فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة: 273] وكم الغنى

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يسْأَلُون النَّاس إلحافا وَكَمِ الْغِنَى وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ لِقَوْلِ)
اللَّهِ عز وَجل للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا الْآيَةَ هَذِهِ اللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ لَامُ التَّعْلِيلِ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ الْآيَةَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ وَكَمِ الْغِنَى وَكَأَنَّهُ يَقُولُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ مُبَيِّنٌ لِقَدْرِ الْغِنَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الصَّدَقَةَ لِلْفُقَرَاءِ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَيْ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهَا فَهُوَ غَنِيٌّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ السُّؤَالِ عَدَمُ وِجْدَانِ الْغِنَى لِوَصْفِ اللَّهِ الْفُقَرَاءَ بِقَوْلِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ إِذْ مَنِ اسْتَطَاعَ ضَرْبًا فِيهَا فَهُوَ وَاجِدٌ لِنَوْعٍ مِنَ الْغِنَى وَالْمُرَادُ بِالَّذِينِ أَحُصِرُوا الَّذِينَ حَصَرَهُمُ الْجِهَادُ أَيْ مَنَعَهُمُ الِاشْتِغَالُ بِهِ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَيْ التِّجَارَةِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِهِ عَن التكسب قَالَ بن عُلَيَّةَ كُلُّ مُحِيطٍ يَحْصُرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الصَّادِ وَالْأَعْذَارُ الْمَانِعَةُ تُحْصِرُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيْ تَجْعَلُ الْمَرْءَ كَالْمُحَاطِ بِهِ وَلِلْفُقَرَاءِ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْإِنْفَاقُ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ انْتَهَى.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّرْجَمَةِ وَكَمِ الْغِنَى فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حَدِيثًا صَرِيحًا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ عَلَى شَرْطِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُسْتَفَادَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا يَجِدُ شَيْئًا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ كَانَ غَنِيًّا وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ وَفِي إِسْنَادِهِ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدَّثَ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَكِيمٍ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ شُعْبَةَ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ قَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِي بِهِ زُبَيْدٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ يَعْنِي شَيْخَ حَكِيمٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي عِلَلِ الْخَلَّالِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ زُبَيْدٍ مَوْقُوفَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ قَرِيبًا مِنْ عِنْدِ النَّسَائِيِّ فِي بَابِ الِاسْتِعْفَافِ وَفِيهِ مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ فقد ألحف وَقد أخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ فَهُوَ مُلْحِفٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ فَهُوَ الْمُلْحِفُ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ لَهُ صُحْبَةٌ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ قَالَ فِيهِ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا وَصَححهُ بن حبَان قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كالثوري وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ وَوَسَّعَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا إِذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ غَنِيًّا بِالدِّرْهَمِ مَعَ الْكَسْبِ وَلَا يُغْنِيهِ الْأَلْفُ مَعَ ضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ أُخْرَى أَحَدُهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّ الْغَنِيَّ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخذ الزَّكَاة وَاحْتج بِحَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي بَعْثِ مُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَوَصَفَ مَنْ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهُ بِالْغِنَى وَقَدْ قَالَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ ثَانِيهَا أَنَّ حَدَّهُ مَنْ وَجَدَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَجْهُهُ مَنْ لَا يَجِدُ غَدَاءً وَلَا عَشَاءً عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ ثَالِثُهَا أَنَّ حَدَّهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَقَدْ تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَنَّ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ هَذَا الْقَدْرُ فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ أَوَّلُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذِكْرِ الْمِسْكِينِ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَالْمِسْكِينُ مِفْعِيلٌ مِنَ السُّكُونِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ فَكَأَنَّهُ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ سَكَنَتْ حَرَكَاتُهُ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة أَيْ لَاصِقٌ بِالتُّرَابِ



[ قــ :1418 ... غــ :1476] .

     قَوْلُهُ  الْأُكْلَةُ وَالْأُكْلَتَانِ بِالضَّمِّ فِيهِمَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ الْآتِيَةِ آخِرَ الْبَابِ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَزَادَ فِيهِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأُكْلَةُ بِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ مِنَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ .

     قَوْلُهُ  لَيْسَ لَهُ غِنًى زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ غِنًى يُغْنِيهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْيَسَارِ الْمَنْفِيِّ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْيَسَارِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَغْنَى بِهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ وَكَأَنَّ الْمَعْنَى نَفْيُ الْيَسَارِ الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ يُغْنِيهِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِ الْيَسَارِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يسْأَلُون النَّاس إلحافا .

     قَوْلُهُ  وَيَسْتَحِي زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَلَا يَفْطَنُ بِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَهُ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ وَهُوَ بِنَصْبِ يَتَصَدَّقَ وَيَسْأَلَ وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  لَيْسَ لَهُ غِنًى وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَظْهَرُ تَعَلُّقُهَا بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَلَفظه هُنَاكَ إِنَّمَا الْمِسْكِين الَّذِي يتعفف اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ يَعْنِي قَوْلَهُ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا كَذَا وَقَعَ فِيهِ بِزِيَادَةِ يَعْنِي وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِهَا وَكَذَلِكَ وَقع فِيهِ بِزِيَادَة بن أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ ثَانِيهَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وبن أَشْوَعَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْكشميهني بن الْأَشْوَعِ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَشْوَعِ نُسِبَ لِجَدِّهِ وَكَاتِبُ الْمُغِيرَةِ هُوَ وَرَّادٌ





[ قــ :1419 ... غــ :1477] .

     قَوْلُهُ  وَإِضَاعَةَ الْأَمْوَالِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْمَالِ وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَة مِنْهُ قَوْله وَكَثْرَة السُّؤَال قَالَ بن التِّينِ فَهِمَ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ سُؤَالَ النَّاسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ السُّؤَالَ عَنِ الْمُشْكِلَاتِ أَوْ عَمَّا لَا حَاجَةَ لِلسَّائِلِ بِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ.

قُلْتُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَوْلَى وَيَسْتَقِيمُ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ مَعَ ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَفِي الرِّقَاقِ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثَالِثُهَا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَوْرَدَهُ بِإِسْنَادَيْنِ وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي ثُمَّ قَالَ أَقْبِلْ أَيْ سَعْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِقْبَالِ أَوْ بِالْقَبُولِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِقْبَالًا أَيْ سَعْدُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أَيْ أَتُقَابِلُنِي قُبَالًا بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ مِنْهُ إِلْحَاحَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَشْفُوعَ لَهُ تَرَكَ السُّؤَالَ فَمُدِحَ





[ قــ :140 ... غــ :1478] .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْحَسَنِ الْحَلْوَانِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ .

     قَوْلُهُ  أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ .

     قَوْلُهُ  فَكُبْكِبُوا إِلَخْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي الْإِيمَانِ وَجَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى عَادَتِهِ فِي إِيرَادِ تَفْسِيرِ اللَّفْظَةِ الْغَرِيبَةِ إِذَا وَافَقَ مَا فِي الْحَدِيثِ مَا فِي الْقُرْآنِ وَقَولُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ أَيْ لَازِما وَإِذا وَقَعَ أَيْ إِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنَ النَّوَادِرِ حَيْثُ كَانَ الثُّلَاثِيُّ مُتَعَدِّيًا وَالْمَزِيدُ فِيهِ لَازِمًا عَكْسُ الْقَاعِدَةِ التَّصْرِيفِيَّةِ قِيلَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَلِفُ أُكَبُّ لِلصَّيْرُورَةِ .

     قَوْلُهُ  صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْإِسْنَادَيْنِ .

     قَوْلُهُ  أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي فِي السن وَمثل هَذَا جَاءَ عَن أَحْمد وبن مَعِينٍ.

     وَقَالَ  عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ كَانَ أَسَنَّ مِنَ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةً وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَأَمَّا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ فَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً وَقِيلَ قَبْلَهَا وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مِقْدَار عمره سنا تعقبوه عَلَيْهِ وَقَوله أدْرك بن عُمَرَ يَعْنِي أَدْرَكَ السَّمَاعَ مِنْهُ.
وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَمُخْتَلَفٌ فِي لُقِيِّهِ لَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَإِنَّمَا يَرْوِي عَنِ ابْنِهِ سَالِمٍ عَنْهُ وَالْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْهُ أَنه سمعهما من بن عُمَرَ ثَبَتَ ذِكْرُ سَالِمٍ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ رَابِعُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّالُّ عَلَى ذَمِّ السُّؤَالِ وَمَدْحِ الِاكْتِسَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الِاسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَسْكَنَةَ إِنَّمَا تُحْمَدُ مَعَ الْعِفَّةِ عَنِ السُّؤَالِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْحَاجَةِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْحَيَاءِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَحُسْنُ الْإِرْشَادِ لِوَضْعِ الصَّدَقَةِ وَأَنْ يَتَحَرَّى وَضْعَهَا فِيمَنْ صِفَتُهُ التَّعَفُّفُ دُونَ الْإِلْحَاحِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ إِنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ وَأَنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَهُ شَيْءٌ لَكِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ مَعَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةً يَعْمَلُونَ فِيهَا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَعَكَسَ آخَرُونَ فَقَالُوا الْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ هُمَا سَوَاءٌ وَهَذَا قَول بن الْقَاسِمِ وَأَصْحَابِ مَالِكٍ وَقِيلَ الْفَقِيرُ الَّذِي يَسْأَلُ والمسكين الَّذِي لَا يسْأَل حَكَاهُ بن بَطَّالٍ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنِ اتَّصَفَ بِالتَّعَفُّفِ وَعَدَمِ الْإِلْحَافِ فِي السُّؤَالِ لَكِنْ قَالَ بن بَطَّالٍ مَعْنَاهُ الْمِسْكِينُ الْكَامِلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ عَنِ الطَّوَافِ بَلْ هِيَ كَقَوْلِهِ أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ الْحَدِيثَ وَقَولُهُ تَعَالَى لَيْسَ الْبر الْآيَةَ وَكَذَا قَرَّرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاللَّهُ أعلم