فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب} الراجع المنيب "

( .

     قَوْلُهُ  قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ)

فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ بَابُ قَوْلِ الله قَوْله نعم العَبْد إِنَّه أواب الرَّاجِعُ الْمُنِيبُ هُوَ تَفْسِيرُ الْأَوَّابِ وَقَدْ أَخْرَجَ بن جُرَيْجٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ الْأَوَّابُ الرَّجَّاعُ عَنِ الذُّنُوبِ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ الْمُطِيعُ وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ هُوَ الْمُسَبِّحُ .

     قَوْلُهُ  مِنْ مَحَارِيبَ قَالَ مُجَاهِدٌ بُنْيَانٌ مَا دُونَ الْقُصُورِ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ كَذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ الْمَحَارِيبُ جَمْعُ مِحْرَابٍ وَهُوَ مُقَدَّمُ كُلِّ بَيْتٍ وَهُوَ أَيْضًا الْمَسْجِدُ وَالْمُصَلَّى قَوْله وجفان كالجواب كالحياض لِلْإِبِلِ.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ كَالْجَوْبَةِ مِنَ الْأَرْضِ أَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ فَوَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ بن عَبَّاس فوصله بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ الْجَوَابِي جَمْعُ جَابِيَةٍ وَهُوَ الْحَوْضُ الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ .

     قَوْلُهُ  دَابَّةُ الْأَرْضِ الْأَرَضَةُ .

     قَوْلُهُ  مِنْسَأَتَهُ عَصَاهُ هُوَ قَول بن عَبَّاس وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْمِنْسَأَةُ الْعَصَا ثُمَّ ذَكَرَ تَصْرِيفَهَا وَهِيَ مِفْعَلَةٌ مِنْ نَسَأْتُ إِذا زَجَرْتُ الْإِبِلَ أَيْ ضَرَبْتُهَا بِالْمِنْسَأَةِ .

     قَوْلُهُ  فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ والأعناق يمسح أعراف الْخَيل وعراقيبها هُوَ قَول بن عَبَّاس أخرجه بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ حُبًّا لَهَا وَرَوَى مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ قَالَ كَشَفَ عَرَاقِيبَهَا وَضَرَبَ أَعْنَاقَهَا.

     وَقَالَ  لَا تَشْغَلُنِي عَنْ عِبَادَةِ رَبِّي مَرَّةً أُخْرَى قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  مسح علاوته إِذا ضرب عُنُقه قَالَ بن جرير وَقَول بن عَبَّاسٍ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ .

     قَوْلُهُ  الْأَصْفَادُ الْوَثَاقُ روى بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ أَيْ يَجْمَعُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْعُنُقِ بِالْأَغْلَالِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ الْأَصْفَادُ الْأَغْلَالُ وَاحِدُهَا صَفَدٌ وَيُقَالُ لِلْغِطَاءِ أَيْضًا صَفَدٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ مُجَاهِدٌ الصَّافِنَاتُ صَفَنَ الْفَرَسُ رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ صَفَنَ الْفَرَسُ إِلَخْ لَكِنْ قَالَ يَدَيْهِ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الْبُخَارِيِّ رِجْلَيْهِ وَصَوَّبَ عِيَاضٌ مَا عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ الصَّافِنُ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَثْنِي مُقَدَّمَ حَافِرِ إِحْدَى رِجْلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  الْجِيَادُ السِّرَاعُ وَصَلَهُ الْفرْيَابِيّ من طَرِيق مُجَاهِد أَيْضا روى بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا ذَوَاتَ أَجْنِحَةٍ .

     قَوْلُهُ  جَسَدًا شَيْطَانًا قَالَ الْفرْيَابِيّ حَدثنَا وَرْقَاء عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَأَلْقَيْنَا على كرسيه جسدا قَالَ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ آصِفُ قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ كَيْفَ تَفْتِنُ النَّاسَ قَالَ أَرِنِي خَاتَمَكَ أُخْبِرْكَ فَأَعْطَاهُ فَنَبَذَهُ آصِفُ فِي الْبَحْرِ فَسَاخَ فَذَهَبَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ وَقَعَدَ آصِفُ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَمَنَعَهُ اللَّهُ نِسَاءَ سُلَيْمَانَ فَلَمْ يَقْرَبْهُنَّ فَأَنْكَرَتْهُ أُمُّ سُلَيْمَانَ وَكَانَ سُلَيْمَانُ يَسْتَطْعِمُ وَيُعَرِّفُهُمْ بِنَفْسِهِ فَيُكَذِّبُونَهُ حَتَّى أَعْطَتْهُ امْرَأَةٌ حُوتًا فَطَيَّبَ بَطْنَهُ فَوَجَدَ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِهِ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ ملكه وفر آصف فَدخل الْبَحْر وروى بن جَرِيرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ اسْمَهُ آصِرُ آخِرُهُ رَاءٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ اسْمَ الْجِنِّيِّ صَخْرٌ وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ كَذَلِكَ وَأَخْرَجَ الْقِصَّةَ مِنْ طَرِيقِهِ مُطَوَّلَةً وَالْمَشْهُورُ أَنَّ آصِفَ اسْمُ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  رُخَاءً طَيِّبَةً فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ طَيِّبًا رَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ رُخَاءً قَالَ طَيِّبَةً .

     قَوْلُهُ  حَيْثُ أَصَابَ حَيْثُ شَاءَ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ كَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَامْنُنْ أَعْطِ بِغَيْرِ حِسَابٍ بِغَيْرِ حَرَجٍ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ كَذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ بِغَيْرِ حِسَابٍ أَيْ بِغَيْرِ ثَوَابٍ وَلَا جَزَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ مِنَّةٍ وَلَا قِلَّةٍ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ أَوَّلُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَفَلُّتِ الْعِفْرِيتِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



[ قــ :3267 ... غــ :3423] .

     قَوْلُهُ  تَفَلَّتَ عَلَيَّ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ تَعَرَّضَ لِي فَلْتَةً أَيْ بَغَتَةً .

     قَوْلُهُ  الْبَارِحَةَ أَيِ اللَّيْلَةَ الْخَالِيَةَ الزَّائِلَةَ وَالْبَارِحُ الزَّائِلُ وَيُقَالُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إِلَى آخَرِ النَّهَارِ الْبَارِحَةُ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ أَيْ قَوْلَهُ وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بعدِي وَفِي هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ تَرَكَهُ رِعَايَةً لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ خُصُوصِيَّةُ سُلَيْمَانَ اسْتِخْدَامَ الْجِنِّ فِي جَمِيعِ مَا يُرِيدُهُ لَا فِي هَذَا الْقَدْرِ فَقَطْ وَاسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ سُلَيْمَانَ كَانُوا يَرَوْنَ الْجِنَّ فِي أَشْكَالِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ حَالَ تَصَرُّفِهِمْ قَالَ.
وَأَمَّا قَوْلَهُ تَعَالَى إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا ترونهم فَالْمُرَادُ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ أَحْوَالِ بَنِي آدَمَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ نَفْيَ رُؤْيَةِ الْإِنْسِ لِلْجِنِّ عَلَى هَيْئَتِهِمْ لَيْسَ بِقَاطِعٍ مِنَ الْآيَةِ بَلْ ظَاهِرُهَا أَنَّهُ مُمْكِنٌ فَإِنَّ نَفْيَ رُؤْيَتِنَا إِيَّاهُمْ مُقَيَّدٌ بِحَالِ رُؤْيَتِهِمْ لَنَا وَلَا يَنْفِي إِمْكَانَ رُؤْيَتِنَا لَهُمْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ وَيُحْتَمَلُ الْعُمُومُ وَهَذَا الَّذِي فَهِمَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  عِفْرِيتٌ مُتَمَرِّدٌ مِنْ إِنْسٍ أَوْ جَانٍّ مِثْلُ زِبْنِيَةٍ جَمَاعَتُهُ زَبَانِيَةٌ الزَّبَانِيَةُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ أَصْحَابِ الشُّرْطَةِ مُشْتَقٌّ مِنَ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ وَأُطْلِقَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ الْكُفَّارَ فِي النَّار وَوَاحِدُ الزَّبَانِيَةِ زِبْنِيَةٌ وَقِيلَ زَبْنِيٌّ وَقِيلَ زَابِنٌ وَقِيلَ زَبَانِيٌّ.

     وَقَالَ  قَوْمٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَقِيلَ وَاحِدُهُ زِبْنِيتٌ وَزْنُ عِفْرِيتٍ وَيُقَالُ عِفْرِيَةٌ لُغَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عِفْرِيتٍ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ مِثْلُ زِبْنِيَةٍ أَيْ أَنَّهُ قِيلَ فِي عِفْرِيتٍ عِفْرِيَةٌ وَهِيَ قِرَاءَةٌ رُوِيَتْ فِي الشَّوَاذِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ وَأَبِي السِّمَالِ بِالْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ.

     وَقَالَ  ذُو الرُّمَّةِ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ فِي إِثْرِ عِفْرِيَةٍ مُصَوِّبٌ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ مُنْتَصِبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْ بَيَانِ أَحْوَالِ الْجِنِّ فِي بَابِ صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ مِنْ بَدْءِ الْخلق قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْجِنُّ عَلَى مَرَاتِبٌ فَالْأَصْلُ جِنِّيٌّ فَإِنْ خَالَطَ الْإِنْسَ قِيلَ عَامِرٌ وَمَنْ تَعَرَّضَ مِنْهُمْ لِلصِّبْيَانِ قِيلَ أَرْوَاحٌ وَمَنْ زَادَ فِي الْخُبْثِ قِيلَ شَيْطَانٌ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ مَارِدٌ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ عِفْرِيتٌ.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ الْعِفْرِيتُ مِنَ الْجِنِّ هُوَ الْعَارِمُ الْخَبِيثُ وَإِذَا بُولِغَ فِيهِ قِيلَ عِفْرِيتٌ نفريت.

     وَقَالَ  بن قُتَيْبَةَ الْعِفْرِيتُ الْمُوثَقُ الْخَلْقِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْعَفَرِ وَهُوَ التُّرَابُ وَرَجُلٌ عِفِرٌّ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَتَثْقِيلِ ثَالِثِهِ إِذَا بُولِغَ فِيهِ قيلَ عِفْرِيتٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَتَثْقِيلِ ثَالِثِهِ إِذَا بُولِغَ فِيهِ أَيْضًا





[ قــ :368 ... غــ :344] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْحِزَامِيُّ وَلَيْسَ بِالْمَخْزُومِيِّ وَاسْمُ جَدِّ الْحِزَامِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ حِزَامٍ وَاسْمُ جَدِّ الْمَخْزُومِيِّ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ لَأَطَّوَّفَنَّ اللَّيْلَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي لَأُطِيفَنَّ وَهُمَا لُغَتَانِ طَافَ بِالشَّيْءِ وَأَطَافَ بِهِ إِذَا دَارَ حَوْلَهُ وَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ وَهُوَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ وَاللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ وَهُوَ مَحْذُوفٌ أَيْ وَاللَّهِ لَأَطَّوَّفَنَّ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ قَسَمٍ وَالْقَسَمُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُقْسَمٍ بِهِ .

     قَوْلُهُ  عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً كَذَا هُنَا مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ فَقَالَ تِسْعِينَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ وَرَجَّحَ تِسْعِينَ بِتَقْدِيم الْمُثَنَّاة على سبعين وَذكر أَن بن أَبِي الزِّنَادِ رَوَاهُ كَذَلِكَ.

قُلْتُ وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فَقَالَ سَبْعِينَ وَسَيَأْتِي فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَكِن رَوَاهُ مُسلم عَن بن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ سَبْعِينَ بِتَقْدِيمِ السِّينِ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالنَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ مِائَةِ امْرَأَةٍ وَكَذَا قَالَ طَاوُسٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ عَنْ طَاوُسٍ تِسْعِينَ وَسَيَأْتِي فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَقَالَ سَبْعِينَ وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد من رِوَايَة أَيُّوب عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ لِسُلَيْمَانَ سِتُّونَ امْرَأَةً وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَام عَن بن سِيرِينَ فَقَالَ مِائَةُ امْرَأَةٍ وَكَذَا قَالَ عِمْرَانُ بن خَالِد عَن بن سِيرِين عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ فَقَالَ مِائَةُ امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ عَلَى الشَّكِّ فَمُحَصَّلُ الرِّوَايَاتِ سِتُّونَ وَسَبْعُونَ وَتِسْعُونَ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَمِائَةٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا أَنَّ السِّتِّينَ كُنَّ حَرَائِرَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ سِرَارِيَ أَوْ بِالْعَكْسِ.
وَأَمَّا السَّبْعُونَ فَلِلْمُبَالَغَةِ.
وَأَمَّا التِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ فَكُنَّ دُونَ الْمِائَةِ وَفَوْقَ التِّسْعِينَ فَمَنْ قَالَ تِسْعُونَ أَلْغَى الْكَسْرَ وَمَنْ قَالَ مِائَةً جَبَرَهُ وَمَنْ ثَمَّ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ لَيْسَ فِي ذِكْرِ الْقَلِيلِ نَفْيُ الْكَثِيرِ وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلَيْسَ بِكَافٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَذَلِكَ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ حَكَى وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فِي الْمُبْتَدَإِ أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ أَلْفُ امْرَأَةٍ ثَلَاثُمِائَةٍ مَهِيرَةٌ وَسَبْعُمِائَةِ سَرِيَّةٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ أَلْفُ بَيْتٍ من قَوَارِير على الْخشب فِيهَا ثَلَاثمِائَة صَرِيحَة وَسَبْعُمِائَةِ سَرِيَّةٍ .

     قَوْلُهُ  تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هَذَا قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمَنِّي لِلْخَيْرِ وَإِنَّمَا جَزَمَ بِهِ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ الرَّجَاءُ لِكَوْنِهِ قَصَدَ بِهِ الْخَيْرَ وَأَمْرَ الْآخِرَةِ لَا لِغَرَضِ الدُّنْيَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى آفَةِ التَّمَنِّي وَالْإِعْرَاضِ عَنِ التَّفْوِيضِ قَالَ وَلِذَلِكَ نَسِيَ الِاسْتِثْنَاءَ لِيَمْضِيَ فِيهِ الْقَدْرُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ طَاوُسٍ الْآتِيَةِ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي الْمَلَكَ وَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِأَنَّ تَفْسِيرَ صَاحِبِهِ بِالْمَلَكِ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ لَكِنْ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَوِ الْمَلَكُ بِالشَّكِّ وَمِثْلُهَا لِمُسْلِمٍ وَفِي الْجُمْلَةِ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ فَسَّرَ صَاحِبَهُ بِأَنَّهُ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ وَهُوَ آصِفُ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُهْملَة بعْدهَا فَاء بن بَرْخِيَا بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَوِ الْمَلَكُ إِنْ كَانَ صَاحِبُهُ فَيَعْنِي بِهِ وَزِيرَهُ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَإِنْ كَانَ الْمَلَكُ فَهُوَ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ بِالْوَحْيِ.

     وَقَالَ  وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِهِ خَاطِرُهُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ قِيلَ الْمُرَادُ بِصَاحِبِهِ الْمَلَكُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِهِ وَقِيلَ الْقَرِينُ وَقِيلَ صَاحِبٌ لَهُ آدَمِيٌّ.

قُلْتُ لَيْسَ بَيْنَ قَوْلِهِ صَاحِبُهُ وَالْمَلَكُ مُنَافَاةٌ إِلَّا أَنَّ لَفْظَةَ صَاحِبُهُ أَعَمُّ فَمِنْ ثَمَّ نَشَأَ لَهُمْ الِاحْتِمَالُ وَلَكِنَّ الشَّكَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْجَزْمِ فَمَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ الْمَلَكُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْزِمْ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَقُلْ قَالَ عِيَاضٌ بُيِّنَ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى بِقَوْلِهِ فَنَسِيَ.

قُلْتُ هِيَ رِوَايَةُ بن عُيَيْنَةَ عَنْ شَيْخِهِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ قَالَ وَنَسِيَ أَنْ يَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَلَمْ يَقُلْ أَيْ بِلِسَانِهِ لَا أَنَّهُ أَبَى أَنْ يُفَوِّضَ إِلَى اللَّهِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا فِي قَلْبِهِ لَكِنَّهُ اكْتَفَى بِذَلِكَ أَوَّلًا وَنَسِيَ أَنْ يُجْرِيَهُ عَلَى لِسَانِهِ لَمَّا قِيلَ لَهُ لِشَيْءٍ عَرَضَ لَهُ .

     قَوْلُهُ  فَطَافَ بِهن فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فَأَطَافَ بِهِنَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا وَاحِدًا سَاقِطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنِ بن سِيرِينَ وَلَدَتْ شِقَّ غُلَامٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْهُ نِصْفَ إِنْسَانٍ وَهِيَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ حَكَى النَّقَّاشُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ الشِّقَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْجَسَدُ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أنَّ الْمُرَادَ بِالْجَسَدِ الْمَذْكُورِ شَيْطَانٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالنَّقَّاشُ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ .

     قَوْلُهُ  لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ وَفِي رِوَايَة بن سِيرِينَ لَوِ اسْتَثْنَى لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَوَلَدَتْ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ طَاوُسٍ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ كَذَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ وَقَولُهُ دَرَكًا بِفَتْحَتَيْنِ مِنَ الْإِدْرَاكِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تخَاف دركا أَيْ لَحَاقًا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ مَا طَلَبَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي حَقِّ سُلَيْمَانَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنِ اسْتَثْنَى فِي أُمْنِيَّتِهِ بَلْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ رُجُوُّ الْوُقُوعِ وَفِي تَرْكِ الِاسْتِثْنَاءِ خَشْيَةُ عَدَمِ الْوُقُوعِ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ مُوسَى لِلْخَضِرِ ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا مَعَ قَوْلِ الْخَضِرِ لَهُ آخِرًا ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ فِعْلِ الْخَيْرِ وَتَعَاطِي أَسْبَابِهِ وَأَن كثيرا مِنَ الْمُبَاحِ وَالْمَلَاذِّ يَصِيرُ مُسْتَحَبًّا بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَنْ قَالَ سَأَفْعَلُ كَذَا وَأَنَّ إِتْبَاعَ الْمَشِيئَةِ الْيَمِينَ يَرْفَعُ حُكْمَهَا وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مَعَ بَسْطٍ فِيهِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ إِذَا عَقَبَ الْيَمِينَ وَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ يَسِيرٌ لَا يَضُرُّ فَإِنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى أَنَّ سُلَيْمَانَ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَقِبَ قَوْلِ الْمَلَكِ لَهُ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لأفاد مَعَ التَّخَلُّلِ بَيْنَ كَلَامَيْهِ بِمِقْدَارِ كَلَامِ الْمَلَكِ وَأَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكُ قَالَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِ سُلَيْمَانَ وَهُوَ احْتِمَالٌ مُمْكِنٌ يَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللَّفْظِ وَلَا يَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ وَهُوَ اتِّفَاقٌ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَفِيهِ مَا خُصَّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِمَاعِ الدَّالِّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْبِنْيَةِ وَقُوَّةِ الْفُحُولِيَّةِ وَكَمَالِ الرُّجُولِيَّةِ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ وَالْعُلُومِ وَقَدْ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ أَبْلَغُ الْمُعْجِزَةِ لِأَنَّهُ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَعُلُومِهِ وَمُعَالَجَةِ الْخَلْقِ كَانَ مُتَقَلِّلًا مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ الْمُقْتَضِيَةِ لِضَعْفِ الْبَدَنِ عَلَى كَثْرَةِ الْجِمَاعِ وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَة بِغسْل وَاحِد وَهن إحد عَشْرَةَ امْرَأَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْغُسْلِ وَيُقَالُ إِنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ فَشَهْوَتُهُ أَشَدُّ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَتَّقِي يَتَفَرَّجُ بِالنَّظَرِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنِ الشَّيْءِ وَوُقُوعِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِنَاءً عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ فَإِنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَزَمَ بِمَا قَالَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ وَحْيٍ وَإِلَّا لَوَقَعَ كَذَا قِيلَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَا يُظَنُّ بِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَطَعَ بِذَلِكَ عَلَى رَبِّهِ إِلَّا مَنْ جَهِلَ حَالَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَدَبَهُمْ مَعَ الله تَعَالَى.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ لِسُلَيْمَانَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ مَائِهِ هَذَا الْعَدَدُ فِي لَيْلَةٍ لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بِوَحْيٍ لِأَنَّهُ مَا وَقَعَ وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لِلَّهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّمَنِّي عَلَى اللَّهِ وَالسُّؤَالِ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ وَالْقَسَمِ عَلَيْهِ كَقَوْلِ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ وَاللَّهِ لَا يُكْسَرُ سِنُّهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا أَجَابَ اللَّهُ دَعَوْتَهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ كَانَ هَذَا عِنْدَهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ فَجَزَمَ بِهِ وَأَقْرَبُ الِاحْتِمَالَاتِ مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ الِاسْتِثْنَاءِ فَنَسِيَ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لِفِقْدَانِ الشَّرْطِ وَمِنْ ثَمَّ سَاغَ لَهُ أَوَّلًا أَنْ يَحْلِفَ وَأَبْعَدَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْحَلِفِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَفِيهِ جَوَازُ السَّهْوِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي عُلُوِّ مَنْصِبِهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنِ الشَّيْءِ أَنَّهُ سَيَقَعُ وَمُسْتَنَدُ الْمُخْبِرِ الظَّنُّ مَعَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ الْقَوِيَّةِ لِذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ إِضْمَارِ الْمُقْسَمِ بِهِ فِي الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ لَأَطَّوَّفَنَّ مَعَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَحْنَثْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اسْمَ اللَّهِ فِيهِ مُقَدَّرٌ فَإِنْ قَالَ أَحَدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إِذا ورد تَقْدِيره عَلَى لِسَانِ الشَّارِعِ وَإِنْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِهِ كَأَنْ يُقَالَ لَعَلَّ التَّلَفُّظَ بِاسْمِ اللَّهِ وَقَعَ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي الْحِكَايَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ فَإِنَّ مَنْ قَالَ وَاللَّهِ لَأَطَّوَّفَنَّ يَصْدُقُ أَنَّهُ قَالَ لَأَطَّوَّفَنَّ فَإِنَّ اللَّافِظَ بِالْمُرَكَّبِ لَافِظٌ بِالْمُفْرَدِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ لَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِمُقْسَمٍ بِهِ مُعَيَّنٍ فَمَنْ قَالَ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهُوَ يَمِينٌ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِالنِّيَّةِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ لَوْ وَلَوْلَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ عَقَدَهُ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْكِنَايَةِ فِي اللَّفْظِ الَّذِي يُسْتَقْبَحُ ذِكْرُهُ لِقَوْلِهِ لَأَطَّوَّفَنَّ بَدَلَ قَوْلِهِ لَأُجَامِعَنَّ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :369 ... غــ :345] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ شَرِيكٍ .

     قَوْلُهُ  أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَولُهُ أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ أَيْ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ النَّدْبَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَكَانَ الْأَفْضَلَ لِلْعِبَادَةِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَا يُتْرَكُ الْمَأْمُورُ بِهِ لِفَوَاتِهِ بَلْ يُفْعَلُ الْمَأْمُورُ فِي الْمَفْضُولِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ فَهِمَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِنْ تَخْصِيصِهِ السُّؤَالَ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَنَّهُ يُرِيدُ تَخْصِيصَ صَلَاتِهِ فِيهِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ إِيقَاعَ الصَّلَاةِ إِذَا حَضَرَتْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَكَانِ الْأَفْضَلِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْأُمَمَ قَبْلَهُمْ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ عَلَى السُّؤَالِ فِي الْجَوَابِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ لِلسَّائِلِ فِي ذَلِكَ مَزِيدُ فَائِدَةٍ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ .

     قَوْلُهُ  فِي الْإِسْنَادِ





[ قــ :370 ... غــ :346] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْأَعْرَجُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَةِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ تَقَعُ فِي النَّارِ.

     وَقَالَ  كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا هَكَذَا أَوْرَدَهُ وَمُرَادُهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ لِكَوْنِهِ سَمِعَ نُسْخَةَ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْآخَرِ وَسَمِعَ الْإِسْنَادَ فِي السَّابِقِ دُونَ الَّذِي يَلِيهِ فَاحْتَاجَ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِأَجْلِ الْإِسْنَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ لِلْمُصَنِّفِ مِثْلُ هَذَا الصَّنِيعِ فَذَكَرَ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ بِعَيْنِهَا حَدِيثَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الْجُمُعَةِ حَدِيثَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ لَمْ يَضُمَّ مَعَهُ شَيْئًا وَذَكَرَ فِي الْجِهَادِ حَدِيثَ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ الْحَدِيثَ فَقَالَ قَبْلَهُ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ أَيْضًا وَذَكَرَ فِي الدِّيَاتِ حَدِيثَ لَوِ اطَّلَعَ عَلَيْكَ رَجُلٌ وَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَهُ أَيْضًا لَكِنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْفَرَائِضِ وَلَمْ يَضُمَّ مَعَهُ فِي أَوَّلِهِ شَيْئًا مِنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ هَذِهِ النُّسْخَةِ فَلَمْ يَطَّرِدْ لِلْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ عَمَلٌ وَكَأَنَّهُ حَيْثُ ضَمَّ إِلَيْهِ شَيْئًا أَرَادَ الِاحْتِيَاطَ وَحَيْثُ لَمْ يَضُمَّ نَبَّهَ عَلَى الْجَوَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ فِي نُسْخَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُنَبِّهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعِ الْإِسْنَادَ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَسُوقُ الْإِسْنَادَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يَقُولُ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وَصَنِيعُهُ فِي ذَلِكَ حَسَنٌ جِدًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ لَمْ أَرَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ تَامًّا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ هَذِهِ وَسَاقَ الْمَتْنَ بِتَمَامِهِ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ وَسُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ وَمِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الْمِزِّيُّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنْ كَانَ عَنَى هَذَا الْمَوْضِعَ فَلَيْسَ هُوَ فِيهِ بِتَمَامِهِ وَإِنْ كَانَ عَنَى مَوْضِعًا آخَرَ فَلَمْ أَرَهُ فِيهِ ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي بَابِ الِانْتِهَاءِ عَنِ الْمَعَاصِي مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَيَأْتِي شَرْحُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  مَثَلِي أَيْ فِي دُعَائِيَ النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ الْمُنْقِذِ لَهُمْ مِنَ النَّارِ وَمَثَلُ مَا تُزَيِّنُ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ مِنَ التَّمَادِي عَلَى الْبَاطِلِ كَمَثَلِ رَجُلٍ إِلَخْ وَالْمُرَادُ تَمْثِيلُ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ لَا تَمْثِيلَ فَرْدٍ بِفَرْدٍ .

     قَوْلُهُ  اسْتَوْقَدَ أَيْ أَوْقَدَ وَزِيَادَةُ السِّينِ وَالتَّاءِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ عَالَجَ إِيقَادَهَا وَسَعَى فِي تَحْصِيلِ آلَاتِهَا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا زَادَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ .

     قَوْلُهُ  فَجَعَلَ الْفَرَاشُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مَعْرُوفٌ وَيُطْلَقُ الْفَرَاشُ أَيْضًا عَلَى غَوْغَاءِ الْجَرَادِ الَّذِي يَكْثُرُ وَيَتَرَاكَمُ.

     وَقَالَ  فِي الْمُحْكَمِ الْفَرَاشُ دَوَابٌّ مِثْلُ الْبَعُوضِ وَاحِدَتُهَا فَرَاشَةٌ وَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ فِي الْمَحْشَرِ بِالْفِرَاشِ الْمَبْثُوثِ أَيْ فِي الْكَثْرَةِ وَالِانْتِشَارِ وَالْإِسْرَاعِ إِلَى الدَّاعِي .

     قَوْلُهُ  وَهَذِهِ الدَّوَابُّ تَقَعُ فِي النَّارِ.

قُلْتُ مِنْهَا الْبَرْغَشُ وَالْبَعُوضُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَجَعَلَ الْجَنَابِذُ وَالْفَرَاشُ وَالْجَنَابِذُ جَمْعُ جُنْبُذٍ وَهُوَ عَلَى الْقَلْبِ وَالْمَعْرُوفُ الْجَنَادِبُ جَمْعُ جُنْدُبٍ بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَالْجِيم مَضْمُومَة وَقَدْ تُكْسَرُ وَهُوَ عَلَى خِلْقَةِ الْجَرَادَةِ يَصِرُّ فِي اللَّيْلِ صَرَّا شَدِيدًا وَقِيلَ إِنَّ ذَكَرَ الْجَرَادِ يُسَمَّى أَيْضًا الْجُنْدُبَ .

     قَوْلُهُ  تَقَعُ فِي النَّارِ كَذَا فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي نُسْخَةِ شُعَيْبٍ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعْنَ فِي النَّارِ تَقَعْنَ فِيهَا قَالَ النَّوَوِيُّ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ الْمُخَالِفِينَ لَهُ بِالْفَرَاشِ وَتَسَاقُطَهُمْ فِي نَارِ الْآخِرَةِ بِتَسَاقُطِ الْفِرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ وَمَنْعِهِ إِيَّاهُمْ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا اتِّبَاعُ الْهَوَى وَضَعْفُ التَّمْيِيزِ وَحِرْصُ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هَذَا مَثَلٌ كَثِيرُ الْمَعَانِي وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْخَلْقَ لَا يَأْتُونَ مَا يَجُرُّهُمْ إِلَى النَّارِ عَلَى قَصْدِ الْهَلَكَةِ وَإِنَّمَا يَأْتُونَهُ عَلَى قَصْدِ الْمَنْفَعَةِ وَاتِّبَاعِ الشَّهْوَةِ كَمَا أَنَّ الْفَرَاشَ يَقْتَحِمُ النَّارَ لَا لِيَهْلِكَ فِيهَا بَلْ لِمَا يُعْجِبُهُ مِنَ الضِّيَاءِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا لَا تُبْصِرُ بِحَالٍ وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنَّمَا قِيلَ إِنَّهَا تَكُونُ فِي ظُلْمَةٍ فَإِذَا رَأَتِ الضِّيَاءَ اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا كُوَّةٌ يَظْهَرُ مِنْهَا النُّورُ فَتَقْصِدُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَتَحْتَرِقُ وَهِيَ لَا تَشْعُرُ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ لِضَعْفِ بَصَرِهَا فَتَظُنُّ أَنَّهَا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَأَنَّ السِّرَاجَ مَثَلًا كُوَّةٌ فَتَرْمِي بِنَفْسِهَا إِلَيْهِ وَهِيَ مِنْ شِدَّةِ طَيَرَانِهَا تُجَاوِزُهُ فَتَقَعُ فِي الظُّلْمَةِ فَتَرْجِعُ إِلَى أَنْ تَحْتَرِقَ وَقِيلَ إِنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِشِدَّةِ النُّورِ فَتَقْصِدُ إِطْفَاءَهُ فَلِشِدَّةِ جَهْلِهَا تُوَرِّطُ نَفْسَهَا فِيمَا لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَيْهِ ذَكَرَ مُغَلْطَايْ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ مَشَايِخِ الطِّبِّ يَقُولُهُ.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ التَّمْثِيلُ وَقَعَ عَلَى صُورَةِ الْإِكْبَابِ عَلَى الشَّهَوَاتِ مِنَ الْإِنْسَانِ بِإِكْبَابِ الْفَرَاشِ عَلَى التَّهَافُتِ فِي النَّارِ وَلَكِنَّ جَهْلَ الْآدَمِيِّ أَشَدُّ مِنْ جَهْلِ الْفَرَاشِ لِأَنَّهَا بِاغْتِرَارِهَا بِظَوَاهِرِ الضَّوْءِ إِذَا احْتَرَقَتِ انْتَهَى عَذَابُهَا فِي الْحَالِ وَالْآدَمِيُّ يَبْقَى فِي النَّارِ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ أَبْدًا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

     قَوْلُهُ  وقَال كَانَتِ امْرَأَتَانِ لَيْسَ فِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ تَصْرِيحٌ بِرَفْعِهِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ أَوْرَدَهُ هُنَاكَ وَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ شُعَيْبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ مِمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ.

قُلْتُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ وَلَا عَلَى اسْمِ وَاحِدٍ مِنَ ابْنَيْهِمَا فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ .

     قَوْلُهُ  فَتَحَاكَمَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَتَحَاكَمَتَا وَفِي نُسْخَةِ شُعَيْبٍ فَاخْتَصَمَا .

     قَوْلُهُ  فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى إِلَخْ قِيلَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْفُتْيَا مِنْهُمَا لَا الْحُكْمِ وَلِذَلِكَ سَاغَ لِسُلَيْمَانَ أَنْ يَنْقُضَهُ.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَضَى بِأَنَّهُمَا تَحَاكَمَا وَبِأَنَّ فُتْيَا النَّبِيِّ وَحُكْمَهُ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ تَنْفِيذِ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاوَرَةِ فَوَضَحَ لداود صِحَة رَأْي سُلَيْمَان فأمضاه.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ اسْتَوَيَا عِنْدَ دَاوُدَ فِي الْيَدِ فَقَدَّمَ الْكُبْرَى لِلسِّنِّ.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَحَكَى أَنَّهُ قِيلَ كَانَ مِنْ شَرْعِ دَاوُدَ أَنْ يَحْكُمَ لِلْكُبْرَى قَالَ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَلَا أَثَرَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّرْجِيحِ قَالَ وَهَذَا مِمَّا يَكَادُ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ قَالَ وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى لِسَبَبٍ اقْتَضَى بِهِ عِنْدَهُ تَرْجِيحَ قَوْلِهَا إِذْ لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَكَوْنُهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْحَدِيثِ اخْتِصَارًا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ وُقُوعِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْوَلَدَ الْبَاقِيَ كَانَ فِي يَدِ الْكُبْرَى وَعَجَزَتِ الْأُخْرَى عَنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَأْبَاهُ وَلَا يَمْنَعُهُ فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ سَاغَ لِسُلَيْمَانَ نَقْضُ حُكْمِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَدْ إِلَى نَقْضِ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا احْتَالَ بِحِيلَةٍ لَطِيفَةٍ أَظْهَرَتْ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمَّا أَخْبَرَتَا سُلَيْمَانَ بِالْقِصَّةِ فَدَعَا بِالسِّكِّينِ لِيَشُقَّهُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا أَرَادَ اسْتِكْشَافَ الْأَمْرِ فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ لِذَلِكَ لِجَزَعِ الصُّغْرَى الدَّالِّ عَلَى عَظِيمِ الشَّفَقَةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى إِقْرَارِهَا بِقَوْلِهَا هُوَ بن الْكُبْرَى لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا آثَرَتْ حَيَاتَهُ فَظَهَرَ لَهُ مِنْ قَرِينَةِ شَفَقَةِ الصُّغْرَى وَعَدَمِهَا فِي الْكُبْرَى مَعَ مَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهَا مَا هَجَمَ بِهِ عَلَى الْحُكْمِ لِلصُّغْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّنْ يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ أَوْ تَكُونَ الْكُبْرَى فِي تِلْكَ الْحَالَةِ اعْتَرَفَتْ بِالْحَقِّ لَمَّا رَأَتْ مِنْ سُلَيْمَانَ الْجِدَّ وَالْعَزْمَ فِي ذَلِكَ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ عَلَى مُدَّعٍ مُنْكِرٍ بِيَمِينٍ فَلَمَّا مَضَى لِيُحَلِّفَهُ حَضَرَ مَنِ اسْتَخْرَجَ مِنَ الْمُنْكِرِ مَا اقْتَضَى إِقْرَارَهُ بِمَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى جَحْدِهِ فَإِنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْيَمِينِ أَوْ بَعْدَهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ نَقْضِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ مِنْ بَاب تبدل الْأَحْكَام بتبدل الْأَسْبَاب.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ اسْتَنْبَطَ سُلَيْمَانُ لَمَّا رَأَى الْأَمْرَ مُحْتَمَلًا فَأَجَادَ وَكِلَاهُمَا حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَاوُدُ حَكَمَ بِالنَّصِّ لَمَا سَاغَ لِسُلَيْمَانَ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ وَدَلَّتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ عَلَى أَنَّ الْفِطْنَةَ وَالْفَهْمَ مَوْهِبَةٌ مِنَ اللَّهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِكِبَرِ سِنٍّ وَلَا صِغَرِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَسُوغُ لَهُمُ الْحُكْمُ بِالِاجْتِهَادِ وَإِنْ كَانَ وُجُودُ النَّصِّ مُمْكِنًا لَدَيْهِمْ بِالْوَحْيِ لَكِنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي أُجُورِهِمْ وَلِعِصْمَتِهِمْ مِنَ الْخَطَإِ فِي ذَلِكَ إِذْ لَا يُقِرُّونَ لِعِصْمَتِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ إِنَّ سُلَيْمَانَ فَعَلَ ذَلِكَ تَحَيُّلًا عَلَى إِظْهَارِ الْحَقِّ فَكَانَ كَمَا لَوِ اعْتَرَفَ الْمَحْكُومُ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الْحَقَّ لِخَصْمِهِ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْحِيَلِ فِي الْأَحْكَامِ لِاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلَّا بِمَزِيدِ الْفِطْنَةِ وَمُمَارَسَةِ الْأَحْوَالِ .

     قَوْلُهُ  لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ لَا يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَنْبَغِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَقِفَ قَلِيلًا بَعْدَ لَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلسَّامِعِ أَنَّ الَّذِي بَعْدَهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لِأَنَّهُ إِذَا وَصَلَهُ بِمَا بَعْدَهُ يَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاء لَهُ وَيَزُول الْإِبْهَام فِي مِثْلِ هَذَا بِزِيَادَةِ وَاوٍ كَأَنْ يَقُولَ لَا وَيَرْحَمُكَ اللَّهُ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ إِن الْأُم تستلحق وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَدْ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَعْنِي بِالْإِسْنَادِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ تَعْلِيقًا وَقَدْ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَالْمُدْيَةُ مُثَلَّثَةٌ الْمِيمُ قِيلَ لِلسِّكِّينِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ مَدَى حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَالسِّكِّينُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا تسكن حَرَكَة الْحَيَوَان