فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب يلحق الولد بالملاعنة

( قَولُهُ بَابُ يَلْحَقُ الْوَلَدِ بِالْمُلَاعَنَةِ)
أَيْ إِذَا انْتَفَى الزَّوْجُ مِنْهُ قَبْلَ الْوَضْعِ أَوْ بَعْدَهُ



[ قــ :5029 ... غــ :5315] .

     قَوْلُهُ  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيِ الْمُلَاعَنَةُ سَبَبُ الِانْتِفَاءِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ سَبَبُ ثُبُوتِ الِانْتِفَاءِ فَجَيِّدٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ سَبَبُ وُجُودِ الِانْتِفَاءِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمُلَاعَنَةِ لَمْ يَنْتَفِ وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ وَانْتَفَى بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ وَذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ وَانْتَقَلَ يَعْنِي بِقَافٍ بَدَلَ الْفَاءِ وَلَامٍ آخِرَهُ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي تَفْسِيرِ النُّورِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا رَمَى امْرَأَتَهُ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَأَمَرَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَاعَنَا فَوَضَحَ أَنَّ الِانْتِفَاءَ سَبَبُ الْمُلَاعَنَةِ لَا الْعَكْسُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ وَعَنْ أَحْمَدَ يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضِ الرَّجُلُ لِذِكْرِهِ فِي اللِّعَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوِ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ لِعَانُ الرَّجُلِ دَفْعَ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ وَثُبُوتَ زِنَا الْمَرْأَةِ ثُمَّ يَرْتَفِعُ عَنْهَا الْحَدُّ بِالْتِعَانِهَا.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ إِنْ نَفَى الْوَلَدَ فِي الْمُلَاعَنَةِ انْتَفَى وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ لِانْتِفَائِهِ وَلَا إِعَادَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّفْعُ إِلَى الْحَاكِمِ فَأَخَّرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى وَلَدَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ تَصْرِيحُ الرَّجُلِ بِأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْ زِنًا وَلَا أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ خَالَفَهُمْ بِأَنَّهُ نَفَى الْحَمْلَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لذَلِك بِخِلَاف اللّعان الناشيء عَنْ قَذْفِهَا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تحيض فَلَا معنى لاشْتِرَاط الِاسْتِبْرَاء قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَيْسَ عَنْ هَذَا جَوَابٌ مُقْنِعٌ .

     قَوْلُهُ  فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تفرد مَالك بِهَذِهِ الزِّيَادَة قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ ذَكَرُوا أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَذِهِ اللَّفْظَة فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَقَدْ جَاءَتْ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ ثُمَّ خَرَجَتْ حَامِلًا فَكَانَ الْوَلَدُ إِلَى أُمِّهِ وَمِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكَانَ الْوَلَدُ يُدْعَى إِلَى أُمِّهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ أَيْ صَيَّرَهُ لَهَا وَحْدَهَا وَنَفَاهُ عَنِ الزَّوْجِ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا أُمُّهُ فَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا كَمَا وَقَعَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ حَدِيثِهِ فِي آخِرِهِ وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لِأُمِّهِ ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا وَقِيلَ مَعْنَى إِلْحَاقِهِ بِأُمِّهِ أَنَّهُ صَيَّرَهَا لَهُ أَبَا وَأُمَّا فَتَرِثُ جَمِيعَ مَالِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ من ولد وَنَحْوه وَهُوَ قَول بن مَسْعُودٍ وَوَاثِلَةَ وَطَائِفَةٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَرَوَى أَيْضا عَن بن الْقَاسِمِ وَعَنْهُ مَعْنَاهُ أَنَّ عَصَبَةَ أُمِّهِ تَصِيرُ عصبَة لَهُ وَهُوَ قَول عَليّ وبن عُمَرَ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَقِيلَ تَرِثُهُ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ مِنْهَا بِالْفَرْضِ وَالرَّدُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَرِثُهُ ذُو فَرْضٍ بِحَالٍ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ لَوْ كَانَ بِنْتًا حَلَّ لِلْمُلَاعِنِ نِكَاحُهَا وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْأَصَحُّ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا تَحْرُمُ لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ فِي الْجُمْلَة