فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وإنه ليس بخارج من الملة

باب مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنَ الْمِلَّةِ
( باب ما يكره من لعن شارب الخمر) بسكون العين والكراهة للتنزيه عند قصد محض السب وللتحريم عند قصد معناه الأصلي وهو الإِبعاد من رحمة الله ( وأنه) أي الشارب ( ليس بخارج) بمعصيته بشربه ( من الملة) الإسلامية فالنفي في حديث لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن السابق نفي للكمال.


[ قــ :6427 ... غــ : 6780 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ جَلَدَهُ فِى الشَّرَابِ فَأُتِىَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة ويحيى هو ابن عبد الله بن بكير المصري المخزومي قال: ( حدثني) بالإفراد ( الليث) بن سعد الإمام قال: ( حدثني) بالإفراد أيضًا ( خالد بن يزيد) البجلي ( عن سعيد بن أبي هلال) بكسر العين الليثي المدني ( عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم الحبشي مولى عمر بن الخطاب ( عن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ( أن رجلاً كان على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه ( كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارًا) باسم الحيوان المعروف ( وكان يضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم التحتية وسكون الضاد المعجمة وكسر المهملة بأن يفعل أو يقول: في حضرته
المقدسة ما يضحك منه، وعند أبي يعلى من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم بسند الباب أن رجلاً كان يلقب حمارًا وكان يهدي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العكة من السمن والعسل، فإذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء به إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أعط هذا متاعه فما يزيد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أن يتبسم ويأمر به فيعطى وفي حديث عبد الله بن عمرو بن حزم وكان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء فقال: يا رسول الله هذا أهديته لك فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه.
فقال: اعط هذا الثمن فيقول ألم تهده لي فيقول ليس عندي فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه قال: وقد وقع نحو هذا لنعيمان فيما ذكره الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح.

( وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جلده في الشراب) أي بسبب شربه الشراب المسكر ( فأتي) بضم الهمزة ( به يومًا) وقد شرب المسكر وكان في غزوة خيبر كما قاله الواقدي ( فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( به فجلد) وللواقدي فأمر به فخفق بالنعال وحينئذٍ فيكون معنى فجلد أي ضرب ضربًا أصاب جلده ( فقال) ولأبي ذر قال: ( رجل من القوم) وعند الواقدي فقال عمر -رضي الله عنه-: ( اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به) بضم التحتية وفتح الفوقية وما مصدرية أي ما أكثر إتيانه وللواقدي ما أكثر ما يضرب وفي رواية معمر ما أكثر ما يشرب وما أكثر ما يجلد ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تلعنوه فوالله ما علمت) أي الذي علمت ( أنه) بفتح همزة أن واسمها الضمير وخبرها ( يحب الله ورسوله) وأن مع اسمها وخبرها سد مسد مفعولي علمت لكونه مشتملاً على المنسوب والمنسوب إليه، والضمير في أنه يعود إلى الموصول والموصول مع صلته خبر مبتدأ محذوف تقديره هو الذي علمت والجملة جواب القسم، قاله المظهري.
قال الطيبي: وفيه تعسف، وقال صاحب المطالع: ما موصولة وأنه بكسر الهمزة مبتدأ وقيل بفتحها وهو مفعول علمت.
قال الطيبي: فعلى هذا علمت بمعنى عرفت وأنه خبر الموصول قال: وجعل ما نافية أظهر لاقتضاء القسم أن يتلقى بحرف النفي وبأن وباللام بخلاف الموصول ولأن الجملة القسمية جيء بها مؤكدة لمعنى النهي مقررة للإنكار، ولأبي ذر عن الكشميهني إلا أنه بزيادة إلا وفتح همزة أنه ولأبي ذر إنه بكسر الهمزة ورواية الكشميهني مؤيدة لقول الطيبي إن جعلت ما نافية الخ كما قال بعد ذلك، ويؤيده أنه وقع في شرح السنة فوالله ما علمت إلا أنه في رواية الواقدي فإنه يحب الله ورسوله ولا إشكال فيها لأنها جاءت تعليلاً لقوله لا تفعل.

وفي الحديث الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت النهي عن لعنه وأنه لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر أن المذكور يحب الله ورسوله مع ما صدر منه وكراهة لعن شارب الخمر، وقيل المنع في حق من أقيم عليه الحد لأن الحد كفر عنه الذنب، وقيل المنع مطلقًا في حق ذي الزلة والجواز مطلقًا في حق المهاجرين، وصوّب ابن المنير أن المنع مطلقًا في حق المعين والجواز في حق غير المعين لأنه في حق غير المعين زجر عن تعاطي ذلك الفعل، واحتج الإمام البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة
إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح وتعقبه بعضهم بأن اللاعن لها الملائكة فيتوقف الاستدلال به على جواز التأسي بهم، ولئن سلمنا فليس في الحديث تسميتها.
وأجيب: بأن الملك معصوم والتأسي بالمعصوم مشروع.

والحديث من إفراده.




[ قــ :648 ... غــ : 6781 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ: مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله بن جعفر) المديني قال: ( حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة قال: ( حدّثنا ابن الهاد) هو عبد الله بن شداد بن الهاد ( عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي ( عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: أتي) بضم الهمزة ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسكران) تقدم أنه النعيمان أو ابن النعيمان بالتصغير فيهما وبالشك ( فأمر بضربه) ولأبي ذر عن المستملي فقام ليضربه قال في الفتح: وهو تصحيف ( فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا من يضربه بثوبه فلما انصرف قال رجل) قيل إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( ما له أخزاه الله) أي أذله ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم) المسلم لأن الله إذا أخزاه استحوذ عليه الشيطان، وقيل غير ذلك مما سبق قريبًا في باب الضرب بالجريد والنعال.

وفي الحديث كلما قال القرطبي إن السكر بمجرده موجب للحدّ لأن الفاء للتعليل كقوله: سها فسجد ولم يفصل هل سكر من ماء عنب أو غيره ولا هل شرب قليلاً أو كثيرًا ففيه حجة للجمهور على الكوفيين في التفرقة.