فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الدواء بالعسل

( قَولُهُ بَابُ الدَّوَاءِ بِالْعَسَلِ)
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ شِفَاء للنَّاس كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذِكْرِ الْآيَةِ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِيهَا لِلْعَسَلِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَزَعَمَ بَعْضُ أهل التَّفْسِير أَنه لِلْقُرْآنِ وَذكر بن بَطَّالٍ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِيهِ شِفَاء للنَّاس أَيْ لِبَعْضِهِمْ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ تَنَاوُلَ الْعَسَلِ قَدْ يَضُرُّ بِبَعْضِ النَّاسِ كَمَنْ يَكُونُ حَارَّ الْمِزَاجِ لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ مَا يمْنَع أَنه قد يضر بِبَعْض الْأَبْدَانَ بِطَرِيقِ الْعَرْضِ وَالْعَسَلُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَأَسْمَاؤُهُ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ وَفِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ مَا لَخَّصَهُ الْمُوَفَّقُ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا يَجْلُو الْأَوْسَاخَ الَّتِي فِي الْعُرُوقِ وَالْأَمْعَاءِ وَيَدْفَعُ الْفَضَلَاتِ وَيَغْسِلُ خَمْلَ الْمَعِدَةِ وَيُسَخِّنُهَا تَسْخِينًا مُعْتَدِلًا وَيَفْتَحُ أَفْوَاهَ الْعُرُوقِ وَيَشُدُّ الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَالْكُلَى وَالْمَثَانَةَ وَالْمَنَافِذَ وَفِيهِ تَحْلِيلٌ لِلرُّطُوبَاتِ أَكْلًا وَطِلَاءً وَتَغْذِيَةً وَفِيهِ حِفْظُ الْمَعْجُونَاتِ وَإِذْهَابٌ لِكَيْفِيَّةِ الْأَدْوِيَةِ الْمُسْتَكْرَهَةِ وَتَنْقِيَةُ الْكَبِدِ وَالصَّدْرِ وَإِدْرَارُ الْبَوْلِ وَالطَّمْثِ وَنَفْعٌ لِلسُّعَالِ الْكَائِنِ مِنَ الْبَلْغَمِ وَنَفْعٌ لِأَصْحَابِ الْبَلْغَمِ وَالْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَإِذَا أُضِيفَ إِلَيْهِ الْخَلُّ نَفَعَ أَصْحَابَ الصَّفْرَاءِ ثُمَّ هُوَ غِذَاءٌ مِنَ الْأَغْذِيَةِ وَدَوَاءٌ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَشَرَابٌ مِنَ الْأَشْرِبَةِ وَحَلْوَى مِنَ الْحَلَاوَاتِ وَطِلَاءٌ مِنَ الْأَطْلِيَةِ وَمُفْرِحٌ مِنَ الْمُفْرِحَاتِ وَمِنْ مَنَافِعِهِ أَنَّهُ إِذَا شُرِبَ حَارًّا بِدُهْنِ الْوَرْدِ نَفَعَ مِنْ نَهْشِ الْحَيَوَانِ وَإِذَا شُرِبَ وَحده بِمَاء نفع من عضة الْكَلْب الْكَلْب وَإِذَا جُعِلَ فِيهِ اللَّحْمُ الطَّرِيُّ حَفِظَ طَرَاوَتَهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَكَذَلِكَ الْخِيَارُ وَالْقَرْعُ وَالْبَاذِنْجَانُ وَاللَّيْمُونُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَإِذَا لُطِّخَ بِهِ الْبَدَنُ لِلْقَمْلِ قَتَلَ الْقَمْلَ وَالصِّئْبَانَ وَطَوَّلَ الشَّعْرَ وَحَسَّنَهُ وَنَعَّمَهُ وَإِنِ اكْتُحِلَ بِهِ جَلَا ظُلْمَةَ الْبَصَرِ وَإِنِ اسْتُنَّ بِهِ صَقَلُ الْأَسْنَانِ وَحَفِظَ صِحَّتَهَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ جُثَثِ الْمَوْتَى فَلَا يَسْرُعُ إِلَيْهَا الْبِلَى وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ قَلِيلُ الْمَضَرَّةِ وَلَمْ يَكُنْ يُعَوِّلُ قُدَمَاءُ الْأَطِبَّاءِ فِي الْأَدْوِيَةِ الْمُرَكَّبَةِ إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا ذِكْرَ لِلسُّكَّرِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِمْ أَصْلًا وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ النَّبَوِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ وبن مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ مَنْ لَعِقَ الْعَسَلَ ثَلَاثَ غَدَوَاتٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ لَمْ يُصِبْهُ عَظِيمُ بَلَاءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْإِعْجَابُ أَعَمُّ مِنْ إِنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَاءِ أَوِ الْغِذَاءِ فَتُؤْخَذُ الْمُنَاسَبَةُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَاقِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَة الحَدِيث الثَّانِي



[ قــ :5383 ... غــ :5683] قَوْله عبد الرَّحْمَن بن الْغَسِيلِ اسْمُ الْغَسِيلِ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْأَوْسِيُّ الْأَنْصَارِيُّ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَهُوَ جُنُبٌ فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَقِيلَ لَهُ الْغَسِيلُ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ جَدُّ جَدِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَهُوَ بن سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَعْدُودٌ فِي صِغَارِ التَّابِعِينَ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَسًا وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَجُلُّ رِوَايَتِهِ عَنِ التَّابِعِينَ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَر وَاخْتلف فِيهِ قَول النَّسَائِيّ.

     وَقَالَ  بن حبَان كَانَ يخطىء كَثِيرًا اه وَكَانَ قَدْ عَمَّرَ فَجَازَ الْمِائَةَ فَلَعَلَّهُ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي الْآخَرِ وَقَدِ احتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ وَشَيْخُهُ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَة أَي بن النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ يُكَنَّى أَبَا عُمَرَ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ وَأَغْرَبَ عبد الْحق فَقَالَ فِي الْأَحْكَام وثقة بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُمَا وَرَدَّ ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ فَقَالَ لَا أَعْرِفُ أَحَدًا ضَعَّفَهُ وَلَا ذَكَرَهُ فِي الضُّعَفَاءِ اه وَهُوَ كَمَا قَالَ .

     قَوْلُهُ  إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمُ أَوْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ كَذَا وَقَعَ بِالشَّكِّ وَكَذَا لِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَن بن الْغَسِيلِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ شَكٍّ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَذُكِرَتْ فِيهِ فِي بَابِ الْحِجَامَةِ مِنَ الدَّاءِ قِصَّةٌ وَقَولُهُ أَو يكون قَالَ بن التِّينِ صَوَابُهُ أَوْ يَكُنْ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَجْزُومٍ فَيَكُونُ مَجْزُومًا.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِنْ كَانَ أَوِ إِنْ يَكُنْ فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ أَشْبَعَ الضَّمَّةَ فَظَنَّ السَّامِعُ أَنَّ فِيهَا وَاوًا فَأَثْبَتَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ أَوِ إِنْ كَانَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ فَيَكُونُ التَّرَدُّدُ لِإِثْبَاتِ لَفْظِ يَكُونُ وَعَدَمِهَا وَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَسُكُونِ النُّونِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْفُوظٍ .

     قَوْلُهُ  فَفِي شَرْطَةٍ مِحْجَمٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ .

     قَوْلُهُ  أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ اللَّذْعُ هُوَ الْخَفِيفُ مِنْ حَرْقِ النَّارِ.
وَأَمَّا اللَّدْغُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ ضَرَبَ أَوْ عَضَّ ذَاتَ السُّمِّ .

     قَوْلُهُ  تَوَافَقَ الدَّاءُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْكَيَّ إِنَّمَا يُشْرَعُ مِنْهُ مَا يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا إِلَى إِزَالَةِ ذَلِكَ الدَّاءِ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّجْرِبَةُ لِذَلِكَ وَلَا اسْتِعْمَالُهُ إِلَّا بَعْدَ التَّحَقُّقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُوَافَقَةِ مُوَافَقَةَ الْقَدَرِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ سَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ أَبْوَابٍ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي الَّذِي اشْتَكَى بَطْنَهُ فَأُمِرَ بِشُرْبِ الْعَسَلِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي بَابِ دَوَاءِ الْمَبْطُونِ وَشَيْخُهُ عَبَّاسٌ فِيهِ هُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ النَّرْسِيُّ بِنُونٍ ومهملة وَعبد الْأَعْلَى شَيْخه هُوَ بن عبد الْأَعْلَى وَسَعِيد هُوَ بن أبي عرُوبَة والإسناد كُله بصريون