فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب

( قَولُهُ بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ)
كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ وَالرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فِيهِ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ وَلَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعَقِيلِيِّ رَفَعَهُ الرُّؤْيَا عَلَى رَجُلٍ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعْبَرْ فَإِذَا عُبِرَتْ وَقَعَتْ لَفْظُ أَي دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ سَقَطَتْ وَفِي مُرْسَلِ أَبِي قِلَابَةَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الرُّؤْيَا تَقَعُ عَلَى مَا يُعْبَرُ مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ رفع رجله فَهُوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَضَعُهَا وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مَوْصُولًا بِذِكْرِ أَنَسٍ وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ كَانَ يُقَالُ الرُّؤْيَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ وَعِنْدَ الدَّارِمِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهَا زَوْجٌ تَاجِرٌ يَخْتَلِفُ يَعْنِي فِي التِّجَارَةِ فَأَتَتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ زَوْجِي غَائِبٌ وَتَرَكَنِي حَامِلًا فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنَّ سَارِيَةَ بَيْتِي انْكَسَرَتْ وَأَنِّي وَلَدْتُ غُلَامًا أَعْوَرَ فَقَالَ خَيْرٌ يَرْجِعُ زَوْجُكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَالِحًا وَتَلِدِينَ غُلَامًا بَرًّا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَجَاءَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ فَسَأَلْتُهَا فَأَخْبَرَتْنِي بِالْمَنَامِ فَقُلْتُ لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ لَيَمُوتَنَّ زَوْجُكِ وَتَلِدِينَ غُلَامًا فَاجِرًا فَقَعَدَتْ تَبْكِي فَجَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَهْ يَا عَائِشَةُ إِذَا عَبَرْتُمْ لِلْمُسْلِمِ الرُّؤْيَا فَاعْبُرُوهَا عَلَى خَيْرٍ فَإِنَّ الرُّؤْيَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْبُرُهَا صَاحِبُهَا وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ جَائِزَ بَيْتِي انْكَسَرَ وَكَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا فَقَالَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكِ زَوْجَكِ فَرَجَعَ سَالِمًا الْحَدِيثَ وَلَكِنْ فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ هُوَ الَّذِي عَبَرَ لَهَا الرُّؤْيَا الْأَخِيرَةَ وَلَيْسَ فِيهِ الْخَبَرُ الْأَخِيرُ الْمَرْفُوعُ فَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الْعَابِرُ مُصِيبًا فِي تَعْبِيرِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي أَخْطَأَ فِيهِ لَوْ بَيَّنَهُ لَهُ لَكَانَ الَّذِي بَيَّنَهُ لَهُ هُوَ التَّعْبِيرَ الصَّحِيحَ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّعْبِيرِ الْأَوَّلِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَى قَوْلِهِ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا كَانَ الْعَابِرُ الْأَوَّلُ عَالِمًا فَعَبَرَ فَأَصَابَ وَجْهَ التَّعْبِيرِ وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ أَصَابَ بَعْدَهُ إِذْ لَيْسَ الْمَدَارُ إِلَّا عَلَى إِصَابَةِ الصَّوَابِ فِي تَعْبِيرِ الْمَنَامِ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى مُرَادِ اللَّهِ فِيمَا ضَرَبَهُ مِنَ الْمَثَلِ فَإِذَا أَصَابَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ فَلْيَسْأَلِ الثَّانِيَ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا عِنْدَهُ وَيُبَيِّنَ مَا جَهِلَ الْأَوَّلُ.

قُلْتُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا يُسَاعِدُهُ حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ إِنَّ الرُّؤْيَا إِذَا عُبِرَتْ وَقَعَتْ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَخْصِيصَ عُبِرَتْ بِأَنَّ عَابِرَهَا يَكُونُ عَالِمًا مُصِيبًا فَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فِي الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةِ وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حِكْمَةِ هَذَا النَّهْيِ أَنَّهُ رُبَّمَا فَسَّرَهَا تَفْسِيرًا مَكْرُوهًا عَلَى ظَاهِرِهَا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مَحْبُوبَةً فِي الْبَاطِنِ فَتَقَعَ عَلَى مَا فُسِّرَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالرَّائِي فَلَهُ إِذَا قَصَّهَا عَلَى أَحَدٍ فَفَسَّرَهَا لَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ أَنْ يُبَادِرَ فَيَسْأَلَ غَيْرَهُ مِمَّنْ يُصِيبُ فَلَا يَتَحَتَّمُ وُقُوعُ الْأَوَّلِ بَلْ وَيَقَعُ تَأْوِيلُ مَنْ أَصَابَ فَإِنْ قَصَّرَ الرَّائِي فَلَمْ يَسْأَلِ الثَّانِيَ وَقَعَتْ عَلَى مَا فَسَّرَ الْأَوَّلُ وَمِنْ أَدَبِ الْمُعَبِّرِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا فَقَصَّهَا عَلَى أَخِيهِ فَلْيَقُلْ خَيْرٌ لَنَا وَشَرٌّ لِأَعْدَائِنَا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ سَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيث بن زِمْلٍ الْجُهَنِيِّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ وَلَمْ يُسَمَّ فِي الرِّوَايَةِ وَسَمَّاهُ أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا قَالَ بن زِمْلٍ فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ خَيْرًا تَلْقَاهُ وَشَرًّا تَتَوَقَّاهُ وَخَيْرٌ لَنَا وَشَرٌّ عَلَى أَعْدَائِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اقْصُصْ رُؤْيَاكَ الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَذَكَرَ أَئِمَّةُ التَّعْبِير أَن مِنْ أَدَبِ الرَّائِي أَنْ يَكُونَ صَادِقَ اللَّهْجَةِ وَأَنْ يَنَامَ عَلَى وُضُوءٍ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَأَن يقرا عِنْد نَومه وَالشَّمْس وَاللَّيْلَ وَالتِّينَ وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اني أعوذ بك من سيء الْأَحْلَامِ وَأَسْتَجِيرُ بِكَ مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ فِي الْيَقَظَةِ وَالْمَنَامِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رُؤْيَا صَالِحَةً صَادِقَةً نَافِعَةً حَافِظَةً غَيْرَ مُنْسِيَةٍ اللَّهُمَّ أَرِنِي فِي مَنَامِي مَا أُحِبُّ وَمِنْ أَدَبِهِ أَنْ لَا يَقُصَّهَا عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا عَدُوٍّ وَلَا جَاهِلٍ وَمِنْ أَدَبَ الْعَابِرِ أَنْ لَا يَعْبُرَهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا وَلَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَلَا فِي اللَّيْلِ



[ قــ :6675 ... غــ :7046] .

     قَوْلُهُ  عَنْ يُونُس هُوَ بن يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ وَلَمْ يَقَعْ لِي مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْهُ إِلَّا فِي الْبُخَارِيِّ وَقَدْ عَسُرَ عَلَى أَصْحَابِ الْمُسْتَخْرَجَاتِ كَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَأَبِي عوَانَة وَالْبرْقَانِي فأخرجوه من رِوَايَة بن وَهْبٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَسَعِيدِ بْنِ يَحْيَى ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يُونُسَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ أَنَّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أخبرهُ قَوْله أَن بن عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ كَذَا لِأَكْثَرِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَتردد الزبيدِيّ هَل هُوَ عَن بن عَبَّاسٍ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتُلِفَ عَلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عبيد الله عَن بن عَبَّاسٍ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَانَ مَعْمَرٌ يَقُولُ أَحْيَانًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَحْيَانا يَقُول عَن بن عَبَّاسٍ وَهَكَذَا ثَبَتَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رِوَايَة إِسْحَاق الديري وَأخرجه أَبُو دَاوُد وبن مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ عَنْ عبد الرَّزَّاق فَقَالَ فِيهِ عَن بن عَبَّاس قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يحدث وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شُبَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.

     وَقَالَ  لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ عَن عبيد الله عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا عَبْدَ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَلَمْ يَذْكُرُوا أَبَا هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ الذُّهْلِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهَوَيْهِ عَنْ عبد الرَّزَّاق فاقتصر على بن عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا هُرَيْرَةَ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ إِسْحَاقُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ كَانَ مَعْمَرٌ يَتَرَدَّدُ فِيهِ حَتَّى جَاءَهُ زَمْعَةُ بِكِتَابٍ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَانَ لَا يَشُكُّ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عبيد الله ان بن عَبَّاسٍ أَوْ أَبَا هُرَيْرَةَ هَكَذَا بِالشَّكِّ وَأَخْرَجَهُ مُسلم عَن بْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ يُونُسَ وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيُّ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَة كَانَ لَا يذكر فِيهِ بن عَبَّاس قَالَ فَلَمَّا كَانَ فِي آخر زَمَانه أثبت فِيهِ بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ هَكَذَا وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ مُسْتَوْعَبًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ رُؤْيَا بِاللَّيْلِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ الذُّهْلِيُّ الْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ الزُّبَيْدِيِّ وَصَنِيعُ الْبُخَارِيِّ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةِ يُونُسَ وَمَنْ تَابَعَهُ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْأَيْمَانُ وَالنُّذُورُ حَيْثُ قَالَ.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ لَا تُقْسِمْ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَجُلًا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِهِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِمَّا يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا فَلْيَقُصَّهَا أَعْبُرُهَا لَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلْيَقُصَّهَا لِيَذْكُرْ قِصَّتَهَا وَيَتَّبِعْ جُزْئِيَّاتِهَا حَتَّى لَا يَتْرُكَ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ قَصَصْتُ الْأَثَرَ إِذَا اتَّبَعْتُهُ وَأَعْبُرُهَا أَيْ أُفَسِّرُهَا وَوَقَعَ بَيَانُ الْوَقْتِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَلَفْظُهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ أُحُدٍ وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ سَوَاء كَانَ عَن بن عَبَّاسٍ أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مِنْ رِوَايَة بن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِالْمَدِينَةِ أَمَّا بن عَبَّاسٍ فَكَانَ صَغِيرًا مَعَ أَبَوَيْهِ بِمَكَّةَ فَإِنَّ مَوْلِدَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الصَّحِيحِ وَأُحُدٌ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَأما أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ زَمَنَ خَيْبَرَ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ سَبْعٍ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي رَأَيْتُ كَذَا للْأَكْثَر وَفِي رِوَايَة بن وَهْبٍ إِنَى أَرَى كَأَنَّهُ لِقُوَّةِ تَحَقُّقِهِ الرُّؤْيَا كَانَتْ مُمَثَّلَةً بَيْنَ عَيْنَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهَا حِينَئِذٍ .

     قَوْلُهُ  ظُلَّةٌ بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَحَابَةٌ لَهَا ظِلٌّ وَكُلُّ مَا أَظَلَّ مِنْ سَقِيفَة وَنَحْوهَا يُسمى ظلة قَالَه الْخطابِيّ.

     وَقَالَ  بن فَارِسٍ الظُّلَّةُ أَوَّلُ شَيْءٍ يُظِلُّ زَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ وَأَبِي عَوَانَةَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عِنْد بن مَاجَهْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ .

     قَوْلُهُ  تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ بِنُونٍ وَطَاءٍ مَكْسُورَةٍ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَمَعْنَاهُ تَقْطُرُ بِقَافٍ وَطَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا يُقَالُ نطف المَاء إِذا سَأَلَ.

     وَقَالَ  بن فَارِسٍ لَيْلَةَ نَطُوفُ أُمْطِرَتْ إِلَى الصُّبْحِ .

     قَوْلُهُ  فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا أَيْ يَأْخُذُونَ بِأَكُفِّهِمْ فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ بِأَيْدِيهِمْ قَالَ الْخَلِيلُ تَكَفَّفَ بَسَطَ كَفَّهُ لِيَأْخُذَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ يَسْتَقُونَ بِمُهْمَلَةٍ وَمُثَنَّاةٍ وَقَافٍ أَيْ يَأْخُذُونَ فِي الْأَسْقِيَةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى يَتَكَفَّفُونَ يَأْخُذُونَ كِفَايَتَهُمْ وَهُوَ أَلْيَقُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ.

قُلْتُ وَمَا أَدْرِي كَيْفَ جَوَّزَ أَخْذَ كَفَى مِنْ كَفَّفَهُ وَلَا حُجَّةَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ أَيِ الْآخِذُ كَثِيرًا وَالْآخِذُ قَلِيلًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ فِيهِمَا وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَمَنْ بَيْنَ مُسْتَكْثِرٍ وَمُسْتَقِلٍّ وَبَيْنَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَإِذَا سَبَبٌ أَيْ حَبْلٌ .

     قَوْلُهُ  وَاصِلٌ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلًا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ وَرَأَيْتُ لَهَا سَبَبًا وَاصِلًا وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ وَكَأَنَّ سَبَبًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ فَأَعْلَاكَ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَخَذَ بِهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِبَعْضِهِمْ ثُمَّ أَخَذَهُ زَادَ بن وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ بَعْدُ وَفِي رِوَايَةِ بن عُيَيْنَة وبن حُسَيْنٍ مِنْ بَعْدِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَعَلَا بِهِ زَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ فَأَعْلَاهُ اللَّهُ وَهَكَذَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطع زَاد بن وَهْبٍ هُنَا بِهِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكُمْ فَأَخَذَ بِهِ فَقُطِعَ بِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ وُصِلَ فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ فَوُصِلَ لَهُ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ فَقُطِعَ بِهِ ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَاتَّصَلَ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ ثُمَّ وُصِلَ لَهُ .

     قَوْلُهُ  بِأَبِي أَنْتَ زَادَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَأُمِّي .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ ائْذَنْ لِي .

     قَوْلُهُ  فَأَعْبُرُهَا فِي رِوَايَةِ بن وَهْبٍ فَلَأَعْبُرَنَّهَا بِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ بِاللَّامِ وَالنُّونِ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ الزُّبَيْدِيِّ قَوْله أعبرها فِي رِوَايَة سُفْيَان عِنْد بن مَاجَهْ عَبَّرَهَا بِالتَّشْدِيدِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ فَأَذِنَ لَهُ زَادَ سُلَيْمَانُ وَكَانَ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ لِلرُّؤْيَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ .
وَأَمَّا الظُّلَّةُ فَالْإِسْلَامُ فِي رِوَايَة لِابْنِ وَهْبٍ وَكَذَا لِمَعْمَرٍ وَالزُّبَيْدِيِّ فَظُلَّةُ الْإِسْلَامِ وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ كَرِوَايَةِ اللَّيْثِ وَكَذَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَهِيَ الَّتِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهَا .

     قَوْلُهُ  فَالْقُرْآنُ حَلَاوَتُهُ تنطف فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ حَلَاوَتُهُ وَلِينُهُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَمَعْمَرٍ وَبَيَّنَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ.
وَأَمَّا الْعَسَلُ وَالسَّمْنُ فَالْقُرْآنُ فِي حَلَاوَةِ الْعَسَلِ وَلِينِ السَّمْنِ .

     قَوْلُهُ  فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ والمستقل زَاد بن وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ قَبْلَ هَذَا.
وَأَمَّا مَا يَتَكَفَّفُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَالْآخِذُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا وَقَلِيلًا وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ فَهُمْ حَمَلَةُ الْقُرْآنِ .

     قَوْلُهُ .
وَأَمَّا السَّبَبُ إِلَخْ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ.
وَأَمَّا السَّبَبُ فَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ تَعْلُو فَيُعْلِيكَ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ زَاد سُفْيَان بن حُسَيْن وبن وَهْبٍ مِنْ بَعْدِكَ زَادَ سُفْيَانُ بن حُسَيْن على منهاجك .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بن حُسَيْن ثمَّ يكون من بعدكما رَجُلٌ يَأْخُذُ مَأْخَذَكُمَا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رجل زَاد بن وَهْبٍ آخَرُ .

     قَوْلُهُ  فَيُقْطَعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ زَادَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ فَيُعْلِيهِ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ هَلْ أَصَبْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ أَخْطَأْتُ .

     قَوْلُهُ  أَصَبْتُ بَعْضًا وَأَخْطَأْتُ بَعْضًا فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ وَسُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ أصبت وأخطأت قَوْله قَالَ فوَاللَّه زَاد بن وَهْبٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ اتَّفَقَا لَتُحَدِّثُنِي بِالَّذِي أَخْطَأت فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ مَا الَّذِي أَخْطَأْتُ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بن عُيَيْنَة عِنْد بن مَاجَهْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُخْبِرَنِّي بِالَّذِي أَصَبْتُ مِنَ الَّذِي أَخْطَأْتُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ مَا الَّذِي أَخْطَأْتُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَاقِيَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَا تقسم فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْسِمْ يَا أَبَا بَكْرٍ وَمِثْلُهُ لِمَعْمَرٍ لَكِنْ دُونَ قَوْلِهِ يَا أَبَا بَكْرٍ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ مَا الَّذِي أَصَبْتُ وَمَا الَّذِي أَخْطَأْتُ فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَا تُقْسِمْ أَيْ لَا تُكَرِّرْ يَمِينَكَ فَإِنِّي لَا أُخْبِرُكَ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ تَوْجِيهُ تَعْبِيرِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الظُّلَّةَ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ وَكَذَلِكَ كَانَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ يَقِي الْأَذَى وَيَنْعَمُ بِهِ الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَأَمَّا الْعَسَلُ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ شِفَاءً لِلنَّاسِ.

     وَقَالَ  تَعَالَى أَن الْقُرْآن شِفَاء لما فِي الصُّدُور.

     وَقَالَ  انه شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين وَهُوَ حُلْوٌ عَلَى الْأَسْمَاعِ كَحَلَاوَةِ الْعَسَلِ فِي الْمَذَاقِ وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ فِي السَّمْنِ شِفَاءً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ يَكُونُ عَبَرَ الظُّلَّةَ بِذَلِكَ لَمَّا نَطَفْتِ الْعَسَلَ وَالسَّمْنَ اللَّذَيْنِ عَبَرَهُمَا بِالْقُرْآنِ وَذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالشَّرِيعَةِ وَالسَّبَبُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْلُ وَالْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَالَّذِينَ أَخَذُوا بِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ هُمُ الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ وَعُثْمَانُ هُوَ الَّذِي انْقَطَعَ بِهِ ثُمَّ اتَّصَلَ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَالَ الْمُهَلَّبُ وَمَوْضِعُ الْخَطَإِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ وَصَلَ لَهُ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ وَصَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ.

قُلْتُ بَلْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  لَهُ وَإِنْ سَقَطَتْ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ فَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ شُيُوخِهِ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَهِي ثَابِتَة فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ وَغَيْرِهِ كُلُّهُمْ عَنْ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عِنْد النَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ وَأَبِي عَوَانَةَ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَزَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ فِي رِوَايَتِهِ فَوَصَلَ لَهُ فأتصل ثمَّ بني الْمُهَلَّبِ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ فَقَالَ كَانَ يَنْبَغِي لِأَبِي بَكْرٍ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ وَقَفَتِ الرُّؤْيَا وَلَا يَذْكُرَ الْمَوْصُولَ لَهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ عُثْمَانَ انْقَطَعَ بِهِ الْحَبْلُ ثُمَّ وُصِلَ لِغَيْرِهِ أَيْ وُصِلَتِ الْخِلَافَةُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ لَفْظَةَ لَهُ ثَابِتَةٌ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ فَالْمَعْنى على هَذَا أَن عُثْمَان كَاد يَنْقَطِعُ عَنِ اللَّحَاقِ بِصَاحِبَيْهِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْقَضَايَا الَّتِي أَنْكَرُوهَا فَعَبَّرَ عَنْهَا بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ فَاتَّصَلَ بِهِمْ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَبْلَ وُصِلَ لَهُ فَاتَّصَلَ فَالْتَحَقَ بِهِمْ فَلَمْ يَتِمَّ فِي تَبْيِينِ الْخَطَإِ فِي التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ مَا تَوَهَّمَهُ الْمُهَلَّبُ وَالْعَجَبُ مِنَ الْقَاضِي عِيَاضٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ قِيلَ خَطَؤُهُ فِي قَوْلِهِ فَيُوصَلُ لَهُ وَلَيْسَ فِي الرُّؤْيَا إِلَّا أَنَّهُ يُوصَلُ وَلَيْسَ فِيهَا لَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُوصَلْ لِعُثْمَانَ وَإِنَّمَا وُصِلَتِ الْخِلَافَةُ لِعَلِيٍّ وَمَوْضِعُ التَّعَجُّبِ سُكُوتُهُ عَنْ تَعَقُّبِ هَذَا الْكَلَامِ مَعَ كَوْنِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَهِيَ لَهُ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ الَّذِي يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الْخَطَأُ هُنَا بِمَعْنَى التَّرْكِ أَيْ تَرَكْتَ بَعْضًا لَمْ تُفَسِّرْهُ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ قِيلَ السَّبَبُ فِي قَوْلِهِ وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا أَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا قَصَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَاهُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقَّ بِتَعْبِيرِهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَمَّا طَلَبَ تَعْبِيرَهَا كَانَ ذَلِكَ خَطَأً فَقَالَ أَخْطَأْتَ بَعْضًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَالْمرَاد بقوله قيل بن قُتَيْبَةَ فَإِنَّهُ الْقَائِلُ لِذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا أَخْطَأَ فِي مُبَادَرَتِهِ بِتَفْسِيرِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى ذَلِكَ.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَقَالَ هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  أعبرها قلت مُرَاد بن قُتَيْبَةَ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ ابْتِدَاءً بَلْ بَادَرَ هُوَ فَسَأَلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي تَعْبِيرِهَا فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ أَخْطَأْتَ فِي مُبَادَرَتِكَ لِلسُّؤَالِ أَنْ تَتَوَلَّى تَعْبِيرَهَا لَا أَنَّهُ أَرَادَ أَخْطَأْتَ فِي تَعْبِيرِكَ لَكِنْ فِي إِطْلَاقِ الْخَطَإِ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَتَبَادَرُ لِلسَّمْعِ مِنْ جَوَابِ قَوْلِهِ هَلْ أَصَبْتَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِصَابَةَ وَالْخَطَأَ فِي تَعْبِيرِهِ لَا لِكَوْنِهِ الْتَمَسَ التَّعْبِيرَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بن التِّينِ وَمَنْ بَعْدَهُ الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَطَأَ فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا أَيْ أَخْطَأْتَ فِي بَعْضِ تَأْوِيلِكَ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ تَبْوِيبُ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذا لم يصب وَنقل بن التِّينِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيِّ وَالدَّاوُدِيِّ نَحْوَ مَا نَقَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَفْظُهُمْ أَخْطَأَ فِي سُؤَالِهِ أَنْ يَعْبُرَهَا وَفِي تَعْبِيرِهِ لَهَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  بن هُبَيْرَةَ إِنَّمَا كَانَ الْخَطَأُ لِكَوْنِهِ أَقْسَمَ لَيَعْبُرَنَّهَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ الْخَطَأُ فِي التَّعْبِيرِ لَمْ يُقِرَّهُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  لَا تُقْسِمُ فَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِذَا تَفَكَّرْتَ فِيمَا أَخْطَأْتَ بِهِ عَلِمْتَهُ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَرَادَ أَنْ يَعْبُرَهَا فَيَسْمَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقُولُهُ فَيَعْرِفَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ عِلْمَ نَفْسِهِ لِتَقْرِيرِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بن التِّينِ وَقِيلَ أَخْطَأَ لِكَوْنِ الْمَذْكُورِ فِي الرُّؤْيَا شَيْئَيْنِ الْعَسَلَ وَالسَّمْنَ فَفَسَّرَهُمَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَسِّرَهُمَا بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنِ الطَّحَاوِيِّ.

قُلْتُ وَحَكَاهُ الْخَطِيبُ عَنْ أَهْلِ الْعلم بالتعبير وَجزم بِهِ بن الْعَرَبِيِّ فَقَالَ قَالُوا هُنَا وَهِمَ أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ مَعْنًى وَاحِدًا وَهُمَا مَعْنَيَانِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السَّمْنُ وَالْعَسَلُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا الْفَهم وَالْحِفْظ وأيد بن الْجَوْزِيِّ مَا نُسِبَ لِلطَّحَاوِيِّ بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ فِي إِحْدَى إِصْبَعَيَّ سَمْنًا وَفِي الْأُخْرَى عَسَلًا فَأَلْعَقُهُمَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَقْرَأُ الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاةَ وَالْفُرْقَانَ فَكَانَ يَقْرَؤُهُمَا.

قُلْتُ فَفَسَّرَ الْعَسَلَ بِشَيْءٍ وَالسَّمْنَ بِشَيْءٍ قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ إِنَّمَا لَمْ يَبَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ إِبْرَارَ الْقَسَمِ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَفْسَدَةٌ وَلَا مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ فَلَا إِبْرَارَ وَلَعَلَّ الْمَفْسَدَةَ فِي ذَلِكَ مَا عَلِمَهُ مِنْ سَبَبِ انْقِطَاعِ السَّبَبِ بِعُثْمَانَ وَهُوَ قَتْلُهُ وَتِلْكَ الْحُرُوبُ وَالْفِتَنُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ فَكَرِهَ ذِكْرَهَا خَوْفَ شُيُوعِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ لَهُ السَّبَبَ لَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ يُوَبِّخَهُ بَيْنَ النَّاسِ لِمُبَادَرَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَطَؤُهُ فِي تَرْكِ تَعْيِينِ الرِّجَالِ الْمَذْكُورِينَ فَلَوْ أَبَرَّ قَسَمَهُ لَلَزِمَ أَنْ يُعَيِّنَهُمْ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ إِذْ لَوْ عَيَّنَهُمْ لَكَانَ نَصًّا عَلَى خِلَافَتِهِمْ وَقَدْ سَبَقَتْ مَشِيئَةُ اللَّهِ أَنَّ الْخِلَافَةَ تَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَتَرَكَ تَعْيِينَهُمْ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ وَقِيلَ هُوَ عِلْمُ غَيْبٍ فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ وَيُخْفِيَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَخْطَأْتَ وَأَصَبْتَ أَنَّ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا مَرْجِعُهُ الظَّنُّ وَالظَّنَّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَقِيلَ لَمَّا أَرَادَ الِاسْتِبْدَادَ وَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى يُفَادَ جَازَ مَنْعُهُ مَا يُسْتَفَادُ فَكَانَ الْمَنْعُ كَالتَّأْدِيبِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ.

قُلْتُ وَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ لَفْظِ الْخَطَإِ وَالتَّوَهُّمِ وَالتَّأْدِيبِ وَغَيْرِهِمَا إِنَّمَا أَحْكِيهِ عَنْ قَائِلِهِ وَلَسْتُ رَاضِيًا بِإِطْلَاقِهِ فِي حَقِّ الصِّدِّيقِ وَقِيلَ الْخَطَأُ فِي خَلْعِ عُثْمَانَ لِأَنَّهُ فِي الْمَنَامِ رَأَى أَنَّهُ آخِذٌ بِالسَّبَبِ فَانْقَطَعَ بِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى انْخِلَاعِهِ بِنَفْسِهِ وَتَفْسِيرُ أَبِي بَكْرٍ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ وَعُثْمَانُ قَدْ قُتِلَ قَهْرًا وَلَمْ يَخْلَعْ نَفْسَهُ فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ وَصْلُهُ عَلَى وِلَايَةِ غَيْرِهِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ إِبْرَارَ الْقَسَمِ لِمَا يَدْخُلُ فِي النُّفُوسِ لَا سِيَّمَا مِنَ الَّذِي انْقَطَعَ فِي يَدِهِ السَّبَبُ وَإِنْ كَانَ وَصَلَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ فَقُطِعَ فَقِيلَ مَعْنَاهُ قُتِلَ وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ لَيْسَ مَعْنَى قُطِعَ قُتِلَ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَشَارَكَهُ عُمَرُ لَكِنَّ قَتْلَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ الْعُلُوِّ بَلْ بِجِهَةِ عَدَاوَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَقَتْلُ عُثْمَانَ كَانَ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي عَلَا بِهَا وَهِيَ الْوِلَايَةُ فَلِذَلِكَ جَعَلَ قَتْلَهُ قَطْعًا قَالَ وَقَولُهُ ثُمَّ وُصِلَ يَعْنِي بِوِلَايَةِ عَلِيٍّ فَكَانَ الْحَبْلُ مَوْصُولًا وَلَكِنْ لَمْ يَرَ فِيهِ عُلُوًّا كَذَا قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي تَنْقِيحِ الزَّرْكَشِيِّ مَا نَصُّهُ وَالَّذِي انْقَطَعَ بِهِ وَوُصِلَ لَهُ هُوَ عُمَرُ لِأَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ وُصِلَ لَهُ بِأَهْلِ الشُّورَى وَبِعُثْمَانَ كَذَا قَالَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْخَبَرِ مِنَ الرِّجَالِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَانِ فَقَطْ وَهُوَ اخْتِصَارٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَإِلَّا فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ ثَلَاثَةٌ وَعَلَى ذَلِكَ شَرَحَ من تقدم ذكره وَالله أعلم قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَقَولُهُ أَخْطَأْتَ بَعْضًا اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْخَطَإِ فَقِيلَ وَجْهُ الْخَطَإِ تَسَوُّرُهُ عَلَى التَّعْبِيرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَاحْتَمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِهِ مِنْهُ قُلْت تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَالَ وَقِيلَ أَخْطَأَ لِقَسَمِهِ عَلَيْهِ وَقِيلَ لِجَعْلِهِ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ مَعْنًى وَاحِدًا وَهُمَا مَعْنَيَانِ وَأَيَّدُوهُ بِأَنَّهُ قَالَ أَخْطَأْتَ بَعْضًا وَأَصَبْتَ بَعْضًا وَلَوْ كَانَ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيمِ فِي الْيَسَارِ أَوْ فِي الْيَمِينِ لَمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ من الرُّؤْيَا.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ أَصَبْتَ وَأَخْطَأْتَ لِتَعْبِيرِهِ الرُّؤْيَا.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ بَلْ هَذَا لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَخْطَأْتَ فِي بَعْضِ مَا جرى وأصبت فِي الْبَعْض ثمَّ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَأَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ قِيلَ وَجْهُ الْخَطَإِ أَنَّ الصَّوَابَ فِي التَّعْبِيرِ أَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الظُّلَّةُ وَالسَّمْنَ وَالْعَسَلَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَقِيلَ وَجْهُ الْخَطَإِ أَنَّهُ جَعَلَ السَّبَبَ الْحَقَّ وَعُثْمَانُ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ الْحَقُّ وَإِنَّمَا الْحَقُّ أَنَّ الْوِلَايَةَ كَانَتْ بِالنُّبُوَّةِ ثُمَّ صَارَتْ بِالْخِلَافَةِ فَاتَّصَلَتْ لِأَبِي بَكْرٍ وَلِعُمَرَ ثُمَّ انْقَطَعَتْ بِعُثْمَانَ لِمَا كَانَ ظَنَّ بِهِ ثُمَّ صَحَّتْ بَرَاءَتُهُ فَأَعْلَاهُ اللَّهُ وَلَحِقَ بِأَصْحَابِهِ قَالَ وَسَأَلْتُ بَعْضَ الشُّيُوخِ الْعَارِفِينَ عَنْ تَعْيِينِ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْطَأَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ مَنِ الَّذِي يَعْرِفُهُ وَلَئِنْ كَانَ تَقَدُّمُ أَبِي بَكْرٍ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلتَّعْبِيرِ خَطَأً فَالتَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ لِتَعْيِينِ خَطَئِهِ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ فَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الدِّينُ وَالْحَزْمُ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي انما أقدموا على تَبْيِين ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَيِّنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ تَبْيِينِهِ مَفْسَدَةٌ إِذْ ذَاكَ فَزَالَتْ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرُوهُ إِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الِاحْتِمَالِ وَلَا جَزْمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ لِأَوَّلِ عَابِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ لَكِنْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِرْمَانِيُّ الْمُعَبِّرُ لَا يُغَيِّرُ الرُّؤْيَا عَنْ وَجْهِهَا عِبَارَةُ عَابِرٍ وَلَا غَيْرُهُ وَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ مَخْلُوقٌ أَنْ يُغَيِّرَ مَا كَانَتْ نُسْخَتُهُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَتَدَرَّبْ فِي عِلْمِ التَّأْوِيلِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِمَا سَبَقَ إِلَيْهِ مَنْ لَا يُشَكُّ فِي أَمَانَتِهِ وَدِينِهِ.

قُلْتُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمَرَائِيَ تُنْسَخُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ عَلَى وَفْقِ مَا يَعْبُرُهَا الْعَارِفُ وَمَا الْمَانِعُ أَنَّهَا تُنْسَخُ عَلَى وَفْقِ مَا يَعْبُرُهَا أَوَّلُ عَابِرٍ وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إِبْرَارُ الْقَسَمِ إِذَا كَانَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ قَالَ أُقْسِمُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ أَقْسَمْتُ كَذَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الَّذِي فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي وَهَذَا صَرِيحُ يَمِينٍ.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَان وَالنُّذُور قَالَ بن التِّينِ فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِإِبْرَارِ الْقَسَمِ خَاصٌّ بِمَا يَجُوزُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَبَرَّ قَسَمَ أَبِي بَكْرٍ لِكَوْنِهِ سَأَلَ مَا لَا يَجُوزُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ لِكُلِّ أَحَدٍ.

قُلْتُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنَعَهُ ذَلِكَ لَمَّا سَأَلَهُ جِهَارًا وَأَنْ يَكُونَ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ سِرًّا وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَعْلِيمِ عِلْمِ الرُّؤْيَا وَعَلَى تَعْبِيرِهَا وَتَرْكِ إِغْفَالِ السُّؤَالِ عَنْهُ وَفَضِيلَتِهَا لِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ وَأَسْرَارِ الكائنات قَالَ بن هُبَيْرَةَ وَفِي السُّؤَالِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَوَّلًا وَآخِرًا وَجَوَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دلَالَة على انْبِسَاطِ أَبِي بَكْرٍ مَعَهُ وَإِدْلَالُهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَعْبُرُ الرُّؤْيَا إِلَّا عَالِمٌ نَاصِحٌ أَمِينٌ حَبِيبٌ وَفِيهِ أَنَّ الْعَابِرَ قَدْ يُخْطِئُ وَقَدْ يُصِيبُ وَأَنَّ لِلْعَالَمِ بِالتَّعْبِيرِ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا أَوْ بَعْضِهَا عِنْدَ رُجْحَانِ الْكِتْمَانِ عَلَى الذِّكْرِ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَمَحَلُّهُ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ عُمُومٌ فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مَخْصُوصَةً بِوَاحِدٍ مَثَلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْبِرَهُ لِيُعِدَّ الصَّبْرَ وَيَكُونَ عَلَى أُهْبَةٍ مِنْ نُزُولِ الْحَادِثَةِ وَفِيهِ جَوَازُ إِظْهَارِ الْعَالِمِ مَا يَحْسُنُ مِنَ الْعِلْمِ إِذَا خَلَصَتْ نِيَّتُهُ وَأَمِنَ الْعُجْبَ وَكَلَامُ الْعَالِمِ بِالْعِلْمِ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ صَرِيحًا أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ مِثْلِهِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ وَأَنَّ لِلتِّلْمِيذِ أَنْ يقسم على معلمه أَن يفِيدهُ الحكم