فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: أحد يحبنا ونحبه

باب أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ قَالَهُ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ: عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هذا ( باب) بالتنوين ( أُحد) الجبل الذي كان به الوقعة ( يحبنا ونحبه) ( قاله عباس بن سهل) الساعدي الأنصاري مما وصله المؤلّف في باب خرص التمر من كتاب الزكاة ( عن أبي حميد) عبد الرحمن ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأُحد كما قال ياقوت في معجم البلدان له بضم أوله وثانيه معًا وهو اسم مرتجل لهذا الجبل، وقال السهيلي: سمي به لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هناك قال أيضًا: وهو مشتق من الأحدية وحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوّه.

وقال ياقوت: هو جبل أسمر ليس بذي شناخيب بينه وبين المدين قرابة ميل في شماليها ولما ورد محمد بن عبد الملك الفقعسي بغداد حنّ إلى وطنه وذكر أُحدًا وغيره من نواحي المدينة قال:
نفى النوم عني والفؤاد كئيب ... نوائب همّ ما تزال تنوبُ
وأحراض أمراض ببغداد جمعت ... عليّ وأنهار لهن قشيبُ
وظلت دموع العين تمري غروبها ... من الماء درّات لهن شعوبُ
وما جزعة من خشية الموت أخضلت ... دموعي ولكن الغريب غريبُ
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بسلع ولم تغلق علي دروبُ
وهل أحد باد لنا وكأنه ... حصان أمام المقربات جنيبُ
يخب السراب الضحل بيني وبينه ... فيبدو لعيني تارة ويغيبُ
فإنّ شفائي نظرة إن نظرتها ... إلى أُحد والحرَّتان قريبُ وإني لأرعى النجم حتى كأنني ... على كل نجم في السماء رقيبُ
وأشتاق للبرق اليمانيّ إن بدا ... وأزداد شوقًا أن تهب جنوبُ

[ قــ :3885 ... غــ : 4083 ]
- حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( نصر بن علي) الجهضمي البصري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( أبي) علي بن نصر ( عن قرة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء ( عن قتالة) بن دعامة أنه قال: ( سمعت أنسًا -رضي الله عنه-) يقول ( إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية حميد المعلقة السابقة هنا الموصولة في الزكاة لما رجع من تبوك ورأى أُحُدًا ( قال) :
( هذا جبل يحبنا ونحبه) حقيقة وضع الله تعالى فيه الحب كما وضع التسبيح في الجبال المسبحة مع داود عليه الصلاة والسلام وكما وضع الخشية في الحجارة التي قال فيها: { وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74] .
ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء كما حنت الأسطوانة على مفارقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سمع الناس حنينها، أو المراد الأنصار سكان المدينة فيكون من باب حذف المضاف كقوله تعالى: { واسأل القرية} [يوسف: 82] .
قيل: أراد أنه كان يبشره إذ رآه عند القدوم من أسفاره بالقرب من أهله ولقائهم وذلك فعل المحب.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في المناسك.




[ قــ :3886 ... غــ : 4084 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن أبي عمرو بفتح العين أيضًا ( مولى المطلب) بن حنطب ( عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلع على أُحُد) بفتح الطاء واللام مخففًا.
وفي باب فضل الخدمة في الغزو من كتاب الجهاد من طريق عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن محمد بن جعفر عن عمر أن أنسًا قال: خرجت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر أخدمه فلما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- راجعًا بدا له أُحُد ( فقال) :
( هذا) مشيرًا إلى أُحُد ( جبل يحبنا ونحبه) إذ جزاء من يحب أن يحب.

قال في الروض وفي الآثار المسندة: إن أُحُدًا يكون يوم القيامة عند باب الجنة من داخلها.

وفي المسند عن أبي عثمان بن جبير عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أُحُد يحبنا ونحبه وهو على باب الجنة وعير يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبواب النار" ويقويه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المرء مع من أحب" فيناسب هذه الآثار ويشدّ بعضها بعضًا، وقد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب الاسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية، وقد سمى الله تعالى هذا الجبل بهذا الاسم مقدمة لما أراده الله تعالى من
مشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والتوحيد والمبعوث بدين التوحيد استقر عنده حيًّا وميتًا، وكان من عادته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه كله استشعارًا للأحدية فقد وافق اسم هذا الجبل أغراضه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومقاصده في الأسماء فتعلق الحب من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به اسمًا ومسمى، فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة { إذا بُسَّتِ الجبال بسًّا * فكانت هباء مبنثًّا} [الواقعة: 5، 6] قال: وفي أُحُد قبر هارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام وكانا قد مرّا بأُحُد حاجين أو معتمرين.
روي هذا المعنى في حديث أسنده الزبير عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كتاب فضائل المدينة انتهى.

( اللهم إن إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام ( حرم مكة) بتحريمك لها على لسانه ( وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها) بتخفيف الموحدة تثنية لابة وهي الحرة والمدينة بين حرتين وفي الجهاد كتحريم إبراهيم مكة ومراده في الحرمة فقط لا في وجوب الجزاء.




[ قــ :3887 ... غــ : 4085 ]
- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ -أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ- وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ( عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ الحراني قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري ( عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني ( عن عقبة) بن عامر الجهني - رضي الله تعالى عنه - ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج يومًا فصلى على) قتلى ( أهل أُحُد) زاد في أول غزوة أحُد بعد ثمان سنين وسبق فيه ما فيه من البحث ( صلاته على الميت) أي دعا لهم كدعائه للميت إذا صلّى عليه جميعًا بين الأدلة ( ثم انصرف إلى المنبر فقال) :
( إني فرط لكم) بفتح الفاء والراء أي سابقكم إلى الحوض أهيئه لكم وهذا كناية عن اقتراب أجله صلوات الله عليه ( وأنا شهيد عليكم) بأعمالكم ( وإني لأنظر إلى حوضي الآن) نظرًا حقيقيًا بطريق الكشف ( وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض) بالشك من الراوي ( وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا) بالله ( بعدي) أي لست أخشى على جميعكم الإشراك بل على مجموعكم إذ قد وقع ذلك من بعضهم ( ولكني) بالياء التحتية بعد النون المشددة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولكن ( أخاف عليكم أن تنافسوا) بإسقاط إحدى التاءين أي ترغبوا ( فيها) أي في الدنيا.

وهذا الحديث قد سبق في أول غزوة أُحُد.