فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها

باب تَزْوِيجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَدِيجَةَ، وَفَضْلُهَا -رضي الله عنها-
( باب تزويج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خديجة) بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية أول خلق الله إسلامًا اتفاقًا، وكانت له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزير صدق عندما بعث، فكان لا يسمع من المشركين شيئًا يكره من رد عليه وتكذيب له إلا فرج الله بها عنه تثبته وتصدقه وتخفف عنه وتهوّن عليه ما يلقى من قومه، واختارها الله تعالى له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أراد بها من كرامته، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة.
تزوجها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسنّه خمس وعشرون سنة في قول الجمهور، وكانت قبله عند أبي
هالة بن النباش بن زياد التميمي حليف بني عبد الدار، وتوفيت على الصحيح بعد النبوّة بعشر سنين في شهر رمضان فأقامت معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمسًا وعشرين سنة.
واستشكل قوله تزويج بصيغة التفعيل إذ مقتضاه أن يكون التزويج لغيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وأجيب بأن التفعيل قد يجيء بمعنى التفعل أو المراد تزويجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خديجة من نفسه.
( و) ذكر ( فضلها - رضي الله تعالى عنها -) .


[ قــ :3639 ... غــ : 3815 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله عنه- يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
وَحَدَّثَنِي صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( محمد) هو ابن سلام البيكندي قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا ( عبدة) بن سليمان ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير أنه ( قال: سمعت عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب ( قال: سمعت) عمي ( عليًّا) -رضي الله عنه- يقول: ( سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر وحدّثني بزيادة الواو، وفي نسخة: ح وحدّثني ( صدقة) بن الفضل المروزي قال: ( أخبرنا عبده) بن سليمان ( عن هشام بن عروة عن أبيه) أنه ( قال: سمعت عبد الله بن جعفر) المذكور ( عن علي) ولأبي ذر زيادة ابن أبي طالب ( -رضي الله عنهم- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( خير نسائها) أي الدنيا أي خير نساء أهل الدنيا في زمانها ( مريم) ابنة عمران ( وخير نسائها) أي هذه الأمة ( خديجة) .
وعند مسلم من رواية وكيع عن هشام في هذا الحديث وأشار وكيع إلى السماء والأرض.
قال النووي رحمه الله: أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها وأن المراد جميع نساء الأرض أي كل من بين السماء والأرض من النساء قال: والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه.

وفي حديث عمار بن ياسر عند البزار والطبراني مرفوعًا: "لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين".
قال في الفتح: وهو حسن الإسناد، واستدلّ به على تفضيل خديجة على عائشة، وعند النسائي بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية".




[ قــ :3640 ... غــ : 3816 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: كَتَبَ إِلَىَّ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ
أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ.
وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلاَئِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ".
[الحديث 3816 - أطرافه في: 3817، 3818، 59، 6004، 7484] .

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن عفير) بضم المهملة وفتح الفاء أبو عثمان المصري نسبه لجدّه عفير واسم أبيه كثير بالمثلثة قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( قال: كتب إليّ هشام) قال في فتح الباري: وقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن الليث حدثني هشام فلعل الليث لقي هشامًا بعد أن كتب إليه فحدثه به أو كان مذهبه إطلاق حدّثنا في الكتابة، وقد نقل ذلك عنه الخطيب في علوم الحديث ( عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: ما غرت على امرأة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الغين المعجمة وسكون الراء من الغيرة وهي الحمية والأنفة يقال: رجل غيور وامرأة غيور بلا هاء لأن فعولا يشترك فيه الذكر والأنثى وما نافية وما في قوله: ( ما غرت) مصدرية أو موصولة أي ما غرت مثل غيرتي أو مثل التي غرتها ( على خديجة) فيه ثبوت الغيرة وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلاً عمن دونهن، وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن من خديجة أكثر ( هلكت) ماتت ( قبل أن يتزوّجني) يعني ولو كانت الآن موجودة لكانت غيرتي أقوى ثم بينت سبب غيرتها بقولها ( لما كنت أسمعه يذكرها) وفي الرواية الآتية من كثرة ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياها ( وأمره الله أن يبشرها ببيت) أي في الجنة ( من قصب) بفتح القاف والصاد المهملة آخره موحدة لؤلؤ مجوف، وهذا أيضًا من جملة أسباب الغيرة لأن اختصاصها بهذه البشرى يشعر بمزيد محبته عليه الصلاة والسلام لها.
وعند الإسماعيلي من رواية الفضل بن موسى عن هشام بن عروة: ما حسدت امرأة قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببيت من قصب ( وإن كان ليذبح الشاة) إن مخففة من الثقيلة ولذا أتت باللام في قولها ليذبح الشاة ( فيهدي) بضم الياء وكسر الدال ( في خلائلها) بالخاء المعجمة أصدقائها ( منها) من الشاة ( ما يسعهن) أي ما يكفيهن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ما يتسعهن بزيادة الفوقية المشدّدة بعد التحتية أي ما يتسع لهن.
قال في الفتح وفي رواية النسفيّ يشبعهن من الشبع بكسر المعجمة وفتح الموحدة وليس في روايته لفظة ما، وهذا أيضًا من أسباب الغيرة لما فيه من الإشعار باستمرار حبه لها حتى كان يتعاهد أصداءها.




[ قــ :3641 ... غــ : 3817 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهَا.
قَالَتْ: وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلاَثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ -أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ- أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ".

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: ( حدّثنا حميد بن عبد الرحمن)
بضم الحاء وفتح الميم في الأول مصغرًا الرؤاسي بضم الراء وفتح الهمزة وسين مهملة مكسورة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الحدود ( عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: ما غرت على امرأة) أي من أزواجه عليه الصلاة والسلام ( ما غرت) أي مثل غيرتي أو مثل التي غرتها ( على خديجة من كثرة ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياها) إذ كثرة ذكر الشيء تدل على محبته، وأصل غيرة المرأة من تخيل محبة غيرها أكثر منها.
وعند النسائي من رواية النضر بن شميل عن هشام كالمؤلّف في النكاح من كثرة ذكره إياها وثنائه عليها ( قالت: وتروّجني بعدها) بعد موتها ( بثلاث سنين) .

قال النووي: أرادت بذلك زمن الدخول عليها.
وأما العقد فتقدم على ذلك بمدّة سنة ونصف ونحو ذلك، وعند الإسماعيلي من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه أنه كتب إلى الوليد أنك سألتني متى توفيت خديجة وأنها توفيت قبل مخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة بثلاث سنين أو قريب من ذلك، ونكح -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عائشة -رضي الله عنها- بعد متوفى خديجة وعائشة بنت ست سنين، ثم إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنى بها بعدما قدم المدينة وهي بنت تسع سنين اهـ.

وقد توفيت خديجة قبل الهجرة اتفاقًا وماتت في رمضان سنة عشر من النبوّة وكان بناؤه عليه الصلاة والسلام على عائشة -رضي الله عنها- بعد منصرفه من وقعة بدر في شوّال سنة اثنتين.

( وأمره ربه عز وجل أو جبريل عليه السلام) بالشك من الراوي ( أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب) .




[ قــ :364 ... غــ : 3818 ]
- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا.

قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلاَّ خَدِيجَةُ؟ فَيَقُولُ: إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عمر بن محمد بن حسن) بضم العين في الأول وفتح الحاء في الشاك المعروف بابن التل بفتح المثناة الفوقية وتشديد اللام الأسدي الكوفي المتوفى في شوّال سنة خمسين ومائتين قال: ( حدّثنا أبي) محمد بن حسن بن الزبير الكوفي قال: ( حدّثنا حفص) هو ابن غياث النخعي الكوفي قاضيها ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما غرت على خديجة وما رأيتها) وقد كانت رؤيتها لها ممكنة لأنه كان لها عند موتها ست سنين فيحتمل النفي بقيد اجتماعهما عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ولكن) سبب الغيرة ( كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكثر ذكرها) ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره ( وربما ذبح) عليه الصلاة والسلام ( الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه) بهاء بعد
النون المشددة ولأبي ذر عن الكشميهني كأن ( لم يكن في الدنيا إلا خديجة) وفي غير الفرع وأصله لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فذكر المستثنى منه ( فيقول) عليه الصلاة والسلام:
( إنها كانت وكانت) كرر مرتين ولم يرد به التثنية، ولكن ليتعلق بالتكرير كل مرة من خصائلها ما يدل على فضلها كقوله تعالى: { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحًا} [الكهف: 8] ولم يذكر هنا متعلقه للشهرة تفخيمًا وقدّر بنحو كانت فاضلة وكانت عاقلة ( وكان لي منها ولد) .
وعند أحمد من طريق مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- "آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء" الحديث، وقد كان جميع أولاده عليه الصلاة والسلام منها إلا إبراهيم عليه السلام فإنه من مارية القبطية.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي في البرّ.




[ قــ :3643 ... غــ : 3819 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:.

قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- بَشَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَدِيجَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ".

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه ( قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء بينهما واو ساكنة واسمه علقمة الأسلمي ( -رضي الله عنهما-: بشّر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خديجة؟) هو استفهام محذوف الأداة أي: أبشرها ( قال) ابن أبي أوفى: ( نعم) بشرها عليه الصلاة والسلام ( ببيت) أي في الجنة ( من قصب) لؤلؤة مجوفة كما في الكبير للطبراني، وفي الأوسط من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت الأحمر ( لا صخب) بالصاد المهملة والخاء المعجمة والموحدة المفتوحات لا صياح ( فيه ولا نصب) نفى عنه ما في بيوت الدنيا من آفة جلبة الأصوات وتعب تهيئتها وإصلاحها وسقط قوله قال نعم في الفرع والوجه الإثبات كما هو ثابت في اليونينية فلعل السقط من الكاتب أو غيره فالله أعلم.

وهذا الحديث سبق في أبواب العمرة في باب: متى يحل المعتمر بأتم من هذا.




[ قــ :3644 ... غــ : 380 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ".
[الحديث 380 - طرفه في: 7497] .

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: ( حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة ابن غزوان الضبي مولاهم الحافظ ( عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن القعقاع
( عن أبي زرعة) هرم أو عبد الله بن عمرو بن جرير البجلي ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: أتى جبريل) عليه السلام ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند الطبراني في رواية سعيد بن كثير أن ذلك كان وهو بحراء ( فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت) أي إليك ( معها إناء فيه إدام) بكسر الهمزة ( أو) قال: ( طعام) في رواية الطبراني المذكورة أنه كان حيسًا ( أو) قال: ( شراب) والشك من الراوي ( فإذا هي أتتك فاقرأ) بهمزة وصل وفتح الراء ( عليها السلام من ربها) جل وعلا ( ومني) .

وهذا لعمر الله خاصة لم تكن لسواها زاد الطبراني في روايته المذكورة فقالت: هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام، وزاد النسائي من حديث أنس: وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته فجعلت مكان ردّ السلام على الله الثناء عليه تعالى، ثم غايرت بين ما يليق بالله وما يليق بغيره وهذا يدل على وفور فقهها كما لا يخفى.
( وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) .
وقد أبدى السهيلي لنفي هاتين الصفتين حكمة لطيفة فقال: لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما دعا إلى الإيمان أجابت خديجة -رضي الله عنها- طوعًا فلم تحوجه إلى رفع الصوت من غير منازعة ولا تعب، بل أزالت عنه كل تعب وآنسته من كل وحشة وهوّنت عليه كل عسير فناسب أن يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها -رضي الله عنها- ومن خواصها -رضي الله عنها- أنها لم تسؤه قط ولم تغاضبه.

وهذا الحديث من المراسيل لأن أبا هريرة -رضي الله عنه- لم يدرك خديجة وأيامها.




[ قــ :3645 ... غــ : 381 ]
- وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: «اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ -أُخْتُ خَدِيجَةَ- عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةَ.
قَالَتْ: فَغِرْتُ فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا».

( وقال إسماعيل بن خليل) : الخزاز بمعجمات الكوفي مما وصله أبو عوانة عن محمد بن يحيى الذهلي عن إسماعيل بن خليل المذكور قال: ( أخبرنا علي بن مسهر) أبو الحسن الكوفي الحافظ ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: استأذنت هالة بنت خويلد) زوج الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس والد أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أخت خديجة) بنت خويلد ( على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الدخول عليه بالمدينة وكانت قد هاجرت إلى المدينة، ويحتمل أن تكون دخلت عليه بمكة حيث كانت عائشة -رضي الله عنها- معه في بعض سفراته ( فعرف استئذان خديجة) أي صفة استئذان خديجة لشبه صوتها بصوت أختها فتذكر خديجة بذلك ( فارتاع لذلك) بفوقية أي فزع والمراد لازمه أي تغير قال في الفتح: ووقع في بعض الروايات فارتاح بالحاء المهملة أي اهتز لذلك سرورًا ( فقال) :
( اللهم) اجعلها ( هالة) نصب على المفعولية ويجوز الرفع بتقدير هذه هالة وفي الفرع وأصله هالة بفتح ثم نصب منوّنًا ( قالت) عائشة -رضي الله عنها- ( فغرت فقلت: ما) أي أيّ شيء ( تذكر
من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين)
بجر حمراء، وجوّز أبو البقاء الرفع على القطع والنصب على الحال وهو تأنيث أحمر، والشدق بكسر الشين المعجمة جانب الفم وصفتها بالدرد وهو سقوط الأسنان من الكبر فلم يبق بشدقيها بياض إلا حمرة اللثات ( هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرًا منها) في حديث عائشة -رضي الله عنها- من طريق أبي نجيح عند أحمد والطبراني قالت عائشة -رضي الله عنها-: فقلت قد أبدلك الله بكبيرة السن حديثة السن فغضب حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير، وهذا يرد قول السفاقسي أن في سكوته عليه الصلاة والسلام على ذلك دليلاً على فضل عائشة على خديجة إلا أن يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل.