فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب المسح على الخفين

( قَولُهُ بَابُ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ)
نقل بن الْمُنْذر عَن بن الْمُبَارَكِ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنِ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافٌ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْهُمْ إِنْكَارُهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إِثْبَاتُهُ.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ السَّلَفِ إِنْكَارُهُ إِلَّا عَنْ مَالِكٍ مَعَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ عَنْهُ مُصَرِّحَةٌ بِإِثْبَاتِهِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إِلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَعْرُوفُ الْمُسْتَقِرُّ عِنْدَهُمُ الْآنَ قَوْلَانِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا ثَانِيهُمَا لِلْمُسَافِرِ دُونَ الْمُقِيمِ وَهَذَا الثَّانِي مُقْتَضى مَا فِي الْمُدَوَّنَة وَبِه جزم بن الْحَاجِب وَصحح الْبَاجِيّ الأول وَنَقله عَن بن وهب وَعَن بن نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطَةِ نَحْوَهُ وَأَنَّ مَالِكًا إِنَّمَا كَانَ يَتَوَقَّفُ فِيهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مَعَ إِفْتَائِهِ بِالْجَوَازِ وَهَذَا مِثْلُ مَا صَحَّ عَنْ أبي أَيُّوب الصَّحَابِيّ.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوْ نَزْعُهُمَا وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ قَالَ وَالَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّ الْمَسْحَ أَفْضَلُ لِأَجْلِ مَنْ طَعَنَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ قَالَ وَإِحْيَاءُ مَا طَعَنَ فِيهِ الْمُخَالِفُونَ مِنَ السُّنَنِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ اه.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنَ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْمَسْحَ رَغْبَةً عَنِ السُّنَّةِ كَمَا قَالُوهُ فِي تَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنَ الْحُفَّاظِ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُتَوَاتِرٌ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ رُوَاتَهُ فَجَاوَزُوا الثَّمَانِينَ وَمِنْهُم الْعشْرَة وَفِي بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ



[ قــ :198 ... غــ :202] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ اخْتَارَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ الْمَسْحُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِهِ فِي الْحَضَرِ أَثْبَتُ عِنْدَنَا وَأَقْوَى مِنْ أَنْ نَتْبَعَ مَالِكًا عَلَى خِلَافِهِ وَعَمْرٌو هُوَ بن الْحَارِثِ وَهُوَ وَمَنْ دُونَهُ ثَلَاثَةٌ مِصْرِيُّونَ وَالَّذِينَ فَوْقَهُ ثَلَاثَةٌ مَدَنِيُّونَ وَالْإِسْنَادُ رِوَايَةُ تَابِعِيٍّ عَنْ تَابِعِيٍّ أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَصَحَابِيٌّ عَنْ صَحَابِيٍّ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ هُوَ مَعْطُوفُ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَهُوَ مَوْصُولٌ إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَإِلَّا فَأَبُو سَلَمَةَ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي النَّضر عَن أبي سَلمَة عَن بن عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ بِالْعِرَاقِ حِينَ تَوَضَّأَ فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا عِنْدَ عُمَرَ قَالَ لِي سَعْدٌ سَلْ أَبَاكَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ نَحْوَهُ وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ كُنَّا وَنَحْنُ مَعَ نَبِيِّنَا نَمْسَحُ عَلَى خِفَافِنَا لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا .

     قَوْلُهُ  فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ أَيْ لِقُوَّةِ الْوُثُوقِ بِنَقْلِهِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصِّفَاتَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّرْجِيحِ إِذَا اجْتَمَعَتْ فِي الرَّاوِي كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْقَرَائِنِ الَّتِي إِذَا حَفَّتْ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَامَتْ مَقَامَ الْأَشْخَاصِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَقَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ عِنْدَ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَعَلَى أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنَ التَّوَقُّفِ إِنَّمَا كَانَ عِنْدَ وُقُوعِ رِيبَةٍ لَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْعَدَالَةِ وَدُخُولِ التَّرْجِيحِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَيُمْكِنُ إِبْدَاءُ الْفَارِقِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَفِيهِ تَعْظِيمٌ عَظِيمٌ مِنْ عُمَرَ لِسَعْدٍ وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ الْقَدِيمَ الصُّحْبَةِ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنَ الْأُمُورِ الْجَلِيَّةِ فِي الشَّرْعِ مَا يطلع عَلَيْهِ غَيره لِأَن بن عُمَرَ أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَعَ قَدِيمِ صُحْبَتِهِ وَكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ وَقَدْ رَوَى قِصَّتَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَار أَنَّهُمَا أخبراه أَن بن عُمَرَ قَدِمَ الْكُوفَةَ عَلَى سَعْدٍ وَهُوَ أَمِيرُهَا فَرَآهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ سَلْ أَبَاكَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَيحْتَمل أَن يكون بن عُمَرَ إِنَّمَا أَنْكَرَ الْمَسْحَ فِي الْحَضَرِ لَا فِي السَّفَرِ لِظَاهِرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْفَائِدَةُ بِحَالِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ عَلَى الْوِلَاءِ أَوَّلُهُمْ مُوسَى وَمُوسَى وَأَبُو النَّضْرِ قَرِينَانِ مَدَنِيَّانِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ سَعْدًا حَدَّثَهُ أَيْ حَدَّثَ أَبَا سَلَمَةَ وَالْمُحَدَّثُ بِهِ مَحْذُوفٌ تَبَيَّنَ مِنَ الرِّوَايَةِ الْمَوْصُولَةِ أَنَّ لَفْظَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُقَدَّرِ .

     قَوْلُهُ  نَحْوَهُ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ مَقُولُ الْقَوْلِ وَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الَّتِي وَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ لَا بِلَفْظِهَا وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَلَفْظُهُ وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ أَيِ ابْنَهُ كَأَنَّهُ يَلُومُهُ إِذَا حَدَّثَكَ سَعْدٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَبْتَغِ وَرَاءَ حَدِيثِهِ شَيْئًا



[ قــ :199 ... غــ :03] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ فِي بَابِ الرَّجُلِ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ وَأَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةً مِنَ التَّابِعِينَ عَلَى الْوِلَاءِ وَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ اللَّيْثِ فَقَالَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بَدَلَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ فَكَأَنَّ لِلَّيْثِ فِيهِ شَيْخَيْنِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ وَفِي الْمَغَازِي أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى تَرَدُّدٍ فِي ذَلِكَ مِنْ رُوَاتِهِ وَلِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِلَا تَرَدُّدَ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ .

     قَوْلُهُ  فَاتَّبَعَهُ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْمَفْتُوحَةِ وَلِلْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِالْإِدَاوَةِ وَزَادَ فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَوَضَّأَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَخَذَهُ الْمُغِيرَةُ مِنْ أَعْرَابِيَّةٍ صَبَّتْهُ لَهُ مِنْ قِرْبَةٍ كَانَتْ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ سَلْهَا فَإِنْ كَانَتْ دَبَغَتْهَا فَهُوَ طَهُورٌ وَأَنَّهَا قَالَتْ إِي وَاللَّهِ لَقَدْ دَبَغْتُهَا .

     قَوْلُهُ  فَتَوَضَّأَ زَادَ فِي الْجِهَادِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي فِي بَابِ الرَّجُلِ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَالْفَاءُ فِي فَغَسَلَ تَفْصِيلِيَّةٌ وَتَبَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَوَضَّأَ أَيْ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى فُرُوضِ الْوُضُوءِ دُونَ سُنَنِهِ لَا سِيَّمَا فِي حَالِ مَظِنَّةِ قِلَّةِ الْمَاءِ كَالسَّفَرِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُغِيرَةُ قَالَ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ.

قُلْتُ بَلْ فَعَلَهَا وَذَكَرَهَا الْمُغِيرَةُ فَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ غَسَلَ كَفَّيْهِ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوِيٍّ فَغَسَلَهُمَا فَأَحْسَنَ غَسْلَهُمَا قَالَ وَأَشُكُّ أَقَالَ دَلَكَهُمَا بِتُرَابٍ أَمْ لَا وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ زَادَ أَحْمَدُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْه وَلأَحْمَد فَغسل يَده اليمني ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَدَهُ الْيُسْرَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلِلْمُصَنِّفِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ وَعَلَى الْخُفَّيْنِ وَسَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  إِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ هَذَا ذَكَرَ الْبَزَّارُ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ سِتُّونَ رَجُلًا وَقَدْ لَخَّصْتُ مَقَاصِدَ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ وَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْإِبْعَادُ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالتَّوَارِي عَنِ الْأَعْيُنِ وَاسْتِحْبَابُ الدَّوَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُغِيرَةَ أَنْ يَتْبَعَهُ بِالْمَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَنْجِ بِهِ وَإِنَّمَا تَوَضَّأَ بِهِ حِينَ رَجَعَ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ كَمَا شُرِحَ فِي بَابِهِ وَغَسْلُ مَا يُصِيبُ الْيَدَ مِنَ الْأَذَى عِنْدَ الِاسْتِجْمَارِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي إِزَالَتُهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَى إِزَالَةِ الرَّائِحَةِ بِالتُّرَابِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ مَا انْتَشَرَ عَنِ الْمُعْتَادِ لَا يُزَالُ إِلَّا بِالْمَاءِ وَفِيهِ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ وَالِانْتِفَاعُ بِثِيَابِ الْكُفَّارِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ نَجَاسَتُهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ الْجُبَّةَ الرُّومِيَّةَ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ الصُّوفَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ الْجُبَّةَ كَانَتْ شَامِيَّةً وَكَانَتِ الشَّامُ إِذْ ذَاكَ دَارَ كُفْرٍ وَمَأْكُولُ أَهْلِهَا الْمَيْتَاتِ كَذَا قَالَ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْوُضُوءِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهِيَ بَعْدَهَا بِاتِّفَاقٍ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ التَّشْمِيرُ فِي السَّفَرِ وَلُبْسُ الثِّيَابِ الضَّيِّقَةِ فِيهِ لِكَوْنِهَا أَعْوَنَ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى سُنَنِ الْوُضُوءِ حَتَّى فِي السَّفَرِ وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْأَحْكَامِ وَلَوْ كَانَتِ امْرَأَةً سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَمْ لَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ خَبَرَ الْأَعْرَابِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى غسل مُعظم الْمَفْرُوض غسله لايجزىء لِإِخْرَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ وَلَمْ يَكْتَفِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُمَا بِالْمَسْحِ عَلَيْهِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِ مَسْحِ الرَّأْسِ لِكَوْنِهِ كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْمَسْحِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ ذِرَاعَيْهِ





[ قــ :00 ... غــ :04] .

     قَوْلُهُ  شَيْبَانُ هُوَ بن عبد الرَّحْمَن وَيحيى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ عَلَى الْوِلَاءِ أَوَّلُهُمْ يَحْيَى وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ وَأَبُو سَلَمَةَ وَجَعْفَرٌ قَرِينَانِ .

     قَوْلُهُ  وَتَابعه أَي تَابع شَيبَان حَرْب وَهُوَ بن شَدَّادٍ وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَأَبَان هُوَ بن يَزِيدَ الْعَطَّارُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى حَرْبٍ وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ





[ قــ :01 ... غــ :05] .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله هُوَ بن الْمُبَارَكِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ يَحْيَى وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى .

     قَوْلُهُ  عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ هَكَذَا رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ وَأَسْقَطَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ جَعْفَرًا مِنَ الْإِسْنَادِ وَهُوَ خَطَأٌ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ قَوْله وَتَابعه أَي تَابع الْأَوْزَاعِيّ معمر بن رَاشِدٍ فِي الْمَتْنِ لَا فِي الْإِسْنَادِ وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ الْإِسْنَادَ ثَانِيًا لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ ذِكْرُ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ أَبُو ذَرٍّ فِي رِوَايَتِهِ لَفْظَ الْمَتْنِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ وَخُفَّيْهِ وَسَقَطَ ذِكْرُ الْمَتْنِ مِنْ سَائِرِ الرِّوَايَات فِي الصَّحِيح وَرِوَايَة مَعْمَرٍ قَدْ أَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْعِمَامَةِ لَكِنْ أَخْرَجَهَا بن مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ معمر بإثباتها وَأغْرب الْأصيلِيّ فِيمَا حَكَاهُ بن بَطَّالٍ فَقَالَ ذِكْرُ الْعِمَامَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ خَطَأِ الْأَوْزَاعِيِّ لِأَنَّ شَيْبَانَ وَغَيْرَهُ رَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بِدُونِهَا فَوَجَبَ تَغْلِيبُ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ قَالَ.
وَأَمَّا مُتَابَعَةُ مَعْمَرٍ فَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْعِمَامَةِ وَهِيَ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ لِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرٍو.

قُلْتُ سَمَاعُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ عَمْرٍو مُمْكِنٌ فَإِنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سِتِّينَ وَأَبُو سَلَمَةَ مَدَنِيٌّ وَلَمْ يُوصَفْ بِتَدْلِيسٍ وَقَدْ سَمِعَ مِنْ خَلْقٍ مَاتُوا قَبْلَ عَمْرٍو وَقَدْ رَوَى بُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ أَرْسَلَ جَعْفَرَ بْنَ عَمْرِو بْنَ أُمَيَّةَ إِلَى أَبِيهِ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَلَمَةَ اجْتَمَعَ بِعَمْرٍو بَعْدُ فَسَمِعَهُ مِنْهُ وَيُقَوِّيهِ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَقَدْ ذكرنَا أَن بن مَنْدَهْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ بِإِثْبَاتِ ذِكْرِ الْعِمَامَةِ فِيهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَفَرُّدِ الْأَوْزَاعِيِّ بِذِكْرِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ تَخْطِئَتُهُ لِأَنَّهَا تَكُونُ زِيَادَةً مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ غَيْرَ مُنَافِيَةٍ لِرِوَايَةِ رُفْقَتِهِ فَتُقْبَلُ وَلَا تَكُونُ شَاذَّةً وَلَا مَعْنَى لِرَدِّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بِهَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ الْوَاهِيَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقِيلَ إِنَّهُ كَمَّلَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَسْحِ النَّاصِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَى عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَسْحِ عَلَيْهَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ فَرَضَ اللَّهُ مَسْحَ الرَّأْسِ وَالْحَدِيثُ فِي مَسْحِ الْعِمَامَةِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلَا يُتْرَكُ الْمُتَيَقَّنُ لِلْمُحْتَمَلِ قَالَ وَقِيَاسُهُ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَزْعُهُ بِخِلَافِهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِينَ أَجَازُوا الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ شَرَطُوا فِيهِ الْمَشَقَّةَ فِي نَزْعِهَا كَمَا فِي الْخُفِّ وَطَرِيقُهُ أَنْ تَكُونَ مُحَنَّكَةً كَعَمَائِمِ الْعَرَبِ وَقَالُوا عُضْوٌ يَسْقُطُ فَرْضُهُ فِي التَّيَمُّمِ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلِهِ كَالْقَدَمَيْنِ وَقَالُوا الْآيَةُ لَا تَنْفِي ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَحْمِلُ الْمُشْتَرَكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ قَبَّلْتُ رَأْسَ فُلَانٍ يَصْدُقُ وَلَوْ كَانَ عَلَى حَائِلٍ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالطَّبَرِيُّ وبن خُزَيْمَة وبن الْمُنْذر وَغَيرهم.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعمر يرشدوا وَالله أعلم