فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به

باب إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ
وَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ وَهْوَ جَالِسٌ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الإِمَامِ يَعُودُ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ ثُمَّ يَتْبَعُ الإِمَامَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ -فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ: يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الأُولَى بِسُجُودِهَا.
وَفِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً حَتَّى قَامَ: يَسْجُدُ.

هذا ( باب) بالتنوين ( إنما جعل الإمام ليؤتَم به) أي: ليُقتدى به في أفعال الصلاة، بأن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن ابتداء فعل الإمام، ويتقدم ابتداء فعل المأموم على فراغ الإمام، فلا يجوز له التقدّم عليه ولا التخلّف عنه.

نعم يدخل في عموم قوله: إنما جعل الإمام ليؤتم به، التخصيص كما أشار إليه المؤلّف بقوله مصدرًا به الباب، مما وصله فيما سبق عن عائشة رضي الله عنها: ( وصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه الذي

توفي فيه بالناس وهو جالس)
أي والناس خلفه قيامًا، ولم يأمرهم بالجلوس.
فدلّ على دخول التخصيص في العموم السابق.

( وقال ابن مسعود) رضي الله عنه، مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح بمعناه: ( إذا رفع) المأموم رأسه من الركوع أو السجود ( قبل الإمام، يعود بقدر ما رفع ثم يتبع الإمام) .

مذهب الشافعي: إذا تقدم المأموم بفعل، كركوع وسجود، إن كان بركنين، وهو عامد عالم بالتحريم بطلت صلاته وإلا فلا.

( وقال الحسن) البصري، مما وصله ابن المنذر في كتابه الكبير، ورواه سعيد بن منصور عن هشيم.
عن يونس عنه بمعناه، ( فيمن يركع مع الإمام ركعتين ولا يقدر على السجود) لزحام ونحوه، والغالب كون ذلك يحصل في الجمعة؛ ( يسجد للركعة الآخرة) ولأبي ذر وابن عساكر: الأخيرة، ( سجدتين، ثم يقضي الركعة الأولى بسجودها) إنما لم يقل الثانية لاتصال الركوع الثاني به، وهذا وجه عند الشافعية، والأصح أنه يحسب ركوعه الأول لأنه أتى به وقت الاعتداد بالركوع، والثاني للمتابعة، فركعته، ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية الذي يأتي به، ويدرك بها الجمعة في الأصح.
( و) قال الحسن أيضًا، مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه ( فيمن نسي سجدة حتى قام: يسجد) أي يطرح القيام الذي فعله على غير نظم الصلاة ويجعل وجوده كالعدم.


[ قــ :666 ... غــ : 687 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَلاَ تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: بَلَى، ثَقُلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ.
قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ.
قَالَتْ: فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ.
قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ- وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِصَلاَةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ- فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ رَجُلاً رَقِيقًا- يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ.
فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ.
ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ -أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ- لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنْ لاَ يَتَأَخَّرَ، قَالَ: أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهْوَ يَأْتَمُّ بِصَلاَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ

وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِدٌ".
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَلاَ أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: هَاتِ.
فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهَا.
فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ: لاَ.
قَالَ هُوَ عَلِيٌّ.

وبالسند قال: ( حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده لشهرته به، واسم أبيه عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي ( قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة البكري الكوفي ( عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني الكوفي ( عن عبيد الله) بالتصغير ( بن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية، ابن مسعود، أحد الفقهاء السبعة، وسقط عند الأربعة: ابن عتبة ( قال: دخلت على عائشة) رضي الله عنها ( فقلت) لها: ( ألا) بالتخفيف للعرض والاستفتاح ( تحدّثيني عن مرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت: بلى،) أحدّثك، ( ثقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم القاف، اشتد مرضه، فحضرت الصلاة ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( أصلّى الناس) ؟ ( قلنا: لا.
هم)
ولأبي ذر: فقلنا: لا يا رسول الله، وهم.
ولأبي الوقت: فقلنا: لا هم ( ينتظرونك قال) : ( ضعوا لي ماء) ولأبي ذر عن المستملي والحموي: ضعوني، أي أعطوني ماء.
أو على نزع الخافض، أي: ضعوني في ماء ( في المخضب) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين، ثم موحدة: المركن، وهو الإحانة.

( قالت) عائشة ( ففعلنا) ما أمر به ( فاغتسل) وللمستملي: ففعلنا فقعد فاغتسل ( فذهب) وللكشميهني: ثم ذهب ( لينوء) بنون مضمومة ثم همزة، أي: لينهض بجهد ومشقة ( فأغمي عليه) واستنبط منه جواز الإغماء على الأنبياء لأنه مرض من الأمراض بخلاف الجنون فإنه نقص، وقد كملهم الله تعالى بالكمال التام.

( ثم أفاق فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( أصلّى الناس) ؟ ( قلنا: لا) .
أي لم يصلوا، ( هم ينتظرونك يا رسول الله، قال) : ولغير الأربعة: فقال: ( ضعوا لي) وللحموي والكشميهني: ضعوني ( ماء في المخضب) ، وفي رواية: في ماء في المخضب ( قالت) عائشة رضي الله عنها: ( فقعد) عليه الصلاة والسلام ( فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال) ( أصلى الناس) ( قلنا) : ولغير الأربعة: فقلنا: ( لا.
هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال)
: وللأربعة: قال ( ضعوا لي) وللحموي والكشميهني: ضعوني ( ماء في المخضب) ( فقعد) وللكشميهني؛ قعد ( فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال) : ( أصلّى الناس) ؟ ( فقلنا) وللأربعة: قلنا ( لا.
هم ينتظرونك يا رسول الله، والناس
عكوف)
مجتمعون ( في المسجد ينتظرون النبي) ولأبي ذر: رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لصلاة العشاء الآخرة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: الصلاة العشاء الآخرة.
كأن الراوي فسر الصلاة المسؤول عنها في قوله: أصلّى الناس؟ أي الصلاة المسؤول عنها هي العشاء الآخرة، أو المراد: ينتظرون الصلاة العشاء
الآخرة.
( فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أبي بكر) رضي الله عنه ( بأن يصلّي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرك أن تصلي بالناس.
فقال أبو بكر: وكان رجلاً رقيقًا)
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، تواضعًا منه: ( يا عمر، صلِّ بالناس) أو قال ذلك، لأنه فهم أن أمر الرسول في ذلك ليس للإيجاب أو للعذر المذكور، ( فقال له عمر: أنت أحق بذلك) مني، أي لفضيلتك، أو لأمر الرسول إياك، ( فصلّى أبو بكر تلك الأيام) التي كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها مريضًا، ( ثم إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد من نفسه خفة، فخرج) بالفاء للكشميهني وللباقين: وخرج ( بين رجلين، أحدهما العباس) والآخر علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ( لصلاة الظهر) .

صرّح إمامنا الشافعي بأنه عليه الصلاة والسلام لم يصلِّ بالناس في مرض موته إلاّ هذه الصلاة التي صلّى فيها قاعدًا فقط، وفي ذلك ردّ على من زعم أنها الصبح، مستدلاً بقوله في رواية ابن عباس، المروي في ابن ماجة، بإسناد حسن.

وأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القراءة من حيث بلغ أبو بكر، ولا دلالة في ذلك، بل يحمل على أنه عليه الصلاة والسلام، لما قرب من أبي بكر سمع منه الآية التي كان انتهى إليها، لكونه كان يسمع القراءة فى السرية أحيانًا، كالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ( وأبو بكر يصلّي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن لا يتأخر) ثم ( قال) للعباس وللآخر: ( أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلّي وهو قائم) كذا للكشميهني وللباقين: يأتم ( بالصلاة النبي) وللأصيلي: بصلاة رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والناس) يصلون ( بصلاة أبي بكر) أي بتبليغه، ( والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاعد) وأبو بكر والناس قائمون.
فهو حجة واضحة لصحة إمامة القاعد المعذور للقائم.

وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه، ومحمد بن الحسن فيما حكاه الطحاوي.

وقد أجاب الشافعي، عن الاستدلال، بحديث جابر عن الشعبي مرفوعًا: لا يؤمنّ أحد بعدي جالسًا، فقال: قد علم من احتج بهذا أن لا حجة له فيه، لأنه مرسل ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه أي جابر الجعفي.
ودعوى النسخ لا دليل عليها يحتج به.

( قال) ولأبوي ذر والوقت: وقال ( عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ( فدخلت على عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما ( فقلت له) مستفهمًا للعرض عليه: ( ألا أعرض عليك ما حدّثتني) به ( عائشة عن مرض النبي) ولأبي ذر وابن عساكر: عن مرض رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) ابن عباس: ( هات) .
بكسر آخره ( فعرضت عليه حديثها) هذا ( فما أنكر منه شيئًا، غير أنه قال أسمّت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال: هو علي) ولأبي ذر والأصيلي: علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ورواة هذا الحديث خمسة، والثلاثة الأُول منهم كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة والقول.

وأخرجه مسلم والنسائي.





[ قــ :667 ... غــ : 688 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا.
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا».
[الحديث 688 - أطرافه في: 1113، 136، 5658] .

وبه قال ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) الإمام ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها ( أنها قالت: صلّى رسول الله) وللأصيلي صلّى النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيته) أي مشربته التي في حجرة عائشة بمن حضر عنده ( وهو شاك) بتخفيف الكاف، وأصله شاكي، نحو قاض أصله قاضي، استثقلت الضمة على الياء فحذفت وللأربعة: شاكي، بإثبات الياء على الأصل، أي موجع من فك قدمه بسبب سقوطه عن فرسه، ( فصلّى) حال كونه ( جالسًا، وصلّى وراءه قوم) حال كونهم ( قيامًا، فأشار إليهم) عليه الصلاة والسلام، وللحموي: عليهم ( أن أجلسوا، فلما انصرف) من الصلاة ( قال) ( إنما جعل الإمام ليؤتم به) ليقتدى به ويتبع، ومن شأن التابع أن يأتي بمثل فعل متبوعه ولا يسبقه ولا يساويه ( فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا) زاد أبو ذر، وابن عساكر بعد قوله فارفعوا: وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، بواو العطف.
ولغير أبي ذر بحذفها.

واستدلّ أبو حنيفة بهذا على أن وظيفة الإمام التسميع، والمأموم التحميد، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

وقال الشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد: يأتي بهما لأنه قد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع بينهما، كما سيأتي قريبًا، والسكوت عنه هنا لا يقتضي ترك فعله، والمأموم فيجمع بينهما أيضًا خلافًا للحنفية.




[ قــ :668 ... غــ : 689 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ.
وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: .

     قَوْلُهُ : «إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا».
هُوَ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ صَلَّى

بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا، لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ فَالآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي الإمام ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب فرسًا، فصرع) بضم الصاد المهملة وكسر الراء، أي: سقط ( عنه) أي: عن الفرس ( فجحش) بجيم مضمومة ثم حاء مهملة مكسرة، أي: خدش ( شقّه الأيمن) بأن قشر جلده ( فصلّى صلاة من الصلوات) المكتوبات وقيل من النوافل، ( وهو) عليه الصلاة والسلام ( قاعد، فصلّينا وراءه قعودًا) أي بعد أن كانوا قيامًا وأومأ لهم عليه الصلاة والسلام بالقعود، ( فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة، ( قال) :
( إنما جعل الإمام ليؤتم) ليقتدى ( به) في الأفعال الظاهرة، ولذا يصلّي الفرض خلف النفل، والنفل خلف الفرض، حتى الظهر خلف الصبح، والمغرب والصبح خلف الظهر في الأظهر.
نعم إن اختلف فعل الصلاتين كمكتوبة وكسوف أو جنازة فلا على الصحيح، لتعذر المتابعة.
هذا مذهب الشافعي، وقال غيره: يتابعه في الأفعال والنيّات مطلقًا ( فإذا صلّى قائمًا فصلّوا قيامًا) وسقط: هذا، في رواية عطاء ( فإذا) بالفاء، ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر: وإذا ( ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد.
وإذا صلّى قائمًا فصلوا قيامًا)
وسقط من قوله: وإذا صلّى إلخ.
ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، ( وإذا صلّى جالسًا) أي في جميع الصلاة، لا أن المراد منه جلوس التشهّد، وبين السجدتين إذ لو كان مرادًا لقال: وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله فإذا سجد فاسجدوا ( فصلوا جلوسًا أجمعون) بالرفع على أنه تأكيد لضمير الفاعل في قوله صلوا.
ولأبوي ذر والوقت: أجمعين، بالنصب على الحال، أي جلوسًا مجتمعين.

قال البدر الدماميني أو تأكيد لجلوسًا وكلاهما لا يقول به البصريون لأن ألفاظ التوكيد معارف، أو على التأكيد لضمير مقدر منصوب، أي أعنيكم أجمعين.

( وقال أبو عبد الله) أي البخاري: ( قال الحميدي) بضم الحاء، عبد الله بن الزبير المكي: ( قوله) : ( إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا) ( هو في مرضه القديم، ثم صلّى بعد ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في مرض موته، حال كونه ( جالسًا، والناس خلفه قيامًا) بالنصب على الحال، ولأبي ذر: قيام ( لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي) وللأصيلي: من فعل رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، أي فما كان قبله مرفوع الحكم.

وفي رواية ابن عساكر سقط لفظ: قال أبو عبد الله.
وزاد في رواية: قال الحميدي.

هذا منسوخ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى في مرضه الذي مات فيه والناس خلفه قيام لم يأمرهم بالقعود.