فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين} [النور: 8]

قَوْله بَاب ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب الْآيَة)
ذكر فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي اللِّعَانِ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ وَبَيْنَهُمَا فِي سِيَاقِهِ اخْتِلَافٌ سَأُبَيِّنُهُ هُنَاكَ وَأَقْتَصِرُ هُنَا عَلَى بَيَانِ الرَّاجِحِ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ نُزُولِ آيَاتِ اللِّعَانِ دُونَ أَحْكَامِهِ فَأَذْكُرُهَا فِي بَابِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَولُهُ



[ قــ :4491 ... غــ :4747] عَنْ هِشَامِ بْنِ حسان حَدثنَا عِكْرِمَة هَكَذَا قَالَ بن عَدِيٍّ عَنْهُ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الْأَعْلَى وَمَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَعَلَّ حَدِيث بن عَبَّاسٍ بِهَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ لِهِشَامٍ فِيهِ شَيْخَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ طَرِيقَ عِكْرِمَةَ وَمُسْلِمًا أَخْرَجَ طَرِيقَ بن سِيرِينَ وَيُرَجِّحُ هَذَا الْحَمْلُ اخْتِلَافُ السِّيَاقَيْنِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  الْبَيِّنَةَ أَو حد فِي ظهرك قَالَ بن مَالِكٍ ضَبَطُوا الْبَيِّنَةَ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ عَامِلٍ أَيْ أَحْضِرِ الْبَيِّنَةَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ رُوِيَ بِالرَّفْعِ وَالتَّقْدِيرُ إِمَّا الْبَيِّنَةُ وَإِمَّا حَدٌّ وَقَولُهُ فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة أوحد فِي ظهرك قَالَ بن مَالِكٍ حُذِفَ مِنْهُ فَاءُ الْجَوَابِ وَفِعْلُ الشَّرْطِ بَعْدَ إِلَّا وَالتَّقْدِيرُ وَإِلَّا تُحْضِرُهَا فَجَزَاؤُكَ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ قَالَ وَحَذْفُ مِثْلِ هَذَا لَمْ يَذْكُرِ النُّحَاةُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وُرُودُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ هِلَالٌ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ آيَاتِ اللِّعَانِ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ الْمَاضِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُوَيْمِرٍ وَلَفْظُهُ فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَأَمَرَهُمَا بِالْمُلَاعَنَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عُوَيْمِرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ هِلَالٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ هِلَالٌ وَصَادَفَ مَجِيءُ عُوَيْمِرٍ أَيْضًا فَنَزَلَتْ فِي شَأْنِهِمَا مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ جَنَحَ النَّوَوِيُّ إِلَى هَذَا وَسَبَقَهُ الْخَطِيبُ فَقَالَ لعلهما اتّفق كَونهمَا جاآ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُ التَّعَدُّدَ أَنَّ الْقَائِلَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بن مَنْصُور عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ مِثْلُ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ بِزِيَادَةٍ فِي أَوَّلِهِ لَمَّا نَزَلَتْ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ الْآيَةَ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ لُكَاعًا قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَن أهيجه حَتَّى آتِي بأَرْبعَة شُهَدَاءَ مَا كُنْتُ لِآتِي بِهِمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَاجَتِهِ قَالَ فَمَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْحَدِيثَ وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا فِيهِ نَحْوَهُ وَزَادَ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ بن عَمٍّ لَهُ فَرَمَى امْرَأَتَهُ الْحَدِيثَ وَالْقَائِلُ فِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ كَمَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا قَالَ لما نزلت وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم الْآيَةَ قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ إِنْ أَنَا رَأَيْتُ فَتَكَلَّمْتُ جُلِدْتُ وَإِنْ سَكَتُّ سَكَتُّ عَلَى غَيْظٍ الْحَدِيثَ وَلَا مَانِعَ أَنْ تَتَعَدَّدَ الْقِصَصُ وَيَتَّحِدَ النُّزُولُ وَرَوَى الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ تُبَيْعٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ لَوْ رَأَيْتَ مَعَ أُمِّ رُومَانَ رَجُلًا مَا كُنْتَ فَاعِلًا بِهِ قَالَ كُنْتُ فَاعِلًا بِهِ شَرًّا قَالَ فَأَنْتَ يَا عُمَرُ قَالَ كُنْتُ أَقُولُ لَعَنَ اللَّهُ الْأَبْعَدَ قَالَ فَنَزَلَتْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النُّزُولَ سَبَقَ بِسَبَبِ هِلَالٍ فَلَمَّا جَاءَ عُوَيْمِرٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِمَا وَقَعَ لِهِلَالٍ أَعْلَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُكْمِ وَلِهَذَا قَالَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَفِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ فيؤول .

     قَوْلُهُ  قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ أَيْ وَفِيمَنْ كَانَ مثلك وَبِهَذَا أجَاب بن الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ قَالَ نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي هِلَالٍ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  لِعُوَيْمِرٍ قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَمَعْنَاهُ مَا نَزَلَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى قَالَ أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ شَرِيكَ بْنَ سَحْمَاءَ قَذَفَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ الْحَدِيثَ وَجَنَحَ الْقُرْطُبِيُّ إِلَى تَجْوِيزِ نُزُولِ الْآيَةِ مَرَّتَيْنِ قَالَ وَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَإِنْ بَعُدَتْ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ الرُّوَاةِ الْحُفَّاظِ وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ ذِكْرَ هِلَالٍ فِيمَنْ لَاعَنَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَنْكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ أَخُو الْمُهَلَّبِ.

     وَقَالَ  هُوَ خَطَأٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُوَيْمِرٌ وَسَبَقَهُ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ الطَّبَرِيّ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ قَالَ النَّاسُ هُوَ وَهَمٌ مِنْ هِشَامِ بن حسان وَعَلِيهِ دَار حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَأَنْسٍ بِذَلِكَ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ كَذَا جَاءَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا الْقِصَّةُ لِعُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ قَالَ وَلَكِنْ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي حَدِيثِ الْعَجْلَانِيِّ ذِكْرُ شَرِيكٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي مُبْهَمَاتِهِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُلَاعَنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الْوَاحِدِيِّ أَنَّ أَظْهَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ عُوَيْمِرٌ وَكَلَامُ الْجَمِيعِ مُتَعَقَّبٌ أَمَّا قَول بن أَبِي صُفْرَةَ فَدَعْوَى مُجَرَّدَةٌ وَكَيْفَ يُجْزَمُ بِخَطَأِ حَدِيثٍ ثَابِتٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ وَمَا نَسَبَهُ إِلَى الطَّبَرِيِّ لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامه وَأما قَول بن الْعَرَبِيِّ إِنَّ ذِكْرَ هِلَالٍ دَارَ عَلَى هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَكَذَا جَزَمَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّ هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ فَقَدْ وَافَقَهُ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَكَذَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَن أَيُّوب أخرجه الطَّبَرِيّ وبن مَرْدَوَيْهِ مَوْصُولًا قَالَ لَمَّا قَذَفَ هِلَالُ بْنُ أُميَّة امْرَأَته وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ تَبَعًا لِلْوَاحِدِيِّ وَجُنُوحُهُ إِلَى التَّرْجِيحِ فَمَرْجُوحٌ لِأَنَّ الْجَمْعَ مَعَ إِمْكَانِهِ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ ثُمَّ .

     قَوْلُهُ  وَقِيلَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِعَاصِمٍ فِيهِ قِصَّةُ أَنَّهُ الَّذِي لَاعَنَ امْرَأَتَهُ وَإِنَّمَا الَّذِي وَقَعَ مِنْ عَاصِمٍ نَظِيرُ الَّذِي وَقَعَ مِنْ سعد بن عبَادَة وَلما روى بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ طَرِيقَ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ تَعَقَّبَهُ بِأَنْ قَالَ قَدْ رَوَاهُ الْقَاسِمُ بن مُحَمَّد عَن بن عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ النَّاسُ وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّ الْقَاسِمَ سَمَّى الْمُلَاعِنَ عُوَيْمِرًا وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ أَيْ مِنْ قَوْمِ عَاصِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَاعَنَ بَيْنَ الْعجْلَاني وَامْرَأَته والعجلاني هُوَ عُوَيْمِر