فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب لا تحلفوا بآبائكم

باب لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ
هذا ( باب) بالتنوين قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لا تحلفوا بآبائكم) .


[ قــ :6299 ... غــ : 6646 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهْوَ يَسِيرُ فِى رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: «أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) الإمام ابن أنس الأصبحي ( عن نافع) أبي عبد الله الفقيه ( عن) مولاه ( عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أدرك عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ( وهو يسير في ركب) راكبي الإبل عشرة فصاعدًا حال كونه ( يحلف بأبيه) الخطاب ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( ألا) بالتخفيف ( إن الله) عز وجل ( ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) وفي مصنف ابن أبي شيبة من طريق عكرمة قال: قال عمر -رضي الله عنه-: حدث قومًا حديثًا فقلت لا وأبي فقال رجل من خلفي: لا تحلفوا بآبائكم فالتفت فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم" قال الحافظ ابن حجر: وهذا مرسل يتقوى بشواهد، وأما قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفلح وأبيه إن صدق، فقال ابن عبد البر إن هذه اللفظة منكرة غير محفوظة تردّها الآثار الصحاح، وقيل إنها مصحفة من قوله والله وهو محتمل، ولكن مثل هذا لا يثبت بالاحتمال لا سيما وقد ثبت مثل ذلك من لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال: وأبيك ما ليلك بليل سارق أخرجه في الموطأ وغيره، وفي مسلم مرفوعًا أن رجلاً سأله أي الصدقة أفضل؟ فقال:
وأبيك لأنبئنك أو لأحدّثنك وأحسن الأجوبة ما قاله البيهقي وارتضاه النووي وغيره أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم من غير أن يقصدوا به القسم والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف أو أن في الكلام حذفًا أي أفلح ورب أبيه قاله البيهقي أيضًا ( من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) بضم الميم ومن شرطية في موضع رفع بالابتداء وكان واسمها وخبرها في محل الخبر، والمعنى من كان مريدًا للحلف فليحلف بالله لا بغيره من الآباء وغيرهم، وحكمته أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله تعالى وحده وظاهره تخصيص الحلف بالله خاصة لكن اتفقوا على أنه ينعقد بما اختص الله تعالى به ولو مشتقًا ولو من غير أسمائه الحسنى كوالله ورب العالمين والحي الذي لا يموت ومن نفسي بيده إلا أن يريد به غير اليمين فيقبل منه كما في الروضة كأصلها أو بما هو فيه تعالى عند الإِطلاق أغلب كالرحيم والخالق والرزاق والرب ما لم يرد بها غيره تعالى لأنها تستعمل في غيره مقيدة كرحيم القلب وخالق الإفك ورازق الجيش ورب الإِبل أو بما هو فيه تعالى، وفي غيره سواء كالموجود والعالم والحي إن أراده تعالى بها بخلاف ما إذا أراد بها غيره أو أطلق لأنها لما أطلقت عليهما سواء أشبهت الكنايات وبصفته الذاتية كعظمته وعزته وكبريائه وكلامه ومشيئته وعلمه وقدرته وحقه إلا أن يريد بالحق العبادات أو بعلمه وقدرته المعلوم والمقدور وظاهر قوله فليحلف بالله الإذن في الحلف، ولكن قال الشافعية: يكره لقوله تعالى { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} [البقرة: 224] إلا في طاعة من فعل واجب أو مندوب وترك حرام أو مكروه فطاعة، وفي دعوى عند حاكم، وفي حاجة كتوكيد كلام كقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فوالله لا يمل الله حتى تملوا" أو تعظيم أمر كقوله: "والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا" فلا يكره فيهما.




[ قــ :6300 ... غــ : 6647 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ سَالِمٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ عُمَرَ: يَقُولُ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاكِرًا وَلاَ آثِرًا.
قَالَ مُجَاهِدٌ: { أَوْ أَثَرَةٍ مِنْ عِلْمٍ} يَأْثُرُ عِلْمًا.
تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالزُّبَيْدِىُّ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِىُّ عَنِ الزُّهْرِىِّ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ.

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء مولى الأنصار المصري قال: ( حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري أنه ( قال: قال سالم) هو ابن عبد الله بن عمر ( قال ابن عمر: سمعت عمر) -رضي الله عنه- ( يقول: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) جملة ينهاكم في محل رفع خبر إن وأن مصدرية في محل نصب أو جرّ بتقدير حرف الجر أي ينهاكم عن أن تحلفوا الأوّل للخليل والكسائي والثاني لسيبويه وحكم غير الآباء من سائر الخلق كحكم الآباء في النهي، وفي حديث ابن عمر عند الترمذي
وقال حسن وصححه الحاكم أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة.
فقال: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" والتعبير بذلك للمبالغة في الزجر والتغليظ وهل النهي للتحريم أو التنزيه المشهور عند المالكية الكراهة وعند الحنابلة التحريم وجمهور الشافعية أنه للتنزيه.
وقال إمام الحرمين: الذهب القطع بالكراهة.
وقال غيره بالتفصيل فإن اعتقد فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكفر بذلك الاعتقاد أما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه.

( قال عمر) -رضي الله عنه-: ( فوالله ما حلفت بها) أي بأبي ( منذ سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ومنذ ظرف مضاف إلى الجملة بتقدير زمان أي ما حلفت بها منذ زمن سماعي للنهي عنها حال كوني ( ذاكرًا) أي عامدًا ( ولا آثرًا) بهمزة ممدودة فمثلثة مكسورة أي حاكيًا عن غيري أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري واستشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن غيره لا يسمى حالفًا.
وأجيب: باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفًا أي ولا ذكرتها آثرًا عن غيري أن يكون ضمن حلفت معنى تكلمت أو معناه يرجع إلى معنى التفاخر بالآباء والإكرام لهم فكأنه قال: ما حلفت بآبائي ذاكرًا لمآثرهم.

( قال مجاهد) فيما وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح في تفسير قوله تعالى ( { أو أثارة من علم} ) [الأحقاف: 4] وفي نسخة أو أثرة بإسقاط الألف بعد المثلثة وفي هامش الفرع كأصله قرئ بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما أي ( يأثر علمًا) بضم المثلثة واختلف في معنى هذه اللفظة ومحصل ما ذكر في ذلك ثلاثة أقوال أحدها البقية والأصل أثرت الشيء آثره أثارة كأنها بقية تستخرج فتثار الثاني من الأثر وهو الرواية الثالث من الأثر وهي العلامة ( تابعه) أي تابع يونس ( عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد مما رواه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم ( والزبيدي) محمد بن الوليد مما وصله النسائي ( وإسحاق) بن يحيى ( الكلبي) الحمصي مما هو في مشيخته المروية من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان الثلاثة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله الحميدي في مسنده ( ومعمر) هو ابن راشد مما وصله أبو داود كلاهما ( عن الزهري عن سالم عن ابن عمر) أنه ( سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر) .

وفي هذا الحديث الزجر عن الحلف بغير الله، وإنما خص في حديث ابن عمر بالآباء لوروده على سببه المذكور أو خص لكونه كان غالبًا عليهم لقوله في الرواية الأخرى: وكانت قريش تحلف بآبائها، ويدل على التعميم قوله: من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله فلو حلف بغيره تعالى سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم كالأنبياء والملائكة والعلماء والصلحاء والملوك والآباء والكعبة أو كان لا يستحق التعظيم كالآحاد أو يستحق التحقير والإِذلال كالشياطين والأصنام لم تنعقد يمينه.
قال الطبري: من حلف بالكعبة أو آدم أو جبريل ونحو ذلك لم تنعقد يمينه ولزمه الاستغفار لإقدامه على ما نهي عنه ولا كفارة في ذلك نعم استثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف
بنبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: تنعقد به اليمين وتجب الكفارة بالحنث به لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد ركني الشهادة الذي لا تتم إلا به، ولله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه كالليل والنهار ليعجب بها المخلوقين ويعرفهم قدرته لعظم شأنها عندهم ولدلالتها على خالقها، وأما المخلوق فلا يقسم إلا بالخالق قال:
ويقبح من سواك الشيء عندي ... وتفعله فيحسن منك ذاك



[ قــ :6301 ... غــ : 6648 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي قال: ( قال: حدّثنا عبد الله بن دينار) أنه ( قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول) : ولأبي ذر قال ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تحلفوا بآبائكم) قال المهلب: كانت العرب في الجاهلية تحلف بآبائهم وآلهتهم فأراد الله تعالى أن ينسخ من قلوبهم وألسنتهم ذكر كل شيء سواه ويبقي ذكره تعالى لأنه الحق المعبود.




[ قــ :630 ... غــ : 6649 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ هَذَا الْحَىِّ مِنْ جَرْمٍ وَبَيْنَ الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ فَكُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِى فَدَعَاهُ إِلَى الطَّعَامِ فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ آكُلَهُ فَقَالَ: قُمْ فَلأُحَدِّثَنَّكَ عَنْ ذَاكَ، إِنِّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ»، فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ: «أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ»؟
فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَحْمِلُنَا وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ، وَاللَّهِ لاَ نُفْلِحُ أَبَدًا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ إِنَّا أَتَيْنَاكَ لِتَحْمِلَنَا فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، وَمَا عِنْدَكَ مَا تَحْمِلُنَا، فَقَالَ: «إِنِّى لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، وَاللَّهِ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي ( عن أيوب) السختياني ( عن أبي قلابة) بكسر القاف وفتح الموحدة عبد الله بن زيد الجرمي ( والقاسم) بن عاصم ( التيمي) البصري كلاهما ( عن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء بعدها دال مهملة مفتوحة ثم ميم بوزن جعفر بن مضرب الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء أبي مسلم البصري أنه ( قال: كان بين هذا الحي من جرم) بفتح الجيم وسكون الراء قبيلة من قضاعة ( وبين الأشعريين ودّ) بضم الواو وتشديد المهملة محبة ( وإخاء) بكسر الهمزة وتخفيف المعجمة والمدّ ( فكنا عند أبي
موسى الأشعري)
-رضي الله عنه- ( فقرب إليه طعام فيه لحم دجاج) ليأكل منه ( وعنده رجل من بني تيم الله أحمر) اللون ( كأنه من الموالي) وتيم بفتح الفوقية وسكون التحتية حي من بني بكر وثبت لفظ بني لأبي ذر عن الحموي والمستملي ( فدعاه) أبو موسى ( إلى الطعام فقال: إني رأيته) يعني جنس الدجاج ( يأكل شيئًا) قذرًا ( قذرته) بكسر الذال المعجمة أي كرهت أكله ( فحلفت أن لا آكله) وفي الترمذي عن قتادة عن زهدم قال: "دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجًا فقال: ادن فكل فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكله"، ففيه أن الرجل المبهم هو زهدم نفسه ( فقال) له أبو موسى ( قم فلأحدثنك) بنون التوكيد أي فوالله لأحدثنك ( عن ذاك) ولأبي ذر عن ذلك باللام ( إني أتيت رسول الله) ولأبي ذر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر) جماعة من الرجال ما بين الثلاثة إلى العشرة ( من الأشعرين نستحمله) نطلب منه إبلاً تحملنا وأثقالنا ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم) زاد أبو ذر عليه ( فأتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة فأتي ( بنهب إبل) إضافة نهب لتاليه أي من غنيمة ( فسأل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عنا فقال أين النفر الأشعريون) فحضرنا ( فأمر لنا بخمس ذود) بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة مجرور بالإضافة من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر ( غر الذرى) بضم الذال المعجمة وفتح الراء والغر بالغين المعجمة المضمومة وتشديد الراء بيض الأسنمة ( فلما انطلقنا) من عنده بها ( قلنا ما صنعنا حلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحملنا) وللكشميهني أن لا يحملنا ( وما عنده ما يحملنا ثم حملنا) بفتحات ( تغفلنا) بسكون اللام ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) أي طلبنا غفلته في يمينه الذي حلف لا يحملنا ( والله لا نفلح أبدًا فرجعنا إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقلنا له) يا رسول الله وسقط لأبي ذر لفظ له ( إنا أتيناك لتحملنا فحلفت أن لا تحملنا وما عندك ما تحملنا فقال: إني لست أنا حملتكم ولكن الله حملكم والله لا أحلف على يمين) على محلوف يمين ( فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير) من الذي حلفت عليه ( وتحللتها) بالكفارة.

قال في المصابيح: الظاهر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحلف على عدم حملانهم مطلقًا لأن مكارم أخلاقه ورأفته ورحمته بالمؤمنين تأبى ذلك، والذي يظهر لي أن قوله: وما عندي ما أحملكم جملة حالية من فاعل الفعل المنفي بلا أو مفعوله أي لا أحملكم في حالة عدم وجداني لشيء أحملكم عليه أي: أنه لا يتكلف حملهم بقرض أو غيره لما رآه من المصلحة المقتضية لذلك فحمله لهم على ما جاءه من مال الله لا يكون مقتضيًا لحنث فيكون قوله: إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها إلى آخره تأسيس قاعدة في الأيمان لا أنه ذكر ذلك لبيان أنه حنث في يمينه وأنه يكفرها اهـ.
وفيه بحث يأتي إن شاء الله تعالى في باب اليمين فيما لا يملك.

ومطابقة الحديث للترجمة قال الكرماني: من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف في هذه القصة مرتين أوّلاً عند الغضب ومرة عند الرضا ولم يحلف إلا بالله، فدلّ على أن الحلف إنما هو بالله على الحالتين وستكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بعون الله إلى بقية مباحث هذا الحديث في كفارات الأيمان وغيرها.