فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} [النساء: 23]

(قَولُهُ بَابُ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِتَفْسِيرِ الرَّبِيبَةِ وَتَفْسِيرِ الْمُرَادِ بِالدُّخُولِ فَأَمَّا الرَّبِيبَةُ فَهِيَ بِنْتُ امْرَأَةِ الرَّجُلِ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا مَرْبُوبَةٌ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ هُوَ مِنَ التَّرْبِيَةِ.
وَأَمَّا الدُّخُولُ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِمَاعُ وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْخَلْوَةُ .

     قَوْلُهُ  وقَال بن عَبَّاسٍ الدُّخُولُ وَالْمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الْجِمَاعُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ وَصَلَهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ قَالَ بن عَبَّاسٍ الدُّخُولُ وَالتَّغَشِّي وَالْإِفْضَاءُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالرَّفَثُ وَاللَّمْسُ الْجِمَاع الا أَن الله حَيّ كَرِيمٌ يَكُنِّي بِمَا شَاءَ عَمَّا شَاءَ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ قَالَ بَنَاتُ وَلَدِهَا هُنَّ مِنْ بَنَاتِهَا فِي التَّحْرِيمِ سَقَطَ مِنْ هُنَا إِلَى آخِرِ التَّرْجَمَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ .

     قَوْلُهُ  لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ حَبِيبَةٍ إِلَخْ قَدْ وَصَلَهُ فِي الْبَابِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ بَنَاتِكُنَّ لِأَن بنت الِابْنَ بِنْتٌ .

     قَوْلُهُ  وَكَذَلِكَ حَلَائِلُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ هُنَّ حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ أَيْ مِثْلُهُنَّ فِي التَّحْرِيمِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ بَنَاتُ الْأَبْنَاءِ وَبَنَاتُ الْبَنَاتِ .

     قَوْلُهُ  وَهَلْ تُسَمَّى الرَّبِيبَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ فِي حُجُورِكُمْ هَلْ هُوَ لِلْغَالِبِ أَوْ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْأَوَّلِ وَفِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاق وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ لِي فَمَاتَتْ فَوَجَدْتُ عَلَيْهَا فَلَقِيتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِي مَالك فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَلِهَا ابْنَةٌ يَعْنِي مِنْ غَيْرِكَ.

قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كَانَتْ فِي حِجْرِكَ.

قُلْتُ لَا هِيَ فِي الطَّائِفِ قَالَ فَانْكِحْهَا.

قُلْتُ فَأَيْنَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَرَبَائِبُكُمْ قَالَ إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِكَ وَقَدْ دَفَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا الْأَثَرَ وَادَّعَى نَفْيَ ثُبُوتِهِ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عُبَيْدٍ لَا يُعْرَفُ وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْأَثر الْمَذْكُور عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ وَإِبْرَاهِيمُ ثِقَةٌ تَابِعِيٌّ مَعْرُوفٌ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ صَحَابِيَّانِ وَالْأَثَرُ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ وَكَذَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَفْتَى مَنْ سَأَلَهُ إِذْ تَزَوَّجَ بِنْتَ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ جِدَّتُهَا وَلَمْ تَكُنِ الْبِنْتُ فِي حِجْرِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدِ احْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ لِلْجُمْهُورِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ قَالَ نَعَمْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحِجْرِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ الْحَادِثُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنُدْرَةُ الْمُخَالِفِ لَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّ التَّحْرِيمَ جَاءَ مَشْرُوطًا بِأَمْرَيْنِ أَنْ تَكُونَ فِي الْحِجْرِ وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي يُرِيدُ التَّزْوِيجَ قَدْ دَخَلَ بِالْأُمِّ فَلَا تَحْرُمُ بِوُجُودِ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي مَا حَلَّتْ لِي وَهَذَا وَقع فِي بعض طرق الحَدِيث كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي أَكْثَرِ طُرُقِهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي فَقَيَّدَ بِالْحِجْرِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْقُرْآنُ فَقَوِيَ اعْتِبَارُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَدَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبِيبَةً لَهُ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهَا هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ إِلَيْهِ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا أَنْتَ ظِئْرِي قَالَ فَذَهَبَ بِهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ مَا فعلت الجويرة بِهِ قَالَ عِنْدَ أُمِّهَا يَعْنِي مِنَ الرَّضَاعَةِ وَجِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيمَا يُقْرَأُ عِنْدَ النَّوْمِ وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ بِدُونِ الْقِصَّةِ وَأَصْلُ قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْد أَحْمد وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ فَذَكَرَتِ الْقِصَّةَ فِي هِجْرَتِهَا ثُمَّ مَوْتَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ فَلَمَّا وَضَعْتُ زَيْنَبَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَنِي الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَجَعَلَ يَأْتِينَا فَيَقُولُ أَيْنَ زُنَابُ حَتَّى جَاءَ عَمَّارٌ هُوَ بن يَاسِرٍ فَاخْتَلَجَهَا.

     وَقَالَ  هَذِهِ تَمْنَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ وَكَانَتْ تُرْضِعُهَا فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ زُنَابُ فَقَالَتْ قُرَيْبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ سَلَمَةَ وَافَقْتُهَا عِنْدَمَا أَخَذَهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي آتِيكُمُ اللَّيْلَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَجَاءَ عَمَّارٌ وَكَانَ أَخَاهَا لِأُمِّهَا يَعْنِي أُمَّ سَلَمَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَانْتَشَطَهَا مِنْ حِجْرِهَا.

     وَقَالَ  دَعِي هَذِهِ الْمَقْبُوحَةَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن ابْنَتِهِ ابْنًا هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَفِيهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا إِلَى تَقْوِيَةِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي التَّرْجَمَةِ أَنَّ بِنْتَ بن الزَّوْجَةِ فِي حُكْمِ بِنْتِ الزَّوْجَةِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى قَبْلَ هَذَا وَقَولُهُ



[ قــ :4834 ... غــ :5106] أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَثُوَيْبَةُ بِالرَّفْعِ الْفَاعِلُ وَالضَّمِيرُ لِبِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَالْمَعْنَى أَرْضَعَتْنِي ثُوَيْبَةُ وَأَرْضَعَتْ وَالِدَ دُرَّةَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فَقَالَ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَشَارِقِ نَقَلَ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَوَاهَا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ فَصَحَّفَ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  الرِّوَايَةَ فِي الْأُخْرَى إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا أَبَا سَلَمَةَ .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّيْثُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ دُرَّةُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ يَعْنِي أَنَّ اللَّيْثَ رَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فَسَمَّى بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ دُرَّةَ وَكَأَنَّهُ رَمَزَ بِذَلِكَ إِلَى غَلَطِ مَنْ سَمَّاهَا زَيْنَبَ وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّهَا فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخْرَجَهُ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ فَلَمْ يُسَمِّهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْحَدِيثَ أَيْضًا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْث أَيْضا عَن بن شهَاب عَن عُرْوَة فسماها أَيْضا درة (