فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب البكران يجلدان وينفيان

باب الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِى لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2 - 3]
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: رَأْفَةٌ: فِى إِقَامَةِ الْحُدُودِ.

هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه ( البكران) بكسر الموحدة من الرجال والنساء وهما من لم يجامع في نكاح صحيح إذا زنيا ( يجلدان) خبر المبتدأ الذي هو البكران ( وينفيان { الزانية والزاني} ) مرفوعان على الابتداء والخبر محذوف أي فيما فرض عليكم الزانية والزاني أي جلدهما أو الخبر ( { فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} ) ودخلت الفاء في فاجلدوا لتضمنهما معنى الشرط إذ اللام بمعنى الذي وتقديره: التي زنت والذي زنى فاجلدوهما والخطاب للأئمة لأن إقامة الحدّ من الدين وهو على الكل، وقدم الزانية لأن الزنا في الأغلب يكون بتعريضها للرجل وعرض نفسها عليه والجلد حكم يخص من ليس بمحصن لما دلّ على أن حدّ المحصن هو الرجم وزاد الشافعي عليه تغريب الحر سنة للحديث وليس في الآية ما يدفعه لينسخ أحدهما الآخر ( { ولا تأخذكم بهما رأفة} ) رحمة ( { في دين الله} ) في طاعته إقامة حدوده فتعطلوه أو تسامحوا فيه ( { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} ) يوم البعث فإن الإيمان يقتضي الجد في طاعة الله والاجتهاد في إقامة أحكامه ( { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} ) ثلاثة أو أربعة عدد شهود الزنا زيادة في التنكيل فإن التفضيح قد ينكل أكثر ما ينكل التعذيب ( { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} ) أي المناسب لكل منهما ما ذكر لأن المشاكلة علة الإلفة ( { وحرم ذلك} ) أي نكاح الزواني ( { على المؤمنين} ) [النور: 2، 3] الأخيار نزل ذلك في ضعفة المهاجرين لما هموا أن يتزوجوا بغايا يكرين أنفسهن لينفقن عليهم من اكتسابهن على عادة الجاهلية فقيل التحريم خاص بهم، وقيل عام ونسخ بقوله: { وانكحوا الأيامى منكم} [النور: 32] وسقط لأبي ذر من قوله ( إن كنتم تؤمنون) إلخ وقال بعد قوله: { في دين الله} الآية.
( قال ابن عيينة) سفيان في تفسير قوله: ( رأفة: إقامة الحدود) ولأبي ذر: في إقامة الحدّ.


[ قــ :6474 ... غــ : 6831 ]
- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ: جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ.

وبه قال: ( حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو غسان الكوفي قال: ( حدّثنا عبد العزيز) بن سلمة قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا ( ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود ( عن زيد بن خالد الجهني) -رضي الله عنه- أنه ( قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر فيمن زنى) رجل أو امرأة ( ولم يحصن) بضم أوّله وفتح الصاد ( جلد مائة) بنصب جلد على نزع الخافض ( وتغريب عام) ولاء إلى مسافة القصر لأن المقصود إيحاشه بالبعد عن الأهل والوطن فأكثر إن رآه الإمام لأن عمر غرّب إلى الشأم، وعثمان إلى مصر، وعليًّا إلى البصرة، ولا يكفي تغريبه إلى ما دون مسافة القصر إذ لا يتم الإيحاش المذكور به لأن الأخبار تتواصل إليه حينئذٍ.
وحكى ابن نصر في كتاب الإجماع: الاتفاق على نفي الزاني إلا عند الكوفيين وعليه الجمهور، وادعى الطحاوي أنه منسوخ، واختلف القائلون بالتغريب فقال الشافعي بالتعميم للرجل والمرأة، وفي قول له لا ينفى الرقيق، وخص مالك النفي بالرجل وقيده بالحر، وعن أحمد روايتان واحتج من شرط الحرية بأن في نفي العبد عقوبة لمالكه لمنعه منفعته مدة نفيه وتصرف الشرع يقتضي أن لا يعاقب غير الجاني.

وهذا الحديث سبق في الشهادات في باب شهادة القاذف واختصر عبد العزيز من السند ذكر أبي هريرة ومن المتن سياق قصة العسيف واقتصر منها على ما ذكره، ويحتمل أن يكون ابن شهاب اختصره لما حدث به عبد العزيز قاله في الفتح.




[ قــ :6474 ... غــ : 683 ]
- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِى عُرْوَةَ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَرَّبَ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تِلْكَ السُّنَّةَ.

( قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالسند السابق ( وأخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوام ( أن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ( غرّب) وهذا منقطع لأن عروة لم يسمع من عمر لكنه ثبت عن عمر من وجه آخر أخرجه النسائي والترمذي وصححه ابن خزيمة والحاكم من رواية عبيد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضرب وغرب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب ( ثم لم تزل) بفتح الفوقية والزاي ( تلك السُّنة) بضم السين المهملة زاد عبد الرزاق في روايته عن مالك حتى غرب مروان ثم ترك الناس ذلك.




[ قــ :6475 ... غــ : 6833 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِنَفْىِ عَامٍ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين ابن خالد ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم ( عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي سيد التابعين ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى فيمن زنى ولم يحصن) بفتح الصاد مبنيًّا للمفعول ( بنفي عام بإقامة الحدّ عليه) أي ملتبسًا بها جامعًا بينهما فالباء بمعنى مع، وفي رواية النسائي أن ينفى عامًّا مع إقامة الحد عليه، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن الليث، والمراد بإقامة الحد ما ذكر في رواية عبد العزيز جلد المائة، وأطلق عليها الحدّ لكونها بنص القرآن، وقد تمسك بهذه الرواية من ذهب إلى أن النفي تعزير وأنه ليس جزءًا من الحد.
وأجيب: بأن الحديث يفسر بعضه بعضًا وقد وقع التصريح في قصة العسيف من لفظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن عليه جلد مائة وتغريب عام وهو ظاهر في كون الكل حده ولم يختلف على رواته في لفظه فهو أرجح من حكاية الصحابي مع الاختلاف.

وهذا الحديث أخرجه النسائي في الرجم.