فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التبسم والضحك

باب التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ
.

     وَقَالَتْ  فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: أَسَرَّ إِلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَحِكْتُ،.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى.

( باب) إباحة ( التبسم) وهو ظهور الأسنان بلا صوت ( والضحك) وهو ظهورها مع صوت لا يسمع من بعد فإن سمع من بعد فقهقهة ( وقالت فاطمة) الزهراء ( عليها السلام: أسر إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في مرض موته أني أوّل أهله لحوقًا به ( فضحكت) وهذا طرف من حديث سبق في الوفاة النبوية ( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله في الجنائز: ( إن الله) عز وجل { هو أضحك وأبكى} [النجم: 43] لأنه المؤثر في الوجود لا غيره.


[ قــ :5756 ... غــ : 6084 ]
- حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلاَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ فَجَاءَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ، لِهُدْبَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ جِلْبَابِهَا قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ، لِيُؤْذَنَ لَهُ فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِى أَبَا بَكْرٍ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلاَ تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى التَّبَسُّمِ ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِى إِلَى رِفَاعَةَ، لاَ حَتَّى تَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ».

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني ( حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها- أن رفاعة القرظي) بكسر الراء وتخفيف الفاء والقرظي بضم القاف وفتح الراء وكسر الظاء المعجمة نسبة إلى قريظة بن الخزرج ( طلق امرأته) تميمة بنت وهب وقيل سهيمة بالسين وقيل أميمة بنت الحارث وقيل عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك ( فبت) بالموحدة والفوقية المشددة أي قطع ( طلاقها) أي قطع
عصمتها بأن طلقها ثلاثًا ( فتزوّجها بعده عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة فراء ابن باطيا القرظي ( فجاءت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إنها كانت عند رفاعة) القرظي ( فطلقها ثلاث تطليقات فتزوّجها بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه يا رسول الله) من الفرج ( إلا مثل هذه الهدبة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة ( لهدبة أخذتها من) طرف ( جلبابها) الذي لم ينسج شبه بهدب العين وهو شعر جفنها والتشبيه به لصغره أو لاسترخائه وعدم انتشاره وهو الظاهر ( قال وأبو بكر) الصدّيق -رضي الله عنه- ( جالس عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابن سعيد بن العاص) خالد القرشي الأموي ( جالس بباب الحجرة ليؤذن له) مبني للمفعول في الدخول ( فطفق خالد) بن سعيد المذكور ( ينادي أبا بكر يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما يزيد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التبسم) وهذا موضع الترجمة ( ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: ( لعلك تريدين أن ترجعي إلى) عصمة ( رفاعة لا) رجوع لك إليه ( حتى تذوقي عسيلته) أي عسيلة عبد الرحمن بن الزبير ( ويذوق عسيلتك) إذا قدر والعسيلة الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته وليس الإنزال بشرط كما قرر في محله.




[ قــ :5757 ... غــ : 6085 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى فَقَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِى كُنَّ عِنْدِى لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ» فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِى وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِيهٍ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد ( إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب) كان واليًا على الكوفة لعمر بن عبد العزيز ( عن محمد بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه ( قال: استأذن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده نسوة) من أزواجه ( من قريش) عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وغيرهن حال كونهن ( يسألنه ويستكثرنه) أي يطلبن منه أكثر مما يعطيهن حال كونهن ( عالية أصواتهن) ولأبي ذر: عالية بالرفع على الصفة أو خبر مبتدأ محذوف أي هن رافعة أصواتهن ( على
صوته)
يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك من طبعهن ( فلما استأذن عمر) -رضي الله عنه- في الدخول ( تبادرن الحجاب) أي أسرعن إليه ( فأذن له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحك) من فعلهن والواو للحال ( فقال) له عمر: ( أضحك الله سنك يا رسول الله) هو دعاء بالسرور الذي هو لازم الضحك لادعاء بالضحك ( بأبي أنت وأمي) أفديك ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( عجبت من هؤلاء) النسوة ( اللاتي كن عندي) يرفعن أصواتهن ( لما سمعن صوتك تبادرن) ولأبي ذر فتبادرن ( الحجاب فقال: أنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم أقبل) عمر ( عليهن فقال: يا عدوّات أنفسهن أتهبنني) بفتح الهمزة والفوقية والهاء وسكون الموحدة وفتح النون الأولى وكسر الثانية ( ولم يهبن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلن) له: ( إنك أفظ وأغلظ من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالظاء المعجمة فيهما وصيغة أفعل ليست على بابها لحديث ليس بفظ ولا غليظ وحينئذٍ فلا تعارض بين الحديث وقوله تعالى: { ولو كنت فظًّا غليظ القلب} [آل عمران: 159] ولا يشكل بقوله وأغلظ عليهم فالنفي بالنسبة لما جبل عليه والأمر محمول على المعالجة أو النفي بالنسبة إلى المؤمنين والأمر بالنسبة إلى الكفار والمنافقين ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إيه) بكسر الهمزة وسكون التحتية وتنوين الهاء حدّثنا ما شئت وأعرض عن الإنكار عليهن ( يا ابن الخطاب) وقال الطيبي: إيه استزادة منه في طلب توقيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتعظيم حاله ( والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا) بالجيم المشدّدة طريقًا واسعًا ( إلا سلك فجًّا غير فجك) الذي تسلكه فرفًا منك.

والحديث سبق في باب صفة إبليس وجنوده وفي مناقب عمر.




[ قــ :5758 ... غــ : 6086 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالطَّائِفِ قَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ» قَالَ: فَغَدَوْا فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالاً شَدِيدًا وَكَثُرَ فِيهِمُ الْجِرَاحَاتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» قَالَ: فَسَكَتُوا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ الْحُمَيْدِىُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ كُلَّهُ بِالْخَبَرِ.

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني بالموحدة وسكون الغين المعجمة قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) بفتح العين ابن دينار ( عن أبي العباس) السائب الشاعر المكي ( عن عبد الله بن عمرو) بن العاص وللمستملي والكشميهني في رواية أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر عن عبد الله بن عمر بضم العين ابن الخطاب وهو الصواب أنه ( قال: لما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالطائف) في غزوتها ( قال) :
( إنّا قافلون) أي راجعون ( غدًا إن شاء الله) ولأبي ذر عن الكشميهني معًا ( فقال ناس من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر من أصحاب النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا نبرح أو نفتحها) بنصب حاء نفتحها
بالفرع أي لا نفارق إلى أن نفتحها قال السفاقسي: بالرفع ضبطناه والصواب النصب لأن أو إذا كانت بمعنى حتى أو إلى نصبت وهي هنا كذلك ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فاغدوا على القتال) بهمزة وصل وغين معجمة ( قال: فغدوا فقاتلوهم قتالاً شديدًا وكثر فيهم) أي في المسلمين ( الجراحات.
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنا قافلون غدًا إن شاء الله قال: فسكتوا فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
تعجبًا من قولهم الأول وسكوتهم في الثاني.

( قال: الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي شيخ المؤلّف ( حدّثنا سفيان) بن عيينة الحديث ( كله بالخبر) أي بلفظ الأخبار في جميع السند لا بلفظ العنعنة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بالخبر كله بتقديم الخبر على كله أي حدّثنا بجميعه مستوفى، وهذا وصله الحميدي في مسند عبد الله بن عمر من مسنده.




[ قــ :5759 ... غــ : 6087 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ، وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِى فِى رَمَضَانَ، قَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً» قَالَ: لَيْسَ لِى قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» قَالَ: لاَ أَجِدُ فَأُتِىَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟ تَصَدَّقْ بِهَا» قَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّى وَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ: «فَأَنْتُمْ إِذًا».

وبه قال: ( حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي بفتح الفوقية وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة قال: ( حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا ( ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى رجل) أعرابي ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت) أي فعلت ما هو سبب لهلاكي وذلك أني ( وقعت على أهلي) أي وطئت امرأتي ( في رمضان) وأنا صائم ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( أعتق) بفتح الهمزة وكسر الفوقية ( رقبة قال: ليس لي) ما أعتق به رقبة ( قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( فصم شهرين متتابعين) ظرف زمان مفعول على السعة بتقدير زمن شهرين متتابعين صفته ( قال: لا أستطيع) ذلك ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( فأطعم ستين مسكينًا قال: لا أجد) ما أطعمهم ( فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( بعرق) بفتح العين المهملة والراء وتسكن ( فيه تمر.
قال إبراهيم)
بن سعد بالسند السابق: ( العرق) هو ( المكتل) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية من الخوص وهو يجمع خمسة عشر صاعًا، وأخذ من ذلك أن إطعام كل مسكين مد لأن الصاع أربعة أمداد وقد أمر بصرف هذه الخمسة عشر صاعًا إلى ستين وقسمة خمسة عشر على ستين كل واحد ربع صاع وهو مد ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( أين السائل) ؟ قال: أنا.
قال: ( تصدق بها) أي الصيعان ولأبي ذر عن الكشميهني بهذا أي التمر على المساكين ( قال) ولأبي ذر فقال: ( على أفقر
مني)
متعلق بفعل محذوف يدل عليه الكلام أي أتصدق به على أفقر مني أي على أحد أفقر مني فهو قائم مقام موصوفه وحذف همزة الاستفهام كثير والفعل لدلالة تصدق بها عليه ( والله) ولأبي ذر فوالله ( ما بين لابتيها) تثنية لابة بتخفيف الموحدة من غير همزة يريد الحرّتين وهما أرض ذات حجارة سود للمدينة حرتان هي بينهما ( أهل بيت أفقر منا) أهل بيت مبتدأ والخبر من بين والعامل في وأفقر صفة للمبتدأ أو خبر مبتدأ محذوف أي هم أفقر أهل بيت هذا على أن ما تميمية وإن جعلتها حجازية فأهل بيت اسمها وأفقر خبرها والظرف متعلق بالخبر وهو أفعل وذلك جائز في أفعل نحو قولك: زيد عندك أفضل من عمرو، ولا يبطل عمل ما بالفصل بمفعول الخبر نحو قولك: ما عندي زيد قائمًا قاله ابن مالك وغيره كما في العدّة لابن فرحون ( فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعجبًّا من حال الرجل لكونه جاء أوّلاً هالكًا ثم انتقل لطلب الطعام لنفسه وعياله أو من رحمة الله به وسعته عليه والضحك غير التبسم، وأما قوله فتبسم ضاحكًا فقال في الكشاف فتبسم شارعًا في الضحك، وقال أبو البقاء: ضاحكًا حال مؤكدة.
وقال صاحب الكشف: هي حال مقدرة أي فتبسم مقدرًا الضحك ولا يكون محمولاً على الحال المطلق لأن التبسم غير الضحك فإنه ابتداء الضحك وإنما يصير التبسم ضحكًا إذا اتصل ودام فلا بدّ من هذا التقدير وأكثر ضحك الأنبياء التبسم، وسقط لأبي ذر قوله النبي الخ.
( حتى بدت نواجذه) بالجيم والذال المعجمة وهي من الأسنان الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك، والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان والمراد الأول لأنه ما كان يبلغ به الضحك حتى يبدو آخر أضراسه، ولو أريد الثاني لكان مبالغة في الضحك من غير أن يراد ظهور نواجذه في الضحك وهو أقيس لاشتهار النواجذ بأواخر الأسنان، وإليه الإشارة يقول الزمخشري والغرض المبالغة في وصف ما وجد من الضحك النبوي قاله الطيبي.
( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل: ( فأنتم إذًا) جواب أي إن لم يكن أفقر منكم فكلوا أنتم حينئذٍ وهذا على سبيل الإنفاق على العيال إذ الكفارة إنما هي على سبيل التراخي أو هو على سبيل التكفير فهو خصوصية له.

والحديث سبق في باب الجامع في رمضان من كتاب الصوم.




[ قــ :5760 ... غــ : 6088 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِىٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِىٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِى مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي) سقط الأويسي لأبي ذر قال: ( حدّثنا مالك) الإمام ( عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه ( أنس بن مالك) أنه ( قال: كنت أمشي مع رسول الله) ولأبي ذر مع النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه برد) بضم الموحدة وسكون الراء نوع من
الثياب ولمسلم من طريق الأوزاعي وعليه رداء ( نجراني) بفتح النون وسكون الجيم بعدها راء فألف فنون منسوب إلى بلد بين الحجاز واليمن ( غليظ الحاشية فأدركه أعرابي) من أهل البادية ( فجبذ بردائه) بجيم فموحدة فمعجمة مفتوحات ( جبذة شديدة.
قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أثرت بها)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فيها ( حاشية الرداء) ولمسلم من طريق همام حتى انشق البرد وذهبت حاشيته ( من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي) بضم الميم وسكون الراء وفي رواية الأوزاعي أعطنا ( من مال الله الذي عندك فالتفت إليه) صلوات الله وسلامه عليه ( فضحك) زاده الله شرفًا لديه ( ثم أمر له بعطاء) وفيه بيان حلمه وصبره على الأذى في النفس والمال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

والحديث مضى في الخمس واللباس.




[ قــ :5761 ... غــ : 6089 ]
- حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: مَا حَجَبَنِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلاَ رَآنِى إِلاَّ تَبَسَّمَ فِى وَجْهِى.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد ( ابن نمير) بضم النون وفتح الميم وسكون التحتية بعدها راء هو محمد بن عبد الله بن نمير قال: ( حدّثنا ابن إدريس) عبد الله الأودي ( عن إسماعيل) بن أبي خالد ( عن قيس) هو ابن أبي حازم ( عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- أنه ( قال: ما حجبني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من دخولي على مجلسه المختص بالرجال ( منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي) وفي المناقب: إلا ضحك.




[ قــ :5761 ... غــ : 6090 ]
- وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّى لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِى صَدْرِى.

     وَقَالَ : «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا».

( ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري وقال) :
( اللهم ثبته) لفظ شامل للثبات على الخيل وعلى غيرها ( واجعله هاديًا) لغيره ( مهديًّا) في نفسه بفتح الميم وسكون الهاء.

والحديث سبق في الجهاد وفي فضل جرير.




[ قــ :576 ... غــ : 6091 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِى مِنَ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَبِمَ شَبَهُ الْوَلَدِ»؟
وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني ( محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: ( حدّثنا
يحيى)
بن سعيد القطان ( عن هشام قال: أخبرني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير ( عن زينب بنت أم سلمة) هند ( عن) أمها ( أم سلمة) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أن أم سليم) بضم السين وفتح اللام الرميصاء بالصاد المهملة مصغرًا وهي أم أنس وزوج أبي طلحة الأنصاري ( قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق) بسكون الحاء بوزن يستفعل وماضيه استحيا ولم يستعمل مجرّدًا عن السين والتاء وقال الزمخشري: يقال منه حيي فعلى هذا يكون استفعل فيه موافقًا للفعل المجرد، وقد جاء استفعل لاثني عشر معنى، للطلب نحو نسعتين، وللإيجاد كاستبعده، وللتحويل كاستأنس.
والجمهور في يستحيي بياءين وعليه أكثر القرّاء، وقرأ ابن محيصن بياء واحدة من استحى يستحي فهو مستح مثل استقى يستقي وهي لغة تميم وبكر بن وائل أصله يستحيي بياءين نقلت حركة الأولى إلى الحاء فسكنت ثم استثقلت الضمة على الثانية فسكنت فحذفت إحداهما للالتقاء والجمع مستحون ومستحين قاله الجوهري.
ونقل بعضهم أن المحذوف هنا مختلف فيه فقيل عين الكلمة فوزنه يستفل وقيل لامها فوزنه يستفع ثم نقلت حركة اللام على القول الأوّل وحركة العين على القول الثاني إلى الفاء وهي الحاء ومن الحذف قوله:
ألا يستحي منا المليك ويتقي ... محارمنا لا يتقي الدم بالدم
والمعنى أن الله لا يمتنع من أجل بيان الحق أي وأنا أيضًا لا أمتغ من السؤال عما أنا محتاجة إليه مما يستحي النساء في العادة من السؤال عنه وذكره بحضرة الرجال والمستحي يمتنع من فعل ما استحيا منه فالامتناع من لوازم الحياء فيطلق الحياء على الامتناع إطلاقًا لاسم الملزوم على اللازم، والحياء هو خجل النفس وأصله الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفًا من مواقعة القبيح ولا ريب أن هذا محال على الله تعالى ( هل) ولأبي ذر عن الكشميهني فهل ( على المرأة غسل) ؟ بفتح الغين المعجمة مصدر غسل يغسل وبالضم الاغتسال فيقرأ بالوجهين في كل موضع يقال فيه وجب أو يستحب أو من سنة الغسل والفتح أشهر، لكن قال النووي: سألت ابن مالك فقال: إذا أريد الاغتسال فالمختار ضمه ويجوز فتحه على إرادة أنه يغسل يديه غسلاً، وقد يطلق الغسل بالضم على الماء كما في حديث قيس بن سعد أتانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوضعنا له غسلاً فإنه بالضم بإجماع أهل الحديث والفقه وغيرهم لا بالكسر كما وقع لابن باطيش في كتاب ألفاظ التهذيب وهو غلط كما نبه عليه النووي لأن الغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي وسدر ونحوهما وعلى المرأة يتعلق بغسل أي فهل غسل على المرأة ( إذا احتلمت) وفي باب الغسل إذا هي احتلمت ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( نعم) إذا احتلمت فعليها الغسل والاحتلام افتعال من الحلم بضم الحاء وسكون اللام وهو ما يراه النائم في نومه ( إذا رأت الماء) أي المني بعد استيقاظها من النوم ( فضحكت أم سلمة) وهذا موضع الترجمة إذ وقع ذلك بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم ينكره ( فقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال ا لنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبم شبه الولد) بفتح المعجمة والموحدة مضافًا لتاليه أي فبأي شيء وصل شبه الولد بالأم، ولأبي ذر عن الكشميهني: فبم يشبه الولد.

والحديث سبق في باب إذا احتلمت المرأة في أبواب الغسل من الطهارة.




[ قــ :5763 ... غــ : 609 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا، حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزيل مصر ( قال: حدثني) بالإفراد ( ابن وهب) عبد الله قال: ( أخبرنا عمرو) بفتح العين ابن الحارث ( أن أبا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية المدني ( حدثه عن سليمان بن يسار) مولى ميمونة أم المؤمنين ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: ما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومستجمعًا) أي مجتمعًا ( قط ضاحكًا) وهو منصوب على التمييز وإن كان مشتقًّا مثل لله دره فارسًا أي ما رأيته مستجمعًا من جهة الضحك بحيث يضحك ضحكًا تامًّا مقبلاً بكليته على الضحك ولأبي ذر عن الكشميهني ضحكًا أي مبالغًا في الضحك لم يترك منه شيئًا ( حتى أرى منه لهواته) بفتح اللام والهاء جمع لهاة وهي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم ( إنما كان يتبسم) .
ولا تضاد بين هذا وحديث أبي هريرة من خبر الأعرابي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحك حتى بدت نواجذه لأن أبا هريرة أخبر بما شاهد، ولا يلزم من قول عائشة ما رأيت أن لا يكون غيرها رأى والمثبت مقدم على النافي.
والحديث سبق في سورة الأحقاف.




[ قــ :5764 ... غــ : 6093 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ،.

     وَقَالَ  لِى خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْوَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: قَحَطَ الْمَطَرُ فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَمَا نَرَى مِنْ سَحَابٍ فَاسْتَسْقَى فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ الْمَدِينَةِ، فَمَا زَالَتْ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا تُقْلِعُ، ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ -أَوْ غَيْرُهُ- وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ: غَرِقْنَا فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا، فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ الْمَدِينَةِ يَمِينًا وَشِمَالاً يُمْطَرُ مَا حَوَالَيْنَا وَلاَ يُمْطِرُ مِنْهَا شَىْءٌ يُرِيهِمُ اللَّهُ كَرَامَةَ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن محبوب) أبو عبد الله البناني البصري وليس هو محمد بن الحسن الملقب بمحبوب قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن قتادة) بن دعامة ( عن أنس) -رضي الله عنه- وقال البخاري: ( وقال لي خليفة) بن خياط العصفري: ( حدّثنا يزيد بن زريع) الخياط أبو معاوية البصري قال: ( حدّثنا سعيد) أي ابن أبي عروبة ( عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً) أعرابيًّا ( جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الجمعة وهو يخطب) على المنبر في مسجده الشريف ( بالمدينة فقال) : يا رسول الله ( قحط المطر) بفتح القاف وكسر الحاء أي احتبس ( فاستسق ربك) وفي
الاستسقاء فادع الله أن يسقينا ( فنظر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( إلى السماء وما نرى من سحاب) مجتمع فيها ( فاستسقى) قال: ( اللهم اسقنا فنشأ السحاب بعضه إلى بعض ثم مطروا حتى سالت مثاعب المدينة) بفتح الميم والمثلثة وبعد الألف عين مهملة مكسورة فموحدة جمع مثعب أي مسايل الماء التي بالمدينة ( فما زالت) تمطر ( إلى الجمعة المقبلة ما تقلع) بضم الفوقية وسكون القاف وكسر اللام ما تكف ( ثم قام ذلك الرجل) الذي قال: قحط المطر ( أو) رجل ( غيره) بالشك ( والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب) في يوم الجمعة الأخرى ( فقال) : يا رسول الله ( غرقنا) من كثرة المطر ( فادع ربك يحبسها عنا) بالجزم جواب الأمر ( فضحك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ثم قال) :
( اللهم حوالينا) منصوب على الظرفية وهو من الظروف المكانية المبهمة لأنه بمعنى الناحية ولا يخرجه عن الإبهام اختصاصه بالإضافة كما تقول جلست مكان زيد أي قعدت موضعه وهو مكان عبد الله وموضعه وهذا بخلاف الدار والمسجد فإنهما مختصان لأن ذلك لا يطلق على كل موضع بل هو بأصل وضعه لمعنى مخصوص والناصب لحوالينا مقدر أي اللهم اجعلها حوالينا ( ولا) تجعلها ( علينا) قال ذلك ( مرتين أو ثلاثًا) فعلينا يتعلق بالمقدر كالظرف، والمراد بحوالي المدينة مواضع النبات والزرع لا في نفس المدينة وبيوتها ولا فيما حوالي المدينة من الطرق وإلاّ لم يزل بذلك شكواهم جميعًا ( فجعل السحاب يتصدع) بوزن يتفعل أي يتفرق وفي الاستسقاء بلفظ يتقطع ( عن المدينة) حال كونه ( يمينًا وشمالاً يمطر ما حوالينا) من أهل اليمين والشمال ( ولا يمطر فيها شيء) في المدينة ( يريهم الله) عز وجل ( كرامة نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عنده ( وإجابة دعوته) وكم له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من دعوة مستجابة.

والحديث سبق في باب الاستسقاء على المنبر.