فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم علمه الكتاب»

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ)
اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْحَدِيثِ تَرْجَمَةً تَمَسُّكًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ جَوَازُهُ بِابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّمِيرُ عَلَى هَذَا لِغَيْرِ مَذْكُورٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِابْنِ عَبَّاسٍ نَفْسِهِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الَّذِيَ وَقَعَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَلَبَتِهِ لِلْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ إِنَّمَا كَانَ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ



[ قــ :75 ... غــ :75] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمَعْرُوفُ بِالْمُقْعَدِ الْبَصْرِيِّ .

     قَوْلُهُ  حَدثنَا خَالِد هُوَ بن مهْرَان الْحَذَّاءُ .

     قَوْلُهُ  ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ الْمُصَنِّفِ فِي فضل بن عَبَّاسٍ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ إِلَى صَدره وَكَانَ بن عَبَّاسٍ إِذْ ذَاكَ غُلَامًا مُمَيِّزًا فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ احْتِضَانِ الصَّبِيِّ الْقَرِيبِ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ .

     قَوْلُهُ  عَلِّمْهُ الْكِتَابَ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَن بن عَبَّاسٍ سَبَبَ هَذَا الدُّعَاءِ وَلَفْظُهُ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَلَاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا زَادَ مُسْلِمٌ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ مَنْ وضع هَذَا فَأخْبر وَلمُسلم قَالُوا بن عَبَّاس وَلأَحْمَد وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ أَنَّ مَيْمُونَةَ هِيَ الَّتِي أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي بَيْتِهَا لَيْلًا وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي اللَّيْلَة الَّتِي بَات بن عَبَّاسٍ فِيهَا عِنْدَهَا لِيَرَى صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَن بن عَبَّاسٍ فِي قِيَامِهِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَفِيهِ فَقَالَ لِي مَا بَالُكَ أَجْعَلُكَ حِذَائِي فَتَخْلُفُنِي فَقُلْتُ أَو يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءَكَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَدَعَا لِي أَنْ يَزِيدَنِي اللَّهُ فَهْمًا وَعِلْمًا وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنُ لِأَنَّ الْعُرْفَ الشَّرْعِيَّ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالتَّعْلِيمِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ حِفْظِهِ وَالتَّفَهُّمِ فِيهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ الْحِكْمَةُ بَدَلَ الْكِتَابِ وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الثَّابِتُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ عَنْ خَالِدٍ بِلَفْظِ الْكِتَابِ أَيْضًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِكْمَةِ أَيْضًا الْقُرْآنُ فَيَكُونُ بَعْضُهُمْ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى وَلِلنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ دَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوتَى الْحِكْمَةَ مَرَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْوَاقِعَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنَ وَبِالْحِكْمَةِ السُّنَّةَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي الدِّينِ وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ ذَكَرَهُ فِي أَطْرَافِ الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

قُلْتُ وَهُوَ كَمَا قَالَ نَعَمْ هِيَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الَّتِي قدمناها عِنْد أَحْمد وبن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَرَوَاهَا بن سَعْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا وَأَخْرَجَ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ زيد بن أسلم عَن بن عمر كَانَ عمر يَدْعُو بن عَبَّاسٍ وَيُقَرِّبُهُ وَيَقُولُ إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاكَ يَوْمًا فَمَسَحَ رَأْسَكَ.

     وَقَالَ  اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيل وَوَقع فِي بعض نسخ بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ وَتَأْوِيلَ الْكِتَابِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُسْتَغْرَبَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بِدُونِهَا وَقَدْ وَجدتهَا عِنْد بن سَعْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِي.

     وَقَالَ  اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ وَتَأْوِيلَ الْكِتَابِ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ خَالِدٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ مَسَحَ عَلَى رَأْسِي وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ مِمَّا تَحَقَّقَ إِجَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا لما علم من حَال بن عَبَّاسٍ فِي مَعْرِفَةِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُ وَاخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي الْمُرَادِ بِالْحِكْمَةِ هُنَا فَقِيلَ الْقُرْآنُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ الْعَمَلُ بِهِ وَقِيلَ السُّنَّةُ وَقِيلَ الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ وَقِيلَ الْخَشْيَةُ وَقِيلَ الْفَهْمُ عَنِ اللَّهِ وَقِيلَ الْعَقْلُ وَقِيلَ مَا يَشْهَدُ الْعَقْلُ بِصِحَّتِهِ وَقِيلَ نُورُ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَاسِ وَقِيلَ سُرْعَةُ الْجَوَابِ مَعَ الْإِصَابَةِ وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة والاقرب أَن المُرَاد بهَا فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْفَهْمُ فِي الْقُرْآنِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي الْمَنَاقِبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى