فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة

باب إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ فِي الصَّلاَةِ
وهذا ( باب) بالتنوين ( إذا حمل جارية صغيرة على عنقه) لا تفسد صلاته وزاد غير الأربعة ( في الصلاة) .



[ قــ :503 ... غــ : 516 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا".
[الحديث 516 - طرفه في: 5996] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا ( مالك) إمام دار الهجرة ( عن عامر بن عبد الله بن الزبير) بن العوام ( عن عمرو بن سليم) بفتح العين وضم السين ( الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء الأنصاري ( عن أبي قتادة) الحرث بن ربعي ( الأنصار) السلمي رضي الله عنه:
( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي وهو حامل أمامة) بتنوين حامل وضم همزة أمامة وتخفيف ميمها والنصب والجملة اسمية حالية، وروي حامل إمامة بالإضافة كان الله بالغ أمره بالوجهين ويظهر أثر الوجهين في قوله ( بنت زينب) فيجوز فيها الفتح والكسر بالاعتبارين، وأما قوله ( بنت رسول الله) وفي رواية ابنة رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فبجر بنت خاصة لأنها صفة لزينب المجرورة قطعًا ( و) هي أي أمامة بنت ( لأبي العاص) مقسم بكسر الميم وفتح السين أو لقيط أو القاسم أو لقيم أو مهشم أو هشيم أو ياسر أقوال وأسر يوم بدر كافرًا ثم أسلم وهاجر، وردّ عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابنته زينب وماتت معه وأثنى عليه في مصاهرته، وتوفي في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما ( بن ربيعة) بن عبد العزى ( بن عبد شمس) كذا وقع في رواية الأكثرين عن مالك، والصواب ما رواه أبو مصعب ومعن بن عيسى ويحيى بن بكير عن مالك الربيع بلا هاء، ونسبه مالك إلى جدّه لشهرته به، وكان حمله عليه الصلاة والسلام لأمامة على عنقه كما رواه مسلم من طريق أخرى وعبد الرزاق عن مالك، ولأحمد من طريق ابن جريج على رقبته.
( فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها) وإنما فعل ذلك عليه الصلاة والسلام لبيان الجواز وهو جائز لنا وشرع مستمر إلى يوم الدين، وهذا مذهبنا ومذهب أبي حنيفة وأحمد، وادّعى المالكية بتحريم الحمل في الصلاة وهو مردود بأن قصة أمامة كانت بعد قوله عليه الصلاة والسلام: "إن في الصلاة لشغلاً" فإن ذلك كان قبل الهجرة، وقصة أمامة بعدها قطعًا بمدة مديدة، وحمل مالك لها فيما رواه أشهب على صلاة النافلة مدفوع بحديث مسلم: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يؤمّ الناس وأمامة على عاتقه، وحديث أبي داود: بينا نحن ننتظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الظهر والعصر وقد
دعاه بلال للصلاة إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت ابنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عنقه فقام في الصلاة وقمنا خلفه، وفي كتاب النسب لابن بكار عن عمرو بن سليم أن ذلك كان في صلاة الصبح، وهذا يقتضي أنه كان في الفرض.

وأجيب: باحتمال أنه كان في النافلة التي قبل الفرض، وردّ بأن إمامته في النافلة ليست معهودة وبأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يتنفل في المسجد بل في بيته قبل أن يخرج وإنما يخرج عند الإقامة وحمل الخطابي ذلك على عدم التعمّد منه عليه الصلاة والسلام لأنه عمل كثير في الصلاة بل كانت أمامة ألفته وأنست بقربه، فتعلقت به في الصلاة ولم يدفعها عن نفسه، فإذا أراد أن يسجد وضعها عن عاتقه حتى يكمل سجوده فتعود إلى حالتها الأولى فلا يدفعها، فإذا قام بقيت معه محمولة.
وعورض بما رواه أبو داود من طريق المقبري عن عمرو بن سليم حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها ولأحمد من

طريق ابن جريج وإذا قام حملها فوضعها على رقبته، فهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها، والأعمال في الصلاة إذا قلت أو تفرقت لا تبطلها، والواقع هنا عمل غير متوالٍ لوجود الطمأنينة في أركان صلاته، ودعوى خصوصيته عليه الصلاة والسلام بذلك كعصمته من بول الصبية بخلاف غيره مردودة بأن الأصل عدم الخصوصية، وكذا دعوى الضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها لأنه عليه الصلاة والسلام لو تركها لبكت وشغلته في صلاته أكثر من شغله بحملها.
قال النووي: وكلها باطلة لا دليل عليها وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع انتهى.

ورواة هذا الحديث الخمسة كلهم مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود والنسائي.