فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من أين تؤتى الجمعة، وعلى من تجب

باب مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ، وَعَلَى مَنْ تَجِبُ؟ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]
وَقَالَ عَطَاءٌ إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ فَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا، سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ.
وَكَانَ أَنَسٌ -رضي الله عنه- فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ، وَأَحْيَانًا لاَ يُجَمِّعُ، وَهْوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ.

هذا ( باب) بالتنوين ( من أين تؤتى الجمعة) بضم المثناة الأولى وفتح الثانية، مبنيًّا للمفعول من الإتيان وأين استفهام عن المكان ( وعلى من تجب) الجمعة.

( لقول الله تعالى { إذا نودي} ) أذن ( { للصلاة من يوم الجمعة} ) والإمام على المنبر، ( { فاسعوا
إلى ذكر الله}
)
[الجمعة: 9] .

أوردها استدلالاً للوجوب، كالشافعي في الأم، لأن الأمر بالسعي لها يدل عليه، أو هو من
مشروعية النداء لها، لأنه من خواص الفرائض، وسقط في غير رواية أبي ذر والأصيلي: { فاسعوا
إلى ذكر الله}
.

( وقال عطاء) هو ابن أبي رباح، مما وصله عبد الرزاق، عن ابن جريج، عنه: ( إذا كنت في قرية جامعة فنودي) بالفاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: نودي، أي: أذن ( بالصلاة من يوم الجمعة، فحق عليك أن تشهدها، سمعت النداء أو لم تسمعه) أي: إذا كنت داخلها، كما صرح به أحمد.

ونقل النووي أنه لا خلاف فيه، وزاد عبد الرزاق فيه، عن ابن جريح، قلت لعطاء: ما القرية الجامعة؟ قال: ذات الجماعة، والأمير، والقاضي، والدور المجتمعة الآخذ بعضها ببعض، مثل جدّة.

( وكان أنس) هو ابن مالك ( رضي الله عنه) مما وصله مسدد في مسنده الكبير، ( في قصره أحيانًا) نصب على الظرفية، أي في بعض الأوقات ( يجمع) أي يصلّي بمن معه الجمعة، أو يشهد الجمعة بجامع البصرة ( وأحيانًا لا يجمع، وهو) أي القصر ( بالزاوية) بالزاي، موضع بظاهر البصرة معروف ( على فرسخين) من البصرة، وهو ستة أميال، فكان أنس يرى أن التجميع ليس بحتم لبعد المسافة.


[ قــ :875 ... غــ : 902 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ

النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ يُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ الْعَرَقُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنْسَانٌ مِنْهُمْ -وَهْوَ عِنْدِي- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا".

وبالسند قال: ( حدّثنا أحمد) غير منسوب، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي، ووافقهما ابن السكن: أحمد بن صالح، أي المصري وليس هو ابن عيسى، وإن جزم به أبو نعيم في مستخرجه، ( قال: حدّثنا عبد الله بن وهب) المصري ( قال: أخبرني) بالإفراد، ولابن عساكر: أخبرنا ( عمرو بن الحرث، عن عبيد الله) بالتصغير ( ابن أبي جعفر) القرشي الأموي المصري ( أن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوّام القرشي ( حدّثه، عن عروة بن الزبير) بن العوام ( عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت: كان الناس ينتابون الجمعة) بفتح المثناة التحتية وسكون النون وفتح المثناة الفوقية، يفتعلون من النوبة، أي يحضرونها نوبًا.
وفي رواية: يتناوبون، بمثناة تحتية فأخرى فوقية، فنون بفتحات.
ولغير أبي ذر وابن عساكر: يوم الجمعة ( من منازلهم) القريبة من المدينة ( و) من ( العوالي) جمع عالية، مواضع وقرى شرقي المدينة، وأدناها من المدينة على أربعة أميال أو ثلاثة، وأبعدها ثمانية.
( فيأتون في الغبار) ، كذا في الفرع، وهو رواية الأكثرين، وعند القابسي: فيأتون في العباء، بفتح العين المهملة والمد، جمع عباءة ( يصبيهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنسان منهم) وللإسماعيلي: أناس منهم ( -وهو عندي-) جملة حالية ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( لو أنكم تطهرتم) ، لو: تختص بالدخول على الفعل، فالتقدير: لو ثبت تطهركم ( ليومكم) أي: في يومكم ( هذا) لكان حسنًا.

أو: لو، للتمني فلا تحتاج إلى تقدير جواب الشرط المقدّر هنا.

وهذا الحديث كان سببًا لغسل الجمعة، كما في رواية ابن عباس عند أو داود.
واستدلّ به على أن الجمعة تجب على من كان خارج المصر، وهو يرد على الكوفيين حيث قالوا بعدم الوجوب.

وأجيب: بأنه لو كان واجبًا على أهل العوالي ما تناوبوا، ولكانوا يحضرون جميعًا.
وقال الشافعية: إنما تجب على من يبلغه النداء.
وحكاه الترمذي عن أحمد، لحديث: الجمعة على من سمع النداء.
رواه أبو داود بإسناد ضعيف، لكن ذكر له البيهقي شاهدًا بإسناد جيد، والمراد به: من سمع نداء بلد الجمعة، فمن كان في قرية لا يلزم أهلها إقامة الجمعة لزمته إن كان بحيث يسمع النداء من صيت على الأرض، من طرف قريته الذي يلي بلد الجمعة مع اعتدال السمع، وهدوّ الأصوات، وسكون الرياح، وليس المراد من الحديث أن الوجوب متعلق بنفس السماع، وإلاّ لسقطت عن الأصم، وإنما هو متعلق بمحل السماع.

وقال المالكية على من بينه وبين النار ثلاثة أميال، أما من هو في البلد، فتجب عليه، ولو كان من المنار على ستة أميال.
رواه عليّ عن مالك.


وقال آخرون: تجب على من آواه الليل إلى أهله لحديث أبي هريرة مرفوعًا: الجمعة على من آواه الليل إلى أهله.
رواه الترمذي والبيهقي وضعفاه، أي: أنه إذا جمع مع الإمام أمكنه العود إلى أهله آخر النهار، قبل دخول الليل.

ورواة الحديث ما بين مصري ومدني، وفيه رواية الرجل عن عمه، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود في الصلاة.