فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: يستقبل الإمام القوم، واستقبال الناس الإمام إذا خطب

باب يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ الْقَوْمَ، وَاسْتِقْبَالِ النَّاسِ الإِمَامَ إِذَا خَطَبَ وَاسْتَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ رضي الله عنهم الإِمَامَ
( باب يستقبل الإمام القوم) بوجه، ويستدبر القبلة.
رواه الضياء المقدسي في المختارة.

( واستقبال الناس الإمام إذا خطب) ليتفرغوا لسماع موعظته ويتدبروا كلامه، ولا يشتغلوا بغيره ليكون أدعى إلى انتفاعهم، ليعملوا بما أعلموا.

وثبت قوله: واستقبال الناس، إلى قوله: إذا خطب.
وقوله: يستقبل الإمام القوم، هو كذا في رواية كريمة، ولغيرها باب: استقبال الناس ... إلخ ... فقط.

( واستقبل ابن عمر) بن الخطاب ( وأنس) هو ابن مالك ( رضي الله عنهم الإمام) وصله البيهقي عن الأوّل، وأبو نعيم في نسخته بإسناد صحيح عن الثاني.



[ قــ :894 ... غــ : 921 ]
- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ".
[الحديث 921 - أطرافه في: 1465، 2842، 6427] .

وبالسند قال: ( حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء، الزهراني، أو: الطفاوي البصري ( قال: حدّثنا هشام) الدستوائي ( عن يحيى) بن أبي كثير ( عن هلال بن أبي ميمونة) ، هو: ابن علي بن أسامة العامري المدني، وقد ينسب إلى جده، قال: ( حدّثنا عطاء بن يسار) بالمثناة والمهملة المخففة ( أنه سمع أبا سعيد الخدري) ، رضي الله عنه، ( قال: إن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، جلس ذات يوم على المنبر) أي مستدبر القبلة، ( وجلسنا حوله) أي: ينظرون إليه وهو عين الاستقبال.

وهو مستحب عند الشافعية كالجمهور.

ومن لازم استقبال الإمام، استدباره هو القبلة، واغتفر لئلا يصير مستدبر القوم الذين يعظهم، وهو قبيح، خارج عن عرف المخاطبات.
ولو استقبل الخطيب، أو استدبر الحاضرون القبلة، أجزأ، كما في الأذان، وكره.

وهذا الحديث طرف من حديث طويل يأتي إن شاء الله تعالى بمباحثه في الزكاة، في باب: الصدقة على اليتامى، وكتاب الرقاق أيضًا.

ورواة هذا الحديث ما بين بصري ويماني ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وشيخه من أفراده، وأخرجه أيضًا في الزكاة، والجهاد، والرقاق.
كما مر، ومسلم في الزكاة، وكذا النسائي والترمذي.


باب مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ: أَمَّا بَعْدُ رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( باب من قال في الخطبة بعد الثناء) على الله تعالى: ( أما بعد) فقد أصاب السُّنَّة، أو: من، موصول.
والمراد منه: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( رواه) أي: أما بعد، في الخطبة ( عكرمة) ، مولى ابن عباس، مما وصله في آخر الباب ( عن ابن عباس) ، رضي الله عنهما، ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .


[ قــ :894 ... غــ : 9 ]
- وَقَالَ مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ، قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا -أَىْ نَعَمْ- قَالَتْ: فَأَطَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِدًّا حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ وَإِلَى جَنْبِي قِرْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ فَفَتَحْتُهَا، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا

عَلَى رَأْسِي، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ.
قَالَتْ: وَلَغِطَ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْكَفَأْتُ إِلَيْهِنَّ لأُسَكِّتَهُنَّ.
فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا قَالَ؟ قَالَتْ قَالَ: مَا مِنْ شَىْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ.
وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ -أَوْ قَرِيبَ مِنْ- فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ -أَوْ قَالَ الْمُوقِنُ، شَكَّ هِشَامٌ- فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، هُوَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَآمَنَّا وَأَجَبْنَا، وَاتَّبَعْنَا وَصَدَّقْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ.
.
وَأَمَّا الْمُنَافِقُ -أَوْ قَالَ الْمُرْتَابُ، شَكَّ هِشَامٌ- فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا، فَقُلْتُ".
قَالَ هِشَامٌ: فَلَقَدْ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ فَأَوْعَيْتُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا يُغَلِّظُ عَلَيْهِ.

( وقال محمود) هو ابن غيلان شيخ المؤلّف، وكلام أبي نعيم في: المستخرج، يشعر بأنه قال: حدّثنا محمود، وحينئذ فلم تكن: قال، هنا للمذاكرة والحاورة: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي ( قال: حدّثنا هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام ( قال: أخبرتني) بالإفراد ( فاطمة بنت المنذر) بن الزبير العوّام، امرأة هشام بن عروة ( عن أسماء بنت أبي بكر) ولأبي ذر والأصيلي زيادة: الصديق ( قالت: دخلت على) أختي ( عائشة) رضي الله عنه، ( والناس يصلون) جملة حالية، ( قلت) ولابن عساكر: فقلت، أي مستفهمة.

( ما شأن الناس) قائمين قزعين؟ ( فأشارت) عائشة ( برأسها إلى) أن الشمس في ( السماء) انكسفت والناس يصلون لذلك، قالت أسماء: ( فقلت) أهذه ( آية) ؟ علامة لعذاب الناس كأنها مقدّمة له، ( فأشارت) عائشة ( برأسها -أي: نعم-) هي آية: ( قالت) أسماء ( فأطال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الصلاة ( جدًّا حتى تجلاني) بفتح المثناة الفوقية والجيم وتشديد اللام، أي: علاني ( الغشي) بفتح الغين وسكون الشين المعجمتين آخره مثناة تحتية مخففة ( وإلى جنبي قربة فيها ماء، ففتحتها، فجعلت أصب منها على رأسي، فانصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد تجلت الشمس) بالجيم وتشديد اللام، أي انكشفت، والجملة حالية.

( فخطب الناس) عليه الصلاة والسلام ( وحمد الله) بالواو، ولأبي الوقت وابن عساكر وأبي ذر والأصيلي، عن الكشميهني: فحمد الله ( بما هو أهله ثم قال) :
( أما بعد) ليفصل بين الثناء على الله، وبين الخبر الذي يريد إعلام الناس به حتى في الخطبة.

وبعد: مبني على الضم، كسائر الظروف المقطوعة عن الإضافة.
واختلف في أوّل من قالها، فقيل: داود، وإنها فصل الخطاب الذي أُوتيه، أو: يعرب بن قحطان، أو: كعب بن لؤي، أو: سحبان بن وائل، أو قس بن ساعدة، أو: يعقوب، عليه الصلاة والسلام أو غيرهم.


( قالت) أسماء: ( ولغط نسوة من الأنصار) بفتح اللام والغين المعجمة والمهملة، ويجوز كسر الغين، وهو الأصوات المختلفة والجلبة ( فانكفأت) أي: ملت بوجهي ورجعت ( إليهنّ لأسكتهنّ، فقلت لعائشة: ما قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ ( قالت: قال) :
( ما من شيء) يصح أن يرى، لأن شيئًا: أعم العام، وقع في نفي، وبعض الأشياء لا تصح رؤيته لأنه قد خصّ، إذ ما من عام إلا وخص، إلا في نحو قوله: { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 8، النساء: 176، النور: 35 و64، الحجرات: 16، والتغابن: 11] .

والتخصيص يكون عقليًّا وعرفيًّا، فهنا خصصه العقل بما يصح، أو الحس كما في قوله تعالى: { وأُوتيت من كل شيء} أو العرف بما يليق إبصارها به مما يتعلق بأمر الدين والجزاء ونحو ذلك.
نعم، يدخل في العموم أنه رأى الله.

و: ما نافية، و: من زائدة لتأكيد النفي، و: شيء اسم ما.
والتالي، صفة لشيء، وهو قوله:
( لم كن أريته) بهمزة مضمومة قبل الراء ( إلا قد) استثناء مفرغ.
وكل مفرغ متصل، والتفريغ من الحال.
أي: لم أكن أريته كائنًا في حالة من الحالات إلا حال رؤيتي إياه.
ولأبي ذر: إلا وقد ( رأيته) .
والرؤية هنا يحتمل أن تكون رؤية عين، بأن كشف الله تعالى له عن ذلك، ولا حاجب يمنع: كرؤيته المسجد الأقصى حتى وصفه لقريش، أو رؤية علم ووحي بإطلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلاً بما لم يكن يعرفه قبل ذلك، ( في مقامي هذا، حتى الجنة) مرئية، أو نصب على أن: حتى، عاطفة على الضمير المنصوب في رأيته، أو جرّ على أن: حتى، جارّة ( والنار) عطف على الجنة ( وإنّه قد أُوحي إليّ) بكسر همزة إن وضمها في: أوحي مبنيًّا لما لم يسم فاعله.
( أنكم) بفتح الهمزة ( تفتنون) أي تمتحنون ( في القبور مثل -أو قريب) بغير ألف ولا تنوين، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: قريبًا، بالتنوين ( من فتنة المسيح الدجال.
يؤتى أحدكم)
بضم المثناة التحتية وفتح الفوقية من: يؤتى، مبنيًا لما لم يسم فاعله، وهو بيان: لتفتنون، ولذا لم يعطف ( فيقال له: ما علمك بهذا الرجل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ والخطاب للمفتون، وأفرده بعد أن قال: في قبوركم، بالجمع، لأن السؤال عن العلم يكون لكل أحد، وكذا الجواب:
( فأما المؤمن أو قال الموقن) أي المصدق بنبوّته عليه الصلاة والسلام، ( شك هشام) أي ابن عروة ( فيقول: هو رسول الله، هو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، جاءنا بالبينات) المعجزات ( والهدى) الموصل ( فآمنا) به ( وأجبنا) هـ ( واتبعنا) هـ ( وصدقنا) هـ ( فيقال له: نم) نومًا ( صالحًا) أي منتفعًا بأعمالك ( قد كنا نعلم أن كنت لتؤمن به) .
أن مخففة من الثقيلة.

أي: أن الشأن كنت، وهي مكسورة، ودخلت اللام في: لتؤمن، للفرق بينها وبين أن النافية، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي، وابن عساكر في نسخة: لمؤمنا به.


( وأما المنافق) ، المظهر خلاف ما يبطن ( أو قال المرتاب) وهو الشاك ( شك هشام-) ( فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول: لا أدري! سمعت الناس يقولون شيئًا فقلت) ولأبي ذر عن الكشميهني: فقلته، بضمير النصب.

( قال هشام: فلقد قالت لي فاطمة) بنت المنذر ( فأوعيته) أي أدخلته وعاء قلبي، ولأبي الوقت: وعيته، بغير همز على الأصل، يقال: وعيت العلم، أي: حفظته، وأوعيت المتاع.
وللكشميهني، في اليونينية: وما وعيته ( غير أنها ذكرت ما يغلظ عليه) .

ورواة هذا الحديث ما بين: مروزي وكوفي ومدني، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواية التابعية عن الصحابية، والصحابية عن التابعية.