فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: كيف الحشر

باب كَيْفَ الْحَشْرُ
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه بيان ( كيف الحشر) وهو الجمع.


[ قــ :6184 ... غــ : 6522 ]
- حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاَثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلاَثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا: وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِى مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا».

وبه قال: ( حدّثنا معلى) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشددة ( ابن أسد) البصري قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد ( عن ابن طاوس) عبد الله ( عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( يحشر الناس) قبيل الساعة إلى الشام ( على ثلاث طرائق) أي فرق فرقة ( راكبين راهبين) بغير واو في الفرع كأصله في راهبين.
وقال في الفتح وراهبين بالواو وفي مسلم بغير واو وهذه الفرقة هي التي اغتنمت الفرصة وسارت على فسحة من الظهر ويسرة من الزاد راغبة فيما تستقبله راهبة فيما تستدبره ( و) الفرقة الثانية تقاعدت حتى قل الظهر وضاق عن أن يسعهم لركوبهم فاشتركوا فركب منهم ( اثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة) يعتقبون ( على بعير) بإثبات الواو في الأربعة في فرع اليونينية كهي وقال الحافظ ابن حجر: بالواو في الأول فقط وفي رواية مسلم والإسماعيلي بالواو في الجميع ولم يذكر الخمسة والستة إلى العشرة اكتفاء بما ذكر ( ويحشر) بالتحتية ولأبي ذر بالفوقية ( بقيتهم النار) لعجزهم عن تحصيل ما يركبونه وهي الفرقة الثالثة والمراد بالنار هنا نار الدنيا لا نار الآخرة وقيل المراد نار الفتنة وليس المراد نار الآخرة قال الطيبي: لقوله ويحشر بقيتهم النار فإن النار هي الحاشرة ولو أريد ذلك المعنى لقال
إلى النار ولقوله: ( تقيل) من القيلولة أي تستريح ( معهم حيث قالوا: وتبيت) من البيتوتة ( معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا) فإنها جملة مستأنفة بيان للكلام السابق فإن الضمير في تقيل راجع إلى النار الحاشرة وهو من الاستعارة فيدل على أنها ليست النار الحقيقية بل نار الفتنة، كما قال تعالى: { كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} [المائدة: 64] ولا يمتنع إطلاق النار على الحقيقية وهي التي تخرج من عدن وعلى المجازية وهي الفتنة إذ لا تنافي بينهما.
وفي حديث حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة عند مسلم المذكور فيه الآيات الكائنة قبل يوم الساعة كطلوع الشمس من مغربها، وفيه: وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس وفي رواية له تطرد الناس إلى حشرهم، وفي حديث معاوية بن حيدة جدّ بهز بن حكيم رفعه: إنكم تحشرون ونحا بيده نحو الشام رجالاً وركبانًا وتجرّون على وجوهكم رواه الترمذي والنسائي بسند قويّ، وعند أحمد بسند لا بأس به حديث: ستكون هجرة بعد هجرة وينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ولا يبقى في الأرض إلا شرارها تلفظهم أرضوهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وفي حديث أبي ذر عند أحمد والنسائي والبيهقي حدثني الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج.
فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم الحديث وفيه: أنهم سألوا عن السبب في مشي المذكورين فقال: يلقي الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات ظهر حتى أن الرجل ليعطى الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب أي يشتري الناقة المسنة لأجل ركوبها تحمله على القتب بالبستان الكريم لهوان العقار الذي عزم على الرحيل عنه وعزة الظهر الذي يوصله إلى مقصوده، وهذا لائق بأحوال الدنيا، لكن استشكل قوله فيه يوم القيامة.

وأجيب: بأنه مؤوّل على أن المراد بذلك أن يوم القيامة يعقب ذلك فيكون من مجاز المجاورة ويتعين ذلك لما وقع فيه أن الظهر يقل لما يلقى عليه من الآفة، وأن الرجل يشتري الشارف الواحدة بالحديقة المعجبة فإن ذلك ظاهر جدًّا في أنه من أحوال الدنيا لا بعد البعث، ومن أين للذين يبعثون بعد الموت حفاة عراة حدائق يدفعونها في الشوارف، ومال الحليمي وغيره إلى أن هذا الحشر يكون عند الخروج من القبور، وجزم به الغزالي، وذهب إليه التوربشتي في شرح المصابيح له وأشبع الكلام في تقريره بما يطول ذكره.

والحديث أخرجه مسلم في باب يحشر الناس على طرائق.




[ قــ :6185 ... غــ : 653 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِىُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِى أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِى الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنَّ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؟ قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّنَا.

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني ( عبد الله بن محمد) أبو جعفر الحافظ الجعفي المسندي قال: ( حدّثنا يونس بن محمد البغدادي) المؤدّب الحافظ قال: ( حدّثنا شيبان) بالشين المعجمة والموحدة المفتوحتين بينهما تحتية ساكنة وبعد الألف نون ابن عبد الرَّحمن النحوي المؤدّب التميمي مولاهم ( عن قتادة) بن دعامة أنه قال: ( حدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمه ( قال: يا نبي الله كيف يحشر الكافر) ماشيًا يوم القيامة ( على وجهه) وهذا السؤال مسبوق بمثل قوله: يحشر بعض الناس يوم القيامة على وجوههم، وسقط لأبي ذر لفظ كيف فيصير استفهامًا حذف أداته، وعند الحاكم من وجه آخر عن أنس كيف يحشر أهل النار على وجوههم وحكمته المعاقبة على عدم سجوده لله تعالى في الدنيا فيسحب على وجهه أو يمشي عليه إظهارًا لهوانه في ذلك المحشر العظيم جزاء وفاقًا.
( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرًا على أن يمشيه) بضم التحتية وسكون الميم حقيقة ( على وجهه يوم القيامة) وفي مسند أحمد من حديث أبي هريرة: أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك، وقوله: قادرًا نصب في الفرع مصحح عليه وهو خبر أليس، وأعربه الطيبي بالرفع خبر الذي واسم ليس ضمير الشأن.

( قال قتادة) بن دعامة بالسند السابق ( بلى وعزة ربنا) قادر على ذلك.

والحديث سبق في التفسير وأخرجه مسلم في التوبة والنسائي في التفسير.




[ قــ :6186 ... غــ : 654 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّكُمْ مُلاَقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً، مُشَاةً غُرْلاً».
قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا مِمَّا نَعُدُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال عمرو) بفتح العين ابن دينار ( سمعت سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة يقول: ( سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- يقول: ( سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( إنكم ملاقو الله) عز وجل في الموقف بعد البعث حال كونكم ( حفاة) بضم المهملة وتخفيف الفاء بلا خف ولا نعل ( عراة) بضم العين المهملة، وهذا ظاهره يعارض حديث أبي سعيد المروي عند أبي داود وصححه ابن حبان أنه لما حضره الموت دعا بثياب جُدد فلبسها وقال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها" لكن جمع بينها بأنهم يخرجون من القبور بأثوابهم التي دفنوا فيها ثم يتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة، وحمله بعضهم على العمل كقوله تعالى: { ولباس التقوى} [الأعراف: 6] ( مشاة) بضم الميم بعدها معجمة غير راكبين ( غرلاً) بضم المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف والغرلة القلفة وهو ما يقطع من فرج الذكر.

( قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق ( هذا) الحديث ( مما نعدّ) بنون مفتوحة وضم العين ولابن عساكر يعدّ بتحتية مضمومة وفتح العين ( أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد ضبطه غندر فقال: إنه عشرة أحاديث.
وعن أبي داود صاحب السنن ويحيى بن معين ويحيى القطان تسعة، وقال الحافظ ابن حجر: إنها تزيد على الأربعين ما بين صحيح وحسن خارجًا عن الضعيف وزائدًا أيضًا على ما هو في حكم السماع كحكايته حضور شيء فعل بحضرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.




[ قــ :6187 ... غــ : 655 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ مُلاَقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي، وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) أي ابن دينار ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( يخطب على المنبر يقول) :
( إنكم ملاقو الله) أصله ملاقون فسقطت النون لإضافته للاسم الشريف ( حفاة عراة غرلاً) وسقطت في رواية قتيبة هذه مشاة وثبتت عنه في مسلم لكنه لم يقل على المنبر.




[ قــ :6188 ... غــ : 656 ]
- حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً، { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} » [الأنبياء: 104] الآيَةَ «وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِى فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُصَيْحَابِى؟ فَيَقُولُ اللهُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: 117] إِلَى قَوْلِهِ { الْحَكِيمُ} قَالَ: فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولابن عساكر حدّثنا ( محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة بعدها معجمة مشددة الملقب ببندار العبدي قال: ( حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة بعدها راء محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن المغيرة بن النعمان) النخعي ولابن عساكر يعني ابن النعمان ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: قام فينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب فقال) في خطبته:
( إنكم محشورون) بميم مفتوحة اسم مفعول من حشر ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي تحشرون بفوقية مضمومة مبنيًّا للمفعول من المضارع ( حفاة عراة) زاد أبو ذر غرلاً ولم يقل هنا أيضًا مشاة قال ابن عبد البر: يحشر الآدمي عاريًا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه شيء يردّ إليه حتى الأقلف ( { كما بدأنا أول خلق نعيده} ) [الأنبياء: 104] ( الآية) بأن
نجمع أجزاءهُ المتبددة أو نعيد ما خلقناه مبتدأ إعادة مثل بدئنا إياه في كونهما إيجادًا عن العدم، والمقصود بيان صحة الإعادة بالقياس على الإبداء لشمول الإمكان الذاتي المصحح للمقدورية وتناول القدرة القديمة لهما على السواء.

فإن قلت: سياق الآية في إثبات الحشر والنشر لأن المعنى يوجدكم من العدم كما مرّ، فكيف يستشهد بها للمعنى المذكور؟ أجاب الطيبي: بأن سياق الآية دل على إثبات الحشر وإشارتها على المعنى المراد من الحديث فهو من باب الإدماج.

( وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم) لأنه أول من عري في ذات الله حين أرادوا إلقاءه في النار، وقيل لأنه أول من استنّ التستر بالسراويل، وقيل لأنه لم يكن في الأرض أخوف لله منه فعجلت له كسوته أمانًا له ليطمئن قلبه واختار هذا الأخير الحليمي، وقد أخرج ابن منده من حديث معاوية بن حيدة رفعه: أول من يكسى إبراهيم يقول الله اكسوا خليلي ليعلم الناس فضله عليهم، وقول أبي العباس القرطبي يجوز أن يراد بالخلائق ما عدا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يدخل في عموم خطاب نفسه، تعقبه في التذكرة بحديث علي عند ابن المبارك في الزهد: أول من يكسى يوم القيامة خليل الله قبطيتين ثم يكسى محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلّة حبرة عن يمين العرش اهـ.

ولا يلزم من تخصيص إبراهيم عليه السلام بأنه أول من يكسى أن يكون أفضل من نبينا على ما لا يخفى وكم لنبينا من فضائل مختصة به لم يسبق إليها ولم يشارك فيها وإذا بدئ الخليل بالكسوة وثني بنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي نبينا بحلّة لا يقوم لها البشر ليخبر التأخير بنفاسة الكسوة فيكون كأنه كسي مع الخليل قاله الحليمي.

( وأنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال) أي جهة جهنم ( فأقول يا رب) هؤلاء ( أصيحابي) بضم الهمزة مصغرًا خبر مبتدأ محذوف أي هؤلاء كما مرّ ولأبي ذر وابن عساكر أصحابي أي أمتي أمة الدعوة ( فيقول الله) عز وجل: ( إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح) عيسى ابن مريم: ( { وكنت عليهم شهيدًا} ) رقيبًا ( { ما دمت فيهم} ) إلى قوله ( { الحكيم} ) [المائدة: 117] قال ( فيقال إنهم لم) وللكشميهني لن ( يزالوا مرتدين على أعقابهم) زاد في ترجمة مريم من أحاديث الأنبياء.
قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال: هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر وقد وصله الإسماعيلي ويحتمل أن يكونوا منافقين، وقال البيضاوي: ليس قوله مرتدين نصًّا في كونهم ارتدوا عن الإسلام، بل يحتمل ذلك ويحتمل أن يراد أنهم عصاة مرتدون عن الاستقامة يبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة.




[ قــ :6189 ... غــ : 657 ]
- حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِى صَغِيرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: «الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ».

وبه قال: ( حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي البصري قال: ( حدّثنا خالد بن الحارث) الهجيمي البصري قال: ( حدّثنا حاتم بن أبي صغيرة) بفتح الصاد المهملة وكسر الغين المعجمة مسلم القشيري يكنى أبا موسى ( عن عبد الله بن أبي مليكة) هو عبيد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم وفتح اللام واسمه زهير المكي ( قال: حدثني) بالإفراد ( القاسم بن محمد بن أبي بكر) الصديق التيمي ( أن عائشة) -رضي الله عنها- ( قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( تحشرون حفاة عراة غرلاً) جمع أغرل وهو الأقلف وزنًا ومعنى وهو من بقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر.
قال أبو هلال العسكري: لا تلتقي اللام مع الراء في كلمة إلا في أربع: أرل اسم جبل، وورل اسم حيوان، وحرل ضرب من الحجارة، والغرلة وزاد غيره هرل ولد الزوجة ويرل الديك الذي يستدبر بعنقه.
( قالت عائشة) -رضي الله عنها-: ( فقلت: يا رسول الله الرجال والنساء) مبتدأ خبره ( ينظر بعضهم إلى) سوأة ( بعض) وفيه معنى الاستفهام ولذا أجابها ( فقال) : ( الأمر أشد من أن يهمهم ذاك) بغير لام وكسر الكاف وضم تحتية يهمهم وكسر الهاء من الرباعي، وجوّز السفاقسي الفتح ثم الضم من همه الشيء إذا أذاه.
قال في الفتح: والأول أولى، وعند الترمذي والحاكم من طريق عثمان بن عبد الرَّحمن القرظي قرأت عائشة { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} [الأنعام: 94] فقالت: واسوأتاه الرجال والنساء يحشرون جميعًا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض! فقال: لكل امرئ شأن يغنيه، وزاد لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال.

والحديث أخرجه مسلم في صفة الحشر، والنسائي في الجنائز والتفسير، وابن ماجة في الزهد.




[ قــ :6190 ... غــ : 658 ]
- حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى قُبَّةٍ، فَقَالَ «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»؟ قُلْنَا: نَعَمْ.
قَالَ: «تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»؟ قُلْنَا: نَعَمْ.
قَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قُلْنَا: نَعَمْ.
قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّى لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِى أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ -أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ- فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ».
[الحديث 658 - طرفه في 664] .

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( محمد بن بشار) بندار العبدي قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن
جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي ( عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه ( قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد مسلم عن محمد بن المثنى نحوًا من أربعين رجلاً ( في قبة) من أدم كما عند الإسماعيلي وغيره ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( أترضون) بهمزة الاستفهام ( أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا نعم قال: ترضون) بغير همزة الاستفهام ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر أترضون ( أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا: نعم قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة) أي نصف أهلها ( قلنا: نعم) وسقط قوله قال: أترضون أن تكونوا شطر الخ.
لأبي ذر وابن عساكر والأصيلي قال السفاقسي: ذكره بلفظ الاستفهام لإرادة تقرير البشارة بذلك وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم، وعند أحمد وابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت: { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} [الواقعة: 13] شق ذلك على الصحابة فنزلت: { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} [الواقعة: 40] فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني".
( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء) بالهمز ( في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) وفي رواية أبي أحمد الجرجاني عن الفربري الأبيض بدل الأحمر.

والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في النذور ومسلم في الإيمان والترمذي في صفة الجنة وابن ماجة في الزهد.




[ قــ :6191 ... غــ : 659 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى أَخِى عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ فَتَرَاءَى ذُرِّيَّتُهُ، فَيُقَالُ: هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ كَمْ أُخْرِجُ؟ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا أُخِذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا؟ قَالَ: «إِنَّ أُمَّتِى فِى الأُمَمِ كَالشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى الثَّوْرِ الأَسْوَدِ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدثني) بالإفراد ( أخي) عبد الحميد أبو بكر ( عن سليمان) بن بلال ( عن ثور) بالمثلثة المفتوحة ابن زيد الأيلي ( عن أبي الغيث) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها مثلثة سالم مولى عبد الله بن مطيع ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( أن النبي) ولأبي ذر عن النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( أول من يدعى) بضم أوله وفتح ثالثه أي يطلب ( يوم القيامة آدم) عليه السلام ( فتراءى ذريته) كذا في الفرع كأصله مكتوبة بألفين بعد الراء مصححًا عليه قال في الفتح: وهو بمثناة
واحدة ومدّة ثم همزة مفتوحة ممالة، وأصله فتتراءى فحذفت إحدى التاءين، وتراءى الشخصان تقابلا بحيث صار كل منهما يتمكن من رؤية الآخر وللإسماعيلي من طريق الدراوردي عن ثور فتتراءى له ذريته على الأصل ( فيقال) لهم: ( هذا أبوكم آدم فيقول) آدم: ( لبيك) رب ( وسعديك فيقول) الله تعالى له: ( أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء فعل أمر ( بعث جهنم من ذريتك) أي الذين استحقوا أن يبعثوا إليها من جملة الناس وميزهم وابعثهم إلى النار وخص آدم بذلك لأنه والد الجميع، ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء كما في حديث المعراج أنه عن يمينه أسودة وعن شماله أسودة الحديث .. وظاهر هذا كما قال في الفتح: إن خطاب آدم بذلك أول شيء يقع يوم القيامة ( فيقول) آدم: ( يا رب كم أخرج) بضم الهمزة وكسر الراء منهم ( فيقول) الله عز وجل: ( أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء ( من كل مائة) من الناس ( تسعة وتسعين) نفسًا ( فقالوا) : أي الصحابة ( يا رسول الله إذا أخذ منا) بضم الهمزة وكسر المعجمة ( من كل مائة تسعة وتسعون فماذا يبقى منا؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود) قال السفاقسي: أطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الواحد لأنه لا يكون ثور ليس في جلدهِ غير شعرة واحدة من غير لونه.

ومطابقة الحديث للترجمة يحتمل أن تكون من جهة أن الذي تضمنه إنما يكون بعد الحشر يوم القيامة ورواته كلهم مدنيون وهو من أفراده.