فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صوم داود عليه السلام

باب صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
( باب صوم داود عليه الصلاة والسلام) عقبه بسابقه إشارة إلى الاقتداء بداود عليه الصلاة والسلام في صوم يوم وإفطار يوم.



[ قــ :1899 ... غــ : 1979 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمَكِّيَّ -وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ- قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ، لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ.
قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى».

وبالسند قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا حبيب بن أبي ثابت) الأسدي الأعور.
( قال: سمعت أبا العباس المكي وكان شاعرًا) والشاعر قد يتهم فيما يحدث به لما تقتضيه صناعته من المبالغة في الإطراء ( و) لكن هذا ( كان لا يتهم في حديثه) مرويه من الحديث وغيره وقد وثقه أحمد وابن معين وغيرهما وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجهاد وآخر في المغازي وأعادهما في الأدب ( قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاصي -رضي الله عنهما- قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل) ، ( فقلت: نعم، قال) : عليه الصلاة والسلام ( إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين) بفتح الهاء والجيم أي غارت وضعف بصرها ( ونفهت) بفتح النون وكسر الفاء أي تعبت وكلت ( له النفس) وفي رواية النسفيّ كما في الفتح: نثهت بالمثلثة بدل الفاء واستغربها ابن التين، وقال ابن حجر: وكأنها أبدلت من الفاء فإنها تبدل منها كثيرًا.
قال العيني: لم يذكر لذلك مثالاً ولا نسبه إلى أحد من أهل العربية ولم يذكر هذا أحد في الحروف التي يبدل بعضها من بعض فإن كان يوجد فربما يوجد في لسان ذي لثغة فلا يبنى عليه شيء اهـ.

قلت: وقد وقع إبدال الثاء بالفاء في قوله تعالى: { فومها} أي ثومها فلا وجه لإنكار ذلك ولأبي الوقت وابن عساكر: نهثت بنون فهاء فمثلثة مفتوحات، وللكشميهني: نهكت بهاء بعد النون ثم كاف بفتحات في بعض الأصول وفي بعضها بكسر الهاء وفي الفرع كشط الضبط.
قال في فتح الباري: أي هزلت وضعفت.
قال العيني: ولا وجه له إلا إذا ضم النون من نهكته الحمى إذا أضنته اهـ
وقال الأبي: وضبطه بعضهم بضم النون وكسر الهاء وفتح الكاف وهو ظاهر كلام عياض.

وقال في القاموس: نهكه كمنعه نهاكة غلبة والحمى أضنته وهزلته وجهدته كنهكته كفرح نهكًا ونهكًا ونهكة ونهاكة أو النهك المبالغة في كل شيء ونهكه السلطان كسمعه نهكًا ونهكة بالغ في نهكته عقوبته كأنهكه ( لا صام من الدهر) ، لأن منه العيد والتشريق والصوم فيها حرام قال الخطابي يحتمل أنه دعاء ويحتمل أن لا بمعنى لم نحو فلا صدق ولا صلّى اهـ.


فهو على هذا التقدير خبر لأن لم تخلص للمضي، وقد تقدم ما فيه من البحث قريبًا في سابق سابقه ( صوم ثلاثة أيام) أي من كل شهر ( صوم الدهر كله) .
أي بالتضعيف كما مرّ فإن الحسنة بعشر أمثالها.
قال عبد الله ( قلت) يا رسول الله ( فإني أطيق أكثر من ذلك قال) : عليه الصلاة والسلام ( فصم صوم داود عليه السلام كان) ولابن عساكر: وكان ( يصوم يومًا ويفطر يومًا ولا يفر إذا لاقى) العدو لأنه يستعين بيوم فطره على يوم صومه فلم يضعفه ذلك عن لقاء عدوه.




[ قــ :1900 ... غــ : 1980 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَىَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقَالَ: أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ... قَالَ: خَمْسًا.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ... قَالَ: سَبْعًا.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ... قَالَ: تِسْعًا.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ... قَالَ: إِحْدَى عَشْرَةَ.
ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: شَطْرَ الدَّهْرِ، صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا".

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق الواسطي) ولأبوي ذر والوقت: إسحاق بن شاهين الواسطي قال: ( حدّثنا خالد) هو الطحان الواسطي ولأبي ذر وابن عساكر: خالد بن عبد الله ( عن خالد) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: زيادة الحذاء ( عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي ( قال أخبرني) ولأبي الوقت: حدثني بالإفراد فيهما ( أبو المليح) بفتح الميم وكسر اللام وسكون المثناة التحتية آخره حاء مهملة اسمه عامر أو زيد بن أسامة بن عمير الهذلي ( قال: دخلت مع أبيك) زيد بن عمرو الجرمي فالخطاب لأبي قلابة ( على عبد الله بن عمرو) هو ابن العاصي ( فحدّثنا) أي والد أبي قلابة ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح المثلثة ( ذكر له صومي) بضم الذال مبنيًّا للمفعول ( فدخل عليّ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف فجلس على الأرض) تواضعًا وتركًا للاستئثار على عادته الشريفة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزاده شرفًا ( وصارت الوسادة بيني وبينه فقال) : لي.

( أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم ( يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام) ( قال) عبد الله ( قلت) لا يكفيني الثلاث من كل شهر ( يا رسول الله قال) : عليه الصلاة والسلام: صم ( خمسًا) من كل شهر، ولأبي ذر عن الكشميهني: خمسة بالتأنيث على إرادة الأيام والأول على إرادة الليالي وفيه تجوّز ( قلت) لا تكفيني الخمسة ( يا رسول الله، قال) عليه الصلاة والسلام صم ( سبعًا) أي من كل شهر ولأبي ذر عن الكشميهني: سبعة بالتأنيث كما مر قال عبد الله: ( قلت) لا تكفيني السبعة ( يا رسول الله قال) : عليه الصلاة والسلام صم ( تسعًا) من كل شهر وللكشميهني تسعة كما سبق قال عبد الله: ( قلت) لا تكفيني ( يا رسول الله قال) : عليه الصلاة والسلام صم: ( إحدى عشرة) بكسر الهمزة وسكون الحاء والشين من عشرة وآخره هاء تأنيث وللكشميهني أحد عشر ( ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ( لا صوم) أي

لا فضل ولا كمال في صوم التطوّع ( فوق صوم داود عليه السلام) : وفيه ما مر من كونه أفضل من صوم الدهر أو الخطاب خاص بعبد الله ويلحق به من في معناه ممن يضعفه عن الفرائض والحقوق ( شطر الدهر) ، أي: نصفه وهو بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو شطر الدهر والجر بدل من قوله صوم داود، وهذان الوجهان رواية أبي ذر كما في الفرع ولغيره شطر بالنصب على أنه مفعول فعل مقدّر أي هاك أو خذ أو نحو ذلك ( صم يومًا وأفطر يومًا) وفي رواية عمر بن عون: صيام يوم وإفطار يوم ويجوز فيه الأوجه الثلاثة السابقة.