فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب في الزكاة وأن لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق، خشية الصدقة

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ فِي الزَّكَاةِ)

أَيْ تَرْكُ الْحِيَلِ فِي إِسْقَاطهَا



[ قــ :6589 ... غــ :6955] قَوْله وَأَن لايفرق بَين مُجْتَمع وَلَا يجمع بَين متفرق خشيَة الصَّدَقَةِ هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فِي الْبَابِ وَهَوُ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَوْرَدَهُ فِي الزَّكَاةِ بِهَذَا السَّنَدِ تَامًّا وَمُفَرَّقًا وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ





[ قــ :6590 ... غــ :6956] أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَوَّلَ الصَّحِيحِ .

     قَوْلُهُ  وقَال بَعْضُ النَّاسِ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ حِقَّتَانِ فَإِنْ أَهْلَكَهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ وَهَبَهَا أَوِ احْتَالَ فِيهَا فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ قَالَ بن بَطَّالٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْءِ قَبْلَ الْحَوْلِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالذَّبْحِ وَإِذَا لَمْ يَنْوِ الْفِرَارَ مِنَ الصَّدَقَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا حَالَ الْحَوْلُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّحَيُّلُ بِأَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ أَوْ يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ مَالِكٌ مَنْ فَوَّتَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يَنْوِي بِهِ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ عِنْدَ الْحَوْلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ نَوَى بِتَفْوِيتِهِ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ لَا تَضُرُّهُ النِّيَّةُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا بِتَمَامِ الْحَوْلِ وَلَا يُتَوَجَّهُ إِلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ إِلَّا حِينَئِذٍ قَالَ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ قَصَدَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ كُلَّ حِيلَةٍ يَتَحَيَّلُ بِهَا أَحَدٌ فِي إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ إِثْمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَنَعَ مِنْ جَمْعِ الْغَنَمِ أَوْ تَفْرِقَتِهَا خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ فُهِمَ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى وَفُهِمَ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ فِي قَوْلِهِ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ أَنَّ مَنْ رَامَ أَنْ يَنْقُصَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ بِحِيلَةٍ يَحْتَالُهَا أَنَّهُ لَا يُفْلِحُ قَالَ وَمَا أَجَابَ بِهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ تَصَرُّفِ ذِي الْمَالِ فِي مَالِهِ قُرْبَ حُلُولِ الْحَوْلِ ثُمَّ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ وَمَنْ نَوَى ذَلِكَ فَالْإِثْمُ عَنْهُ غَيْرُ سَاقِطٍ وَهُوَ كَمَنْ فَرَّ عَنْ صِيَامِ رَمَضَانَ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِيَوْمٍ وَاسْتَعْمَلَ سَفَرًا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِيُفْطِرَ فَالْوَعِيدُ إِلَيْهِ يُتَوَجَّهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ يُنْسَبُ لِأَبِي يُوسُفَ.

     وَقَالَ  مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقَصْدِ إِلَى إِبْطَالِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ النِّصَابُ وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ مِنَ الْوُجُوبِ لَا إِسْقَاطٌ لِلْوَاجِبِ وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ مِنْهَا لَمْ يُكْرَهْ وَلَوْ نَوَى بِتَصَدُّقِهِ بِالدِّرْهَمِ أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ فَلَا يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحُرْمَةَ تُجَامِعُ الْفَرْضَ كَطَوَافِ الْمُحْدِثِ أَوِ الْعَارِي فَكَيْفَ لَا يَكُونُ الْقَصْدُ مَكْرُوهًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَولُهُ امْتِنَاعٌ مِنَ الْوُجُوبِ مُعْتَرَضٌ فَإِنَّ الْوُجُوبَ قَدْ تَقَرَّرَ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ وَلِذَلِكَ جَازَ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِاحْتِيَالَ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا مَكْرُوهٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا قَبْلَ الْوُجُوبِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الزَّكَاةِ مَكْرُوهًا أَيْضًا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو يُوسُفَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مَنْعُ الصَّدَقَةِ وَلَا إِخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ لِيُفَرِّقَهَا بِذَلِكَ فَتَبْطُلَ الصَّدَقَةُ عَنْهَا بِأَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يُحْتَالُ فِي إِبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِوَجْهٍ انْتَهَى وَنَقَلَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ رَاوِي كِتَابِ الْحِيَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ مَا احْتَالَ بِهِ الْمُسْلِمُ حَتَّى يَتَخَلَّصَ بِهِ مِنَ الْحَرَامِ أَوْ يَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى الْحَلَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَا احْتَالَ بِهِ حَتَّى يُبْطِلَ حَقًّا أَوْ يُحِقَّ بَاطِلًا أَوْ لِيُدْخِلَ بِهِ شُبْهَةً فِي حَقٍّ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْمَكْرُوهُ عِنْدَهُ إِلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ نَاظَرَ مُحَمَّدًا فِي امْرَأَةٍ كَرِهَتْ زَوْجَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ فراقها فمكنت بن زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عِنْدَهُمْ عَلَى زَوْجِهَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ إِنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تثبت بالزنى قَالَ فَقلت لمُحَمد الزِّنَا لايحرم الْحَلَالَ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَلَا يُقَاسُ شَيْءٌ عَلَى ضِدِّهِ فَقَالَ يَجْمَعُهُمَا الْجِمَاعُ فَقُلْتُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ حُمِدَتْ بِهِ وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا وَالْآخَرُ ذُمَّتْ بِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهَا الرَّجْمُ وَيَلْزَمُ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا إِذَا زَنَتْ حَلَّتْ لِزَوْجِهَا وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَزَنَى بِخَامِسَةٍ أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ إِحْدَى الْأَرْبَعِ إِلَى آخِرِ الْمُنَاظَرَةِ وَقَدْ أَشْكَلَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ فِي التَّرْجَمَةِ فَإِنْ أَهْلَكَهَا بِأَنَّ الْإِهْلَاكَ لَيْسَ مِنَ الْحِيَلِ بَلْ هُوَ مِنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فَإِنَّ الْحِيلَةَ إِنَّمَا هِيَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَوْ جَلْبِ مَنْفَعَةٍ وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَذْبَحَ الْحِقَّتَيْنِ مَثَلًا وَيَنْتَفِعَ بِلَحْمِهِمَا فَتَسْقُطَ الزَّكَاةُ بِالْحِقَّتَيْنِ وَيَنْتَقِلَ إِلَى مَا دُونَهُمَا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :6591 ... غــ :6957] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ هُوَ بن رَاهْوَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ .

     قَوْلُهُ  يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ الْمُرَادُ بِالْكَنْزِ الْمَالُ الَّذِي يُخَبَّأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَوَقَعَ هُنَاكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَبِهِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَاب قَوْله أَنا كَنْزك هَذَا زَائِدٌ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ لَنْ يَزَالَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا بَدَلَ لَنْ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ أَيْ صَاحِبُ الْمَالِ .

     قَوْلُهُ  فَيُلْقِمَهَا فَاهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ يُلْقِمَهَا الْكَانِزُ أَوِ الشُّجَاعُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ فَيَأْخُذَ بِلِهْزِمَتَيْهِ أَيْ يَأْخُذَ الشُّجَاعُ يَدَ الْكَانِزِ بِشِدْقَيْهِ وَهُمَا اللِّهْزِمَتَانِ كَمَا أَوْضَحْتُهُ هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  وقَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مِنْ نُسْخَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقد أخرجه أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق فَقدم هَذَا عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ مَا زَائِدَةٌ وَالرَّبُّ الْمَالِكُ وَالنَّعَمِ بِفَتْحَتَيْنِ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَالْبَقَرُ وَقِيلَ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ فَقَطْ حَكَاهُ فِي الْمُحْكَمِ وَقِيلَ الْإِبِلُ فَقَطْ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وفرشا ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَيُؤَيِّدُ الثَّالِثَ اقْتِصَارُهُ هُنَا عَلَى الْأَخْفَافِ فَإِنَّهَا لِلْإِبِلِ خَاصَّةً وَالْمُرَادُ بِقَوْله حَقَّهَا زَكَاتَهَا وَصَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ أَتَمَّ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال بَعْضُ النَّاسِ فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَبَاعَهَا بِإِبِلٍ مِثْلِهَا أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ ببقر أَوْ بِدَرَاهِمَ فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيَالًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ سِتَّة جَازَتْ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَيُعْرَفُ تَقْرِيرُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ مِمَّا مَضَى وَقَدْ تَأَكد الْمَنْع بِمَسْأَلَة التَّعْجِيل قيل تَوْجِيهِ إِلْزَامِهِمُ التَّنَاقُضَ أَنَّ مَنْ أَجَازَ التَّقْدِيمَ لَمْ يُرَاعِ دُخُولَ الْحَوْلِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَإِذَا كَانَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْحَوْلِ مُجْزِئًا فَلْيَكُنِ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْحَوْلِ غَيْرَ مُسْقِطٍ وَأَجَابَ عَنْهُم بن بَطَّالٍ بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَتَنَاقَضْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ إِلَّا بِتَمَامِ الْحَوْلِ وَيَجْعَلُ مَنْ قَدَّمَهَا كَمَنْ قَدَّمَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا قَبْلَ أَنْ يَحُلَّ انْتَهَى وَالتَّنَاقُضُ لَازِمٌ لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ الْحُرْمَةَ تُجَامِعُ الْفَرْضَ كَطَوَافِ الْعَارِي وَلَوْ لَمْ يَتَقَرَّرِ الْوُجُوبُ لَمْ يَجُزِ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ بَاعَ إِبِلًا بِمِثْلِهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى حَوْلٍ الْأَوْلَى لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالنِّصَابِ وَالْمَأْخُوذُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَسْتَأْنِفُ لِاخْتِلَافِ النِّصَابِ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ أَثِمَ وَلَوْ قُلْنَا يَسْتَأْنِفُ وَعَنْ أَحْمَدَ إِذَا مَلَكَهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَاعَهَا بِنَقْدٍ زَكَّى الدَّرَاهِمَ عَنْ سِتَّةِ أشهر من يَوْم البيع وَنقل شَيخنَا بن الملقن عَن بن التِّينِ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْبُخَارِيَّ إِنَّمَا أَتَى بِقَوْلِهِ مَانِعُ الزَّكَاةِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْفِرَارَ من الزَّكَاة لَا يَحِلُّ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ قَالَ شَيْخُنَا وَهَذَا لَمْ نَرَهُ فِي الْبُخَارِيِّ.

قُلْتُ بَلْ هُوَ فِيهِ بِالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا فَهَذَا هُوَ مَانِعُ الزَّكَاةِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ قَالَ





[ قــ :6593 ... غــ :6959] اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَخْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ قَالَ الْمُهَلَّبُ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ بِالْحِيلَةِ وَلَا بِالْمَوْتِ لِأَنَّ النَّذْرَ لَمَّا لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ وَالزَّكَاةُ أَوْكَدُ مِنْهُ كَانَتْ لَازِمَةً لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمَّا أَلْزَمَ الْوَلِيَّ بِقَضَاءِ النَّذْرِ عَنْ أُمِّهِ كَانَ قَضَاءُ الزَّكَاةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ أَشَدَّ لُزُومًا .

     قَوْلُهُ  وقَال بَعْضُ النَّاسِ إِذَا بَلَغَتِ الْإِبِلُ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ فَإِنْ وَهَبَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَاعَهَا فِرَارًا أَوِ احْتِيَالًا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِنْ أَتْلَفَهَا فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ تَقَدَّمَتِ الْمُنَازَعَةُ فِي صُورَةِ الْإِتْلَافِ قَرِيبًا وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْمَالَ إِنَّمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مَا دَامَ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ أَوْ مَا تعلق بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ وَهَذَا الَّذِي مَاتَ لَمْ يَبْقَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ يَجِبُ عَلَى وَرَثَتِهِ وَفَاؤُهُ وَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي حِلِّ الْحِيلَةِ لَا فِي لُزُومِ الزَّكَاةِ إِذَا فَرَّ.

قُلْتُ وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إِذَا قَصَدَ بِبَيْعِهَا الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ أَوْ بِهِبَتِهَا الْحِيلَةَ عَلَى إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَمَنْ قَصْدُهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا بَعْدُ كَمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ آثِمٌ بِهَذَا الْقَصْدِ لَكِنْ هَلْ يُؤَثِّرُ هَذَا الْقَصْدُ فِي إِبْقَاءِ الزَّكَاةِ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ يُعْمَلُ بِهِ مَعَ الْإِثْمِ هَذَا مَحَزُّ الْخِلَافِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةَ فُرُوعٍ يَجْمَعُهَا حُكْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَ لِقَصْدِ الْفِرَارِ مِنَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا ثُمَّ أَرَادَ بِتَفْرِيعِهَا عَقِبَ كُلِّ حَدِيثٍ التَّشْنِيعَ بِأَنَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ خَالَفَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ انْتَهَى وَمِنَ الْحِيَلِ فِي إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ أَنْ يَنْوِيَ بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ الْقُنْيَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِذَا دَخَلَ الْحَوْلُ الْآخَرُ اسْتَأْنَفَ التِّجَارَةَ حَتَّى إِذَا قَرُبَ الْحَوْلُ أَبْطَلَ التِّجَارَةَ وَنَوَى الْقُنْيَةَ وَهَذَا يَأْثَمُ جَزْمًا وَالَّذِي يَقْوَى أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى