فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من قال الأضحى يوم النحر

(قَولُهُ بَابُ مَنْ قَالَ الْأَضْحَى يَوْمُ النَّحْرِ)
قَالَ بن الْمُنِيرِ أَخَذَهُ مِنْ إِضَافَةِ الْيَوْمِ إِلَى النَّحْرِ حَيْثُ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ فَلَا يَبْقَى نَحْرٌ إِلَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ وَالْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْمُرَادَ النَّحْرُ الْكَامِلُ وَاللَّامُ تُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا لِلْكَمَالِ كَقَوْلِهِ الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ.

قُلْتُ وَاخْتِصَاصُ النَّحْرِ بِالْيَوْمِ الْعَاشِرِ قَوْلُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ مِثْلُهُ إِلَّا فِي مِنًى فَيَجُوزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَمَسَّكَ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَفَعَهُ أُمِرْتُ بِيَوْمِ الْأَضْحَى عِيدًا جَعَلَهُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْحَدِيثُ صَحَّحَهُ بن حِبَّانَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ التَّمَسُّكُ بِإِضَافَةِ النَّحْرِ إِلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ضَعِيفٌ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رزقهم من بَهِيمَة الانعام وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّ أَيَّامَ النَّحْرِ الْأَرْبَعَةَ أَوِ الثَّلَاثَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا اسْمٌ يَخُصُّهُ فَالْأَضْحَى هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ وَالَّذِي يَلِيهِ يَوْمُ الْقَرِّ وَالَّذِي يَلِيهِ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِع يَوْم النَّفر الثَّانِي.

     وَقَالَ  بن التِّينِ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَوْمٌ تُنْحَرُ فِيهِ الْأَضَاحِيُّ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ وَقِيلَ مُرَادُهُ لَا ذَبْحَ إِلَّا فِيهِ خَاصَّةً يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَمَّنْ قَالَ بِهِ وَزَادَ مَالِكٌ وَيُذْبَحُ أَيْضًا فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَهُ وَزَادَ الشَّافِعِيُّ الْيَوْمَ الرَّابِعَ قَالَ وَقِيلَ يُذْبَحُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَعْزُهُ لِقَائِلٍ وَقِيلَ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَهُوَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرِهِمْ.

     وَقَالَ  بِهِ بن حَزْمٍ مُتَمَسِّكًا بِعَدَمِ وُرُودِ نَصٍّ بِالتَّقْيِيدِ وَأَخْرَجَ مَا رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ قَالَ وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ إِلَيْهِمَا لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ فَيَلْزَمُ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ أَنْ يَقُولَ بِهِ.

قُلْتُ وَسَيَأْتِي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَبِمِثْلِ قَول مَالك قَالَ الثَّوْريّ وأبوحنيفة وَأَحْمَدُ وَبِمِثْلِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ بن بَطَّالٍ تَبَعًا لِلطَّحَاوِيِّ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ الصَّحَابَةِ غَيْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَعَنْ قَتَادَةَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْعَاشِرِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدُيْثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَفَعَهُ فِجَاجُ مِنًى مَنْحَرٌ وَفِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ انْقِطَاعٌ وَوَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تُشْرَعُ لَيْلًا كَمَا تُشْرَعُ نَهَارًا إِلَّا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا ثمَّ ذكر المُصَنّف حَدِيث مُحَمَّد وَهُوَ بن سِيرِين عَن بن أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْعِلْمِ وَفِي بَابِ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ شَيْءٌ مِنْهُ وَكَذَا فِي تَفْسِيرِ بَرَاءَةٌ



[ قــ :5254 ... غــ :5550] .

     قَوْلُهُ  ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ إِلَى قَوْلِهِ وَرَجَبُ مُضَرٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ عَدَّهَا مِنْ سَنَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَّهَا سَنَةً وَاحِدَةً فَبَدَأَ بِالْمُحَرَّمِ لَكِنِ الْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِبَيَانِ الْمُتَوَالِيَةِ وَشَذَّ مَنْ أَسْقَطَ رَجَبًا وَأَبْدَلَهُ بِشَوَّالٍ زَاعِمًا أَنَّهُ بِذَلِكَ تَتَوَالَى الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وَأَنَّ ذَلِكَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَة أشهر حَكَاهُ بن التِّين قَوْله قَالَ وَأَحْسبهُ هُوَ بن سِيرِينَ كَأَنَّهُ كَانَ يَشُكُّ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَقَدْ ثَبَتَتْ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ذَكَرَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْوَاوِ أَيْ أَكْثَرَ وَعْيًا لَهُ وَتَفَهُّمًا فِيهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَالْمُسْتَمْلِي أَرْعَى بِالرَّاءِ مِنَ الرِّعَايَةِ وَرَجَّحَهَا بَعْضُ الشُّرَّاحِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هِيَ وَهْمٌ وَقَولُهُ قَالَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ الْقَائِلُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ وَلَكِنِ الرَّاوِي فَصَلَ بَيْنَ قَوْلِهِ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ بِكَلَامِ بن سِيرِين الْمَذْكُور
(