فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة

كتاب الشروط
( بسم الله الرحمن الرحيم) .
( كتاب الشروط) جمع شرط وهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، فخرج بالقيد الأوّل المانع فإنه لا يلزم من عدمه شيء، وبالثاني السبب فانه يلزم من وجوده الوجود وبالثالث مقارنة الشرط للسبب فيلزم الوجود كوجود الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة مع النصاب الذي هو سبب للوجوب ومقارنة المانع كالدين على القول بأنه مانع من وجوب الزكاة فيلزم العدم والوجود فلزوم الوجود والعدم في ذلك لوجود السبب والمانع لا لذات الشرط ثم هو عقلي كالحياة للعلم وشرعي كالطهارة للصلاة وعادي كنصب السلم لصعود السطح ولغوي وهو المخصص كما في أكرم بني إن جاؤوا أي الجائين منهم فينعدم الإكرام المأمور به بانعدام المجيء ويوجد بوجوده إذا امتثل الأمر قاله الجلال المحلي وسقط قوله كتاب الشروط لغير أبي ذر.


باب مَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الإِسْلاَمِ، وَالأَحْكَامِ، وَالْمُبَايَعَةِ
( باب ما يجوز من الشروط) عند الدخول ( في الإسلام) كشرط عدم التكلف بالنقلة من بلد إلى أخرى لا أنه لا يصلّي مثلاً ( و) ما يجوز من الشروط في ( الأحكام) أي العقود والفسوخ وغيرهما من المعاملات ( والمبايعة) من عطف الخاص على العام.

[ قــ :2591 ... غــ :2711]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَن لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ -وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ- إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ.
فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلاَّ ذَلِكَ فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ عَلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا.
وَجَاءَت الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ -وَهْيَ عَاتِقٌ- فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ: { إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ -إِلَى قَوْلِهِ- وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 1] .
وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري ونسبه إلى جدّه لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأموي مولاهم ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( أنه سمع مروان) بن الحكم ولا صحبة له ( والمسور بن مخرمة) وله سماع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكنه إنما قدم مع أبيه وهو صغير بعد الفتح وكانت قصة الحديبية الآتي حديثها هنا مختصرًا قبل بسنتين ( -رضي الله عنهما- يخبران عن أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهم عدول ولا يقدح عدم معرفة من لم يسم منهم ( قال) كلٌّ منهما ( لما كاتب سهيل بن عمرو) بضم السين مصغرًا وعمرو بفتح العين وسكون الميم أحد أشراف قريش وخطيبهم وهو من مسلمة الفتح ( يومئذٍ) أي يوم صلح الحديبية ( كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا يأتيك منا أحد) من قريش ( وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا منه) بعين مهملة فضاد معجمة أي غضبوا من هذا الشرط وأنفوا منه وقال ابن الأثير شقّ عليهم وعظم ( وأبي سهيل إلا ذلك) الشرط ( فكاتبه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك فرد) عليه الصلاة والسلام ( يومئذٍ أبا جندل) العاصي حين حضر من مكة إلى الحديبية يرسف في قيوده ( إلى أبيه سهيل بن عمرو) لأنه لا يبلغ به في الغالب الهلاك ( ولم يأته) بكسر الهاء عليه الصلاة والسلام ( أحد من الرجال إلا ردّه) إلى قريش ( في تلك المدة وان كان مسلمًا) وفاء بالشرط ( وجاء المؤمنات) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وجاءت المؤمنات ( مهاجرات) نصب على الحال من المؤمنات ( وكانت أم كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام وضم المثلثة ( بنت عقبة بن أبي معيط) بضم العين وسكون القاف وفتح الموحدة ومعيط بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون التحتية ( ممن خرج إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذٍ وهي عاتق) بعين مهملة فألف فمثناة فوقية فقاف وهي شابة أول بلوغها الحلم ( فجاء أهلها يسألون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرجعها إليهم) بفتح ياء المضارعة لأن ماضيه ثلاث قال تعالى: { فإن رجعك الله} ( فلم يرجعها) عليه الصلاة والسلام ( إليهم لما) بكسر اللام وتخفيف الميم ( أنزل الله فيهنّ) في المهاجرات ( { إذا جاءكم المؤمنات} ) سماهن به لتصديقهن بألسنتهن ونطقهن بكلمة الشهادة ولم يظهر منهن ما يخالف ذلك ( { مهاجرات} ) من دار الكفر إلى دار الإسلام ( { فامتحنوهن} ) فاختبروهن بالحلف والنظر في العلامات ليغلب على ظنكم صدق إيمانهن ( { الله أعلم بإيمانهنّ} ) منكم لأن عنده حقيقة العلم ( إلى قوله) تعالى ( { ولا هم يحلون لهن} ) [الممتحنة: 10] لأنه لا حلّ بين المؤمنة والمشرك.
قَالَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ -إِلَى- غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَدْ بَايَعْتُكِ" كَلاَمًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلاَّ بِقَوْلِهِ".
[الحديث 2713 - أطرافه في: 2733، 4182، 4891، 5288، 7214] .
( قال عروة) بن الزبير متصل بالإسناد السابق أولاً ( فأخبرتني عائشة) -رضي الله عنها- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمتحنهن) يختبرهن ( بهذه الآية: { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} إلى { غفور رحيم} ) وسقط لفظ فامتحنوهن لأبي ذر ( قال عروة قالت عائشة فمن أقرّ بهذا الشرط منهن قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد بايعتك) حال كونه ( كلامًا يكلمها به والله ما مسّت يده) عليه الصلاة والسلام ( يد امرأة قطّ في المبايعة) بفتح الياء ( وما بايعهنّ إلا بقوله) .
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق ويأتي إن شاء الله تعالى تامًّا قريبًا من وجه آخر عن ابن شهاب.



[ قــ :59 ... غــ : 714 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَرَطَ عَلَىَّ: وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن زياد بن علاقة) بعين مهملة مكسورة وبقاف الثعلبي بالمثلثة والعين المهملة الكوفي أنه ( قال: سمعت جربرًا) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى ( -رضي الله عنه- يقول) : ( بايعت رسول الله) ولأبي ذر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاشترط علي والنصح) بالنصب ( لكل مسلم) وفي نسخة في الفرع وأصله وغيرهما وعليه شرح الكرماني والنصح بالجر عطفًا على مقدّر يعلم من الحديث بعده أي على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة.




[ قــ :593 ... غــ : 715 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي البجلي أيضًا ( عن جرير بن عبد الله) البجلي ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال) : ( بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على إقام الصلاة) حذف تاء إقامة لأن المضاف إليه عوض عنها ( وإيتاء الزكاة والنصح) بالجر عطفًا على السابق ( لكل مسلم) ولأبي ذر والنصح بالرفع كما في الفرع وأصله.