فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما ذكر في الحجر الأسود

باب مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الأَسْوَدِ
(باب ما ذكر في الحجر الأسود) ويسمى الركن الأسود وهو في ركن الكعبة الذي يلي الباب من جانب المشرق وارتفاعه من الأرض الآن ذراعان وثلثا ذراع على ما قاله الأزرقي وبينه وبين المقام ثمانية وعشرون ذراعًا.

وفي حديث ابن عباس مرفوعًا ما صححه الترمذي: نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم لكن فيه عطاء بن السائب وهو صدوق إلا أنه اختلط وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه، لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى بها.
وفي هذا الحديث التخويف لأنه إذا كانت الخطايا تؤثر في الحجر فما ظنك بتأثيرها في القلوب؟ وينبغي أن يتأمل كيف أبقاه الله تعالى على صفة السواد أبدًا مع ما مسه من أيدي الأنبياء والمرسلين المقتضي لتبييضه ليكون ذلك عبرة لذوي الأبصار وواعظًا لكل من وافاه من ذوي الأفكار ليكون ذلك باعثًا على مباينة الزلات، ومجانبة الذنوب الموبقات.

وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعًا: أن الحجر والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاء ما بين المشرق والمغرب.
رواه أحمد والترمذي، وصححه ابن حبان لكن في إسناده رجاء أبو يحيى وهو ضعيف، وإنما أذهب الله نورهما ليكون إيمان الناس ْبكونهما حقًا إيمانًا بالغيب ولو لم يطمس لكان الإيمان بهما إيمانًا بالمشاهدة، والإيمان الموجب للثواب هو إيمان بالغيب.


[ قــ :1532 ... غــ : 1597 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- "أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ".
[الحديث 1597 - طرفاه في: 1605، 1601] .

وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن عابس بن ربيعة) بالعين المهملة

وبعد الألف موحدة مكسورة وآخره سين مهملة وربيعة بفتح الراء النخعي (عن عمر) بضم العين (-رضي الله عنه-): (أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله) بأن وضع فمه عليه من غير صوت (فقال): ليدفع توهم قريب عهد بإسلام ما كان يعتقد في حجارة أصنام الجاهلية من الضر والنفع (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع) أي بذاتك وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع في الثواب لكن لا قدرة له عليه لأنه حجر كسائر الأحجار، وأشاع عمر هذا في الموسم ليشتهر في البلدان ويحفظه المتأخرون في الأقطار، لكن زاد الحاكم في هذا الحديث فقال علي بن أبي طالب: بل يا أمير المؤمنين يضر وينفع ولو علمت ذلك من تأويل كتاب الله تعالى لعلمت أنه كما أقول قال الله تعالى: { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق وألقمه في هذا الحجر وأنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة فهو أمين الله في هذا الكتاب، فقال له عمر: لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن وقال: ليس هذا على شرط الشيخين فإنهما لم يحتجا بأبي هارون العبدي.

ومن غرائب المتون ما في ابن أبي شيبة في آخر مسند أبي بكر -رضي الله عنه- عن رجل رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف عند الحجر فقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ثم قبله، ثم حج أبو بكر -رضي الله عنه- فوقف عند الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقبلك ما قبلتك فليراجع إسناده فإن صح يحكم ببطلان حديث الحاكم لبعد أن يصدر الجواب عن علي: أعني قوله: بل يضر وينفع بعدما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تضر ولا تنفع لأنه صورة معارضة.
لا جرم أن الذهبي قال في مختصره عن العبدي أنه ساقط.

(ولولا أني رأيت رسول الله! ولغير أبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقبلك ما قبلتك) تنبيه على أن لولا الاقتداء ما قبله.

وقال الطيبي: أعلم أنهم ينزلون نوعًا من أنواع الجنس بمنزلة جنس آخر باعتبار اتصافه بصفة مختصة به لأن تغاير الصفات بمنزلة التغاير في الذوات فقوله: إنك حجر شهادة له بأن من هذا الجنس، وقوله: لا تضر ولا تنفع تقرير وتأكيد بأنه حجر كسائر الأحجار، وقوله: ولولا أني رأيت الخ.
إخراج له عن هذا الجنس باعتبار تقبيله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اهـ.

وفي هذا الحديث التحديث والأخبار والعنعنة، ورواته كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في الحج.