فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم، ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون} [فصلت: 22]

باب
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصّلت: 22] .

( باب قول الله تعالى: { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} ) أي أنكم كنتم تستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش وما كان استتاركم ذلك خيفة أن يشهد عليكم جوارحكم لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم بل كنتم جاحدين البعث والجزاء أصلاً ( { ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون} [فصّلت: 22] ) ولكنكم إنما استترتم لظنكم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون وهو الخفيات من أعمالكم وسقط لأبي ذر قوله: { ولا أبصاركم} إلى آخر الآية وقال بعد قوله سمعكم الآية.


[ قــ :7123 ... غــ : 7521 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِىٌّ -أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِىٌّ- كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا.

     وَقَالَ  الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ} [فصّلت: 22] الآيَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر المكي ( عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأزدي ( عن عبد الله) بن مسعود ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: اجتمع عند البيت) الحرام ( ثقفيان) بالمثلثة ثم القاف ثم الفاء ( وقرشيّ أو قرشيان) هما صفوان وربيعة ابنا أمية بن خلف ( وثقفي) هو عبد يا ليل بن عمرو بن عمير وقيل حبيب بن عمرو، وقيل الأخنس بن شريق والشك من الراوي وعند ابن بشكوال القرشي الأسود بن عبد يغوث الزهري والثقفيان الأخنس بن شريق والآخر لم يسم ( كثيرة) بالتنوين ( شحم بطونهم) بإضافة شحم لتاليه وللأصيلي شحوم بلفظ الجمع ( قليلة) بالتنوين ( فقه قلوبهم) بالإضافة أيضًا، وقوله: كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم قال
الكرماني وغيره: بطونهم مبتدأ كثيرة شحم خبره إن كان البطون مرفوعًا والكثيرة مضافة إلى الشحم وإن كان بطونهم مجرورًا بالإضافة فيكون الذي هو مضاف مرفوعًا بالابتداء وكثيرة خبره مقدمًا، وهذا الثاني هو الذي في الفرع قالوا: وأنث الشحم والفقه لإضافتهما إلى بطون والقلوب، والتأنيث يسري من المضاف إليه إلى المضاف قال في المصابيح وهذا غلط لأن المسألة مشروطة بصلاحية المضاف للاستغناء عنه فلا يجوز غلام هند ذهبت، ومن ثم ردّ ابن مالك في التوضيح قول أبي الفتح في توجيه قراءة أبي العالية: يوم لا تنفع نفسًا إيمانها بتأنيث الفعل إنه من باب قطعت بعض أصابعه لأن المضاف هنا لو سقط لقيل نفسًا لا تنفع بتقديم المفعول ليرجع إليه الضمير المستتر المرفوع الذي ناب عن الإيمان في الفاعلية ويلزم من ذلك تعدّي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره نحو قولك: زيد أظلم تريد أنه ظلم نفسه وذلك لا يجوز، وإنما الوجه في الحديث أن يكون أفرد الشحم والفقه والمراد الشحوم والمفهوم لأمن اللّبس ضرورة أنّ البطون لا تشترك في شحم واحد بل لكل بطن منها شحم يخصه وكذلك الفقه بالنسبة إلى القلوب اهـ.

( فقال أحدهم) للآخرين: ( أترون) بفتح الفوقية وتضم ( إن الله يسمع ما نقول.
قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا.
وقال الآخر)
وهو أفطن أصحابه ( إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا) ووجه الملازمة في قوله إن كان يسمع أن جميع المسموعات نسبتها إلى الله تعالى على السواء ( فأنزل الله تعالى: { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} [فصلت: 22] الآية) .

قال ابن بطال فيما نقلوه عنه: غرض البخاري في هذا الباب إثبات السمع لله وإثبات القياس الصحيح وإبطال القياس الفاسد لأن الذي قال يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا قاس قياسًا فاسدًا لأنه شبّه سمع الله تعالى بأسماع خلقه الذين يسمعون الجهر ولا يسمعون السر، والذي قال إن كان يسمع إن جهرنا فإنه يسمع إن أخفينا أصاب في قياسه حيث لم يشبه الله تعالى بخلقه ونزّهه عن مماثلتهم وإنما وصف الجميع بقلة الفقه لأن هذا الذي أصاب لم يعتقد حقيقة ما قال بل شك بقوله إن كان والحديث سبق في سورة فصلت.