فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم

باب كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَقَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ جِبْرِيلَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي
هذا ( باب) بالتنوين ( كان جبريل يعرض القرآن) بفتح الياء وكسر الراء ( على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يستعرضه ما أقرأه إياه.

( وقال مسروق) : هو ابن الأجدع التابعي مما وصله المؤلّف في علامات النبوّة ( عن عائشة) أم المؤمنين ( -رضي الله عنها- عن فاطمة) بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عليها السلام أسرّ إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أن جبريل يعارضني) أي يدارسني ولأبي ذر كان يعارضني ( بالقرآن كل سنة) أي مرة ( وإنه) ولأبي ذر عن الحموي وإني ( عارضني) هذا ( العام مرتين ولا أراه) بضم الهمزة أي ولا أظنه ( إلا حضر أجلي) والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلاًّ منهما كان تارة يقرأ والآخر يسمع.


[ قــ :4731 ... غــ : 4997 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، لأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة المكي المؤذن قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري العوفي أبو إسحاق الزهري ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بن عتبة ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: كان النبي) وفي نسخة كان رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس) أي أسخاهم ( بالخير) بنصب أجود خبر كان ( وأجود) بالرفع ( ما يكون في شهر رمضان) أثبت له الأجودية المطلقة أولًا ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان لئلا يتخيل من قوله وأجود ما يكون في شهو رمضان أن الأجودية خاصة منه برمضان فهو احتراس بليغ ثم بيّن سبب الأجودية المذكورة بقوله ( لأن جبريل) عليه السلام ( كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ) رمضان وظاهره أنه كان يلقاه في كل رمضان منذ أنزل عليه القرآن إلى رمضان الذي توفي بعده وليس بمقيد برمضانات الهجرة وإن كان صيام شهر رمضان إنما فرض بعد الهجرة إذ إنه كان يسمى به قبل فرض صومه، نعم يحتمل أنه لم يعارضه في رمضان من السنة الأولى لوقوع ابتداء النزول فيها، ثم فتر الوحي ثم تتابع وسقط الضمير من يلقاه لأبي الوقت والأصيلي فكان ( يعرض عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن) أي بعضه أو معظمه لأن أول رمضان من البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه ثم كذلك كل رمضان بعده إلى الأخير فكان نزل كله إلا ما تأخر نزوله بعد رمضان المذكور وكان في سنة عشر إلى أن توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومما نزل في تلك المدة { اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] فإنها نزلت يوم عرفة بالاتفاق ولما كان ما نزل في تلك الأيام قليلًا اغتفروا أمر معارضته فاستفيد منه إطلاق القرآن على بعضه مجازًا وحينئذٍ فلو حلف ليقرآن القرآن فقرأ بعضه لا يحنث إلا إن قصد كله ( فإذا لقيه جبريل كان) عليه الصلاة والسلام ( أجود بالخير من الريح المرسلة) أي المطلقة فهو من الاحتراس لأن الريح منها العقيم الضار، ومنها المبشر بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثاني قال تعالى: { هو الذي يرسل الرياح مبشرات} [الروم: 46] فالريح المرسلة تستمر مدة إرسالها وكذا كان عمله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رمضان ديمة لا ينقطع وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي لأن الجود منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقيقة ومن الريح مجاز.

فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الليل المذكور بمعارضة القرآن؟ أجيب: بأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم والليل مظنة ذلك بخلاف النهار فإن فيه الشواغل والعوارض على ما لا يخفى ولعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء فيقرأ كل ليلة جزءًا في جزء من الليلة وبقية ليلته لما سوى ذلك من تهجد وراحة وتعهد أهله ويحتمل أنه
كان يعيد ذلك الجزء مرارًا بحسب تعدّد الحروف المنزل بها القرآن.

وهذا الحديث قد سبق أول الصحيح وفي كتاب الصوم.




[ قــ :473 ... غــ : 4998 ]
- حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا، فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ.

وبه قال: ( حدّثنا خالد بن يزيد) الكاهلي قال: ( حدّثنا أبو بكر) هو ابن عياش بالتحتية والمعجمة ( عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم ( عن أبي صالح) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: كان) أي جبريل ( يعرض على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن) وسقط لغير الكشميهني لفظ القرآن أي بعضه أو معظمه ( كل عام مرة) ليالي رمضان من زمن البعثة أو من بعد فترة الوحي إلى رمضان الذي توفي بعده ( فعرض عليه) القرآن ( مرتين في العام الذي قبض) زاد الأصيلي فيه: واختلف هل كانت العرضة الأخيرة بجميع الأحرف السبعة أو بحرف واحد منها وعلى الثاني فهل هو الحرف الذي جمع عليه عثمان الناس أو غيره، فعند أحمد وغيره من طريق عبيدة السلماني أن الذي جمع عليه عثمان الناس يوافق العرضة الأخيرة ونحوه عند الحاكم من حديث سمرة وإسناده حسن وقد صححه هو، وأخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند قال قلت للشعبي قوله تعالى: { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 185] أما كان ينزل عليه في سائر السنة؟ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رمضان ما أنزل عليه فيحكم الله ما يشاء وينسخ ما يشاء فكأن السر في عرضه مرتين في سنة الوفاة استقراره على ما كتب في المصحف العثماني والاقتصار عليه وترك ما عداه، ويحتمل أن يكون لأن رمضان في السنة الأولى من نزول القرآن لم يقع فيه مدارسة لوقوع ابتداء النزول في رمضان ثم فتر الوحي فوقعت المدارسة في السنة الأخيرة من رمضان مرتين ليستوي عدد السنين والعرض.

( وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يعتكف كل عام عشرًا) من رمضان ( فاعتكف عشرين) يومًا من رمضان ( في العام الذي قبض) زاد الأصيلي فيه مناسبة لعرض القرآن مرتين، وسبق في الاعتكاف مباحث الاعتكاف والله الموفق والمعين.