فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: النسك شاة

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ النُّسُكُ شَاةٌ)

أَيِ النُّسُكُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ حَيْثُ قَالَ أَوْ نُسُكٍ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وَالنُّسُكُ شَاةٌ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ كَعْبٍ أَمَرَنِي أَنْ أَحْلِقَ وَأَفْتَدِيَ بِشَاةٍ قَالَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ لِأَبِي عُمَرَ كُلُّ مَنْ ذَكَرَ النُّسُكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا فَإِنَّمَا ذَكَرُوا شَاةً وَهُوَ أَمْرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.

قُلْتُ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ أَصَابَهُ أَذًى فَحَلَقَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهْدِيَ بَقَرَةً وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ قَالَ حَلَقَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رَأْسَهُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْتَدِيَ فَافْتَدَى بِبَقَرَةٍ وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ افْتَدَى كَعْبٌ مِنْ أَذًى كَانَ بِرَأْسِهِ فَحَلَقَهُ بِبَقَرَةٍ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُور من طَرِيق بن أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قِيلَ لِابْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ مَا صَنَعَ أَبُوكَ حِينَ أَصَابَهُ الْأَذَى فِي رَأْسِهِ قَالَ ذَبَحَ بَقَرَةً فَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا تَدُورُ عَلَى نَافِعٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي الْوَاسِطَةِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَعْبٍ وَقَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهَا مِنْ أَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ كَعْبٌ وَفَعَلَهُ فِي النُّسُكِ إِنَّمَا هُوَ شَاةٌ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ ذَبَحَ شَاةً لَأَذًى كَانَ أَصَابَهُ وَهَذَا أَصْوَبُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَاعْتمد بن بَطَّالٍ عَلَى رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَقَالَ أَخَذَ كَعْبٌ بِأَرْفَعِ الْكَفَّارَاتِ وَلَمْ يُخَالِفِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أمره بِهِ من ذبح الشَّاة بل وَافق وَزَادَ فَفِيهِ أَنَّ مَنْ أُفْتِيَ بِأَيْسَرِ الْأَشْيَاءِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَرْفَعِهَا كَمَا فَعَلَ كَعْبٌ.

قُلْتُ هُوَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِمَا قَدَّمْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ



[ قــ :1736 ... غــ :1817] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ هُوَ بن إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ رَاهْوَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نعيم وروح هُوَ بن عبَادَة وشبل هُوَ بن عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ .

     قَوْلُهُ  رَآهُ وَإِنَّهُ يَسْقُطُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِابْنِ السَّكَنِ وَأَبِي ذَرٍّ لَيَسْقُطُ بِزِيَادَةِ لَامٍ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ وَالْمُرَادُ الْقَمْلُ وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي بعض الرِّوَايَات وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ رَوْحٍ بِلَفْظِ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ شِبْلٍ رَأَى قَمْلَهُ يَتَسَاقَطُ عَلَى وَجْهِهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ إِلَخْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ ذَكَرَهَا الرَّاوِي لِبَيَانِ أَنَّ الْحَلْقَ كَانَ اسْتِبَاحَةَ مَحْظُورٍ بِسَبَبِ الْأَذَى لَا لِقَصْدِ التَّحَلُّلِ بِالْحَصْرِ وَهُوَ وَاضِحٌ قَالَ بن الْمُنْذِرِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى رَجَاءٍ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ حَتَّى يَيْأَسَ مِنَ الْوُصُولِ فَيَحِلَّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ يَئِسَ مِنَ الْوُصُولِ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ فَتَمَادَى عَلَى إِحْرَامِهِ ثُمَّ أَمْكَنَهُ أَنْ يَصِلَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى الْبَيْتِ لِيُتِمَّ نُسُكَهُ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ مَا مَعْنَاهُ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تعرف أَو أَن حَيْضهَا وَالْمَرِيض الَّذِي يعرف أَو أَن حُمَّاهُ بِالْعَادَةِ فِيهِمَا إِذَا أَفْطَرَا فِي رَمَضَانَ مَثَلًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ يَنْكَشِفُ الْأَمْرُ بِالْحَيْضِ وَالْحُمَّى فِي ذَلِكَ النَّهَارِ أَنَّ عَلَيْهِمَا قَضَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يُسْقِطْ عَنْ كَعْبٍ الْكَفَّارَةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْحَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَنْكَشِفَ الْأَمْرُ لَهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ مَا عَرَفَاهُ بِالْعَادَةِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا لِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ قَالَ عِيَاضٌ ظَاهِرُهُ أَنَّ النُّزُولَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ النُّزُولَ قَبْلَ الْحُكْمِ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْكَفَّارَةِ بِوَحْيٍ لَا يُتْلَى ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِبَيَانِ ذَلِكَ.

قُلْتُ وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْجَمْعَ الْمُتَقَدِّمَ .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى حَدَّثَنَا رَوْحٌ فَيَكُونُ إِسْحَاقُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ رَوْحٍ بِإِسْنَادِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَهُوَ الْفِرْيَابِيُّ بِإِسْنَادِهِ وَكَذَا هُوَ فِي تَفْسِيرِ إِسْحَاقَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْعَنْعَنَةُ لِلْبُخَارِيِّ فَيَكُونَ أَوْرَدَهُ عَنْ شَيْخِهِ الْفِرْيَابِيِّ بِالْعَنْعَنَةِ كَمَا يَرْوِي تَارَةً بِالتَّحْدِيثِ وَبِلَفْظِ قَالَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ شَبِيهًا بِالتَّعْلِيقِ وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ هَاشِمِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيِّ وَلَفْظُهُ مِثْلُ سِيَاقِ رَوْحٍ فِي أَكْثَرِهِ وَكَذَا هُوَ فِي تَفْسِيرِ الْفِرْيَابِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ السُّنَّةَ مُبَيِّنَةٌ لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ لِإِطْلَاقِ الْفِدْيَةِ فِي الْقُرْآنِ وَتَقْيِيدِهَا بِالسُّنَّةِ وَتَحْرِيمِ حَلْقِ الرَّأْسِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَالرُّخْصَةِ لَهُ فِي حَلْقِهَا إِذَا آذَاهُ الْقَمْلُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْأَوْجَاعِ وَفِيهِ تَلَطُّفُ الْكَبِيرِ بِأَصْحَابِهِ وَعِنَايَتُهُ بِأَحْوَالِهِمْ وَتَفَقُّدُهُ لَهُمْ وَإِذَا رَأَى بِبَعْضِ أَتْبَاعِهِ ضَرَرًا سَأَلَ عَنْهُ وَأَرْشَدَهُ إِلَى الْمَخْرَجِ مِنْهُ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِيجَابَ الْفِدْيَةِ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ حَلْقَ رَأْسِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ إِيجَابَهَا عَلَى الْمَعْذُورِ مِنَ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لَا يَتَخَيَّرُ الْعَامِدُ بَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَاحْتَجَّ لَهُمُ الْقُرْطُبِيُّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ كَعْبٍ أَوِ اذْبَحْ نُسُكًا قَالَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِهَدْيٍ قَالَ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَهَا حَيْثُ شَاءَ.

قُلْتُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ إِذْ لَا يلْزم من تَسْمِيَتُهَا نُسُكًا أَوْ نَسِيكَةً أَنْ لَا تُسَمَّى هَدْيًا أَوْ لَا تُعْطَى حُكْمَ الْهَدْيِ وَقَدْ وَقَعَ تَسْمِيَتُهَا هَدْيًا فِي الْبَابِ الْأَخِيرِ حَيْثُ قَالَ أَوْ تُهْدِي شَاةً وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَاهْدِ هَدْيًا وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرِيِّ هَلْ لَكَ هَدْيٌ.

قُلْتُ لَا أَجِدُ فَظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَوِ اذْبَحْ شَاةً وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْفِدْيَةَ لَا يَتَعَيَّنُ لَهَا مَكَانٌ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ التَّابِعِينَ.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ تَتَعَيَّنُ مَكَّةُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ النُّسُكُ بِمَكَّةَ وَمِنًى وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ وَالصِّيَامُ حَيْثُ شَاءَ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ الدَّمُ وَالْإِطْعَامُ لِأَهْلِ الْحَرَمِ وَالصِّيَامُ حَيْثُ شَاءَ إِذْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَهْلِ الْحَرَمِ وَأَلْحَقَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ الْإِطْعَامَ بِالصِّيَامِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّ حَدِيثَ كَعْبٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ نُزُولَ قَوْله تَعَالَى وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَفِيهِ بحث وَالله أعلم