فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا

باب يُسْتَحَبُّ لِلْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَاقِلاً
( باب) بالتنوين ( يستحب للكاتب) للحكم ( أن يكون أمينًا) في كتابته بعيدًا من الطمع مقتصرًا على أجرة المثل ( عاقلاً) غير مغفل لئلا يخدع.


[ قــ :6806 ... غــ : 7191 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: بَعَثَ إِلَىَّ أَبُو بَكْرٍ لِمَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِى فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّى أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِى الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا، فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّى أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِى فِى ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِى لِلَّذِى شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِى ذَلِكَ الَّذِى رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَإِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْىَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِى نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ بِأَثْقَلَ عَلَىَّ مِمَّا كَلَّفَنِى مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ مُرَاجَعَتِى حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِى لِلَّذِى شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِى ذَلِكَ الَّذِى رَأَيَا فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَالرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] إِلَى آخِرِهَا مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِى خُزَيْمَةَ فَأَلْحَقْتُهَا فِى سُورَتِهَا وَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ اللِّخَافُ: يَعْنِى الْخَزَفَ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبيد الله) بضم العين ابن محمد بن زيد ( أبو ثابت) مولى عثمان بن عفان القرشي المدني الفقيه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد بن السباق) بضم العين في الأوّل وفتح المهملة والموحدة المشددة وبعد الألف قاف الثقفي ( عن زيد بن ثابت) الأنصاري الخزرجي كاتب الوحي رضي الله تعالى عنه أنه ( قال: بعث إلي) بتشديد الياء ( أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- ( لمقتل) ولأبي ذر عن الحموي مقتل بإسقاط اللام والنصب ( أهل اليمامة) من اليمن وبها قتل مسيلمة ومن القراء سبعون أو سبعمائة ( وعنده عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( فقال) لي ( أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرّ) بالسين المهملة الساكنة بعدها فوقية فحاء مهملة فراء مشددة اشتدّ وكثر ( يوم اليمامة بقرّاء القرآن) وسقط للكشميهني قد من قوله قد استحر ( وإني أخشى أن يستحر) يشتد ( القتل بقرّاء القرآن في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير وإني أرى أن
تأمر بجمع القرآن)
قال أبو بكر لزيد ( قلت) لعمر ( كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لي ( عمر: هو) أي جمعه ( والله خير) .
واستشكل التعبير بخير الذي هو أفعل التفضيل لأنه يلزم من فعلهم هذا أن يكون خيرًا من تركه في الزمن النبوي وأجيب: بأنه خير بالنسبة لزمانهم والترك كان خيرًا في الزمن النبوي لعدم تمام النزول واحتمال النسخ إذ لو جمع بين الدفتين وسارت به الركبان إلى البلدان ثم نسخ لأدّى ذلك إلى اختلاف عظيم قال أبو بكر: ( فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ورأيت في ذلك الي رأى عمر قال زيد قال) لي ( أبو بكر) -رضي الله عنه-: ( وإنك) يا زيد وللكشميهني إنك ( رجل) بإسقاط الواو وأشار بقوله ( شاب) إلى حدّه ونظره وقوّة ضبطهِ ( عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذكر له أربع صفات مقتضية لخصوصيته بذلك.
كونه شابًّا فيكون أنشط لذلك، وكونه عاقلاً فيكون أوعى له، وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه، وكونه كان كاتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له.
وقول ابن بطال عن المهلب إنه يدل على أن العقل أجلّ الخصال المحمودة لأنه لم يوصف زيد بأكثر من العقل وجعله سببًا لائتمانه ورفع التهمة عنه، تعقبه في الفتح بأن أبا بكر ذكر عقب الوصف المذكور قد كنت تكتب الوحي، فمن ثم اكتفى بوصفه بالعقل لأنه لو لم تثبت أمانته وكفايته وعقله لما استكتبه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي، وإنما وصفه بالعقل وعدم الاتهام دون ما عداهما إشارة إلى استمرار ذلك له وإلاّ فمجرد قوله لا نتهمك مع قوله عاقل لا يكفي في ثبوت الأمانة والكفاية فكم من بارع في العقل والمعرفة وجدت منه الخيانة ( فتتبع القرآن فاجمعه) بالفاء ولأبي ذر واجمعه ( قال زيد: فوالله لو كلفني) أبو بكر ( نقل جبل من الجبال ما كان) نقله ( بأثقل عليّ) بتشديد الياء ( مما كلفني به) أبو بكر ( من جمع القرآن.
قلت)
: أي للعمرين ( كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال أبو بكر)
-رضي الله عنه-: ( هو والله خير فلم يزل يحث) بالمثلثة بعد المهملة المضمومة ولأبي ذر يحب ( مراجعتي) بالموحدة بدل المثلثة وضم أوله ( حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر ورأيت في ذلك الذي رأيا فتتبعت القرآن) حال كوني ( أجمعه من العسب) بضم العين والسين المهملتين آخره موحدة جريد النخل العريض المكشوط عنه الخوص المكتوب فيه ( والرقاع) بالراء المكسورة والقاف وبعد الألف عين مهملة جمع رقعة من جلد أو ورق وفي رواية أخرى وقطع الأديم ( واللخاف) باللام المشدّدة المكسورة والمعجمة وبعد الألف فاء الحجارة الرقيقة أو الخزف كما في هذا الباب ( وصدور الرجال) الذين حفظوه وجمعوه في صدورهم فى حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كاملاً كأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل ( فوجدت آخر سورة التوبة { لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128، 129] إلى آخرها مع خزيمة) بن ثابت بن الفاكه بالفاء والكاف المكسورة الأنصاري الأوسي الذي جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادته شهادة رجلين ( أو أبي خزيمة) بن أوس بن يزيد وهو مشهور بكنيته الأنصاري النجاري بالشك.
وعند أحمد والترمذي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد مع خزيمة بن ثابت، وفي رواية شعيب في آخر سورة التوبة مع خزيمة الأنصاري، وفي مسند الشاميين من طريق أبي اليمان عند الطبراني
خزيمة بن ثابت الأنصاري، لكن قول من قال مع أبي خزيمة أصح، وقد اختلف فيه على الزهري فمن قائل مع أبي خزيمة ومن قائل مع خزيمة ومن شاكّ فيه يقول خزيمة أو أبي خزيمة، والأرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي معه آية الأحزاب خزيمة.
وعند أبي داود في كتاب المصاحف من طريق ابن إسحاق حدّثني يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: أتى الحارث بن خزمة إلى عمر بهاتين الآيتين { لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128 - 129] إلى آخر السورة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووعيتهما فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما.
وخزمة قال في الإصابة: بفتح المعجمة والزاي ابن عدي بن أبي غنم بن سالم الخزرجي الأنصاري ( فألحقتها في سورتها.
وكانت الصحف)
التي كتبوا فيها القرآن ولأبي ذر عن الكشميهني فكانت بالفاء بدل الواو ( عند أبي بكر) -رضي الله عنه- ( حياته حتى توفاه الله عز وجل، ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر) -رضي الله عنهما-.

( قال محمد بن عبيد الله) بضم العين ابن محمد بن زيد مولى عثمان بن عفان شيخ البخاري المذكور أول هذا الباب ( اللخاف) المذكور في الحديث ( يعني) به: ( الخزف) بالخاء والزاي المعجمتين ثم فاء وفي الحديث اتخاذ الحاكم الكاتب وأن يكون الكاتب عاقلاً فطنًا مقبول الشهادة، ومراجعة الكاتب للحاكم في الرأي ومشاركته له فيه.

والحديث سبق في براءة وغيرها.