فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في قوله: (وهو الذي أرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته)

باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57]
قَاصِفًا: تَقْصِفُ كُلَّ شَىْءٍ.
لَوَاقِحَ: مَلاَقِحَ مُلْقِحَةً.
إِعْصَارٌ: رِيحٌ عَاصِفٌ تَهُبُّ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ.
صِرٌّ: بَرْدٌ: نُشُرًا.
مُتَفَرِّقَةً.

( باب ما جاء في قوله) تعالى: ( { وهو الذي يرسل الرياح بشرًا} ) جمع نشور بمعنى ناشر ( { بين يدي رحمته} ) [الأعراف: 57] قدّام رحمته يعني المطر فإن الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدرّه والدبور تفرقه.
( قاصفًا) : يريد قوله تعالى: { فيرسل عليكم قاصفًا من الريح} [الإسراء: 69] قال أبو عبيدة هي التي ( تقصف كل شيء) تأتي عليه.
وقوله تعالى: { وأرسلنا الرياح} [الحجر: 22] ( { لواقح} ) قال أبو عبيدة ( ملاقح) واحدتها ( ملقحة) ثم حذفت منه الزوائد وأنكره غيره، وقال هو بعيد جدًّا لأن حذف الزوائد في مثل هذا بابه الشعر.
قال: ولكنه لواقح جمع لاقحة بلا خلاف على النسب أي ذات اللقاح، وقال ابن السكيت: اللواقح الحوامل.
وقوله تعالى: { فأصابها إعصار} [البقرة: 266] قال أبو عبيدة ( ريح عاصف تهب من
الأرض إلى السماء كعمود فيه نار)
.
وقوله تعالى: { ريح فيها صرّ} : قال أبو عبيدة ( برد) شديد.

وقوله: ( { نشرًا} ) أي ( متفرقة) .


[ قــ :3058 ... غــ : 3205 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ».

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد أبو بسطام الواسطي ثم البصري ( عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغرًا الكندي الكوفي ( عن مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( نصرت) أي يوم الأحزاب وكانوا زهاء اثني عشر ألفًا حين حاصروا المدينة ( بالصبا) ، بفتح الصاد مقصورًا الريح التي تجيء من ظهرك إذا استقبلت القبلة ( وأهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام ( عاد) قوم هود ( بالدبور) .
بفتح الدال التي تجيء من قبل وجهك إذا استقبلت القبلة، وقد قيل: إن الريح تنقسم إلى قسمين: رحمة وعذاب ثم إن كل قسم ينقسم أربعة أقسام، ولكل قسم اسم فأسماء أقسام الرحمة: المبشراث والنشر والمرسلات والرخاء.
وأسماء قسم العذاب: العاصف والقاصف وهما في البحر، والعقيم والصرصر وهما في البر، وقد جاء القرآن بكل هذه الأسماء.
وقد روى البيهقي في سننه الكبرى مرفوعًا: الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا به من شرها، وقد نزل الأطباء كل ريح على طبيعة من الطبائع الأربع: فطبع الصبا الحرارة واليبس ويسميها أهل مصر الريح الشرقية لأن مهبها من الشرق وتسمى قبولاً لاستقبالها وجه الكعبة، وطبع الدبور البرد والرطوبة ويسميها أهل مصر الغربية لأن مهبها من المغرب وهي تأتي من دبر الكعبة، وطبع الشمال البرد واليبس وتسمى البحرية لأنها يسار بها في البحر على كل حال وقلما تهب ليلاً، وطبع الجنوب الحرارة والرطوبة وتسمى القبلية والنعاما لأن مهبها من قبل القطب وهي عن يمين مستقبل المشرق ويسميها أهل مصر المريسية وهي من عيوب مصر المعدودة، فإنها إذا هبت عليهم سبع ليال استعدوا للأكفان، وقد جعل الله تعالى بلطيف قدرته الهواء عنصرًا لأبداننا وأرواحنا فيصل إلى أبداننا بالتنفس فينمي الروح الحيواني ويزيد في النفساني، فما دام معتدلاً صافيًا لا يخالطه جوهر غريب فهو يحفظ الصحة ويقويها وينعش النفس ويحييها، ومن خاصيته أن الله تعالى جعله واسطة بين الحواس ومحسوساتها فلا ترى العين شيئًا ما لم يكن بينه وبينها هواء وكذلك لا تسمع الأذن ولا يصدق الذوق ولو أن الإنسان فقد الهواء ساعة لمات.
وقال كعب الأحبار: لو أن الله تعالى حبس الهواء عن الناس لأنتن ما بين السماء والأرض، ولقد أحسن بعض الشعراء حيث قال:
إذا خلا الجوّ من هواء ... فعيشهم غمة وبوس
فهو حياة لكل حيّ ... كأن أنفاسه نفوس
وقد سبقت زيادة لهذا في باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( نصرت بالصبا) .




[ قــ :3059 ... غــ : 306 ]
- حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَمَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ عَادَ { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} [الأحقاف: 4] الآيَةَ".
[الحديث 306 - طرفه في: 489] .

وبه قال: ( حدّثنا مكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد الحنظلي البلخي قال: ( حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( عن عطاء) هو ابن أبي رباح ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رأى مخيلة في السماء) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وبعد التحتية الساكنة لام مفتوحة أي سحابة يخال فيها المطر ( أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغيّر وجهه) خوفًا أن يحصل من تلك السحابة ما فيه ضرر بالناس، ( فإذا أمطرت السماء سُري) بضم السين مبنيًّا للمجهول أي كشف ( عنه) الخوف وأزيل ( فعرفته) بتشديد الراء وسكون الفوقية من التعريف أي عرفت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عائشة ذلك) الذي عرض له ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ما) ولأبي ذر: وما ( أدري لعله كما قال قوم) هم عاد ( { فلما رأوه عارضًا} ) [الأحقاف: 4] سحابًا عرض في أفق السماء ( { مستقبل أوديتهم} ) متوجه أوديتهم ( الآية) .

وهذا الحديث أخرجه الترمذي في التفسير وكذا النسائي.