فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها

( قَولُهُ بَابُ السُّلْطَانِ وَلِيٌّ)
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوَّجْنَاكهَا بِمَا مَعَك من الْقُرْآنِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الْوَاهِبَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِلَفْظِ زَوَّجْتُكَهَا بِالْإِفْرَادِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ زَوَّجْنَاكَهَا بِنُونِ التَّعْظِيمِ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيٌّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَرْفُوعِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَصَححهُ أَبُو عوَانَة وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرطه استنبطه من قصه الواهبة حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الْوَاهِبَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِلَفْظِ زَوَّجْتُكَهَا بِالْإِفْرَادِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ زَوَّجْنَاكَهَا بِنُونِ التَّعْظِيمِ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيٌّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَرْفُوعِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا ولي لَهَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ حسنه وَصَححهُ أَبُو عوَانَة وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطِهِ اسْتَنْبَطَهُ مِنْ قِصَّةِ الْوَاهِبَةِ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَفِيهِ مَقَالٌ وَأَخْرَجَهُ سُفْيَانُ فِي جَامِعِهِ وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَاد آخر حسن عَن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ أَو سُلْطَان قَولُهُ بَابُ لَا يُنْكِحُ الْأَبُ وَغَيْرُهُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ إِلَّا بِرِضَاهُمَا فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَرْبَعُ صُوَرٍ تَزْوِيجُ الْأَبِ الْبِكْرَ وَتَزْوِيجُ الْأَبِ الثَّيِّبَ وَتَزْوِيجُ غَيْرِ الْأَبِ الْبِكْرَ وَتَزْوِيجُ غَيْرِ الْأَبِ الثَّيِّبَ وَإِذَا اعْتَبَرْتَ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ زَادَتِ الصُّوَرُ فَالثَّيِّبُ الْبَالِغُ لَا يُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا بِرِضَاهَا اتِّفَاقًا إِلَّا مَنْ شَذَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا اتِّفَاقًا إِلَّا مَنْ شَذَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَالثَّيِّبُ غَيْرُ الْبَالِغِ اخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا كَمَا يُزَوِّجُ الْبِكْرَ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُزَوِّجُهَا إِذَا زَالَتِ الْبَكَارَةُ بِالْوَطْءِ لَا بِغَيْرِهِ وَالْعِلَّةُ عِنْدَهُمْ أَنَّ إِزَالَةَ الْبَكَارَةِ تُزِيلُ الْحَيَاءَ الَّذِي فِي الْبِكْرِ وَالْبِكْرُ الْبَالِغُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَكَذَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَاخْتلف فِي استثمارها وَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا إِجْبَارَ لِلْأَبِ عَلَيْهَا إِذَا امْتَنَعَتْ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَسَأَذْكُرُ مَزِيدَ بَحْثٍ فِيهِ وَقَدْ أَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ الْجَدَّ بِالْأَبِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ يُزَوِّجُهَا كُلُّ وَلِيٍّ فَإِذَا بَلَغَتْ ثَبَتَ الْخِيَارُ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ إِذَا بَلَغَتْ تِسْعًا جَازَ لِلْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْأَبِ نِكَاحُهَا وَكَأَنَّهُ أَقَامَ الْمَظِنَّةَ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ وَعَنْ مَالِكٍ يَلْتَحِقُ بِالْأَبِ فِي ذَلِكَ وَصِيُّ الْأَبِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ ثُمَّ إِنَّ التَّرْجَمَةَ مَعْقُودَةٌ لِاشْتِرَاطِ رِضَا الْمُزَوَّجَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَكِنْ تُسْتَثْنَى الصَّغِيرَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهَا لَا عِبَارَةَ لَهَا



[ قــ :4860 ... غــ :5136] قَوْله حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ وَيَحْيَى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ .

     قَوْلُهُ  لَا تُنْكِحُ بِكَسْرِ الْحَاءِ لِلنَّهْيِ وَبِرَفْعِهَا لِلْخَبَرِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْمَنْعِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْأَيِّمِ فِي بَابِ عَرْضِ الْإِنْسَانِ ابْنَتَهُ وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَيِّمَ هِيَ الثَّيِّبُ الَّتِي فَارَقَتْ زَوْجَهَا بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ لِمُقَابَلَتِهَا بِالْبِكْرِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَيِّمِ وَمِنْهُ قَوْلِهِمْ الْغَزْوُ مَأْيَمَةٌ أَيْ يَقْتُلُ الرِّجَالَ فَتَصِيرُ النِّسَاءُ أَيَامَى وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَصْلًا وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الْقَوْلَيْنِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بن الْمُنْذِرِ وَالدَّارِمِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ وَوَقَعَ عِنْد بن الْمُنْذِرِ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ قَوْله حَتَّى تستأمر أصل الاستثمار طَلَبُ الْأَمْرِ فَالْمَعْنَى لَا يَعْقِدُ عَلَيْهَا حَتَّى يَطْلُبَ الْأَمْرَ مِنْهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ تُسْتَأْمَرُ أَنَّهُ لَا يَعْقِدُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَأْمُرَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي حَقِّهَا بَلْ فِيهِ إِشْعَارٌ بِاشْتِرَاطِهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبكْر فَعبر للثيب بالاستثمار وَلِلْبِكْرِ بِالِاسْتِئْذَانِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَة أَن الاستثمار يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ الْمُشَاوَرَةِ وَجَعْلِ الْأَمْرِ إِلَى الْمُسْتَأْمَرَةِ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ الْوَلِيُّ إِلَى صَرِيحِ إِذْنِهَا فِي الْعَقْدِ فَإِذَا صَرَّحَتْ بِمَنْعِهِ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا وَالْبِكْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَالْإِذْنُ دَائِرٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالسُّكُوتِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقَوْلِ وَإِنَّمَا جَعَلَ السُّكُوتَ إِذْنًا فِي حَقِّ الْبِكْرِ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْتَحِي أَنْ تُفْصِحَ .

     قَوْلُهُ  قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قُلْنَا وَحَدِيثُ عَائِشَةَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا هِيَ السَّائِلَةُ عَنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ إِذْنُهَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ.

قُلْتُ إِنَّ الْبِكْرِ تَسْتَحي وَسَتَأْتِي أَلْفَاظه الحَدِيث الثَّانِي





[ قــ :4861 ... غــ :5137] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ أَي بن قُرَّةَ الْهِلَالِيُّ أَبُو حَفْصٍ الْمِصْرِيُّ وَأَصْلُهُ كُوفِيٌّ سَمِعَ مِنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ الْقُدَمَاءُ مِثْلُ يَحْيَى بْنُ معِين وَإِسْحَاق الكوسج وَأبي عُبَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ وَهُوَ مِنْ قُدَمَاءِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ أَرَ لَهُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدْ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا اللَّيْثُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْبَأَنَا .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ بن جريج عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ذَكْوَانَ وَسَيَأْتِي فِي تَرْكِ الْحِيَلِ وَيَأْتِي فِي الْإِكْرَاهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو هُوَ ذَكْوَانُ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي هَكَذَا أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ مُخْتَصَرًا وَوَقع فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ.

قُلْتُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَفِي الْإِكْرَاهِ بِلَفْظِ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ قَالَ نَعَمْ.

قُلْتُ فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَارِيَةِ يَنْكِحُهَا أَهْلُهَا أَتُسْتَأْمَرُ أَمْ لَا قَالَ نَعَمْ تُسْتَأْمَرُ.

قُلْتُ فَإِنَّهَا تَسْتَحِي .

     قَوْلُهُ  قَالَ رِضَاهَا صمتها فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ قَالَ سُكَاتُهَا إِذْنُهَا وَفِي لَفْظٍ لَهُ قَالَ إِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق بن جُرَيْجٍ أَيْضًا قَالَ فَذَلِكَ إِذْنُهَا إِذَا هِيَ سَكَتَتْ وَدَلَّتْ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِيَةِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْبِكْرُ دُونَ الثَّيِّبِ وَعند مُسلم أَيْضا من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَفِي لَفْظٍ لَهُ وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفسهَا قَالَ بن الْمُنْذر يُسْتَحَبُّ إِعْلَامُ الْبِكْرِ أَنَّ سُكُوتَهَا إِذْنٌ لَكِنْ لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ صَمْتِي إِذْنٌ لَمْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُور وأبطله بعض الْمَالِكِيَّة.

     وَقَالَ  بن شَعْبَانَ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ ثَلَاثًا إِنْ رَضِيتِ فَاسْكُتِي وَإِنْ كَرِهْتِ فَانْطِقِي.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يُطَالُ الْمَقَامُ عِنْدَهَا لِئَلَّا تَخْجَلَ فَيَمْنَعَهَا ذَلِكَ مِنَ الْمُسَارَعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بَلْ ظَهَرَتْ مِنْهَا قَرِينَةُ السُّخْطِ أَوِ الرِّضَا بِالتَّبَسُّمِ مَثَلًا أَوِ الْبُكَاءِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ نَفَرَتْ أَوْ بَكَتْ أَوْ قَامَتْ أَوْ ظَهَرَ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَمْ تُزَوَّجُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا أَثَرَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَنْعِ إِلَّا إِنْ قَرَنَتْ مَعَ الْبُكَاءِ الصِّيَاحَ وَنَحْوَهُ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الدَّمْعِ فَإِنْ كَانَ حَارًّا دَلَّ عَلَى الْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ بَارِدًا دَلَّ عَلَى الرِّضَا قَالَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْبِكْرَ الَّتِي أُمِرَ بِاسْتِئْذَانِهَا هيَ الْبَالِغُ إِذْ لَا مَعْنَى لِاسْتِئْذَانِ مَنْ لَا تَدْرِي مَا الْإِذْنُ وَمَنْ يَسْتَوِي سكُوتهَا وسخطها وَنقل بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ الْيَتِيمَةِ قَبْلَ إِذْنِهَا وَتَفْوِيضِهَا لَا يَكُونُ رِضًا مِنْهَا بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ بعد تفويضها إِلَى وَلِيِّهَا وَخَصَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الِاكْتِفَاءَ بِسُكُوتِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ دُونَ غَيْرِهِمَا لِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيثِ فِي جَمِيعِ الْأَبْكَارِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَبِ يُزَوِّجُ الْبِكْرَ الْبَالِغَ بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَوَافَقَهُمْ أَبُو ثَوْرٍ يُشْتَرَطُ اسْتِئْذَانُهَا فَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لَمْ يَصِحَّ.

     وَقَالَ  الْآخَرُونَ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَوْ كَانَتْ بَالِغًا بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَهُوَ قَوْلُ بن أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ مَفْهُومُ حَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّيِّبَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْبِكْرِ أَحَقُّ بِهَا مِنْهَا وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا قَالَ فَقُيِّدَ ذَلِكَ بِالْيَتِيمَةِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ وَفِيه نظر لحَدِيث بن عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْتُهُ بِلَفْظِ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فَنَصَّ عَلَى ذِكْرِ الْأَبِ وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمُؤَامَرَةَ قَدْ تَكُونُ عَنِ اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ بن عُمَرَ رَفَعَهُ وَأْمُرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ أَمْرٌ لَكِنَّهُ عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ زِيَادَةُ ذِكْرِ الْأَبِ فِي حَدِيث بن عَبَّاس غير مَحْفُوظَة قَالَ الشَّافِعِي زَادهَا بن عُيَيْنَة فِي حَدِيثه وَكَانَ بن عُمَرَ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ يُزَوِّجُونَ الْأَبْكَارَ لَا يَسْتَأْمِرُونَهُنَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالْمَحْفُوظ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ بِلَفْظِ وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِكْرِ الْيَتِيمَةُ.

قُلْتُ وَهَذَا لَا يَدْفَعُ زِيَادَةَ الثِّقَةِ الْحَافِظِ بِلَفْظِ الْأَبِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ بَلِ الْمُرَادُ بِالْيَتِيمَةِ الْبِكْرُ لَمْ يُدْفَعْ وَتُسْتَأْمَرُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَبُ وَغَيْرُهُ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَن الاستثمار هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمِلٌ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَحْثٍ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَةَ الثَّيِّبَ لَا إِجْبَارَ عَلَيْهَا لِعُمُومِ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَعَلَى أَنَّ مَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَطْءٍ وَلَوْ كَانَ زِنًا لَا إِجْبَارَ عَلَيْهَا لِأَبٍ وَلَا غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ كَالْبِكْرِ وَخَالَفَهُ حَتَّى صَاحِبَاهُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ عِلَّةَ الِاكْتِفَاءِ بِسُكُوتِ الْبِكْرِ هُوَ الْحَيَاءُ وَهُوَ بَاقٍ فِي هَذِهِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَطْءٍ لَا فِيمَنِ اتَّخَذَتِ الزِّنَا دَيْدَنًا وَعَادَةً وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْحَيَاءَ يَتَعَلَّقُ بِالْبِكْرِ وَقَابَلَهَا بِالثَّيِّبِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ وَهَذِهِ ثَيِّبٌ لُغَةً وَشَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ كُلِّ ثَيِّبٍ فِي مِلْكِهِ دَخَلَتْ إِجْمَاعًا.
وَأَمَّا بَقَاءُ حيائها كَالْبِكْرِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهَا تَسْتَحْيِ مِنْ ذِكْرِ وُقُوعِ الْفُجُورِ مِنْهَا.
وَأَمَّا ثُبُوتُ الْحَيَاءِ مِنْ أَصْلِ النِّكَاحِ فَلَيْسَتْ فِيهِ كَالْبِكْرِ الَّتِي لَمْ تُجَرِّبْهُ قَطُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ قَالَ إِنَّ لِلثَّيِّبِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَكِنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا بَلْ تَجْعَلُ أَمْرَهَا إِلَى رجل فيزوجها حَكَاهُ بن حَزْمٍ عَنْ دَاوُدَ.
وَتَعَقَّبَهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا أَمَرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَلَا يُجْبِرُهَا فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ لَمْ يَجُزْ لَهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ إِذَا أَعْلَنَتْ بِالْمَنْعِ لَمْ يَجُزِ النِّكَاحُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ وَإِنْ أَعْلَنَتْ بِالرِّضَا فَيَجُوزُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وُقُوفًا عِنْدَ ظَاهِرِ قَوْلِهِ وَإِذْنُهَا أَنْ تسكت