فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه

باب شِرَاءِ الْمَمْلُوكِ مِنَ الْحَرْبِيِّ وَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسَلْمَانَ: كَاتِبْ، وَكَانَ حُرًّا فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ.
وَسُبِيَ عَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ، فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} .

( باب) حكم ( شراء المملوك من الحربي و) حكم ( هبته وعتقه وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لسلمان) الفارسي ( كاتب) أي اشتر نفسك من مولاك بنجمين أو أكثر ( و) الحال أنه ( كان حرًّا) قبل أن يخرج من داره ( فظلموه وباعوه) ولم يكن إذ ذاك مؤمنًا وإنما كان إيمانه إيمان مصدّق بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا بعث مع إقامته على شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام فأقرّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مملوكًا لمن كان في يده إذ كان في حكمه عليه الصلاة والسلام أن من أسلم من رقيق المشركين في دار الحرب ولم يخرج مراغمًا لسيده فهو لسيده أو كان سيده من أهل صلح المسلمين فهو لمالكه قاله الطبري، وقصته أنه هرب من أبيه لطلب الحق وكان مجوسيًّا فلحق براهب ثم براهب ثم بآخر، وكان يصحبهم إلى وفاتهم حتى دلّه الأخير على الحجاز وأخبروه بظهور رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به فباعوه في وادي القرى ليهودي ثم اشتراه منه يهودي آخر من بني قريظة فقدم به المدينة، فلما قدمها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأى علامات النبوّة أسلم فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كاتب عن نفسك".

وقد رويت قصته من طرق كثيرة من أصحها ما أخرجه أحمد وعلّق البخاري منها ما تراه وفي سياق قصته في إسلامه اختلاف يتعسر الجمع فيه، وروى البخاري في صحيحه عن سليمان أنه تداوله بضعة عشر سيدًا.

( وسبي عمار) هو ابن ياسر العنسي بالعين والسين المهملتين بينهما نون ساكنة ولم يكن عمار سبي لأنه كان غريبًا، وإنما سكن أبوه مكة وحالف بني مخزوم فزوّجوه سميّة وكانت من مواليهم فولدت له عمارًا، فيحتمل أن يكون المشركون عاملوا عمارًا معاملة السبي لكون أمه من مواليهم.

( و) سُبي ( صهيب) هو ابن سنان بن مالك وهو الرومي قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرًا ثم اشتراه رجل من كلب فباعه بمكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي فأعتقه، ويقال بل هرب من

الروم فقدم مكة فحالف ابن جدعان، وروى ابن سعد أنه أسلم هو وعمار ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دار الأرقم.

( وبلال) هو ابن رباح الحبشي المؤذن وأمه حمامة اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد فأعتقه ( وقال الله تعالى: { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} ) فمنكم غني ومنكم فقير ومنكم موالٍ يتولون رزقهم ورزق غيرهم ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك ( { فما الذين فضلوا برادي رزقهم} ) بمعطي رزقهم ( { على ما ملكت أيمانهم} ) على مماليكهم فإنما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في أيديهم ( { فهم فيه سواء} ) ، فالموالي والمماليك سواء في أن الله رزقهم فالجملة لازمة للجملة المنفية أو مقررة لها، ويجوز أن تكون واقعة موقع الجواب كأنه قيل { فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم} فيستووا في الرزق على أنه ردّ وإنكار على المشركين فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته في الألوهية ولا يرضون أن تشاركهم عبيدهم فيما أنعم الله عليهم فتساويهم فيه ( { أفبنعمة الله يجحدون} ) [النحل: 71] حيث يتخذون له شركاء فإنه يقتضي أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ويجحدوا أنه من عند الله أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعدما أنعم الله عليهم بإيضاحها قاله البيضاوي.

وموضع الترجمة قوله "على ما ملكت أيمانهم" فأثبت لهم ملك اليمين مع كون ملكهم غالبًا على غير الأرضاع الشرعية، وفي رواية أبوي ذر والوقت "على ما ملكت أيمانهم" إلى قوله "أفبنعمة الله يجحدون".


[ قــ :2131 ... غــ : 2217 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ -أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ.
فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: لاَ تُكَذِّبِي حَدِيثِي، فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتِي، وَاللَّهِ إِنْ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ.
فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلاَّ عَلَى زَوْجِي فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَىَّ الْكَافِرَ.
فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ -قَالَ الأَعْرَجُ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ- قَالَتِ اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ يُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ.
فَأُرْسِلَ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي، إِلاَّ عَلَى زَوْجِي فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَىَّ هَذَا الْكَافِرَ، فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ -قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ- فَقَالَتِ اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ.
فَأُرْسِلَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَىَّ إِلاَّ شَيْطَانًا، ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْطُوهَا آجَرَ، فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ

وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً".
[الحديث 2217 - أطرافه في: 7635، 3357، 3358، 5084، 6950] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( هاجر إبراهيم) الخليل ( عليه السلام بسارة) بتخفيف الراء وقيل بتشديدها أي سافر بها ( فدخل بها قرية) هي مصر وقال ابن قتيبة الأردن ( فيها ملك من الملوك) هو صاروق وقيل سنان بن علوان، وقيل عمرو بن امرئ القيس بن سبأ وكان على مصر ( أو جبار من الجبابرة) شك من الراوي ( فقيل) له ( دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء) وقال ابن هشام وشى به حناط كان إبراهيم يمتاز منه ( فأرسل) الملك ( إليه أن يا إبراهيم من هذه) المرأة ( التي معك قال أختي) يعني في الدين ( ثم رجع) إبراهيم عليه الصلاة والسلام ( إليها فقال لا تكذبي حديثي فإني أخبرتهم أنك أختي) اختلف في السبب الذي حمل إبراهيم على هذه التوصية مع أن ذلك الجبار كان يريد اغتصابها على نفسها أختًا كانت أو زوجة، فقيل: كان من دين ذلك الجبار أن لا يتعرض إلاّ لذوات الأزواج أي فيقتلهن فأراد إبراهيم عليه الصلاة والسلام دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما، وذلك أن اغتصابه إياها واقع لا
محالة لكن إن علم أن لها زوجًا في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه أو حبسه وإضراره بخلاف ما إذا علم أن لها أخًا فإن الغيرة حينئذ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قبل الجبار فلا يبالي به، وقيل المراد إن علم أنك امرأتي ألزمني بالطلاق ( والله إن) بكسر الهمزة وسكون النون نافية أي ما ( على الأرض) هذه التي نحن فيها ( مؤمن) ولأبي ذر: من مؤمن ( غيري وغيرك) بالرفع بدلاً عطفًا على محل غيري ويجوز الجر عطفًا عليه والذي في اليونينية الرفع والنصب لا الجر، واستشكل بكون لوط كان معه كما قال تعالى: { فآمن له لوط} [العنكبوت: 26] وأجيب بأن المراد بالأرض التي وقع له فيها ما وقع كما قدرته بهذه التي نحن فيها ولم يكن معه لوط إذ ذاك ( فأرسل) الخليل عليه الصلاة والسلام ( بها إليه) أي بسارة إلى الجبار ( فقام إليها) بعد أن دخلت عليه ( فقامت) سارة حال كونها ( توضأ) أصله تتوضأ فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا والهمزة مرفوعة ففيه أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة ( وتصلي) عطف على سابقه ( فقالت: اللهمَّ إن كنت آمنت بك وبرسولك) إبراهيم ولم تكن شاكّة في الإيمان بل كانت قاطعة به وإنما ذكرته على سبيل الفرض هضمًا لنفسها.
وقال في اللامع: الأحسن أن هذا ترحم وتوسل بإيمانها لقضاء سؤلها ( وأحصنت فرجي إلا على زوجي) إبراهيم ( فلا تسلط عليّ) هذا ( الكافر فغط) بضم الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي أخذ بمجاري نفسه حتى سمع له غطيط ( حتى ركض برجله) أي حركها وضرب بها الأرض، وفي رواية مسلم: فقام إبراهيم إلى الصلاة فلما دخلت عليه أي على الملك لم يتمالك أن بسط يده إليها فقبضت يده قبضة شديدة، وقد روي أنه كشف لإبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى رأى حالهم لئلا يخامر قلبه أمر، وقيل صار قصر الجبار لإبراهيم كالقارورة الصافية فرأى الملك وسارة وسمع كلامهما.

( قال الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز بالسند المذكور ( قال أبو سلمة بن عبد الرحمن إن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال) مما ظاهره أنه موقوف عليه، ولعل أبا الزناد روى السابق مرفوعًا وهذه موقوفة ( قالت: اللهمَّ إن يمت) هذا الجبار ( يقال) كذا للحموي والمستملي بالألف، واستشكل بأن جواب الشرط يجب جزمه وأجيب بأن الجواب محذوف تقديره أعذب، ويقال ( هي قتلته) والجملة لا محل لها من الإعراب دالّة على المحذوف، وللكشميهني: يقل بالجزم وحذف الألف على الأصل أي فقد يقل قتله وذلك موجب لتوقعها مساءة خاصة الملك وأهله ( فأرسل) الجبار أي أطلق مما عرض له والهمزة مضمومة ( ثم قام إليها) ثانيًا ( فقامت توضأ وتصلي) بالواو وهي مكشوطة في الفرع مكتوب مكانها همزة توضأ وكذا هي ساقطة في اليونينية أيضًا ( وتقول: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك) إبراهيم ( وأحصنت فرجي إلا على زوجي) إبراهيم ( فلا تسلط عليّ هذا الكافر) بإثبات اسم الإشارة هنا وإسقاطه في السابقة ( فغط) الجبار يعني اختنق حتى صار كالمصروع ( حتى ركض) ضرب ( برجله) الأرض ( قال) وفي نسخة: فقال ( عبد الرحمن) أي ابن هرمز الأعرج، وفي نسخة: قال الأعرج ووقع في بعض الأصول قال أبو عبد الرحمن والذي يظهر لي أن ذلك سهو من الناسخ فإن كنية عبد الرحمن أبو داود لا أبو عبد الرحمن والعلم عند الله تعالى.

( قال أبو سلمة) أي ابن عبد الرحمن، ( قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- ( فقالت: اللهم إن يمت) هذا الجبار ( فيقال) بالفاء والألف فهي كالفاء في قوله: { أينما تكونوا يدرككم الموت} [النساء: 78] على قراءة الرفع في يدرككم أي فيدرككم، وللمستملي يقال بحذف الفاء فهي مقدرة، وللكشميهني يقل بالجزم جوابًا للشرط ( هي قتلته فأرسل) بضم الهمزة في جميع ما وقفت عليه من الأصول أي أطلق الجبار ( في الثانية أو في الثالثة) شك الراوي، وفي نسخة وفي الثالثة بإسقاط الألف من غير شك ( فقال) الجبار عقب إطلاقه في المرة الثانية أو الثالثة لجماعته ( والله ما أرسلتم إليّ إلاّ شيطانًا) أي متمردًا من الجن وكانوا قبل الإسلام يعظّمون أمر الجن ويرون كل ما يقع من الخوارق من فعلهم وتصرفهم وهذا يناسب ما وقع له من الخنق الشبيه بالصرع ( ارجعوها) بكسر الهمزة أي ردّوها ( إلى إبراهيم عليه السلام) ورجع يأتي لازمًا ومتعديًا يقال: رجع زيد رجوعًا ورجعته أنا رجعًا قال الله تعالى { فإن رجعك الله إلى طائفة} [التوبة: 83] وقال: { فلا ترجعوهنّ إلى الكفار} [الممتحنة: 10] ( وأعطوها) بهمزة قطع فعل أمر أي أعطوا سارة ( آجر) بهمزة ممدودة بدل الهاء وجيم مفتوحة فراء، وكان أبو آجر من ملوك القبط من حقن بفتح الحاء المهملة وسكون القاف قرية بمصر، ( فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام) زاد في أحاديث الأنبياء فأتته أي إبراهيم وهو قائم يصلّي فأومأ بيده مهيم أي ما الخبر؟ ( فقالت: أشعرت) أي أعلمت ( أن الله كبت الكافر) بفتح الكاف والموحدة بعدها تاء مثناة فوقية أي صرعه لوجهه أو أخزاه أو ردّه خائبًا أو أغاظه وأذله ( وأخدم وليدة) يحتمل أن يكون وأخدم معطوفًا على كبت، ويحتمل أن يكون فاعل أخدم هو الجبار فيكون استئنافًا، والوليدة الجارية للخدمة سواء كانت كبيرة أو صغيرة، وفي الأصل الوليد الطفل والأنُثى

وليدة الجمع ولائد وحذفت مفعول أخدم الأول لعدم تعلق الغرض بتعيينه أو تأدبًا مع الخليل عليه الصلاة والسلام أن تواجهه بأن غيره أخدمها ووليدة المفعول الثاني، والمراد بها آجر المذكورة.

وموضع الترجمة قوله: وأعطوها آجر وقبول سارة منه وإمضاء إبراهيم ذلك ففيه صحة هبة الكافر وقبول هدية السلطان الظالم وابتلاء الصالحين لرفع درجاتهم وفيه إباحة المعاريض وأنها مندوحة عن الكذب.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهبة والإكراه وأحاديث الأنبياء.




[ قــ :13 ... غــ : 18 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتِ: "اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلاَمٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَىَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ.
.

     وَقَالَ  عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ.
فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ.
فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ".

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص) أحد العشرة المبشرة بالجنة ( وعبد بن زمعة) أخو سودة أم المؤمنين ( في غلام) هو عبد الرحمن ابن وليدة زمعة المذكور ( فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص) مات مشركًا وكان قد كسر ثنية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عهد) أي أوصى ( إليّ أنه) أي الغلام ( ابنه انظر إلى شبهه) بعتبة، ( وقال عبد بن زمعة) أخو أم المؤمنين سودة -رضي الله عنها- ( هذا) الغلام ( أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي) زمعة ( من وليدته) أي جاريته ولم تسمّ ( فنظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى شبهه فرأى شبهًا بيّنًا بعتبة) لكنه لم يعتمده لوجود ما هو أقوى منه وهو الفراش، ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( هو) أي الغلام ( لك يا عبد) ولأبي ذر: يا عبد بن زمعة بضم عبد ونصب ابن ( الولد) تابع ( للفراش) أي لصاحبه زوجًا كان أو سيدًا خلافًا للحنفية حيث قالوا: إن ولد الأمة المستفرشة لا يلحق سيدها ما لم تقرّ به فلا عموم عندهم له في الأمة، وفيه بحث تقدم في باب تفسير الشبهات أوائل البيع ( وللعاهر) أي الزاني ( الحجر) أي الخيبة ولا حق له في الولد ( واحتجبي منه) أي من الغلام ( يا سودة بنت زمعة) هي أم المؤمنين أي ندبًا واحتياطًا وإلا فقد ثبت نسبه وأخوته لها في ظاهر الشرع لما رأى من الشبه البينّ بعتبة، ( فلم تره سودة قط) وفي باب الشبهات فما رآها أي الغلام حتى لحق بالله.


وموضع الترجمة منه تقرير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ملك زمعة الوليد وإجراء أحكام الرقّ عليها فدلّ على تنفيذ عهد المشرك والحكم به وأن تصرفه في ملكه يجوز كيف شاء.
وهذا الحديث قد سبق في أوائل البيع.




[ قــ :133 ... غــ : 19 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه- لِصُهَيْبٍ: "اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَدَّعِ إِلَى غَيْرِ أَبِيكَ.
فَقَالَ صُهَيْبٌ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا وَأَنِّي.

قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي سُرِقْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ".

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة العبدي البصري أبو بكر بندار قال: ( حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( عن أبيه) أنه قال: ( قال عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- لصهيب اتق الله ولا تدع) بغير ياء وفي بعض النسخ ولا تدعي بإشباع كسرة العين ياء أي لا تنتسب ( إلى غير أبيك) لأنه كان يدعي أنه عربي نمري أو لسانه أعجمي وكان يسوق نسبه إلى النمر بن قاسط ويقول: إن أمه من بني تميم ( فقال صهيب ما يسرني أن لي كذا وكذا وأني قلت ذلك) الادّعاء إلى غير الأب ( ولكني سرقت) بضم السين المهملة مبنيًّا للمفعول ( وأنا صبي) وذلك أن أباه كان عاملاً لكسرى على الأبلة وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت عليهم الروم فسبت صهيبًا فنشأ عند الروم فصار ألكن فابتاعه رجل من كلب منهم وقدم به مكة فاشتراه ابن جدعان وأعتقه كما مرّ
فلذا قال له عبد الرحمن ذلك.
وموضع الترجمة منه كون ابن جدعان اشتراه وأعتقه.




[ قــ :134 ... غــ : 0 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ -أَوْ أَتَحَنَّتُ -بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ حَكِيمٌ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ".

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهرى) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوام ( أن حكيم بن حزام) بالحاء المهملة المكسورة والزاي ( أخبره أنه قال: يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني ( أمورًا كنت أتحنث) بالحاء المهملة وتشديد النون والمثلثة آخر الكلمة ( أو أتحنت) بالمثناة بدل المثلثه بالشك وكأن المصنف رواه عن أبي اليمان بالوجهين، ولذا قال في الأدب ويقال أيضًا عن أبي اليمان أَتحنت أي بالمثناة إشارة إلى ما أورده هنا، والذي رواه الكافّة بالمثلثة وغلط القول بالمثناة.
وقال السفاقسي: لا أعلم له وجهًا ولم يذكره أحد من اللغويين بالمثناة والوهم فيه من شيوخ البخاري

بدليل قوله في الأدب ويقال كما مرّ وإنما هو بالمثلثة وهو مأخوذ من الحنث فكأنه قال: أتوقى ما يؤثم، ولكن ليس المراد توقّي الإثم فقد بل أعلى منه وهو تحصيل البر فكأنه قال أرأيت أمورًا كنت أتبرر ( بها في الجاهلية من صلة) إحسان للأقارب ( وعتاقة) للأرقاء ( وصدقة) للفقراء ( هل لي فيها أجر؟ قال حكيم -رضي الله عنه- قال) لي ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أسلمت على ما) أي مع ما أو مستعليًا على ما ( سلف لك من خير) وسقط لأبي ذر لفظ لك.

ومطابقة الحديث للترجمة مما تضمنه من الصدقة والعتاقة من المشرك فإنه يتضمن صحة ملك المشتري لأن صحة العتق متوقفة على صحة الملك فيطابق قوله في الترجمة وهبته وعتقه.

وهذا الحديث قد سبق في الزكاة في باب من تصدق في الشرك ثم أسلم، وأخرجه أيضًا في الأدب وغيره.