فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: إذا وجد ماله عند مفلس في البيع، والقرض والوديعة، فهو أحق به

باب إِذَا وَجَدَ مَالَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْوَدِيعَةِ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَفْلَسَ وَتَبَيَّنَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَلاَ بَيْعُهُ وَلاَ شِرَاؤُهُ.
.

     وَقَالَ  سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَضَى عُثْمَانُ مَنِ اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ فَهْوَ لَهُ، وَمَنْ عَرَفَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ.

هذا ( باب) بالتنوين ( إذا وجد) شخص ( ماله عند) شخص ( مفلس) حكم القاضي بإفلاسه ( في البيع) بأن يبيع رجل متاعًا لرجل ثم يفلس المشتري ويجد البائع متاعه الذي باعه عنده ( و) في ( القرض) بأن يقرض لرجل ثم يفلس المقترض فيجد المقرض ما أقرضه عنده ( و) في ( الوديعة) بأن

يودع شخص عند آخر وديعة ثم يفلس المودع بفتح الدال وجواب إذا قوله ( فهو) أي فكلٌّ من البائع والمقرض والمودع بكسر الدال ( أحق به) أي بمتاعه من غيره من غرماء المفلس.

( وقال الحسن) البصري: ( إذا أفلس) شخص ( وتبين) إفلاسه عند الحاكم ( لم يجز عتقه) أي إذا أحاط الدين بماله ( ولا بيعه ولا شراؤه) وكذا هبته ورهنه ونحوها كشرائه بالعين بغير إذن الغرماء لتعلق حقهم بالأعيان كالرهن ولأنه محجور عليه بحكم الحاكم فلا يصح تصرفه على مراغمة مقصود الحجر كالسفيه.
قال الأذراعي: ويجب أن يستثني من منع الشراء بالعين ما لو دفع له الحاكم كل يوم نفقة له ولعياله فاشترى بها فإنه يصح جزمًا فيما يظهر ويصح تدبيره ووصيته لعدم الضرر لتعلق التفويت بما بعد الموت ويصح إقراره بالدين من معاملة أو غيرها، كما لو ثبت بالبينة والفرق بين الإنشاء والإقرار أن مقصود الحجر منع التصرف فألغي إنشاؤه والإقرار إخبار والحجر لا يسلب العبارة عنه.

( وقال سعيد بن المسيب) : مما وصله أبو عبيد في كتاب الأموال والبيهقي بإسناد صحيح إلى سعيد ( قضى عثمان) بن عفان ( من اقتضى) أي أخذ ( من حقه) الذي له عند شخص شيء ( قبل أن يفلس) الشخص المأخوذ منه ولفظ أبي عبيد قبل أن يتبين إفلاسه ( فهو) أي الذي أخذه ( له) لا يتعرض إليه أحد من الغرماء ( ومن عرف متاعه بعينه) عند أحد ( فهو أحق به) من سائر الغرماء.


[ قــ :2301 ... غــ : 2402 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوْ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ-: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: ( حدّثنا زهير) بالتصغير ابن معاوية الجعفي قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو بكر بن محمد بن عمرو) بفتح العين المهملة وسكون الميم ( ابن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي ( أن عمر بن عبد العزيز) بن مروان القرشي الأموي الخليفة العادل -رحمه الله تعالى- ( أخبره أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام) المعروف براهب قريش لكثرة صلاته ( أخبره أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو قال سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) شك من الراوي:
( من أدرك ماله) أي وجده ( بعينه) لم يتغير ولم يتبدل ( عند رجل أو) قال عند ( إنسان) بالشك كأن ابتاعه الرجل أو اقترضه منه ( قد أفلس) أو مات بعد ذلك وقبل أن يؤدي ثمنه ولا وفاء عنده ( فهو أحق به من غيره) من غرماء المشتري المفلس أو الميت فله فسخ العقد واسترداد العين ولو

بلا حاكم كخيار المسلم بانقطاع المسلم فيه والمكتري بانهدام الدار بجامع تعذّر استيفاء الحق ويشترط كون الردّ على الفور كالردّ بالعيب بجامع دفع الضرر، وفرّق المالكية بين الفلس والموت فهو أحق به في الفلس دون الموت فإنه فيه أسوة الغرماء لحديث أبي داود أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أيما رجل باع متاعًا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من الثمن شيئًا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء".

واحتجوا بأن الميت خربت ذمته فليس للغرماء محل يرجعون إليه فلو اختصّ البائع بسلعته عاد الضرر على بقية الغرماء لخراب ذمة الميت وذهابها بخلاف ذمة المفلس فإنها باقية.

ولنا: ما رواه إمامنا الشافعي من طريق عمرو بن خلدة قاضي المدينة عن أبي هريرة قال: قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه" وهو حديث حسن يحتج بمثله.
وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الحاكم والدارقطني، وزاد بعضهم في آخرها "إلا أن يترك صاحبه وفاء" فقد صرّح ابن خلدة بالتسوية بين الإفلاس والموت فتعين المصير إليه لأنها زيادة من ثقة.
وخالف الحنفية الجمهور فقالوا: إذا وجد سلعته بعينها عند مفلس فهو كالغرماء لقوله تعالى: { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} فاستحق النظرة إلى ميسرة بالآية.
وليس له الطلب قبلها ولأن العقد يوجب ملك الثمن للبائع في ذمة المشتري وهو الدين وذلك وصف في الذمة فلا يتصور قبضه، وحملوا حديث الباب على المغصوب والعواري والإجارة والرهن وما أشبهها فإن ذلك ماله بعينه فهو أحق به وليس المبيع مال البائع ولا متاعًا له وإنما هو مال المشتري إذ هو قد خرج عن ملكه وعن ضمانه بالبيع والقبض.

واستدلّ الطحاوي لذلك بحديث سمرة بن جندب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من سرق له متاع أو ضاع له متاع فوجده في يد رجل بعينه فهو أحق به ويرجع المشتري على البائع بالثمن" ورواه الطبراني وابن ماجة.

ولنا: أنه وقع التنصيص في حديث الباب أنه في صورة البيع فروى سفيان الثوري في جامعه، وأخرجه من طريقه ابنا خزيمة وحبان عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد إذا ابتاع سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها فهو أحق بها من الغرماء.
ولمسلم من رواية ابن أبي حسين عن أبي بكر بن محمد بسند حديث الباب أيضًا في الرجل الذي يعدم إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذي باعه، فقد تبين أن حديث الباب وارد في صورة البيع وحينئذٍ فلا وجه للتخصيص بما ذكره الحنفية ولا خلاف أن صاحب الوديعة وما أشبهها أحق بها سواء وجدها عند مفلس أو غيره وقد شرط الإفلاس في الحديث.
قال البيهقي: وهذه الرواية الصحيحة الصريحة في البيع أو السلعة تمنع من حمل الحكم فيها على الودائع والعواري والمغصوب مع تعليقه إياه في جميع الروايات بالإفلاس انتهى.


وأيضًا فإن الشارع عليه الصلاة والسلام جعل لصاحب المتاع الرجوع إذا وجده بعينه والمودع أحق بعينه سواء كان على صفته أو تغير عنها فلم يجز حمل الخير عليه ووجب حمله على البائع لأنه إنما يرجع بعينه إذا كان على صفته لم يتغير فإذا تغير فلا رجوع له، وأيضًا لا مدخل للقياس إلا إذا عدمت السُّنّة فإن وجدت فهي حجة على من خالفها.
وأما حديث سمرة ففيه الحجاج بن أرطاة وهو كثير الخطأ والتدليس.
قال ابن معين: ليس بالقوي وإن روى له مسلم فمقرون بغيره والله أعلم.

وحديث الباب أخرجه أيضًا مسلم في البيوع وكذا أبو داود والترمذي والنسائي، وأخرجه ابن ماجة في الأحكام.