن عمر -رضي الله عنه-، وقيل إن قوله بالجنة متعلق بنقضي أي لا نقضي بالجنة لأحد معين بل الأمر موكول إلى الله تعالى لا حكم لنا فيه لكن يبقى قوله: إن فعلنا ذلك لا جواب له ( فإن غشينا) بالغين المفتوحة والشين المكسورة المعجمتين والتحتية الساكنة أي إن أصبنا ( من ذلك) المنهي عنه ( شيئًا كان قضاء ذلك) مفوّضًا ( إلى الله) عز وجل إن شاء عفا عنه إن شاء عاقبه.

وظاهر صنيع المؤلّف أن هذه المبايعة وقعت ليلة العقبة وبه جزم القاضي عياض وآخرون.

وقال ابن حجر: إنما هي مبايعة أخرى غير ليلة العقبة وإنما الذي في العقبة أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم إلى آخره ثم صدرت بعد مبايعات أخرى منها هذه التي ذكر فيها هذه المنهيات.
ويقوي ذلك نزول آية الممتحنة فإنها بعد فتح مكة، ولقوله في رواية مسلم والنسائي كما أخذ على النساء بل عند الطبراني من وجه آخر عن الزهري: ثم بايعنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما بايع
عليه النساء يوم فتح مكة، فظهر أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية بل بعد صدور بيعة العقبة فصح تغاير البيعتين بيعة الأنصار قبل الهجرة وبيعة أخرى بعد فتح مكة، وإنما وقع الالتباس من جهة أن عبادة بن الصامت حضر البيعتين ولما كانت بيعة العقبة من أجل ما يتمدّح به فكان يذكرها إذا حدث تنويهًا بسابقته، ويؤيده أيضًا قوله في هذا الحديث الأخير: ولا ننتهب لأن الجهاد لم يكن فرض والمراد بالانتهاب كما قاله في الفتح ما يقع بعد القتال، لكن تفسير الانتهاب بذلك على الخصوص غير ظاهر على ما لا يخفى، لكن روى ابن إسحاق بسنده عن عبادة قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثني عشر رجلاً فبايعنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بيعة النساء أي على وفق بيعة النساء التي نزلت بعد ذلك عند فتح مكة ففيه الجزم بأنها ليلة العقبة.

وأجيب: بأنه اتفق وقوع ذلك قبل نزول الآية، وأضيفت النساء لضبطها بالقرآن والراجح أن التصريح بذلك وهم من بعض الرواة، والذي دل عليه الأحاديث أن البيعات ثلاثة: العقبة وكانت قبل فرض الحرب، والثانية بعد الحرب على عدم الفرار، والثالثة على نظير بيعة النساء.

وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الإيمان.