فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب اغتسال الصائم

باب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ
وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ.

وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوِ الشَّىْءَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا كَانَ صَوْمُ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلاً.

وَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ لِي أَبْزَنَ أَتَقَحَّمُ فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ.
وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ اسْتَاكَ وَهُوَ صَائِمٌ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَسْتَاكُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَلاَ يَبْلَعُ رِيقَهُ.
.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ: إِنِ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لاَ أَقُولُ يُفْطِرُ.


وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ.
قِيلَ: لَهُ طَعْمٌ.
قَالَ: وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا.

( باب اغتسال الصائم.
وبلّ ابن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنهما-) فيما رواه ابن أبي شيبة ( ثوبًا) بالماء ( فألقاه عليه وهو صائم) ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي: فألقي عليه مبنيًّا للمفعول وكأنه أمر غيره فألقاه عليه.

ووجه المطابقة أن الثوب المبلول إذا ألقي على البدن بله فيشبه ما إذا صب عليه الماء.

( ودخل الشعبي) عامر بن شراحيل ( الحمام وهو صائم) .
رواه ابن أبي شيبة موصولاً.
( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: ( لا بأس أن يتطعم القدر) بكسر القاف ما يطبخ فيه أي من طعام القدر ( أو الشيء) من المطعومات فهو من عطف العام على الخاص وهذا وصله ابن أبي شيبة ورواه البيهقي.

ووجه المطابقة من حيث أن التطعم من الشيء هو إدخال الطعام في الفم من غير بلع ولا يضر الصوم فإيصال الماء إلى البشرة بالطريق الأولى لا يضر.

( وقال الحسن) البصري: ( لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم) .
قال العيني مطابقته للترجمة من حيث أن المضمضة جزء من الغسل، وقال في فتح الباري: وصله عبد الرزاق بمعناه ( وقال ابن مسعود: إذا كان صوم) ولأبي ذر: إذا كان يوم صوم ( أحدكم فليصبح دهينًا) أي مدهونًا فعيلاً بمعنى مفعول ( مترجلاً) من الترجل وهو تسريح الشعر وتنظيفه وقول الحافظ ابن حجر في وجه المطابقة هي أن المانع من الاغتسال لعله سلك به مسلك استحباب التقشف في الصيام كما ورد مثله في الحج فالادهان والترجل في مخالفة التقشف كالاغتسال.
تعقبه العيني بأن الترجمة في جواز الاغتسال لا في منعه وكذلك أثر ابن مسعود في الجواز لا في المنع فكيف يجعل الجواز مناسبًا للمنع اهـ.

وقال ابن المنير الكبير أراد البخاري الرد على من كره الاغتسال للصائم لأنه إن كرهه خشية وصول الماء حلقه فالعلة باطلة بالمضمضة والسواك وبذوق القدر ونحو ذلك، وإن كرهه للرفاهية فقد استحب السلف للصائم الترفه والتجمل بالترجل والادّهان والكحل ونحو ذلك ولذلك ساق هذه الآثار.
قال العيني: وهذا أقرب إلى القبول.

( وقال أنس) : هو ابن مالك -رضي الله عنه- مما وصله قاسم بن ثابت في غريب الحديث له ( إن لي أبزن) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي آخره نون.
وقال عياض بكسم الهمزة أيضًا وفي القاموس بتثليثها.
وقال الكرماني.
وفي بعضها بقصر الهمزة.
قال البرماوي: وهو يدل على أنه بالمد والقصر منسوب على أنه اسم إن، ولأبي ذر: أبزن بالرفع.
قال الزركشي على أنه اسم إن ضمير
الشأن والجملة بعدها مبتدأ وخبر في موضع رفع على أنها خبر إن وضعفه في المصابيح والروايتان في الفرع منوّنتان وفي غيره بغير تنوين لأنه فارسي فلذلك لم يصرف.
قال الكرماني: هي كلمة مركبة من آب وهو الماء ومن زن وهو المرأة لأن ذلك تتخذه النساء غالبًا وحيث عرّب أعرب.
قال في القاموس: هو حوض يغتسل فيه وقد يتخذ من نحاس اهـ.

( أتقحم) بفتح الهمزة والفوقية والمهملة المشددة بعدها ميم أي ألقي نفسي ( فيه وأنا صائم) .
إذا وجدت الحر أتبرد بذلك ( ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه استاك وهو صائم) رواه أبو داود وغيره من حديث عامر بن ربيعة عن أبيه وحسنه الترمذي، لكن قال النووي في الخلاصة: مداره على عاصم بن عبيد الله وقد ضعفه الجمهور فلعله اعتضد.

ومطابقة الحديث للترجمة قيل من حيث إن السواك مطهرة للفم كما أن الاغتسال مطهر للبدن وسقط قوله ويذكر الخ عند ابن عساكر.

( وقال ابن عمر) مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه: ( يستاك) الصائم ( أوّل النهار وآخره) ولأبي ذر: ونسبه في الفتح لنسخة الصغاني ولا يبلع ريقه وهو ساقط عند ابن عساكر ( وقال عطاء) هو ابن أبي رباح ( إن ازدرد) أي ابتلع ( ريقه لا أقول يفطر) به إذا كان طاهرًا صرفًا ولم ينفصل من معدته لعسر التحرز عنه وخرج بالطاهر النجس كما لو دميت لثته وإن صفا وبالصرف المخلوط بغيره وإن كان طاهرًا فلو نزل معه شيء من بين أسنانه إلى جوفه بطل صومه إن أمكنه مجه لكونه غير صرف.
وقال الحنفية: إذا ابتلع قدرًا يسيرًا من الطعام من بين أسنانه ذاكرًا لصومه لا يفسد عندنا لأنه لا يمكن الاحتراز عنه عادة فصار بمنزلة ريقه والكثير يمكن الاحتراز عنه وسقط قوله، وقال عطاء الخ في رواية ابن عساكر.

( وقال ابن سيرين) : محمد مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه ( لا بأس) أن يتسوّك ( بالسواك الرطب.
قيل له طعم.
قال)
: ابن سيرين ( والماء له طعم وأنت تمضمض به) فاك بضم الفوقية وكسر الميم الثانية، ولأبي ذر: تمضمض بفتح الفوقية والميم ( ولم ير أنس) هو ابن مالك الصحابي -رضي الله عنه- مما وصله أبو داود ( والحسن) البصري مما وصله عبد الرزاق بإسناد صحيح ( وإبراهيم) النخعي مما رواه سعيد بن منصور ( بالكحل للصائم بأسًا) ولو تشربته المسام لأنه لم يصل في منفذ مفتوح كما لا يبطله الانغماس في الماء وإن وجد أثره بباطنه وهذا مذهب الشافعية والحنفية.
وقال المالكية والحنابلة: إن اكتحل بما يتحقق معه الوصول إلى حلقه من كحل أو صبر أو قطور أو ذرور أو إثمد كثير أو يسير مطيب أفطر.


[ قــ :1848 ... غــ : 1930 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَأَبِي بَكْرٍ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ".


وبالسند قال ( حدّثنا أحمد بن صالح) المصري المعروف بابن الطبراني قال: ( حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: ( حدّثنا يونس) بن يزيد الإيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن سلم الزهري ( عن عروة) بن الزبير بن العوام ( وأبي بكر) هو ابن عبد الرحمن بن الحرث أنهما قالا ( قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدركه الفجر جنبًا في رمضان من) جنابة ( غير حلم) بضمتين ويجوز سكون اللام وأسقط الموصوف وهو جنابة اكتفاء بالصفة عنه لظهوره وقولها من غير حلم لا يلزم منه أنه عليه الصلاة والسلام يحتلم بل هو صفة لازمة مثل ويقتلون النبيين بغير حق والاحتلام من نلاعب الشيطان فلا يجوز على الأنبياء ( فيغتسل ويصوم) .
وهذا موضع الترجمة وهذا الحديث سبق قريبًا.




[ قــ :1849 ... غــ : 1931 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "كُنْتُ أَنَا وَأَبِي، فَذَهَبْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَصُومُهُ".

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس الأصبحي ( قال حدثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن سمي) بضم السين وفتح الميم وتشديد الياء التحتية ( مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام بن المغيرة أنه سمع) مولاه ( أبا بكر بن عبد الرحمن) يقول: ( كنت أنا وأبي فذهبت معه حتى دخلنا على عائشة -رضي الله عنها- قالت: أشهد على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن كان ليصبح جنبًا من جماع غير احتلام ثم يصومه) أي اليوم الذي يصبح فيه جنبًا.




[ قــ :1849 ... غــ : 193 ]
- ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ.

( ثم دخلنا على أم سلمة فقالت مثل ذلك) القول الذي قالته عائشة رضي الله عنها، وزاد في باب: الصائم يصبح جنبًا ثم يغتسل وبذلك تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة.