فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق

باب قَتْلُ أَبِي رَافِعٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ
وَيُقَالُ سَلاَّمُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ كَانَ بِخَيْبَرَ وَيُقَالُ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيُّ: هُوَ بَعْدَ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ.

( باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق) بضم الحاء المهملة وفتح القاف الأولى مصغرًا اليهودي ( ويقال) اسمه ( سلام بن أبي الحقيق) بتشديد اللام ( كان بخيبر، ويقال) : كان ( في حصن له بأرض الحجاز، وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عن حجاج بن أبي منيع عن جده عنه ( هو) أي قتل أبي رافع ( بعد) قتل ( كعب بن الأشرف) قال ابن سعد: في رمضان سنة ست وقيل غير ذلك.


[ قــ :3842 ... غــ : 4038 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلاً وَهْوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ.

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا ( إسحاق بن نصر) نسبه لجده واسم أبيه إبراهيم السعدي المروزي قال: ( حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي قال: ( حدّثنا ابن أبي زائدة) يحيى ( عن أبيه) زكريا بن أبي زائدة ميمون أو خالد الكوفي القاضي ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) وسقط لأبي ذر ابن عازب أنه ( قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رهطًا) ما دون العشرة من الرجال، وعند الحاكم أنهم كانوا أربعة منهم عبد الله بن عتيك ( إلى أبي رافع) ليقتلوه بسبب أنه كان حزّب الأحزاب عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فدخل عليه عبد الله بن عتيك) بفتح الحين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية بعدها كاف الأنصاري ( بيته) بفتح الموحدة وسكون التحتية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بيته بفتح التحتية مشددة بلفظ الماضي من التبييت والجملة حالية بتقدير قد أي دخل على أبي رافع عبد الله بن عتيك والحال أنه قد بيت الدخول ( ليلاً) أي في الليل ( وهو) أي والحال أن أبا رافع ( نائم فقتله) كذا أورده مختصرًا.

وسبق في الجهاد في باب قتل النائم المشرك عن علي بن مسلم عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة مطولاً نحو رواية إبراهيم بن يوسف الآتية قريبًا إن شاء الله تعالى.




[ قــ :3843 ... غــ : 4039 ]
- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ:
اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ، لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْبَابِ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ، فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ الأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى الأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلاَلِيَّ لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ.

قُلْتُ إِنِ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَىَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ، لاَ أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنَ الْبَيْتِ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا، وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ فَقَالَ: لأُمِّكَ الْوَيْلُ إِنَّ رَجُلاً فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ، قَالَ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدِ انْتَهَيْتُ إِلَى الأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ: لاَ أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ، فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ لِي: «ابْسُطْ رِجْلَكَ» فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ.

وبه قال: ( حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي قال: ( حدّثنا عبيد الله) بالتصغير ( ابن موسى) بن باذام العبسي الكوفي وهو أيضًا شيخ المؤلّف روي عنه هنا بالواسطة ( عن إسرائيل) بن يونس ( عن) جده ( أبي إسحاق) السبيعي ( عن البراء بن عازب) -رضي الله عنه- وثبت ابن عازب لأبي ذر أن ( قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أبي رافع) عبد الله أو سلام ( اليهودي رجالاً من الأنصار) سمي منهم في هذا الباب اثنين ( فأمّر) بالفاء وتشديد الميم ولأبي ذر: وأمر ( عليهم عبد الله بن عتيك) بفتح العين المهملة وكسر الفوقية ابن قيس بن الأسود بن سلمة بكسر اللام ( وكان أبو رافع) اليهودي ( يؤذي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويعين عليه) وهو الذي حزّب الأحزاب يوم الخندق وعند ابن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة أنه كان ممن أعان غطفان وغيرهم من بطون العرب بالمال الكثير على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وكان) أبو رافع ( في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا) بفتح الدال والنون قربوا ( منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم) بفتح السين وكسر الحاء المهملتين بينهما راء ساكنة أي رجعوا بمواشيهم التي ترعى وتسرح وهي السائمة من الإبل والبقر والغنم ( فقال) : ولأبي ذر: وقال ( عبد الله) بن عتيك ( لأصحابه) الآتي إن شاء الله تعالى تعيينهم في هذا الباب ( اجلسوا مكانكم فإني منطلق) إلى حصن أبي رافع ( ومتلطف للبواب لعليّ أن
أدخل)
إلى الحصن ( فأقبل) ابن عتيك ( حتى دنا من الباب ثم تقنّع) تغطى ( بثوبه) ليخفي شخصه كي لا يعرف ( كأنه يقضي حاجة وقد دخل الناس فهتف به) أي ناداه ( البواب: يا عبد الله) ولم يرد به العلم بل المعنى الحقيقي لأن الناس كلهم عبيد الله ( إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب فدخلت فكمنت) بفتح الكاف والميم أي اختبأت ( فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق) بالعين المهملة واللام المشددة ( الأغاليق) بالهمزة المفتوحة والغين المعجمة أي المفاتيح التي يغلق بها ويفتح ( على وتد) بفتح الواو وكسر الفوقية ولأبي ذر: ودّ بتشديد الدال أي الوتد فأدغم الفوقية بعد قلبها دالاً في تاليها ( قال) ابن عتيك: ( فقمت إلى الأقاليد) بالقاف أي المفاتيح ( فأخدتها ففتحت الباب وكان أبو رافع يسمر) بضم أوله وسكون ثانيه مبنيًّا للمفعول أي يتحدث ( عنده) بعد العشاء ( وكان في علاليّ له) بفتح العين وتخفيف اللام وبعد الألف لام أخرى مكسورة فتحتية مفتوحة مشددة جمع عليه بضم العين وكسر اللام مشددة وهي الغرفة ( فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابًا أغلقت عليّ) بتشديد التحتية ( من داخل قلت إن القوم) بكسر النون مخففة وهي الشرطية دخلت على فعل محذوف يفسره ما بعد مثل: { وإن أحد من المشركين استجارك} [التوبة: 9] ( انذروا) بكسر الذال المعجمة أي علموا ( بي لم يخلصوا) بضم اللام ( إليّ) بتشديد التحتية ( حتى أقتله فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله) بسكون السين ( لا أدري أين هو من البيت.
فقلت)
: بالفاء قبل القاف ولأبوي ذر والوقت: قلت بإسقاطها ( أبا رافع) لأعرف موضعه ولأبي ذر: يا أبا رافع ( فقال: من هذا؟ فأهويت) أي قصدت ( نحو) صاحب ( الصوت فأضربه) لما وصلت إليه ( ضربة بالسيف) بلفظ المضارع وكان الأصل أن يقول: ضربته مبالغة لاستحضار صورة الحال ( وأنا) أي والحال ( دهش) بفتح الدال المهملة وكسر الهاء بعدها شين معجمة ولأبي ذر: داهش بألف بعد الدال ( فما أغنيت شيئًا) أي فلم أقتله ( وصاح) أبو رافع ( فخرجت من البيت فأمكث) بهمزة قبل الميم آخره مثلثة ( غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل) مبتدأ مؤخر خبره لأمك أي الويل لأمك وهو دعاء عليه ( إن رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف قال) ابن عتيك: ( فاضربه ضربة أثخنته) بفتح الهمزة وسكون المثلثة وفتح الخاء المعجمة والنون بعدها فوقية أي الضربة وفي نسخة بسكون النون وضم الفوقية أي بالغت في جراحته ( ولم أقتله ثم وضعت ظبّة السيف) بضم الظاء المشالة المعجمة وفتح الموحدة المخففة بعدها هاء تأنيث في الفرع وأصله أي حدّ السيف.
( في بطنه) .

قال في المحكم: الظبة حدّ السيف والسنان والنصل والخنجر وما أشبه ذلك، والجمع ظبات وظبون ظبًّا، ولأبي ذر ضبيب بالمعجمة غير المشالة وموحدتين بينهما تحتية ساكنة بوزن رغيف.

قال الخطابي: هكذا يروى وما أراه محفوظًا وإنما هو ظبة السيف.
قال: والضبيب لا معنى له هنا لأنه سيلان الدم من الفم، وفي رواية له أيضًا بضم الضاد كما في الفرع وأصله، ولأبي ذر أيضًا كما في المشارق: صبيب بالصاد المهملة المفتوحة وكذا ذكره الحربي وأظنه طرفه.

( حتى أخذ في ظهره فعرفت) حينئذ ( أني قتلته فجعلت أفتح الأبواب بابًا بابًا حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي) بالإفراد ( وأنا أرى) بضم الهمزة أي أظن ( أني قد انتهيت إلى الأرض) وكان ضعيف البصر ( فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة) بتخفيف الصاد ( ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت: لا أخرج) وفي نسخة في اليونينية لا أبرح ( الليلة حتى أعلم أقتلته) أم لا.
( فلما صاح الديك قام الناعي) بالنون والعين المهملة خبر موته ( على السور فقال: أنعي) بفتح الهمزة ( أبا رافع تاجر أهل الحجاز) بفتح عين أنعي قال السفاقسي: هي لغة والمعروف أنعو ( فانطلقت إلى أصحابي فقلت) لهم ( النجاء) مهموز ممدود منصوب مفعول مطلق والمد أشهر إذا أفرد فإن كرر قصر أي أسرعوا ( فقد قتل الله أبا رافع فانتهيت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحدثته) بما وقع ( فقال لي) :
( أبسط رجلك) التي انكسر ساقها ( فبسطت رجلي فمسحها) بيده المباركلة ( فكأنها) أي فكأن رجلي ولأبوي ذر والوقت فكأنما بالميم بدل الهاء ( لم أشتكها قط) .




[ قــ :3844 ... غــ : 4040 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ هُوَ ابْنُ مَسْلَمَةَ.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَبِي رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْحِصْنِ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ قَالَ: فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ، قَالَ: فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونَهُ قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ قَالَ: فَغَطَّيْتُ رَأْسِي كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ الْبَابِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ، فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ فَلَمَّا هَدَأَتِ الأَصْوَاتُ وَلاَ أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ، قَالَ:.

قُلْتُ إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا؟ قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، فَقَالَ: أَلاَ أُعْجِبُكَ لأُمِّكَ الْوَيْلُ؟ دَخَلَ عَلَىَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ، فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ، ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ فَقُلْتُ لَهُمْ: انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ، فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَشَّرْتُهُ.

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن عثمان) بن حكيم الأودي الكوفي قال: ( حدّثنا شريح) بضم الشين المعجمة آخره مهملة ( هو ابن مسلمة) بالميم واللام المفتوحتين الكوفي وسقط هو لأبي ذر قال: ( حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق ( عن) جده ( أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه قال: ( سمعت البراء) زاد أبو ذر وابن عساكر ابن عازب ( -رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أبي رافع) عبد الله بن أبي الحقيق ( عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة) بضم العين المهملة وسكون الفوقية ولم يذكر إلا في هذا الطريق، وفي مبهمات الجلال البلقيني أن في الصحابة عبد الله بن عتبة اثنان أحدهما مهاجري وهو عبد الله بن عتبة بن مسعود، والآخر عبد الله بن عتبة أبو قيس الذكواني، والأول غير مراد قطعًا لأن من أثبت صحبته ذكر أنه خماسي السن أو سداسيه فتعين الثاني.
وهذه القصة من مفردات الخزرج، وزاد الذهبي ثالثًا وهو عبد الله بن عتبة أحد بني نوفل له ذكر في زمن الردة نقله وتتمته عند ابن إسحاق وقال: في الذكواني قيل له صحبة ( في ناسٍ معهم) هو مسعود بن سنان الأسلمي حليف بني سلمة وعبد الله بن أنيس بضم الهمزة مصغرًا الجهني، وأبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخزاعي بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وبالعين المهملة ابن الأسود بن خزاعي الأسلمي حليف الأنصار، وقيل هو أسود بن خزاعي وقيل أسود بن حزام ( فانطلقوا حتى دنوا) قربوا ( من الحصن) الذي فيه أبو رافع ( فقال لهم عبد الله بن عتيك: امكثوا أنتم) بالمثلثة ( حتى أنطلق أنا فأنظر) بالنصب عطفًا على أنطلق ( قال) : ابن عتيك فجئت ( فتلطفت أن أدخل الحصن ففقدوا) بفتح القاف ( حمارًا لهم قال: فخرجوا بقبس) بشلة نار ( يطلبونه قال: فخشيت أن أعرف) بضم الهمزة وفتح الراء ( فغطيت رأسي) بثوب ( ورجلي) بالإفراد كذا في الفرع وأصله لكنهما ضببا عليها وللأربعة وجلست ( كأني أقضي حاجة ثم نادى صاحب الباب) الذي يفتحه ويغلقه ( من أراد أن يدخل) ممن يسمر عند أبي رافع ( فليدخل قبل أن أغلقه) بضم الهمزة قال ابن عتيك ( فدخلت ثم اختبأت في مربط حمار) كائن ( عند باب الحصن) وباء مربط مكسورة ( فتعشوا عند أبي رافع وتحدثوا) عنده ( حتى ذهبت) بتاء التأنيث، ولأبي ذر وابن عساكر: ذهب ( ساعدة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم) بالحصن ( فلما هدأت الأصوات) بالهمزة المفتوحة في هدأت أي سكنت.
وقال السفاقسي: هدت بغير همز ولا ألف ووجهه في المصابيح بأنه خفف الهمزة المفتوحة بإبدالها ألفًا مثل منسأة فالتقت هي والتاء الساكنة فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، قال: وهذا وإن كان على غير قياس لكنه يستأنس به لئلا يحمل اللفظ على الخطأ المحض.
اهـ.

وصوّب السفاقسي الهمز ولم أتركه في أصل من الأصول التي رأيتها فالله أعلم.
( ولا أسمع حركة خرجت) من مربط الحمار الذي اختبأت فيه ( قال: ورأيت صاحب الباب) الموكل به ( حيث
وضع مفتاح الحصن في كوّة)
بفتح الكاف وتضم وتشديد الواو وهاء التأنيث والكوّة الخرق في الحائط والتأنيث للتصغير والتذكير للتكبير ( فأخذته ففتحت به باب الحصن قال: قلت إن نذر بي القوم) بكسر الذال المعجمة أي علموا بي ( انطلقت على مهل) بفتح الميم والهاء ( ثم عمدت) بفتح الميم ( إلى أبواب بيوتهم) بالحصن ( فغلقتها عليهم من ظاهر) بالغين المعجمة المفتوحة وتشديد اللام، ولأبي ذر: فغلقتها بتخفيفها ولأبي ذر عن الكشميهني فأغلقتها بالألف قال ابن سيده: غلق الباب وأغلقه هي لغة التنزيل وغلقت الأبواب، وقال سيبويه: غلقت الأبواب أي بالتشديد للتكثير وقد يقال: أغلقت أي بالألف يريد بها التكثير قال: وهو عربي جيد وقال ابن مالك: غلقت وأغلقت بمعنى، وقال في القاموس: غلق الباب يغلقه لغية أو لغة رديئة في أغلقه.
( ثم صعدت) بكسر العين ( إلى أبي رافع في سلّم) بضم السين وتشديد اللام مفتوحة بوزن سكر في مرقاة ( فإذا البيت) الذي هو فيه ( مظلم قد طفئ سراجه) بفتح الطاء وفي نسخة بضمها ( فلم أدر أين الرجل) أبو رافع ( فقلت: يا أبا رافع.
قال: من هذا؟ قال)
: ابن عتيك وسقط لفظ قال، ولأبي ذر ( فعمدت) بفتح الميم ( نحو) صاحب ( الصوت فأضربه) بهمزة مقطوعة بلفظ المضارع مبالغة لاستحضار صورة الحال ( وصاح) أبو رافع ( فلم تغن) فلم تنفع الضربة ( شيئًا قال) ابن عتيك: ( ثم جئت كأني أغيثه) بهمزة مضمومة فغين معجمة مكسورة ومثلثة من الإغاثة ( فقلت: ما لك) ؟ بفتح اللام أي ما شأنك ( يا أبا رافع وغيّرت صوتي؟ فقال: ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام ( أعجبك لأمك الويل) الجار والمجرور خبر تاليه ( دخل عليّ) بتشديد الياء ( رجل فضربني بالسيف قال: فعمدت له أيضًا فأضربه) ضربة ( أخرى فلم تغن شيئًا فصاح وقام أهله) .
وعند ابن إسحاق فصاحت امرأته فنوّهت بنا فجعلنا نرفع السيف عليها ثم نذكر نهي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قتل النساء فنكفّ عنها ( قال: ثم جئت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فجئت ( وغيّرت صوتي كهيئة المغيث) له ( فإذا) بالفاء، ولابن عساكر: وإذا ( هو مستلق على ظهره فأضع السيف في بطنه ثم أنكفئ) بفتح الهمزة وسكون النون أي أنقلب ( عليه حتى سمعت صوت العظم ثم خرجت) حال كوني ( دهشًا) بكسر الهاء ( حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فأسقط منه فانخلعت رجلي فعصبتها) .
استشكل مع قوله في السابقة فانكسرت.
وأجيب: بأنها انخلعت من المفصل وانكسرت من الساق أو المراد من كل منهما مجرد اختلال الرجل ( ثم أتيت أصحابي أحجل) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وضم الجيم بعدها لام أمشي مشي المقيد فحجل البعير على ثلاثة والغلام على واحدة ( فقلت) لهم: ( انطلقوا فبشروا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بقتله ( فإني لا أبرح حتى) إلى أن ( أسمع الناعية) تخبر بموته ( فلما كان في وجه الصبح) مستقبله ( صعد الناعية فقال: أنعي) بفتح العين ( أبا رافع) وقال الأصمعي: إن العرب إذا مات فيهم الكبير ركب راكب فرسًا وسار فقال: نعي فلان ( قال: فقمت أمشي ما بي قلبة) بفتح القاف واللام أي تقلب واضطراب من جهة علة الرجل ( فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبشرته) بقتل أبي رافع.

واستشكل قوله فقمت أمشي ما بي قلبة مع قوله السابق فمسحها فكأنها لم أشكها.
وأجيب:
بأنه لا يلزم من عدم التقلب عوده إلى حالته الأولى وعدم بقاء الأثر فيها، ولعله اشتغل عن شدة الألم والاهتمام به وبما وقع له من الفرح فأعين على المشي ثم لما أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومسح عليه زال عنه جميع الآلام.